عبد الحق الزروالي: كثيرة هي التجارب التي تتكئ على الخطاب السياسي فيما تقدمه الرباط/ فاضل محسن

يوما ما ألبستني الريح أجنحة وقالت ارحل. جدي كان مولعا بتربية الخيول وأنا الليلة فرس آخر، فرس أبيض أجنحته سوداء، فرس دخانها تاريخ صراع النار والماء. في إحدى ليالي الحصاد هرب والدي من قريته تتعقبه نباحات الأحقاد، سكن فاس وما سكنته، ظل سجين الجبل والوادي وشجر الزيتون والتين، من حين لحين كان يجمعنا حوله ويحكي. وحدي أسمعه، أغالب سلطان الدمع كي لا يراني وأنا أبكي غربتي في مدينة ليست مدينتي، في زمن ليس زمني، في وطن ليس وطني ولأني مازلت اعتبر نفسي فلاحا ولا أحفظ من كلام ربي سوى (الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) والكلمة مفتاحا، فكلما ضاقت بي فاس نسجت من خيالي جناحا.
بهذه الكلمات بدأ عبد الحق الزروالي حواره مع جريده المدى …
عبد الحق الزروالي مسرحي مغربي يعتبر رائد مسرح المونودراما ،اول عرض له في المسرح كان سنة 1967 وبعدها تخصص بمسرح المونودراما ، قدم اول عمل مسرحي – موندراما – عن رواية ماجدولين سنة 1967 ، كتب 47 مسرحية ، انه رائد المونودراما ،احترف الصحافة كمحرر للمرئي وللمسموع وكمنتج ومقدم للبرامج الثقافية والفنية.
شاعر وروائي من فاس مدينته  التي يفتخر بها  : هل يعقل ان اكون من غيرها ، هذه المدينة التاريخية التي تجسد نمطاً ثقافياً وفلكلوريا وتحديدا في مكتبتها والتي يسميها المغاربة بـ خزانة الكتب. كان اول من يحضر ، اكتشف فيها انه موجود للثقافة ومنها اكتشف المسرح وتعرف عليه ، بين رفوف هذه الخزانة والتي تعتبر من اهم الخزانات في العالم ، تضم كنوزاً  من المخطوطات والتي ترجع الى عشرات القرون ،وفي هذه الخزانة تعرف على شكسبير وموليير ويونسكو ومجموعة من الكتاب والمخرجين والشعراء والروائيين وباقي ابطاله في الفنون.
نشأ الزروالي في مدينة فاس وعلى ايقاع حلقاتها تفتحت مواهبه وتلقى دروسه الاولى على اصوات الحكواتي وفي خزانة الكتب بدأ كاتباً ومؤلفاً وخرج منها ممثلاً ثم توجه الى الاخراج ، يؤمن الزروالي بمسرح عربي له هوية خاصة ولهذا السبب خلق مسرحاً خاصاً به يزاوج بين الشعر والرواية والتراث ، يعد الزروالي رائد المسرح الفردي – مسرح الممثل الواحد .مسرح الموندراما
لم يقتصر عبد الحق الزروالي على تجربة واحدة  ، وانما جعل من مسرح الموندراما منهجاً فنياً له ، اشتهر وعرف به ،
حتى  ان بعضهم يقول بان التجربة المسرحية المغربية في مجال المونودراما مرت بمرحلتين :
فن الحلقة ومسرح عبد الحق الزروالي. وعن هذا يعلق الزروالي :
مايحزنني ان مسرح المونودراما قد ارتبط باسمي وانا لا اعد مجرد عابر سبيل ، واتمنى ان اكون قد وفقت ، قبلي قد كانت تجارب مسرحيات موندراما كمسرحية ” النقشة ” للطيب الصديقي و ” والناس والحجارة ” لعبد الكريم برشيد وادريس الدكالي في مسرحية ” البعوضة” وعبد الكريم الشداتي في ” الزيارة ” ومسرحيات اخرى ، الا ان بقية الاسماء التي اشرت اليها لم تستمر في انتاج مسرحيات المونو ، وبقيت وحدي اواصل من اجل ترسيخ تجربتي في هذا النوع من المسرح داخل المغرب وخارجه .
وعن سؤاله ماذا قدم في تجربته الطويلة في مسرح المونودراما ، واين وصل ؟ يرى الزروالي ان الموندراما هو بديل للمسرج الجمالي والكلاسيكي ، وهو البديل الحقيقي امام ازمة التشخيص والتمثيل وقلة الامكانات المادية ، مسرح الموندراما قادر على ان يحقق نجاحه وتميزه لو توفر على نص جيد وموضوع يمكنهما ان يثيرا المتفرج ، ويعتقد ايضاً ان الارتجال احد مقومات مسرحياته الاساسية ويعتبره اساساً لفكرة النص ومساحته على الخشبة وللجمهور دور مباشر ويساهم في العملية الابداعية ، حيث يكتب الزروالي نصه المسرحي على شكل سيناريو قابل للاضافات والحذف . ويكمل: ….. ان مسرح المونودراما يبقى اكثر قدرة من كل التجارب الاخرى فهو يقوم على اساس التجريب والاختزال ويرى ان ما يحقق التواصل بين المسرحي والجمهور هو تطويع العرض المسرحي والاقتراب من المتفرج انطلاقاً من الواقعية الشعبية واختيار النصوص ذات المواضيع التي تمس حياة الناس ، ويضيف :
كثيرة هي التجارب التي تتكئ على الخطاب السياسي فيما تقدمه، والعمل على تنمية هذا الجانب ودون مراعاة الضرورة الابداعية ، ويعتقد بان العرض المسرحي الناجح لا يمكن ان يحقق نجاحه الا بوجود نص جيد بموضوعه ولديه القدرة لجذب المتفرج واستفزازه ، النص عند الزروالي مساءلة اساسية ولا يتفق مع الذين يرتكزون في اعمالهم على الجانب المرئي وتهويل الشكل ، لانه وبرأيه يدخل هذا في نطاق فنون تعبيرية اخرى كالرقص التعبيري والسيرك والالعاب الرياضية والتي يتحتم فيها التعبير بالجسد وهي فنون لا يمكن للمسرح ان يدخل في صراع معها.
وعن رأيه بالمونودراما واشتغاله فيها يقول :
انا امثل وكأنني اكتب ، واكتب كانني اخرج ، واخرج وكانني اكتب ، ان العمليه الابداعيه يجب ان تتم ، وان تتوالد متكاملة العناصر والمكونات ، وقد تعاملت من نصوص كتاب اخرين من حين لاخر كلما بدا لي ان ذلك ممكناً ويتناغم مع توجهاتي .
ويذهب بذاكرته وزياراته المتكررة الى بغداد وعلاقاته وممغامراته فيقول :
زرت بغداد 18 مرة منذ العام 1976 وقضيت في احدى المرات ثلاثة اشهر كمتدرب في دار الجماهير للصحافة ، لذلك اقول اصبحت اعرف الأمكنة واعرف عن شعبه ومثقفيه الشيء الكثير ، يتذكر لقاءه بالروائي عبد الرحمن منيف وهو الذي نصحه بكتابة الرواية وذكرياته مع عبد الوهاب البياتي وسامي عبد الحميد وابراهيم جلال وصلاح القصب وليلى العطار وباقي الاسماء في مجالات الادب والثقافة والفن.
من خلال هذه الاسماء تعلمت الكثير ، وعشت العديد من الحالات والتجارب والمواقف التي ستضل راسخة في الذاكرة وفي القلب ويضيف :
مرات عديدة اذهب لزيارة عبد الرحمن منيف بقصد اجراء حوار معه لجريدة العلم المغربية ، ودائماً كان يحدث العكس فيتحول المستجوب الى مستجوب ، حدث مرات في مقر مجلة النفط والتي كان منيف مسؤولاً عنها ، عبد الرحمن منيف يختلف اختلافاً كبيراً عن باقي المثقفين يقول الزروالي ، لم يكن يهمه التنظير والانتشار ، كان شديد الحرص على التاكد بانه محاوره ليس مجرد باحث عن مادة قابلة للنشر .
ويتحدث الزروالي بلقاء جمعه بالراحل جبرا ابراهيم في منزله ببغداد وعن اندهاشه وهو يتجول في مكتبته الكبيرة ورفوفها وممراتها ومن جملة مايذكر أن جبرا حدثه عن شكسبير ودان بشدة كل الذين ادعوا قدرتهم على ترجمة نصوص اعماله الى العربية ، متهماً اياهم بتشويه نصوص شكسبير لاغراض تجارية تسويقية .
وعن تجربته الطويلة وماهو تقييمه لها قال:
مرة سألتني الشاعرة امل الجبوري … الا ترى انك وصلت مبكراً ؟ فقلت لها ، ان هذا السوال يتكون من خمس كلمات وساعطيك جواب من خمس كلمات ايضاً: اعترف بانني لم ابدا بعد ، ويسترسل … انا في قمة الرضا عما فعلت ذلك لان تجربتي مع المسرح بدأت سنة 1967 ، عندما حولت رواية ماجدولين الى عمل مسرحي ، ومنذ ذلك التاريخ واستمرت بعدها التجربة الى اكثر من من ثلاثين عملا مونودراميا وقدمتها عشرات المرات في مدن المغرب وقراه وحتى في المستشفيات والسجون والمؤسسات التعليمية بكل مستوياتها وكذلك قدمت اعمالا في اغلب الدول العربية ومهرجاناتها في دمشق وبغداد والقاهرة والقدس والناصرة والخليل ورام الله وقدمت عروضاً في العديد من الدول الاوربية ونلت جوائز بالتاليف والسينوغرافيا والتمثيل وحضيت اكثر اعمالي بالدراسات والبحوث .
وعن ادوات الممثل في مسرح المونودراما تحدث الزروالي وقال :
الممثل في المسرح الفردي يفترض فيه ان بشعر المتلقي وكانه لايمثل ، وان يتوفر على جاذبية خاصة تمكنه من طرد عنصري الملل والشعور بالارهاق فوق الخشبة ، وعليه ان يمتلك مؤهلات تعبيرية على مستوى الحركة والتعييرات الصوتية وانتقاء مضامين تبرر اختياره للموندراما على وجه التحديد ، ويعرف كيف يتحكم في العرض بكل مكوناته وهذه المسألة صعبة وصعبة جداً ، بمعنى انه لايكفي ان تكون ممثلا جيداً لتمارس الموندراما .
وعن رحلته الطويلة في المسرح تحدث وقال:
بانه ليس نادماً من رحلته الجميلة في المسرح ، ويتمنى من كل الجهات المعنية برد الاعتبار لمعنى المسرح واعطائه القيمة اللائقة حتى يؤدي دوره في الارتقاء الذي نتطلع اليه ، وحتى يتمكن الانسان في اوطاننا على الأقل من التغذية الفكرية والروحية ويمكنه بذلك التلقيح من كل التشوهات التي هيمنت على واقعنا وبكل اطيافه.
وعن الأحداث الساخنة في الشرق الاوسط ودور المسرح بعد مايعرف بالربيع العربي والحروب والمصائب :
انا لا اسمي ماحدث بالربيع العربي بل افضل تسمية يمكنني ان اطلق عليه ” البركان العربي ” رغم انني قدمت سنة 1984 مسرحية “رحلة العطش” وطبعت في كتاب في نفس السنة اتحدث فيها عن شخصية ” ربيع ” يبحث عن ربيعه في العواصم العربية وكل من يشاهد المسرحية او يقرأها اليوم سيعتقد انها كتبت بعد الاحداث ، وليس قبلها بربع قرن ، لانني في هذه المسرحية تنبأت بكل الاحداث وكانها جاءت امتداداً لمضمون النص فيا للغرابة.
ونوه الى المهرجانات المسرحية والعربية وقال ان فكرة المهرجانات جيدة وايجابية ، لكن تبقى مجرد فرص للقاء بين المشتغلين والمعنيين ، الاهم من وجهة نظري هو ضمان تحقيق اتصال اوسع بالجماهير في بلداننا ، وان تكون هذه المهرجانات حوافز حقيقية للمنافسة والارتقاء بالقيمة الابداعية ومن خلالها يتم اقناع ابناس والمسؤولين بأن المسرح ضرورة وليس ترفيها وتسلية بالمعنى السطحي للكلمة واكمل عن رأيه بالمسرح العربي :
عمر المسرح في البلاد العربية قصير ومع ذلك تدرج من التقليد والتاصيل الى التجديد والتجريب ، ولقد طال النقاش حول هذه الالفاظ والمفاهيم ، منها ماهو جاد وعميق لكن جلها ظل مجرد افكار ونظريات ولم يتم تفعيلها على مستوى التطبيق بانها مستعارة من تجارب ونظريات عالمية وكما نلاحظ في السنوات الاخيرة اللجوء الى فنون السيرك والسينما والرقص التعبيري مما يفقد المسرح نكهته الخاصة ويدخله في متاهات لا نهائية قد تنعكس سلباً على معناه.
وعن كيفية اتقاننا للكوميدي والتراجيدي في المسرح العربي اكمل عبد الحق الزروالي حديثه : لقد قلت في العديد من المناسبات باننا نمارس التهريج باسم الكوميديا والبؤس باسم التراجيديا ، انها ليست احكام عامة بطبيعة الحال ومطلقة انا قصدت بكلامي بعض المتطفلين على المسرح والذين حوله الى شغل من لا شغل له وهو مادفعني الى طرح هذا الموضوع حين القيت كلمة المسرح الاخيرة بيوم المسرح العالمي وقلت لهم :
اعطوا المسرح لمن يستحقه لا لمن يريده وميزوا بين من يشتغل في المسرح ومن يشتغل بالمسرح ومن يشتغل للمسرح.
وعن تنوع اجناس الزروالي الادبية تحدث وتصور بانه لا يجد معنى في حياته دون المسرح الى حد بانه يشعر وكانه يحيا في التمثيل ويمثل في الحياة : ومع ذلك قد اجد نفسي في الشعر بحكم ان اكثر نصوصي المسرحية هي شبيهة بقصائد شعرية او زجلية ، وللتذكير اصدرت ديوان شعر قبل سنوات ” نشوة البوح ” وريما اجد نفسي في الموسيقى والغناء وربما في الرواية كما نصحني بها عبد الرحمن منيف وقد اصدرت رواية ” الريق الناشف”.
وعن ارتباطه وانتمائه للموندراما فقد تحدث وقال
: للموندراما دوافع اضطرارية وجوانب اختيارية … الاضطرارية لانه في ظل انعدام شروط ومستلزمات المؤسسة المسرحية كان لابد لي من البحث عن وسيلة للانفلات من قبضة الازمة السائدة والتي اجهضت العديد من الاسماء والتجارب التي لو استمرت في ممارسة المسرح لكان لها اليوم شأن كبير ، اما البعد الاختياري فيرجع الى انه لا حد لطموحي واسعى دائماً كي لا اكون مجرد رقم عابر ، انا دائماً ابحث عن اللمسة بل البصمة ولا اريد ان اكون مجرد نسخة للاخر ، كما انني تربيت في فاس ، مدينة الفنون والساحات والحلقات ، فن الحلقة ….هذا الفن الضارب بالقدم ، انه شكل من المسرح الشعبي المرتبط بالارتجال والتلقائية والمبادرة والاقناع ، يقوم على فن الحكي وبراعة التشخيص والسخرية الممتعة والتوسل  والدعاء والإضحاك والإبهار ، وهناك تعلمت معنى المسرح الفردي ، انا مدين لفاس وحلقاتها ومكتبتها التي يسميها المغاربة “خزانة الكتب” انا مدين لجامعة القرويين لانها ومن خلال خزانتها الغنية تعلمت الشيء الكثير وادركت انه لكي اجد لنفسي حيزاً من هذا المجال الذي اعشقه ، علي ان ابذل الكثير من الجهد ، وبفضل الخزانة ايضاً تجاوزت مرارة وعقدة الانقطاع عن الدراسة لاسباب اجتماعية واقتصادية .

المصدر/ المدى

محمد سامي/ موقع الخشبة

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *