“فريدم هاوس” للشاذلي العرفاوي سمفونية مسرحية تفضح وهم السلطة

احتضنت قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة، في حدود الساعة الرابعة من مساء الجمعة 12 جانفي 2018 عرضا لمسرحية “فريدم هاوس” للمخرج المسرحي شاذلي العرفاوي نصا وإخراجا وسينوغرافيا، وذلك في إطار العروض المتنافسة على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي.

وتجمع مسرحية “فريدم هاوس” على الركح كلا من محمد حسين قريع في شخصية “الجنرال” وشاكرة الرماح ومنى التلمودي في شخصيتي عاشقتي الجنرال اللتين حاولتا قتله فيما بعد، وعبد القادر بن سعيد و شكيب الرمضاني في شخصيتي عضدي الجنرال، بالإضافة إلى منصف بن مسعود الذي جسد شخصية موسيقي الجنرال تمثيلا وعزفا على آلة الساكسوفون.

وتتحدث مسرحية “فريدم هاوس” عن قصة جنرال أراد الانقلاب على النظام الموجود من خلال تنظيم عسكري أعده سماه بتنظيم “فريدم هاوس”، ولكن السلطة اكتشفت مخططه قبل حصوله، فكان عقاب الجنرال أن تم إدخاله لمستشفى الأمراض العقلية، هناك عذبوه وخربوا جسده بالأدوية والصدمات الكهربائية حتى صار مجنونا..

دخل الجنرال في ما أطلق عليه صاحب المسرحية “الهلوسة”، وفي هلوساته، تخيل أن انقلابه نجح، فكون حكما وسلطة وجيشا وشعبا ودستورا وعدوا متربصا به في خياله وأوهامه، ليكتشف من بعد أنه اختل عقليا… ذلك هو وهم السلطة الذي ألمّ ببطل مسرحية “فريدم هاوس” والذي جعل منه شخصية مرضية وصل بها الحد إلى الجنون.. هو وهم السلطة أو جنون التشبث بالحكم الذي طاله نقد الشاذلي العرفاوي في عمله الأخير بأسلوب فني راقي ومتميز بعيدا عن المباشرتية المبتذلة.

بيد أن الأبعاد الرمزية في مسرحية “فريدم هاوس” لا تقتصر على نقد وهم السلطة والتشبث بها، بل طالت كل ما له على بالسلطة وحصل بتونس قبل الثورة وبعدها، ولعل الإشارات المكثفة التي كانت تنهمر على مستوى الصورة والخطاب كذلك عن الثورة التونسية أرادها العرفاوي علامات حمالة لموقف صاحب العمل مما يسمى ثورة، وحتى اختيار العنوان في حد ذاته فيه إشارة صريحة إلى المنظمة الأمريكية التي كان لها دور كبير في تخريب الوطن العربي تحت عنوان “الربيع العربي”.

ولأن العمل الفني وخاصة المسرحي، لا يقتصر على التعرض للواقع الراهن أو ما يعبر عنه ب”الآن وهنا”، فحسب، ويبحث في الممكن ويستبق ما يمكن أن يحصل، فقد قدم شاذلي العرفاوي قراءة استباقية رافضة للحكم العسكري، منتقدا ما يمكن أن ينجر عنه من قمع للحريات.. ومن هذا المنطلق جاءت “فريدم هاوس” في شكل “كوميديا سوداء”، أو “فانتازيا”، تبدو بعيدة عن الواقع الراهن لكنها في الواقع منغمسة فيه بمعالجتها لقضايا سياسية واجتماعية وإنسانية…

كل ذلك صاغه مخرج “فريدم هاوس” مشهديا عبر لغة بصرية جمالية لا تخلو من السخرية  تقتفي آثار النص وترافق شخصيات العمل من خلال إضاءة خاصة ومميزة لكل شخصية، ومع الجانب الموسيقي المميز لهذا العمل يمكن القول إن “فريدم هاوس” كانت عبارة عن سمفونية مسرحية فيها تعزف أجساد الممثلين والموسيقى أوجاع الوطن…

“فريدم هاوس” كانت أيضا عبارة عن لوحات مفعمة بالجمالية وشحتها ألوان الأزياء الخضراء العسكرية والإضاءة المدروسة للركح الخالي شكلا والذي زوقته أجساد الممثلين ولعبهم المسرحي على خشبة المسرح، فكانت المشاهد عبارة عن لوحات تشكيلية حية مضمخة بالرمزية وخالية من كل مباشرتية، تسلب جمالية المشاهد معاني الأمل التي تكسر في كل نفس معاني الألم.. ألم الوطن.

مكتب الإعلام

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *