في ‬اختتام ‬الندوة ‬الفكرية ‬الأولى ‬المسرح ‬التونسي ‬واللامركزية :‬ الفراغ ‬التشريعي ‬قد ‬يُعرقل ‬المسار ‬الإبداعي / نادية ‬برّوطة ‬العلياني

«‬المسرح ‬التونسي ‬واللامركزية»‬ ‬هو ‬عنوان ‬الندوة ‬الفكرية ‬التي ‬احتضنها ‬نزل ‬«‬الأفريكا»‬ ‬يوم ‬الأحد ‬9 ‬ديسمبر ‬في ‬إطار ‬فعاليات ‬الدورة ‬20 ‬لأيام ‬قرطاج ‬المسرحية ‬، ‬واختتمت ‬يوم ‬16 ‬ديسمبر ‬الجاري.‬

تمحورت ‬جل ‬المداخلات ‬التي ‬بحثت ‬في ‬معضلة ‬اللامركزية ‬في ‬علاقتها ‬بالمسرح ‬في ‬بلادنا ‬حول ‬ثنائية ‬الصراع ‬بين ‬الإبداع ‬الحر ‬وسلطة ‬الإشراف ‬المقننة ‬لهذا ‬الإبداع ‬الحر، ‬ولأننا ‬نذكر ‬الجهات ‬حين ‬يتعلق ‬الأمر ‬بمصطلح ‬اللامركزية ‬، ‬فقد ‬لاحظ ‬المتدخلون ‬أن ‬مشروع ‬اللامركزية ‬في ‬الجهات ‬يبقى ‬رهين ‬قرارات ‬وسياسات ‬ثقافية ‬مرتجلة ‬أو ‬فاقدة ‬للصرامة ‬في ‬اتخاذ ‬الملائم ‬لنشأة ‬مسرح ‬جهوي ‬مستقلّ ‬وفاعل ‬إداريا ‬وفنيا ‬، ‬ولا ‬يمكن ‬تحقيق ‬هذا ‬المقصد ‬لعدّة ‬عوامل ‬ومتلازمات ‬تشريعية ‬وتاريخية ‬عرقلت ‬وتعرقل ‬هذا ‬المقصد-‬الحلم.‬

في ‬البحث ‬في ‬مسألة ‬اللامركزية ‬في ‬المسرح ‬ذهبت ‬بعض ‬المواقف ‬إلى ‬اتهام ‬الدولة ‬التونسية ‬ممثلة ‬أساسا ‬في ‬سلطة ‬الإشراف ‬أو ‬وزارة ‬الثقافة ‬أو ‬الشؤون ‬الثقافية ‬على ‬ماهي ‬عليه ‬الآن، ‬باعتبارها ‬أطلقت ‬المشرع ‬سنة ‬1993 ‬بإحداث ‬مراكز ‬الفنون ‬الدرامية ‬والركحية ‬بالجهات ‬، ‬وكانت ‬أولى ‬التجارب ‬في ‬الكاف ‬وقفصة ‬، ‬ولكنّ ‬هذه ‬المراكز ‬ورغم ‬ما ‬قدّمته ‬من ‬تعبيرات ‬حرّة ‬لم ‬تتمتّع ‬إداريا ‬وقانونيا ‬باستقلاليتها ‬التامة ‬وبقيت ‬تابعة ‬لسلطة ‬الإشراف ‬في ‬المركز ‬تونس.‬

هذه ‬الخطوة ‬في ‬إنشاء ‬المراكز ‬سبقتها ‬خطوات ‬أبرز ‬وأهم ‬وهو ‬نشأة ‬الفرق ‬المسرحية ‬الجهوية ‬، ‬في ‬قفصة ‬والكاف ‬وصفاقس ‬منذ ‬منتصف ‬الستينات ‬من ‬القرن ‬الماضي ‬، ‬في ‬تلك ‬الفترة ‬حلّق ‬المسرح ‬بنصوص ‬عالمية ‬رائدة ‬ليعبّر ‬على ‬طريقته ‬عن ‬معنى ‬الانعتاق ‬وبناء ‬شكل ‬جديد ‬للتعاطي ‬المسرحي.‬

وفي ‬ملاحقة ‬لأبرز ‬ملامح ‬اللامركزية ‬المسرحية ‬في ‬الجهات ‬، ‬وصل ‬العديد ‬من ‬المتدخّلين  ‬إلى ‬غياب ‬التجارب ‬الناجعة ‬أو ‬الناجحة ‬على ‬المدى ‬البعيد ‬لمسرح ‬الجهات ‬أو ‬لما ‬عرف ‬بالفرق ‬الجهوية ‬للمسرح ‬، ‬التي ‬وإن ‬تألقت ‬في ‬مراحل ‬بعينها ‬من ‬نشأتها ‬ومقاومتها ‬للشكل ‬السائد ‬للتناول ‬الفني ‬فقد ‬فشلت ‬أو ‬أحبطت ‬في ‬زمن ‬لاحق ‬لأن ‬عين ‬الرقابة ‬لم ‬تمهلها ‬لتترعرع ‬وتكتسح ‬الفضاء ‬وتثبت ‬أنها ‬شكل ‬من ‬أشكال ‬المقاومة ‬التي ‬لا ‬تموت ‬أو ‬تدحض ‬أو ‬تفشل ‬أو ‬تتشتت.‬

لقد ‬كانت ‬الرقابة ‬السياسية ‬أو ‬سلطة ‬الإشراف ‬حسب ‬تقدير ‬البعض- ‬السيف ‬الذي ‬قطع ‬رأس ‬هذه ‬المبادرات.‬

ذهب ‬البعض ‬من ‬المتدخلين ‬إلى ‬أن ‬مركزية ‬الدولة ‬منعت ‬تطور ‬المسرح ‬في ‬الجهات ‬، ‬بل ‬أنها ‬كانت ‬بالمرصاد ‬لتذكّر ‬الحالمين ‬بمسرح ‬جهوي ‬مستقلّ ‬بأنهم ‬تابعون ‬لهذه ‬الدولة ‬، ‬وأنها ‬الوحيدة ‬التي ‬تقرّر ‬مصيرهم.‬

أمّن ‬مداخلات ‬الجلسة ‬الأولى ‬من ‬هذه ‬الندوة ‬التي ‬تناولت ‬موضوع ‬السياسة ‬المركزية ‬للمسرح ‬وعلاقتها ‬بالجهات ‬كل ‬من ‬الأساتذة ‬والدكاترة ‬عز ‬الدين ‬العباسي ‬ومحمد ‬عبازة ‬ورضا ‬بوقديدة ‬وكمال ‬العلاوي ‬برئاسة ‬الدكتور ‬محمد ‬المديوني.‬

ذهب ‬عز ‬الدين ‬العباسي ‬إلى ‬أن ‬المسار ‬التاريخي ‬لتطور ‬نشأة ‬المسرح ‬التونسي ‬كان ‬في ‬الحقيقة ‬مساران ‬اثنين : ‬مسار ‬فني ‬إبداعي ‬حالم ‬ومنطلق ‬حاول ‬رغم ‬محدودية ‬موارده ‬وإمكانياته ‬تغيير ‬الطرح ‬الكلاسيكي ‬شكلا ‬ومضمونا ‬، ‬ومسار ‬إداري ‬متسلّط ‬وديكتاتوري ‬في ‬بعض ‬جوانبه ‬، ‬لأنه ‬حجب ‬عن ‬هذا ‬المسرح ‬الجهوي ‬الأطر ‬القانونية ‬التشريعية ‬التي ‬تضمن ‬له ‬استقلاليته ‬الإدارية ‬والمالية ‬وبالتالي ‬فقد ‬أسهمت ‬في ‬تواصل ‬تبعيته ‬منذ ‬فترة ‬ما ‬بعد ‬الاستقلال ‬وإلى ‬حد ‬هذه ‬اللحظة ‬الراهنة.‬

تساءل ‬محمد ‬عبازة ‬وهو ‬يخوض ‬في ‬مسألة ‬المسرح ‬الجهوي ‬في ‬معضلة ‬اللامساواة ‬في ‬الحظوظ ‬بين ‬جهة ‬وأخرى ‬، ‬وكيف ‬كانت ‬هذه ‬اللامركزية ‬التي ‬شرّعتها ‬الدولة ‬منقوصة ‬وهاضمة ‬لحق ‬عدد ‬من ‬الجهات ‬على ‬حساب ‬جهات ‬أخرى ‬، ‬وهنا ‬يتعمّق ‬البون ‬بين ‬المشروع ‬وما ‬تحقق ‬فعليا ‬خلال ‬كل ‬هذه ‬السنوات.‬

وذهب ‬رضا ‬بوقديدة ‬إلى ‬اعتبار ‬اللامركزية ‬في ‬المسرح ‬التونسي ‬هي ‬وهم ‬من ‬الأوهام ‬التي ‬خلناها ‬مشروعا ‬قائم ‬الذات ‬، ‬مشروع ‬مقاومة ‬وصرخة ‬في ‬وجه ‬المركز ‬أو ‬سلطة ‬الإشراف، ‬واستشهد ‬بالتجربة ‬الفرنسية ‬في ‬اللامركزية ‬والتي ‬انطلقت ‬منذ ‬سنة ‬1947 ‬حسب ‬تقديره ‬وقد ‬خالفه ‬آخرون ‬بالقول ‬أنها ‬تعود ‬إلى ‬سنة ‬1885 ‬وتجربة ‬«‬موريس ‬بوتيشار»‬- ‬وهي ‬اليوم ‬من ‬التجارب ‬الرائدة ‬في ‬مسرح ‬مختلف ‬يقدم ‬عروضه ‬في ‬القرى ‬والجبال ‬، ‬ويتمتع ‬باستقلاليته ‬المالية ‬والإدارية ‬في ‬علاقته ‬بالسلطة ‬الفرنسية.‬

دعا ‬كمال ‬العلاوي ‬وهو ‬يسرد ‬تفاصيل ‬تجربة ‬فنية ‬عاشها ‬في ‬فرنسا ‬أنه ‬على ‬المسرح ‬الشعبي ‬أو ‬مسرح ‬الجهات ‬ألا ‬يتخلّى ‬عن ‬المضمون ‬الراقي ‬فيما ‬يقدّمه ‬للمتقبّل ‬، ‬وإن ‬كان ‬في ‬الجهات ‬المحرومة ‬أو ‬التي ‬لم ‬تساير ‬تطور ‬الحاضرة.‬

تساءل ‬الحضور ‬في ‬الجلسة ‬الثانية ‬ومنهم ‬المتدخلون ‬الدكاترة ‬والأساتذة ‬محمود ‬الماجري ‬وسامي ‬النصري ‬وياسين ‬عوني ‬عن ‬دور ‬الأطراف ‬أو ‬الهوامش ‬في ‬خلق ‬الفارق ‬والتمرّد ‬وتحدّي ‬السلطة، ‬ومنح ‬الحلم ‬أجنحة ‬ليطير ‬، ‬وإنجاح ‬تجربة ‬مسرح ‬الجهات ‬، ‬وتحديدا ‬مراكز ‬الفنون ‬الدرامية ‬والركحية ‬التي ‬أشار ‬محمود ‬الماجري ‬إلى ‬أنها ‬في ‬بداية ‬التسعينات ‬كانت ‬تتحصّل ‬على ‬منح ‬من ‬الدولة ‬تتراوح ‬بين ‬50 ‬و70 ‬ألف ‬دينار ‬، ‬فيما ‬تنال ‬في ‬سنة ‬2018 ‬وبرغم ‬كل ‬المفارقات ‬الاقتصادية ‬هبوط ‬سعر ‬الدينار ‬والتضخم ‬والعجز ‬الحالي ‬الذي ‬تعيشه ‬البلاد ‬منح ‬تسيير ‬لا ‬تتجاوز ‬مبلغ ‬ال50 ‬ألف ‬دينار ‬، ‬وهو ‬ما ‬يزيد ‬في ‬بؤسها ‬حسب ‬تعبيره.‬

رأى ‬سامي ‬النصري ‬أن ‬الوقت ‬مناسب ‬لدعم ‬جهود ‬المسرحيين ‬وتوحيد ‬صفوفهم ‬وإطلاق ‬مشروع ‬الإدارة ‬العامة ‬لمراكز ‬الفنون ‬الدرامية ‬التي ‬ستكون ‬قريبة ‬من ‬مشاغل ‬كل ‬المبدعين ‬لتساندهم ‬في ‬هذه ‬المرحلة ‬الحساسة ‬من ‬تاريخ ‬التجربة ‬المسرحية ‬الجهوية.‬

نذكر ‬أن ‬الندوة ‬قد ‬تواصلت ‬بطرح ‬ثلاث ‬مبادرات ‬خاصة ‬تدعم ‬اللامركزية ‬وهي ‬لكل ‬من ‬حافظ ‬الجديدي ‬ومحمد ‬المديوني ‬وسيف ‬الدين ‬الفرشيشي ‬، ‬وتواصل ‬النقاش ‬في ‬يومه ‬الثاني ‬يوم ‬الإثنين ‬10 ‬ديسمبر ‬، ‬بالاستماع ‬إلى ‬شهادات ‬من ‬الفاعلين ‬الاجتماعيين ‬في ‬حقل ‬اللامركزية ‬وهم ‬نور ‬الدين ‬الورغي ‬وكمال ‬العلاوي ‬ومحمد ‬العوني ‬وعلي ‬بالعربي، ‬فيما ‬خصصت ‬مائدة ‬مستديرة ‬للخوض ‬في ‬واقع ‬مراكز ‬الفنون ‬الدرامية ‬والركحية ‬في ‬تونس.‬

___________________

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *