عرضا اليوم الرابع للدورة 2 لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح – “الغراب” و”كلب الست”.. الصراع الوجودي محور أساسي – يوسف الشايب #فلسطين

عرضا اليوم الرابع لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح .. الصراع الوجودي محور أساسي

رام الله – من يوسف الشايب:

تتحدث مسرحية “الغراب” لمسرح الجوّال من سخنين في الداخل الفلسطيني، وهو العرض الأول في اليوم الرابع لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح، عن مروان وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، يعمل مُمرّضًا، وصلاح وهو أستاذ فيزياء متقاعد مدمن للهروب من “رعب مشاهد نشرات الأخبار” على مشاهدة المسلسلات التركيّة.. كلٌّ منهما يعاني من الوحدة وقسوة الحياة.
يحتدم الصراع بين مروان وصلاح حول ماهيّة الحياة وعبثيّتها .. السلوك الإنساني وخلفيّته، لتُكشف شيئا فشيئًا قصّة كل منهما.، ومع ذلك يستعين مروان بصلاح الفيزيائي ليأخذه إلى عالم آخر يخلو من القتل والدمار والحقد، وإن كان الأمر ينتهي بفاجعة.
وتبرز في المسرحية التي كتبها حسن طه، وأخرجها صالح عزّام، ومن تمثيل: محمود أبو جازي وحسن طه، تساؤلات وجودية من قبيل: هل الأنسان مدنيّ بطبعه، أم أنّ الإنسان ذئب لإنسان؟، بحيث تأخذنا هاتان المقولتان للغوص في أعماق النفس البشرية، في محاولة لتحليل السلوك البشريّ وفهمه، كما تتحدّث المسرحيّة عن سعادة الإنسان وبؤسه .. أمله وألمه .. ارتباكه وعجزه .. وحُلمه بنعيم العيش، أو بمعنى مبسط بحياة أفضل، في ظل جدلية سيطرت على أحداث المسرحية بدلالاتها: أيهما أذكى الحمار أم الغراب؟!

وقدم الفنانان أداء لافتاً، رغم أن هذا الأداء افتقد التلقائية وغاص في وحل “التمثيل المفتعل” أحياناً، وإن نجحا في تقديم النص ببراعة، بحيث حافظا على روحه التي تساوقت مع طبيعة شخصياته السايكوباثية التي بالعادة ما تترك تصرفاتها، وتحولاتها عبر مواقف العمل، وحتى نهايته، التأويلات مفتوحة على مصراعيها، ما من شأنه أن يشرك المشاهد كعنصر أساسي في إكمال اللوحات التي لم يكملها الرسام الانعزالي مروان في مسرحية، ومنها لوحة “الغراب” الذي أرشد قابيل على دفن شقيقه هابيل بعد قتله.

وفي العرض الثاني استطاع المخرج الشاب فراس أبو صبّاح، تحويل نص الكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي، إلى مسرحية بملامح كوميدية، تترك، بلا شك، علامة لدى من يشاهدها، فعلاوة على القهقهات التي لم تنتزع قسراً بأسلوب التهريج، والاعتماد باقتدار على كوميديا الموقف في تناول موضوع مؤلم وحساس وذي بعد وطني، فإنها مسرحية الاكتشافات الإبداعية على أكثر من مستوى.

وتناولت المسرحية حكاية طاهية تأتي بحجة مساعدة الفقراء في الحي، وتبدأ من منزل الجد وحفيده، إلا أنها سرعان ما تبدي نواياها باضطهاد أصحاب البيت، بعد مقتل كلبها ودفنه في المطبخ متأثراً بوجبة من سم الفئران كان وضعها الاثنان للتخلص من الفأر الأخير في المنزل، فتجبرهما على الصوم سبعة أيام مقابل عدم التسبب بسجنهما، وتساوم الحفيد على شراء المنزل، قبل أن تعود وتجبرهما، بعد أن يرفضا البيع، بالصوم لسبعة أيام أخرى، بذريعة وفاة أنثى الكلب حزناً على رفيق دربها، لتكون النهاية المفتوحة على كل التأويلات.

و”كلب الست”، وهو الإنتاج الجديد لمسرح وسينماتك القصبة في رام الله، كشف عن مخرج يملك موهبة يمكن البناء عليها، خاصة أنه العمل المسرحي الطويل الأول له، على مستوى تصميم الحركة المسرحية إلى حد ما، أما فيما يتعلق باختيار النص، فالأمر يحتاج إلى وقفات عدة في هذا المجال، خاصة ما يتعلق بجدلية العلاقة ما بين الإنسان والكلب، بحيث أظهرت بعض المقاطع الحوارية، وكأنّ المضطهَد هنا، يجد تبريراً للمضطهِد، بتعامله بسخرية واستخفاف مع فكرة موت الكلب ودفنه، والنقاش الذي يظهر حدة أحياناً واستخفافاً بروح أزهقت، وهو ما حرف البوصلة بعض الشيء عن هدف العمل، بالاحتجاج على التذرع بمقتل كلب السيدة (الطاهية التي جاءت لتطعم سكان الحي الفقراء)، والتي ترمز للاستعمار والاضطهاد بكل أشكاله، القديم والجديد، للسيطرة على المنزل وأصحابه في خطوة استعمارية واضحة، وجعل مدفن الكلب ذريعة وموته مبرراً لذلك، أو الاحتجاج على اتهام أصحاب البيت بقتل الكلب الذي مات بعد أن التهم سمّ الفئران، وبالتالي لم يقتله المضطهدان الجد والحفيد.

ولذا، ولتوضيح الموقف، كان من الأجدر معالجة النص بما يخدم الفكرة بأن أصحاب البيت لم يقتلا الكلب، وأنهما يتعاطفان حقاً مع مقتله، ويرفضان إلصاق تهمة نفوقه أو التسبب فيها بهم، أو التذرع بالحادثة للسيطرة على المنزل وأصحابه، لسبعة أيام، أو إلى زمن يطول، ولربما كان من الأفضل، برأيي، الاستعاضة عن فكرة الكلب ككائن حي، بفكرة تلف إحدى أدوات الطهي، ودفنها، كمقلاة أو طنجرة أو إبريق أو غيرها، وهنا ستكون الدلالات الرمزية أكبر.

والمعالجة هنا لم تغتل تلك القسوة المتغلغلة في النص، والتي طفت على السطح أكثر من مرة، كما أنها لم تقتل الملل تماماً، فرغم القهقهات التي غصت بها قاعة مسرح الحرية في مخيم جنين، حيث كان العرض الثاني لعمل “القصبة” الجديدة، إلا أن “كلب الست” كعمل مسرحي لم يخل من ملل، ولو بنسب ليست كبيرة، كما لم يخل من الصراخ والشعاراتية التي طفت على السطح أحياناً، ولو كانت بقدْر يسير، وبما لا يقاس مع غالبية ما ينتج فلسطينياً، ولكن يمكن التغلب عليها.
ويحسب للمخرج اختيار التقنيات الفنية المناسبة، فالديكور المتقشف له مبرراته الدرامية هنا، على عكس عديد المسرحيات، التي تتذرع بقلة الإمكانيات المادية، وهو مبرر لا يمكن تمريره بصرياً، فمن لا يملك القدرة على مواءمة التقنيات الفنية مع النص بحيث يكون العمل فرجوياً، فليجلس بعيداً عن الخشبة.
كما يحسب له أيضاً، وبنسبة كبيرة، اختيار الممثلين، فالمبدع خالد المصو تفوق على نفسه في دور الجد، ما بين كوميديا خلفت من وحي الألم، وتراجيديا غير متكلفة.

وكان الاكتشاف الحقيقي الممثل اليافع سليم نبالي، الذي يبشرّ أداؤه بميلاد نجم، فهو تلقائي يعتمد على ذلك النوع الراقي من الكوميديا، بعيداً عن التهريج، فأضحكنا من القلب، ولو من فرط الوجع.

أما أداء الشابة هديل تكروري فكان لافتاً في عديد الأحايين، لكن يؤخذ عليه أنه لم يكن تلقائياً بما يكفي .. ومع ذلك تبقى مسرحية “كلب الست” عملا، بلا شك، يستحق المشاهدة والتقدير، إذا ما استمر القائمون عليه بالإصغاء والتطوير، وهو ما يقومون به فعلياً.

رام الله – من يوسف الشايب

(المصدر: الهيئة العربية للمسرح)

شاهد أيضاً

شاهدت مرّتين مهرجان المسرح الوطني الفلسطيني للمسرح – راضي شحادة #فلسطين