سأموت في المنفى ) .. هل هوَ مسرح شارع ؟؟د. بشار عليوي

 

سأموت في المنفى ) .. هل هوَ مسرح شارع ؟؟

د. بشار عليوي
لطالما تُثير العروض المسرحية التي تحتفي بالسيرة الشخصية لمؤديها خصوصاً تلكَ التي يُجسدها مؤدي واحد , الكثير من الجدل حول شكلها وماهيتها وماهية خطابها المُمسرح , ولعلَّ واحدةً من أبرز مُثيرات هذا الجدل المسرحي هي “الدافعية” التي تقف خلف تقديم هذهِ النوعية من العروض والجدوى المرجوة من هذا التقديم , لكن ما يهمنا هُنا هوَ الجدل المُتمحورَ حولَ ماهية شكلها , وعائديتهِ وتصنيفهِ ومما يُزيد وتيرة هذا الجدل هوَ المؤدي نفسهِ حينما يبتدأ عرضهِ وتماهياً مع أنساق السرد التمثيلي , بتنحية غالبية التوصيفات النقدية المُتداولة عن هكذا عروض تاركاً إمكانية التوصيف للمُتلقي نفسهِ وهذهِ القصدية الأُولى ضمن مُتوالية القصديات المرجوة بُغية إثارة هذا الجدل من قبل المؤدي كما في عرض(سأموت في المنفي) للفنان المسرحي الفلسطيني “غنام غنام” تأليفاً وإخراجاً وأداءاً الذي قدمهُ مرات عديدة وفي مُناسبات مسرحية مُختلفة وما زال .
من تابعَ ويُتابع هذا العرض ، سيجد نفسه مقذوفاً داخل مركز الإشتغال الدرامي ، مُتماهياً مع مؤدي العرض بسيرتهِ الشخصية هوَ وحدهِ عطفاً على بقية قصص الفلسطينيين الذي هُجروا وأُجبروا على تركِ ديارهم , “غنام بن صابر بن غنام ” القادم من “كفر عانا ” تلكَ البلدة الفلسطينية القريبة من يافا والتي حَلتْ قبل فترة وجيزة قلائل الذكرى الـ71 لتهجير أهلها وسيطرة الاستيطان الاسرائيلي عليها . فغنام ابن هذهِ البلدة ويرجع نسبهُ لأحد حمائلها ( عمرة) ، يسرد لنا سيرة ذلكَ الفلسطيني المنفي عن بلدتهِ والمُتطلع لأن يعود يوماً لها ضمن إجتهاد أدائي مُنضبط متمازج مع الوجع الداخلي للمؤدي /السارد والذي يتماهى مع مسرحة السيرة الذاتية مع تعدد الدلالات السيمائية لدالة (الكرسي/حقيبة السفر/الكوفية الفلسطينية) عبر توزيع الجهد الأدائي في بيئة الفضاء الدرامي المفتوح .
تمظهرَ أداء غنام السردي التمثيلي ولقُربهِ المكاني من منطقة هذا الأداء في شكل تمازج مكاني ووجداني مع مُعطيات العرض بوصفهِ يُقدم في فضاء درامي مفتوح مُختلف من مُناسبةً مسرحية الى أُخرى (خشبة مسرح / حديقة / صالة عامة / رصيف شارع / مدخل قاعة مسرح …. وغيرها ) هذهِ النسقية في بيئة العرض عبر تحولاتها المكانية فضلاً عن النسق العام لماهية العرض , قد أثارتْ حوله الكثيرَ من الجدل لناحية توصيفهِ (مونودراما / مسرح شارع / مسرح فضاء مفتوح / سالوفة مسرحية / مسرح السيرة / مسرحة الحكاية …. وغيره ) ، فالمونودراما بوصفها ” دراما الصوت الدرامي الواحد ” وفقاً للخبير في المونودراما العراقي د.حسين علي هارف , وليست ” مسرحية المُمثل الواحد ” نجد لها في هذا العرض بعض المُشتركات معها ولعلَ أقرب توصيف لخطاب العرض الفني هوَ ” حكاية مسرحية ” بالتماهي مع الوصف الذي أطلقهُ الفنان العراقي الراحل يوسف العاني على هكذا عروض وهو ” سالوفة مسرحية ” . وبالعودة الى ماهية كُل توصيف من التوصيفات الآنفةِ الذكر وفقاً لما جُبِلَّ عليهِ المسرحيون , فإن كُلَ ناقد ومُتلقي ومُتابع لسردية غنام , سيُرجعها بالاعتماد على مجسات التلقي لديهِ ووفقاً لمرجعياتهِ المعرفية والجمالية , ولأننا معنيين بمُناقشة العروض التي تُقدم في الفضاءات المفتوحة والأماكن العامة ممن تُثير حولها جدلاً واسعاً ومُتنوعاً , فثمةَ تساؤل قد يشغل بال الكثيرين مفادهُ , هل هذا العرض “مسرح الفضاءات المفتوحة ” ؟ أم هَوَ ” مسرح شارع” ؟؟ أم “مسرح في الشارع “؟ مع التسليم التام بالفروقات البينية بين مسرح الشارع والمسرح في الشارع , فمسرح الشارع معروف بكونهِ يذهب بالممارسة المسرحية الى الناس حيثُ يتواجدوا مُقدماً ما يهمهم من موضوعات آنية بُغية تحقق عامل التفاعلية والتشاركية مابين جمهورهِ المُتجمع عشوائياً وبين مُقدميهِ , فيما أن ” المسرح في الشارع ” يُقصيَّ ويُحييد عُنصر ” التفاعلية ” التي تعتمد على إشراك الجمهور وإشتراكهِ في أحداث العرض بوصفِ هذا العنصر سمات ” مسرح الشارع” , فلطالما إجتهدَ الكثير ممن شاهد العرض من نُقاد ومسرحيين في توصيف العرض بعدة توصيفات , لكن ووفقاً لمُعطيات العرض الدرامية يُمكن توصيف عرض “سأموت في المنفى” بـــــ(المسرح في الشارع) والشارع كتوصيف مجازي يُطابق الرصيف والمقهى والبهو الخارجي والصالة المفتوحة والحديقة … وغيرها .

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش