«سأموت فى المنفى» يرفع شعار.. «على كل فلسطينى أن يسرد روايته»

أحمد أمين عرفات

قد يصنفه البعض على أنه منودراما لأنه يقوم على ممثل واحد، وقد يتعامل معه الآخرون على أنه ينتمى إلى عروض القهوة أو الشارع، حيث يقوم على الحكاواتى الذى ينزل وسط الناس ليقص عليهم حكايته أو قضيته، لكن الأهم من عملية التصنيف هذه، أنه عمل لا يشعر المتفرج بأى ملل برغم أنه يتجاوز الخمسين دقيقة، ولا يستعين بأى إبهار سمعى أو بصرى فهو يخلو من الموسيقى والإضاءة، عمل يؤكد أنه ليس فقط بالديكور الفخم  والفرق الموسيقية، تقدم القضايا المهمة، فلا ديكور هنا سوى كرسى استخدمه بطل العمل،  فتارة نجده حقيبة وتارة نجده شاهد قبر وتارة نجده جثمانا وهكذا، وفى كل مرة لا نملك إلا أن نتخيله كما يريده بطل العمل، عمل كان بمثابة التحدى الكبير لـ «غنام غنام»، كبطل وحيد لهذا العمل وفى نفس الوقت هو المؤلف والمخرج، فلك أن تتخيل كيف لهذا المغامر أن يتحمل مسئولية تقديم عرض يخلو من كل عناصر الإبهار التى يدرك أهميتها بخبرته السابقة، حيث استعان بها فى العديد من أعماله المسرحية، وكيف راهن على تحمل الجمهور لمثل هذا العمل الطويل نسبيا والذى يعتمد فيه فقط على الحدوتة التى يقدمها وأدائه التمثيلي، والحقيقة أنه استطاع بهما أن يعوض متفرجيه عن كل عناصر الإبهار التى افتقدها العمل، وقد ساعده فى المقام الأول براعته ككاتب استطاع نسج  قضية العمل فى حدوتة مترابطة، تفوق فيها باستدعاء الأحداث الخاصة بها بسلاسة وبشكل منطقي.

بدأ العمل الذى عرض أخيرا فى افتتاح مهرجان القاهرة الدولى للمنودراما برئاسة المخرج أسامة رؤوف، بدخول «غنام غنام»، أحد المطارات يحمل حقيبته التى انطلق منها ليقص حكاياته مع  الحقائب، كمدخل ذكى منه يكشف من خلاله ما يعانيه من غربة واغتراب وكاشفا معاناته كفلسطينى يعيش فى المنفى يواجه حياة يراها أنها بدل فاقد لما كان يجب أن يحياها فى بلده فلسطين، فالعمل هو فى حقيقته سجل شخصى له ولعائلته وتطبيقا لمقولة إدوار سعيد «على كل فلسطينى أن يسرد روايته»،  فتحدث كيف محو وطنه من على الخريطة بفعل المؤامرات والاتفاقيات الباطلة، وكيف أنه ولد كفلسطينى فى الأردن، يعانى من شيزوفرينا فى الهوية، يذهب إلى المدرسة فيقرأ عن فلسطين كأنها بلد شقيق، يعود إلى البيت فيجد أمه بالثوب  الفلسطينى المطرز، وأبيه لديه جرح فى كتفه، وجدته يحكى عن خاله الذى استشهد على أرض فلسطين، واستعرض حياة أسرته وكيف كانت تعيش فى حالة شوق ولهفة للعودة إلى حضن فلسطين، لدرجة أن أمه كانت تتغنى دوما بأغنية وديع الصافى التى لحنها فريد الأطرش «على الله تعود على الله .. يا ضايع فى ديار الله ، من بعدك أنت يا غالى .. مالى أحباب غير الله» هذه الأغنية التى تحول لحنها إلى عدودة على لسان الأم عند وفاة شقيقه،  ومن أصعب المشاهد هو مشهد الموت وكيف أن شاهد قبره حمل اسمه واسم قريته الفلسطينية «كفر عانة « التى عجز عن العودة إليها ليدفن فيها فحملها معه فى قبره بالمنفى.

على الرغم من أن العمل كان ينضح بالبوح المؤلم، لكن غنام غنام استعان  بالسخرية فى بعض المواقف التى جلبت الضحك ليخفف من حدة هذا الألم، ولكنه كما يقولون ضحك كالبكا، أو  هى الكوميديا السوداء التى جعلت الضحكات تختلط بالدموع.

———————————- 

مجلة الفنون المسرحية 

المصدر /   الأهرام العربي

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …