في رحيل الفنان الكويتي سليمان الياسين .. من يملأ فراغك يا أبا سارة ؟ ب- يوسف الحمدان #البحرين

في رحيل الفنان الكويتي سليمان الياسين ..من يملأ فراغك يا أبا سارة ؟ – يوسف الحمدان
لم يكن الفنان الكويتي الصديق الراحل سليمان الياسين رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه إلا ابن عصره الذهبي الذي تقاطع فيه الفكر بالوعي المجتمعي، بالفنون في أبهى منعطفاتها الإبداعية، بالثقافة في تجلياتها النوعية المؤثرة ، بالمنطلقات الثورية التمردية الخلاقة في سبعينيات القرن الماضي ، بالفضاءات الرؤيوية الاكتشافية المتجددة حتى زمن آخر ، لم يكن هذا الفنان إلا ليكون في بؤرة الخلق والإبداع أينما اتجهت وارتحلت بوصلتها ، فهو الاستثنائي الذي اشتبكت وتقاطعت رؤاه مع رموز الفكر والإبداع الاستثنائيين في الكويت إبان السبعينيات وحتى آخر رمق في حياته..
وكان حينها مسرح الخليج العربي بيئة التكوين والانطلاق والتأسيس والوعي المغاير في الكويت ، حيث المسرح ترجمة لوعي ثقافي مستنير متعدد الاهتمامات والمشارب ، إذ كان أغلب من ينتمي لهذا المسرح هم من تأسست رؤاهم من خلال أنواع أدبية وثقافية عدة ، في القصة القصيرة والرواية والفكر والبحث بجانب الفنون المتعددة في حقول الدراما والسينما والتشكيل ، وكان المسرح حينها بيئة لاستقطاب أهل الرأي المستنير في الكويت وخارجها ، والذين معهم وبهم نضجت الرؤية وتماسكت وتمكنت من أن تهيء لانطلاق رافد ثقافي نوعي في الكويت له وهجه المضيء وفعله التغييري المؤثر .
في هذه الهالة النورانية السبعينية يتشكل ضوء الفنان سليمان الياسين اليافع فكرا ورؤية حتى آخر لحظة من حياته ، ليضفي وهجه الخلاق على هذه الهالة ، وليصبح واحدا من أهم الممثلين في فرقة مسرح الخليج العربي ، بل في الكويت والخليج العربي ، ولينتزع من خلال أدواره النوعية التي قام بأدائها في أغلب المسرحيات التي أخرجها الفنان المبدع المخرج الراحل
صقر الرشود وكتبها المؤلف الباحث المبدع عبدالعزيز السريع أنعم الله عليه بالصحة والعافية وطول العمر ، والمؤلف العربي الراحل محفوظ عبدالرحمن ، والمؤلف العربي الراحل سعد الله ونوس وخاصة في مسرحيته رحلة حنظلة التي أخرجها الفنان الراحل فؤاد الشطي ، لينتزع شخصية الممثل النوعي بامتياز ، والتي تمكن من أن يلفت من خلالها أنظار النقاد والفنانين والمثقفين العرب وليس الكويتيين أو الخليجيين فحسب .
وقد تمكن الفنان الراحل سليمان الياسين من انتزاع هذه الأدوار النوعية ، نظرا لثقافته العضوية الخلاقة ، فهو قاريء من الطراز الأول في الأدب والفكر ، وخاصة أنه أحد أبناء الكويت الأوائل الذين درسوا الأدب الفرنسي الحديث وفنون السينما في أكاديميات باريس ، وبالتالي أسهم في تعزيز مداميك الرؤية النوعية الجادة بمسرحه ( الخليج العربي ) ، لذا كان الياسين حين يؤدي أدواره المسرحية يأخذك معه في أداء مغاير ومختلف ومسئول بذل كبير جهده من أجل أن يعضد رؤية المخرج به ، وكان من أهم الممثلين الذين يدرسون شخصياتهم ويبحثون عن مناطق فعل الخلق فيها كي يكون مقنعا في أدائها ومتميزا
ومختلفا في تقديمها .
ومن أهم المسرحيات التي توهج فيها ضوء الياسين أدائيا ، شياطين ليلة الجمعة وبحمدون المحطة وحفلة على الخازوق و 1، 2 ، 3 ، 4 بُم من إخراج الفنان الراحل صقر الرشود ، ومسرحيتي رحلة حنظلة واحذروا من إخراج الفنان الراحل فؤاد الشطي ، وقد حاز من خلال أدائه أدواره في هذه المسرحيات شهادات وجوائز التأهل والتميز والتفوق من جمهوره العريض ومن لجان التحكيم العربية وخاصة عن دوره ( حرفوش ) في رحلة حنظلة التي مثلت الكويت في مهرجان قرطاج المسرحي الدولي عام 1985 .
وظل الفنان الراحل سليمان الياسين مخلصا لمسرحه النوعي حتى آخر لحظة من حياته ، ولم يُقْدم قط على خوض أدوار في المسرح التجاري ، خاصة وأنه المخلص لثقافته المغايرة أيما إخلاص ، فهو رفيق الثقافة أينما حلت أو ارتحلت ، وكان صديقا مشتركا للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل ، ولا زلت أذكر حضوره البهي في مقر أسرة الأدباء والكتاب البحرينية قبل سنوات بصحبة الروائي إسماعيل فهد إسماعيل ، وحواره الرفيع في شأني الثقافة والأدب ، فالياسين حين يتحدث والابتسامة الرقيقة تكتسي محياه وحدقتيه الطفليتين الضاحكتين البريئتين تدعوك للإنصات إليه ، يجوب عميقا في أمور تشعر أنك قد تتفق معه وإن اختلفت معه .
إنه الفنان الفريد الذي يحبه ويحترمه الفنانون والمثقفون والجمهور كلهم على السواء ، لأنه ينتمي إلى الوعي الثقافي المستنير بشتى مشاربه ، ولم يكن أسير فن واحد أو محدود الثقافة في أدواره التي يؤديها ، لذا كان مؤهلا لأن يكون فريدا في أدواره السينمائية لأنه يدرك كيفية الاشتغال عليها ويستوعب تقنياتها ، وفريدا أيضا في اختياره لأدواره في الدراما التلفزيونية ، ولعل دور عمر الذي أداه في المسلسل الكويتي ( أجندة ) في العام الفارط ، واحدا من الأدوار التي في رأيي تليق بشخصية الياسين الثقافية والنفسية والأدبية والفلسفية ، حيث الشخصية المسكونة بالثقافة في مختلف أنواعها ، وحيث الاغتراب الذي تعانيه بسببها في مجتمع لا يدرك معنى أن تكون لك في الحياة رؤية أو فلسفة .
إن الفنان الراحل سليمان الياسين ، لم يترك بصمة في كل دور يؤديه فحسب ، إنما سيترك بصمة قوية ومؤثرة في نفوس أجيال ممن اقتحموا مجال المسرح والدراما التلفزيونية في الكويت وفي خليجنا العربي ، إذا ما وقفوا وتأملوا هذه الشخصية الفريدة النادرة بتأن وبعيدا عن اللهاث المجاني نحو الأدوار أيا كانت نوعيتها .
هو الفنان الذي سترثيه كل خشبات المسرح في الكويت ، لأنه ملأ روحها بجميل وعاطر أدائه النوعي فوقها ، وكان مخلصا محبا لها إلى أبعد الحدود ، يحملها معه أينما حل أو ارتحل ، وتعيش روحه وذاكرته لأنه قدم أجمل وأبدع الأدوار فوقها ، وهو الفنان الذي ستحزن الشاشة لفقده ، لأنها ستظل تبحث طويلا عن من يملأ فراغه فيها ، وهو الفنان الذي سيفتقده المثقفون في مجالسهم الأدبية والثقافية والفكرية ، لأن حضوره بينهم إضافة للفكر والحياة ، سنفتقدك حقا أيها الصديق الإنسان الفنان النبيل (أبا ساره ) ، فلروحك الرحمة والسكينة والطمأنينة والسلام ، وألهمنا الله جميعا بفقدك الصبر والسلوان.
يوسف الحمدان – البحرين

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …