شارة” مسرحية سورية أساسها الارتجال الجماعي / نضال قوشحة

 

 

 

فايز قزق يقدم من خلال المسرحية عرضا ذهب فيه بعيدا في أعماق النفس الإنسانية وما تعانيه في تجليات مختلفة.

بعيدا عن شكليات التناول المسرحي التقليدي، الذي يعمل عليه عادة، ويبدأ بوجود نص أدبي مسرحي، يتحول بعدها لعرض مسرحي متكامل الأركان، يذهب الفنان السوري فايز قزق مع طلابه في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وهم طلاب السنة الرابعة في قسم التمثيل، نحو مشروع مسرحي مغامر وجديد يعتمد على مبدأ الارتجال الجماعي الذي يقوم على فكرة أن يساهم الجميع بوضع النص المسرحي الذي سيُؤدى.

عمل الفنان السوري فايز قزق مخرج عرض “شارة” مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، السنة الرابعة في قسم التمثيل، وعددهم خمسة عشر طالبا، على إنجاز عرض مسرحي متكامل، والذي قدم في أوبرا دمشق على امتداد خمسة أيام، شهدت خلالها صالة العرض احتفاء الجمهور المسرحي بها. واستطاع هؤلاء الخريجون من خلال التجربة خلق حالة من التفاعل مع الجمهور كانت لافتة ومشجعة.

وقدم قزق من خلال العرض المسرحي الطويل الذي امتد زمنه لما يقارب الثلاث ساعات، عرضا ذهب فيه بعيدا في أعماق النفس الإنسانية وما تعانيه في تجليات مختلفة، سواء من حيث ظهورها في العديد من الحالات الإنسانية المختلفة أو ردود أفعالها على أحداث هامة تعترض مسيرها، فظهرت في المسرحية موضوعات إنسانية متعددة، تترجم حالات الحب والخديعة والغرور والتسلط والجشع والغيرة  والحرمان وغير ذلك..

فايز قزق: الارتجال الذي اعتمد عليه عرض "شارة" مختلف عما هو سائد
فايز قزق: الارتجال الذي اعتمد عليه عرض “شارة” مختلف عما هو سائد

كل هذا عبر حدث حكائي بسيط، لم يحمل الكثير من العقد الدرامية، تاركا المساحة الأكبر للطلاب الخريجين، بأن يساهم كل منهم بأداء منفرد، يعمق من خلاله مكونات شخصيته، فذهبت المسرحية في عمق الشخصيات ولم تذهب في استعراض مساحة كبيرة ومتغيرة من الأحداث، بحيث كانت أحداثها قليلة، لكنها عميقة.

وتقوم الحكاية في المسرحية على فكرة أن رجلا ثريا (أبوغسان) قد مات، وله أخ وعدة أبناء وحفيد. يبدأ الجميع بالتحضير لمراسم الدفن والعزاء، فيقوم شقيق المتوفى بإحضار الجثمان للبيت حتى يودّعه أهله، فيُسجّى الجثمان في صالون البيت، وفي هذا المكان الصغير، تظهر الأحداث الكثيرة والمتشابكة بل والعاصفة التي تكشف الكثير من الأمور وتفسّر أخرى.

وأمام جثمان الأب يكتشف الأبناء حقائق عن والدهم وأنه كان  صاحب نزوات ومحتالا، فضمن أحداث متتالية ومتسارعة تتكشف الكثير من حيوات هؤلاء الأخوة الذين لم يكونوا على قلب واحد، فباعدت بينهم السنون والأحلام والمسافات والطموحات والمصالح، فصارت إحداهن فنانة شهيرة وثانية تزوجت من رجل غريب وثالث يعمل في أعمال غير قانونية وأحدهم غير جنسه إلى أنثى، بينما كان عبء العناية بالرجل المريض قبل موته على إحدى بناته التي يتعلق ابنها المريض بجده ويحاول دائما ألاّ يصدق أنه رحل.

ووسط كل هذه الفوضى من الشخصيات والأحداث، تبرز شخصية حارس البيت وزوجته وتتداخل حياتهما مع حياة هؤلاء جميعا، والذروة تكون في وجود الجار، الشيخ، الذي يتصارع مع شقيق المتوفى على سرقة مال الراحل، وينجح بالاحتيال على الشقيق الذي احتال بدوره على الجميع وزوّر أوراق التنازل من شقيقه بعد أن جعله يبصم على أوراق وهو ميت، ولكن الشيخ المحتال، يثبت بالوثائق أن الراحل قد تبرّع لهم بالمكان ليصير ملجئا للأيتام، وبذلك يربح حربه ضد شقيق الراحل والجميع وينال ذلك المكان، مستغلا مكانته في المجتمع.

والعرض الذي قدمه الخريجون، بدأ من نقطة الصفر، فكانت صفحات النص بيضاء تماما، وما لبثت أن بدأت الأفكار تتوالد وتتشكّل بعد وضع الهيكلية العامة للنص، ثم العمل على البروفات بين الممثلين، إلى أن استقر النص على الشكل النهائي الذي ظهر عليه.

والارتجال الذي اعتمد عليه العرض، كما يقول الفنان قزق، “يختلف عما هو سائد في الحالة العادية، فهو هنا علمي مدروس، يستنبط من الجميع كل ما بدواخلهم لكي يكون في ظاهر النص وجزءا من العرض النهائي”.

_________________

المصدر / العرب

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …