“شكوكو” بـ”إزازة”.. هكذا قاوم “الأراجوز” الاحتلال وأصبح “شارلي شابلن العرب”

 

 

 

كتبت : آيات قطامش

عبر الشاشة الصغيرة وعلى خشبة المسرح دائمًا ما كان يُطل علينا مُمسكًا بعصاه.. مُرتديًا جلبابه المعهود وطاقية تزين رأسه، إنه الفنان الذي ذاع صيته بدرجة لم يكن يتوقعها، ففجأة تحول من نجار يقف بورشة والده في أحد حواري المحروسة نهارً ومُغني أفراح ليلًا، لأشهر مونولوجيست وأراجوز أيضًا، وامتد صيته بالدرجة التي دفعت الناس تتكالب على تماثيل صنعها البعض له، وكانت أيضًا السر وراء مقاومته للاحتلال الانجليزى آنذاك.

تزامنًا مع ذكرى ميلاد “محمود شكوكو” الذي جاء إلى الدنيا في مثل هذا اليوم 1 مايو 1912، نرصدًا بعضًا من محطات حياته في 5 مشاهد.

مشهد 1- “إزازة شكوكو” تقاوم الاحتلال

عربات جر خشبية تراصت عليها تماثيل للفنان محمود شكوكو، كان يجوب بها أصحابها شوارع المحروسة وهم ينادوا بأعلى صوتهم “شكوكو بإزازة”.. ولهذا الأمر قصة تعود تفاصيلها لأيام الاحتلال الإنجليز، وجاءت تفاصيل حكاية “شكوكو بإزازة” حسبما رواها نجل المونولوجست الراحل شوكو.

 

في أثناء المواجهات بين شباب المقاومة وقوات الاحتلال، كانوا بحاجة لكمية هائلة من الزجاجات، لكي يستخدمونها في صنع المولوتوف كسلاح يواجهون الإنجليز به، ولم يجدوا غير “شكوكو” أمامهم، ذائع الصيت ومحبوب بين العامة، ليكون سبيلهم في جلب تلك الزجاجات، حيث قرروا بيع تماثيل تحمل شكل “شكوكو” للمواطنين مقابل الحصول على زجاجة، لهذا كان يمر البائع في الشوارع مناديًا “شكوكو بإزازة”.

مشهد 2 – “شكوكو” النجار الكسيب.. مغني الموالد

في ورشة النجارة الخاصة بوالده بأحد شوارع حي الدرب الأحمر بالقاهرة، كان يقف “شكوكو”، يعمل نجارًا بها منذ كان صغيرًا، فلم يذهب للمدرسة.

“يا وابور قول لي رايح على فين…”؛ أغاني كان يُـ”دندها” شكوكو في أثناء انخراطه بالعمل داخل الورشة، منها أغاني لـ “محمد عبد الوهاب، أم كلثوم” ويغني الشعبي لـ “محمد العربي والحاجة زينب”.

مع الوقت لم يعد “شكوكو” يسمع دنداناته وصدى صوته داخل الورشة فقط، وإنما خرج ليلًا للموالد والأفراح، وبات معروفًًا بين الأحياء الشعبية المختلفة، فكان يومه مقسمًا فيما بين النجارة نهارًا، والغناء بالأفراح في الليل.

لم يكن يأخذ أجرًا نظير غناءه في الموالد وغيرها من المناسبات، حيث كان يفعل ذلك من باب “الواجب والجدعنة” حتى سنة 1940.

ومع الوقت صار يعمل مع سيدة تُدعى فاطمة الكسار، في الموالد، فيروي “شكوكو” خلال حوار متلفز جمعه مع الإعلامي سمير صبري أنه كان يتكبد 12 مليمًا ذهابًا إليها من الدرب الأحمر للجيزة ومثلهم إيابًا من عندها، وكانت تطبع هي قرشين صاغ في راحة يده عقب انتهاء العمل، يقول “شكوكو”: “كنت بكسب من صنعتي من النجارة قوي.. كنت مثلا آخد 25 قرش في اليوم، أنا ناصح زي والدي بعرف أصلح كل حاجة خاصة بالنجارة باب وشباك واعمل الضبة والمفتاح”.

مشهد 3 – “شكوكو” من البدلة الزرقاء لـ “الجلابية والعصايا”

“شكوكو” الذي حفر في ذاكرة محبيه بذاك الجلباب البلدي الذي يتوسطه حزام من الوسط، وطاقية طويلة بعض الشيء تعتلي رأسه، لم يكن هذا زيه في بداية الأمر، حيث كان يرتدي في الأصل قبل دخوله عالم الفن في أثناء توجهه للموالد والأفراح بدلة زرقاء.

“ورد عليه فل عليه”.. كلمات لأول أغنية كتبت خصيصًا لـ “شكوكو” كتبها له أحمد المسيري، وحينما غناها ذهب للمسرح مرتديًا جلبابًا وطاقية ليتماشى مع طابع الكلمات، ولم ينس بالطبع أن يحمل زهورًا قام بنثرها خلال غنائها على الجمهور، ومنذ ذلك الوقت بات هو والجلباب والطاقية أصدقاء بعدما أبدى من شاهده إعجابه الشديد به وبهيأته.

عمل شكوكو مع فرقة علي الكسار، حيث غنى العديد من المونولوجات وشارك بالكثير من المسرحيات، ومع الوقت تمكن بموهبته من أن يضع قدمه بقوة في السينما بعد أن اكتشفه المخرج نيازي مصطفى الذي قدمه في فيلمي (حسن وحسن) و(شارع محمد علي)، وتوالت بعدها مشاركاته السينمائية في العديد من الأفلام، من أشهرها: (شباك حبيبي، الأسطى حسن، بائعة الخبز، عنبر، ليلة العيد، شمشون ولبلب).

مشهد 4- شكوكو.. مونولجست “أٌمي” تعلم القراءة والكتابة بعد الشهرة

يحسب لشكوكو أنه رغم أُميته كونه لم يلتحق بالمدرسة نظرًا لعمله مع والده صباحًا في النجارة وليلًا في الأفراح، إلا إنه قرر أن يتعلم القراءة والكتابة بعدما صار مشهورًا بل وحفظ عددًا من الكلمات الإنجليزية وأدخلها في بعضًا من مونولوجاته.

مشهد 5- شكوكو.. الأراجوز وشارلي شابلن العرب

انتشار تماثيله التي كانت تباع في كل مكان خاصة مع ظهور من ينادي “شكوكو بإزازة”، فضلًا عن مهارته بالعمل بالنجارة، جعلته يفكر ويتسائل لماذا لا يدخل في عالم العرائس؟ خاصًة وأن الجميع يشهد له بخفة الظل، فأخذ يصنع العرائس الخشبية، وقدم عدد من المسرحيات مثل “السندبات البلدي..الكونت دي مونت شكوكو”، وتوقف نشاط مسرح شكوكو للعرائيس سنة 1963 لضيق الأحوال المادية.

إلا أن شهرته الحقيقية بالعرائس التصق بشخصية الأراجوز حيث أكسبته شهرة واسعة، وقدم من خلاله العديد من النمر وناقش الكثير من القضايا، ويحسب له أنه أحيا فن الأراجوز الذي كان قد اندثر لدرجة أنه غنى للأراجوز أغنية “ع الأراجوز يا سلام سلم”.

وطاف هو وشكوكو الكثير من بلدان أوروبا وأميركا اللاتينية بعرائس الأراجوز الخشبية، ومع الوقت صار الكثير يلقبه بـ “شارلي شابلن العرب”.

واصل شكوكو عطائه الفني في مجال الغناء والمونولوج حتى وفاته في عام 1985 عن عمر يناهز 73 عامًا.

https://www.elrsala.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش