شخصيات أسست المسرح العربي

 

 

ريهام عبد الوهاب – البديل 

(1)

“أعطني مسرحا أعطك شعبا عظيما”.. جملة من أشهر ما قيل في المسرح.. ويعتبر المسرح والفن بوجه عام انعكاسا للمجتمع، إذ ارتبطت الدراما والتشخيص بطبيعة البشر على مر العصور، فنجد المسرح يحاكي الحياة اليومية من خلال الأدوار المختلفة التى يلعبها الممثلون، وتتجسد قوته عند نجاحه في إسقاط رموزه على أشخاص نصادفهم في حياتنا، وقد يكون أحد هؤلاء الأشخاص يمثلنا نحن.

الوقوف على خشبة المسرح ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج إلى الروح والمشاعر والمعنى، وإعطاء الجمهور شعورا بأنه يعيش داخل تجربة حقيقية بكل مافيها من فرح وحزن وألم، وفى تجربة المسرح المصري هناك العديد من الفنانين الذين لم يتوقفوا عند النجاح على خشبة المسرح، بل تخطى دورهم إلى إثراء المسرح فتركوا بصمة لا تزال عالقة في ذاكرة التاريخ.

في هذا التقرير نتعرف على هؤلاء الذين جعلوا للمسرح المصري طابعا خاصا يميزه عن المسارح الأوروبية، لتكون أسماؤهم أيقونة في التاريخ المسرحي ويلقبوا بـ”رواد المسرح المصري”.

نجيب الريحاني.. زعيم المسرح الفكاهي

نجيب-الريحانى-يبحث-عن-وجوه-جديدة-3

يعد الريحاني، أحد أبرز رواد المسرح في الوطن العربي، كما أنه أشهر “كوميديان” في تاريخ الفنون العربية، فهو ممثل مصري من أصل عراقي؛ ترك بصمة في المسرح العربي إذ أسهم في تطويره والارتقاء بالفن الكوميدي وربطه بالحياة اليومية ليحرره من محاكاة المسارح الأوروبية، فلقب بـ”زعيم المسرح الفكاهي”.

كان الريحاني يستخدم خليطا من اللهجة المصرية العامية واللغة العربية الفصحى، معللاً ذلك بقوله “عايزين مسرح مصري، مسرح ابن بلد فيه ريحة الطعمية والملوخية، مش ريحة البطاطس المسلوقة والبوفتيك، مسرح نتكلم عليه اللغة اللي يفهمها الفلاح والعامل ورجل الشارع، ونقدم له ما يحب أن يسمعه ويراه”.

بدأ الريحاني تطوير فن المسرح بتقليص المساحة المخصصة للرقص والغناء لصالح الكوميديا، لتتراجع شخصية “كشكش بيه” والتي كانت تعد رمزا للنظام الاجتماعي في المسرحيات قديما. وقدم الريحاني عددا كبيرا من المسرحيات التي كانت تعالج مشاكل المجتمع بأسلوب راقٍ، وكان يجسد دور الموظف البسيط الكادح ومعاناته بأسلوب فكاهي، الإ أنه لم يتم تسجيل أي من مسرحياته.

“فرقة الريحاني” المسرحية التي أسسها كانت تقدم اسكتشات خفيفة تعرض بين فواصل المسرحية الرئيسية، وكان يقوم هو بدور البطل دائما، فضلاً عن عمله كمؤلف ومخرج، وكانت هذه المسرحيات تعرض في الملاهي الليلية، وقدمت الفرقة 33 عرضا مسرحيا، ليعتزل الريحاني المسرح عام 1946، ويتفرغ للسينما تاركا بصمة مميزة في المسرح الفكاهي.

توفيق الحكيم.. رائد المسرح الذهني

من الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث، وكانت مسرحيته “أهل الكهف” التي نشرت عام 1933، هي بداية تيار مسرحي جديد عرف باسم “المسرح الذهني” الذي جمع بين الرمزية والواقعية والخيال والعمق بعيدا عن الغموض، كما سمي بهذا الاسم لصعوبة تجسيده على خشبة المسرح، فيما لاقت “أهل الكهف” شهرة واسعة وترجمت إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

افتتح المسرح القومي نشاطه عام 1935، بمسرحية “أهل الكهف” للأديب توفيق الحكيم وإخراج زكي طليمات؛ وأحدثت صدمة للجمهور فكان الفشل حليفها، وهو ما أرجعه الحكيم إلى أنها “كتابات فكرية تخاطب الذهن ولا تصلح أن  تعرض على خشبة المسرح، إنما تصلح فقط للقراءة وإسقاط رموزها على أرض الواقع، فهى رؤية نقدية للحياة والمجتمع”.

في أحد اللقاءات الصحفية قال الحكيم، عن المسرح الذهني “إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز، لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح؛ ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة”.

كانت موضوعاته مستمدة من التراث المصري عبر عصوره المختلفة، سواء أكانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية، كما استمد أيضا شخصياته وقضاياه المسرحية والروائية من الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المعاصر.

جورج أبيض.. أبو المسرح 

تعود أصوله إلى لبنان، إلا أنه يعتبر من رواد المسرح المصري، وصفه الفنان زكي طليمات بـ”الأستاذ الأول في المسرح العربي”، فهو صاحب النقلة النوعية التي حدثت للمسرح المصري في القرن العشرين، وقام بتعريب عدد كبير من العروض المسرحية من الفرنسية إلى العربية وقدمها على مسرح دار الأوبرا بالقاهرة.

درس جورج أبيض الفن في باريس، إذ أرسله الخديوي عباس، في بعثة إلى فرنسا للدراسة بعد أن أعجب بتمثيله وهو يقدم مسرحية “برج نيل” عام 1904، ليعود إلى مصر ومعه فرقة تحمل اسمه “جورج أبيض” تتكون من ممثلين فرنسيين، وبدأ يعرض مسرحياته باللغة الفرنسية، وقدم أكثر من 130 عرضا منها “تاجر البندقية، ترويض النمرة، شارل السادس، الشعلة، صلاح الدين، ملكة أورشليم، الحاكم بأمر الله”.

استعانت به الحكومة المصرية عام 1935 في إنشاء “الفرقة القومية المصرية”، وقام ببطولة العديد من عروضها هو زوجته دولت أبيض، كما تم تعيينه كأول نقيب للممثلين عام 1943، ومنحه الملك فاروق رتبة “البكوية” من الدرجة الأولى لجهوده في النهوض بفن المسرح، وحين افتتح “معهد الفنون المسرحية” عين به أستاذا للأداء التمثيلي، وظل يدرس به حتى وفاته.

———————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *