عبدالحكيم الصالحي .. وحده النص والعرض في مونودراما ( لحيالة ) العمانية – بقلم: يوسف الحمدان

عبدالحكيم الصالحي .. وحده النص والعرض في مونودراما ( لحيالة ) العمانية ..

بقلم : يوسف الحمدان

كنا في مونودراما ( لحيالة ) لفرقة الدن العمانية للثقافة والفن والتي شاركت في مهرجان الفجيرة الدولي الثاني للفنون ، أمام طاقة أدائية مسرحية شابة متوهجة يمكن قراءتها والوقوف على إمكاناتها المتميزة بمعزل عن النص السردي المعد والذي اتكأ في أغلب تفاصيله على الشتم وشكوى الحال وكيل الذم والتوبيخ بالحكومة التي لم تهتم بمواطنيها في منطقة ( لحيالة ) خاصة ، وعلى تأنيب الذات واستجداء الآخر لتخليصها من هذه المحنة الخارجية التي انعكست وطفحت على سطح التجربة بشكل مباشر ، دون وقوف أو بحث من قبل المعد المخرج محمد خلفان على خيوط اللعبة الدرامية أو الحدثية التي تنتسج التجربة المونودرامية على ضوئها وتدعونا لقرائتها بوصفها حالات وتحولات ومنعطفات تقتضيها هذه اللعبة .

هذه الطاقة تجلت في ممكنات الممثل الشاب عبدالحكيم الصالحي الأدائية الهائلة التي تجاوزت حدود مفردات النص والإخراج والديكور المتواضعة معنى ودلالة ، والتي من شأنها أن تقضي على هذه الطاقة تماما لولا حضورها الأدائي الشخصي المقاوم لمختلف أعباء الضعف والتخبط التي انفرزت وانبثقت عن هذه المفردات .

وهنا نكون أمام ممثل يسعى ويحاول بشتى ما يتملكه من أدوات أدائية لافتة عكستها بلا شك خبرته العاشقة للتجسد في فضاءات المسرح ، الخروج من قمقم الإشكالات النصية والاخراجية والديكورية والمؤثراتية الساذجة والتي لم تتمكن حتى من خلق أدنى علائق مفترضة فيما بينها ، الأمر الذي جعلنا نكون في مواجهة مؤد وحيد على الخشبة بوصفه نصا للعرض فارطا من ومتجاوزا للنصوص الأخرى المعدة للتبيؤ فيها .

فكما هو واضح ، أن الفنان عبدالحكيم الصالحي يتمتع بخامة صوتية رخيمة تتملك القدرة على التلون والتعبير عن مختلف حالات الغضب والألم وإن حاول الصراخ الاخراجي أن يجره أحيانا إلى منطقة التنميط والميلودراما الفاقعة إلى حدود لا تحتمل ، وهذا أمر تفرضه حالة العرض الشكاء والشتام ، وقليل هم الممثلون الذين يمكن التحكم في مفرداتهم الصوتية إزاء هكذا مغالاة صوتية أدائية ، ومن بينهم هذا الفنان الشاب الصالحي الذي حاول بشتى السبل أن ينجو بممكناته الأدائية الصوتية .

إضافة إلى هذه الطاقة الصوتية ، يتملك الفنان الصالحي قدرة هائلة على التحكم بممكناته الجسدية التي شكلت حضورا واضحا في إمكانياته على تحمل صنوف القسوة التي افترضتها أعباء المفردات الاخراجية عليه دون حتى أدنى بحث ولو ضئيل في بعض شرايين العلاقات الإنسانية والشعورية بين حالة انتقالية وأخرى .

لقد كانت الطاقة الجسدية للفنان الشاب الصالحي حاضرة ومتوقدة طوال هذا العرض المرهق المازوم وقادرة على خلق لغتها الأدائية والبصرية والحركية الشاقة في كثير من الأحيان ، كما أنها قادرة على السيطرة على هذه التفلتات اللامنضبطة التي تقترحها النصوص الأخرى للعرض ، ليشكل منها في نهاية الأمر نصه الجسدي الذي يقترح قراءات أخرى غير القراءات المفترضة في النصوص الأخرى المعدة للاشتغال والتفاعل معها .

وهنا نكون أمام ممثل يتملك طاقة هائلة وحضور لافت ومشع وإن لم تسعفه النصوص الأخرى التي أعدت من أجله .

الفنان العماني الشاب عبدالحكيم الصالحي ، فنان ننتظر منه الكثير وهو فنان المونودراما الخليجي الذي استوقفنا بأدائه المونودرامي المميز في هذا المهرجان والذي كنا نبحث منذ زمن عن طاقة تضاهيه حضورا وأداء في خليجنا العربي ..

فتحية محبة لك ، لأنك كنت النص والعرض في هذه المونودراما ..

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *