عندما يموت النقاد.. سيرقص مسرحيون فرحاً! – يسري حسان #مصر

.jpg
يسري حسان

     من عادة المسرحيين في مصر -ولا أدري إن كانت هذه عادة مصرية خاصة أم هي عادة عربية عامة- أن يعلقوا قصاصات من الصحف والمجلات التي أشادت بالعرض الذي يقدمونه، على باب المسرح، حتى إذا جاء الجمهور وقرأ اطمأن قلبه وأقبل على مشاهدة العرض وهو “في بطنه بطيخة صيفي” كما يقال؛ أليس من كتبوا نقادا معروفين تتهافت الصحف والمجلات على نشر مقالاتهم الرصينة؟

وعندما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي دخل الفيسبوك وتويتر على الخط؛ وبدأ (الشير).. يكتب أحدهم مشيراً إلى المقال المكتوب عن عرضه قائلا: “هذا ما كتبه الناقد الكبير (س) أو (ص) عن عرضنا المسرحي”، ولا يكتفي بذلك، بل إن أحد مساعديه يصطادك فور خروجك من العرض ويعترض طريقك حاملاً كاميرا وطالبا منك تسجيل كلمة عن العرض ليقوم المخرج بوضعها على صفحته وصفحات فريق عرضه وبالمرة صفحات أقاربهم وجيرانهم!

وأنت إذا طالعت الكلمات المكتوبة أو المصورة -في الغالب طبعاً، لأن التعميم لا يصح- ستجدها من عينة “كان العرض رائعا” و”أداء الممثلين بديع” و”جاءت الموسيقى والأشعار من نسيج العمل” و”الديكور مناسب لأجواء العرض”.. وما إلى ذلك من عبارات إنشائية وأحكام قيمة مجانية.

ولأن “الصراحة راحة” كما يقولون، فلا بد أن أعترف بأنني مواطن سيئ الحظ؛ فنادرا ما أجد مسرحيا يعلق ما كتبته عن عرضه على باب المسرح أو حتى على شباكه، أو (يشيّر) لي مقالا أو كلمة على الفيسبوك أو شقيقه تويتر.

يحدث ذلك رغم أنني حصلت على الإعدادية من مدرسة اسمها “مكارم الأخلاق”؛ أما الثانوية فكانت من “رقي المعارف”؛ وكنت أظن؛ بما أن ذلك كذلك؛ أن لدي أخلاقا حميدة ومعارف راقية إلى حد ما، لكن أحدهم أخبرني أنني واهم وقال إن ما أكتبه لا يرضي الكثيرين، إذ غالباً ما أكون صريحا أكثر من اللازم، وهو ما ينافي الأخلاق الكريمة والمعارف الراقية!

وحتى لا تظن بي السوء أنت الآخر عندما تقرأ هذا الكلام الفارغ؛ أقول لحضرتك إنني أحاول -قدر إمكاناتي المتواضعة- تحليل عناصر العرض وأتجنب أحكام القيمة ولا أتجاهل في الوقت نفسه الإشارة إلى ملاحظاتي على بعض عناصر العرض؛ علما أنني لا أكتب إلا عن العروض التي أحبها وأرى أن فيها ما يستحق الكتابة عنه.. أي أكون بريئا تماماً وأنا أكتب.

مشكلة بعض المسرحيين؛ أو قل “كارثتهم”؛ أنهم متيَّمون بما يصنعون؛ ولديهم يقين؛ لا أعرف من أين جاءوا به؛ أن كل ما يقدمونه لا يأتيه الباطل من أي مكان؛ ودائما وأبدا علاقتهم متوترة بالنقاد الذين يحاولون أن يكونوا جادين.. أقول يحاولون، لأن المحاولة تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب.

ومن متابعتي لتجارب هذه النوعية من المسرحيين أشعر أنهم لا يتطورون، ويكررون تجاربهم وربما بشكل أسوأ.

هؤلاء في ظني؛ ربما يدْعون صباح مساء أن يأخذ الله النقاد الذين يحاولون أن يكونوا جادين وصرحاء.. أو على الأقل فإن أصحاب القلوب الرحيمة منهم يتمنّون أن تغلق الصحف والمجلات أبوابها في وجوه هؤلاء النقاد؛ وأن يتم حظرهم من الفيسبوك وتويتر ومواقع التواصل الاجتماعي كافة.. وقانا الله وإياكم شرّ المسرحيين أصحاب اليقين.. وجعل كلامنا خفيفا على كل مسرحي يظن أنه جاء بما لم يأتِ به الأولون وكذلك الآخرون.. أي الذين سيأتون من بعده!

 يسري حسان – ناقد مسرحي مصري

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش