“على قيد الحُلم”.. ديستوبيا الأحلام في رأس الفقراء – محمد المعايطة #مهرجان_المسرح_العربي12

الأحلام، مهربنا الوحيد من تعب الواقع وكلاليبه التي تشدنا من أعناقنا، خاصة نحن الفقراء الذين لا سبيل لنا إلا بالحُلم. فوسط سقوف الزينكو والإسفلت التالف مثل تجاعيد وجوهنا، نرى أنفسنا نسير على الورد في أكثر غابات الدُنيا سحراً. وجوف ملابسنا التي كل رقعة فيها بألم، نرتدي الغيم بدلة رسمية. ومن أقدامنا الحافية، تنبت أجنحة تطير فينا إلى الأغنيات. أحلام تعيش رهن لا وعينا الذي انفصل عن الواقع الموجع، وتحول ليكون ملاذنا الأكثر قداسة وسرّ بسماتنا الخفيّ.

ولكن، كيف لأحلامنا –ملاذ الفقراء الوحيد- أن تكون تحت عين الرقابة، كيف لمخيلاتنا أن تقتل هذا الفضاء المتبقي لنا.

وكيف للحرّاس أن يقتحموا بِعصيهم وبزّاتهم البوليسية لحظات الحب التي لم نتمكن من عيشها في الحقيقية.

كيف للحلم أن يضم حرّاساً ببزّات رسمية..؟. ربما لا يكون هذا إلا في رؤوس الفقراء المتعبة.. الفقراء وحدهم فقط.

“على قيد حُلم”، المسرحية الكويتية التي كتبتها تغريد الداوود، وأخرجها يوسف البغلي، وقدمتها على خشبة المسرح فرقة الشباب الكويتية، حمد أشكناني، حسين المهنا، خالد الثويني، آية العمري وكفاح الرجيب، وجدت في الحُلم ملاذاً لصرخات متتالية يعيشها الكثيرون في الحياة. فصرخوا جميعهم بوجه الظلم، الفقر، العادات الإجتماعية البائدة، الحرب على الحب وغيرها من هذه الكوابيس، ارتكبوا الحلم بين الوجوه المسرحية الكثيرة، ضاحكين حيناً.. وباكين حيناً آخر.

حُلم تحت الحراسة المُشددة..

تدور أحداث العرض المسرحي جميعها في خيال بطل العمل، وهو شاب فقير أجهده الواقع تماماً، فهرب منه إلى الحُلم ليلتقي بحبيبته الضائعة، ويجد حياةً أخرى غير تلك التي لم تعد صالحة للعيش في الواقع. أراد أن يخرج من سجن الهامش ليكون إنساناً مُهماً ذا قيمة. لكن الصدمة كانت حين داهمته شرطة الأحلام محاولين القبض عليه، ووجهوا له عدة تهم من خلال هذه السلطة الجديدة داخل خياله، والتي لم تكن موجودة من قبل.

وفعلاً، يتم القبض على الشاب الحالم، ويُقدم إلى المحاكمة الغريبة في محكمة الأحلام، وتثبت عليه جميع التُهم، والتي من بينها أنه أراد أن يكون إنساناً مُهماً على الرغم من كونه فقير ومُتعب، وخطواته إلى مستقبل أفضل كانت مُكسرة وغير واضحة. يسرقون منه حبيبته التي تتركه حتى في أحلامه. وفي طرفة عين، ينقلب الحُلم إلى كابوس أكثر ظلمة من حياته الحقيقية.

لا وعينا على الخشبة..

بعيداً عن عالم الأحلام، وعودة بالمتلقي إلى الواقع بكل إشكالياته وصعابه التي نواجهها يومياً. من الممكن اعتبار “على قيد الحلم”، باكورة التعاون بين الداوود كمؤلفة والبغلي كمخرج، صرخة أو صرخات كثيرة رافضة في وجه صعاب الحياة التي تقف كأنها جدران في طريق ما نريد. خاصة للفقراء الذين لا يملكون إلا أن يحلموا ليستطيعوا الهرب من هذه الجدران العالية، ولكي يخلقوا فسحة أمل ولو قليلة يُطلّون برؤوسهم من خلالها.

هي صرخة في وجه السلطة والقيود الإجتماعية، ودعوة شديدة اللهجة لهدم هذه الجدران. فربما الشعور بالعجز وصل إلى مخيلاتنا الخارجة عن أوامر السلطة والمجتمع، ليجعلنا غير قادرين على الحُلم، وإن لم يعد بإمكاننا فعل ذلك، فنحن أموات بدون أي شك. إن العرض الكويتي جاء بمثابة محاكمة للمحاكمة، في سبيل السير خطوات لم يكن في بال أكثر الفقراء والمتعبين تفاؤلاً، أن باستطاعتهم أن يعيشوا واقعاً آخراً، حتى ولو بدأ من حلم.

“على قيد الحلم”… فنياً

الممثلون.. مفردة العمل الرئيسية الأولى

اعتمد البغلي في عمله المسرحي على مفردتين رئيسيتين بشكل كامل، وإحدى هاتين المفردتين كان الممثلون. وهنا نجد الكثير من الكلام الذي يُقال، إذ أنه من حيث الأداء، قدم الممثلون الخمسة -حمد أشكناني، حسين المهنا، خالد الثويني، آية العمري وكفاح الرجيب- أداءاً جيداً في العموم، كانوا قادرين على تجسيد شخصياتهم بالشكل المطلوب خلال فترات عديدة من وقت العرض.

لكن هذا الأداء الجيد كان متبايناً في فترات أخرى وغير مضبوط بالشكل المطلوب، حيث أن الطاقة وعيش الشخصية لدى البعض كان يخرج أحياناً عن سيطرتهم لأسباب مختلفة، من بينها اضطرارهم إلى التعامل مع قطع الديكور كبيرة الحجم، التي كانت تأخذ مساحة من تركيزهم. فعلى الرغم من أن السينوغرافيا –لا سيما الديكور- كانت المفردة الرئيسية الثانية في العمل، لكنها شتت تركيز المؤدين في أحياناً كثيرة.

الأداء المُتباين، انعكس بشكل واضح على إيقاع العمل ككل، الذي تباين بدوره بين السريع والبطيء، المضبوط الموزون وغير المضبوط. وعلى جانب آخر، يُحسب للمثلين تمكنهم من تقديم الكوميديا السوداء بشكلها الخفيف الصادم في العرض، على الرغم من أن هذا الأمر كان بأحيان قليلة –قليلة جداً- يخرج عن السيطرة ويُصبح هناك نوع من تقصد إضحاك الجمهور من خلال المبالغة في الأداء الكوميدي، ما كان يبدوا ناشزاً عن باقي الأداء في تلك الأحيان القليلة.

السينوغرافيا.. مفردة العمل الرئيسية الثانية

حتى تصنع سينوغرافيا تناسب فكرة الحُلم، هذا العالم المُتخيل الذي لا يخضع بأي شكل من الأشكال تحت نفوذ المنطق، لا بدّ أن تستحضر خيالاً كبيراً في كافة تفاصيلها. واستطاع الدكتور فهد المزن، مصمم الإضاءة والديكور، وحصة العباد مصممة الملابس، برفقة المخرج البغلي، من تحقيق الكثير على هذا المستوى، وصنع سينوغرافيا تنقل المتلقي مباشرة إلى مناطق اللاوعي والأحلام. واستطاعوا خلق عالم غير خاضع للمنطق، كان فيه سلطة كبيرة ومهمة للصورة على حساب النصّ وأحياناً الأداء. حيث قدم الدكتور المزن اقتراحات مبتكرة فيما يخص الديكور والإضاءة.

بدأ العمل بمشهد خارج عن المألوف يؤكد على فكرة الحُلم لدى المتلقي، حيث كان الممثل الرئيسي الذي تعيش كل الشخصيات في لاوعيه بشكل بعيد عن الآدمية غير بشري، وكأنه مقيد ولا يُمكنه التحرك إلى أي مكان، سوى الدوران في مكانه. وقدم المزن ذلك من خلال تواجد الشخصية الرئيسية حمد أشكناني، على مُجسم نصف كروي لا يتحرك إلى في مكانه. دلالة على القيود الإجتماعية السياسية والإقتصادية التي تعيشها الشخصية. إلى جانب أنه كان محاصراً من شخصيات غير آدمية أخرى وبأشكال مختلفة، تُمثل عوامل الإحباط واليأس التي خلقتها تلك القيود.

بعد ذلك، تستطيع الشخصية الرئيسية التخلص من كل هذه القيود بعد ظهور الحبّ، حبيبته التي جسدت دورها الفنانة كفاح الرجيب. بدلالة واضحة لتأثير الحبّ في خلق مساحة الأمل الضائعة. ثم في لعبة إضاءة أخرى، كانت الوجوه –والوجوه فقط- تظهر كأنها مصابيح تُضاء فجأة وتطفأ بأماكن مختلفة في عمق المسرح، تطلق عبارات تحاول إحباط الشخصية، بدلالة عن الأفكار السلبية التي تعيش في مناطق اللاوعي عند الإنسان.

أما الأزياء فقد كانت بمجملها باللون الأسود، دلالة على كابوسية ما يحدث في العمل أو في رأس الحالم، باستثناء الحبيبة، التي كانت ترتدي فستان زفاف أبيض، بدلالة واضحة على ما يقدمه الحب من نقاء وأمل ورؤية أكثر تفاؤلاً.

على جانب آخر من جوانب الحديث عن السينوغرافيا، فعلى الرغم من أنها كانت ناجحة في تقديم الرؤية التخيلية للعوالم الغير واقعية التي تحدثنا عنها، إلا أنها كانت عائقاً في الكثير من الأحيان أمام أداء الممثلين وحركتهم بسبب الأحجام الكبيرة لقطع الديكور، وهو ما شتت تركيزهم في بعض الأحيان، وجعلهم غير قادرين على ضبط الإيقاع –كما ذكرنا سالفاً- طوال فترة العرض.

محمد المعايطة – الأردن

#مهرجان_المسرح_العربي12

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر