زينة دكّاش: السجن صورة مصغّرة عن بلادنا/جوسلين الأعور

في الرابع عشر من تشرين الأوّل الحالي شرّع مسرح المدينة أبوابه أمام كوكبة من المسرحيين والموسيقيين لعرض أعمالهم على مدى أسبوعين بمناسبة عيده العشرين. «جوهر في مهب الريح» هو عنوان العمل المسرحي الذي قدمّته المخرجة والممثلة زينة دكاش ليل الرابع والعشرين من الشهر الحالي على شكل فيلم في أوّل عرض له خارج سجن رومية. وهو العمل الثالث لدكّاش داخل السجون اللبنانيّة بعد «12 لبناني غاضب» و «شهرزاد ببعبدا»، بحضور عدد من السجناء الذي شاركوا في المسرحية، والذين أنهوا مدّة محكوميّاتهم.

كيف تصفين مشاركتك في احتفالية العيد العشرين لمسرح المدينة؟ وكيف تمّ الاتفاق لتقديم مسرحيتك الجديدة ضمن الاحتفالية؟
أنا سعيدة جداً أن يكون العرض الأوّل لمسرحية «جوهر في مهب الريح» خارج جدران السجن في هذه الاحتفالية الفريدة التي تعدّ محطة نجاح في تاريخ المسرح اللبناني بمجهود جبّار من السيّدة نضال الأشقر التي تقاوم بهذا المسرح لتحافظ على مكانته. نضال التي شاهدت المسرحية مباشرةً في سجن رومية في أيّار الماضي طلبت مني المشاركة بهذه الاحتفالية. لتستكمل المسرحية مشوارها وعروضها في المسارح والجامعات والمدارس، على غرار ما حصل في العملين السابقين.

 هل تتمنين أن تتحوّل هذه الخطوة إلى تقليد سنوي؟
الخطوة تحمل الكثير من التفاؤل في طيّاتها، حيث استطاعت نضال الأشقر أن تجمع أهم الأعمال المسرحية باختلافها وتنوّعها على منصة واحدة، أتمنّى أن يتحوّل الأمر إلى تقليد سنوي رغم أنّ نضال واجهت حتماً العديد من الصعوبات لتأمين دعم مادي لهذه الاحتفالية، ما يجعل تكراره كل عام صعب التنفيذ.

ما هي أبرز أهداف مسرحية «جوهر في مهب الريح»؟
تسلط المسرحية الضوء على السجناء ذوي الأمراض النفسية والسجناء المحكومين بالمؤبد الذين وكأنما يجمعهم قدر واحد: حكم بالسجن غير معروف الأمد. يهدف هذا المشروع إلى تحسين الوضع النفسي والقانوني لهاتين الشريحتين المنسيتين من السجناء، فيجب الاعتراف مع الشريحة الأولى أنّ المريض النفسي لا يمكن أن يشفى من مرضه، وبالتالي لا يمكن انتظار ذلك لإخلاء سبيله، بحسب ما ينص القانون اللبناني. وتسليط الضوء على تخفيض عقوبات الشريحة الثانية بشروط شبه مستحيلة وهي استحصال السجين على اسقاط للحقوق الشخصية من ذوي الضحية، أو دفع التعويضات الشخصية التي غالباً ما تكون قيمتها مُرتفعة، قد تصل الى 500 مليون ليرة لبنانية، ولا طاقة للسجين بدفعها. وهي شروط غير موجودة في أي قانون قضائي في العالم!

 هل هناك شروط معيّنة للسجناء للمشاركة في أعمالك المسرحيّة؟
أنا أفتح المجال للجميع، ولكن معطيات عدّة تتدخل في الاختيار أبرزها رغبة السجناء في المشاركة ومدّة الحكم عليهم، إذ إن هذه الأعمال بحاجة إلى خمسة عشر شهراً تقريباً من العمل قبل أن تبصر النور.

العمل داخل السجون
 بما أنّ «جوهر في مهب الريح» هو العمل الثالث لك داخل السجون، هل يصبح التعاون أسهل مع القضاء اللبناني والدولة اللبنانية لتنفيذه؟
لأنّ كل عمل يتطلّب المجريات نفسها، ولا بدّ من إعادتها من جديد، يصعب عليّ القول إن الأمر يصبح أكثر سهولة، بل أحياناً قد تواجهنا عراقيل لوجيستيّة في مسرحية معينة، لم تواجهنا في العمل السابق. خصوصاً أننا ندخل إلى سجون أمنية غير عادية، مثل سجن رومية.

 هل تلحظين زيادة في الوعي الاجتماعي لوضع السجون والسجناء بعد عرضك أعمالك في المسارح والجامعات والمدارس؟
لأنّ طبيعة المسرح الذي أعمل عليه هي بالدرجة الأولى هادفة ويسعى هذا المسرح إلى تحقيق هذا الوعي، أجد أننا نعم استطعنا خلق هذا الوعي في نفوس المعنيين والقانونيين ومن بعدها الطلاب وأبناء مجتمع. ولا أبالغ إذا اعتبرت أنّ النتيجة الإيجابية تتضاعف مع كل عمل نقدّمه، خصوصاً على صعيد الوضع القانوني إذ إن أحدث عمل «جوهر في مهب الريح» أدّى إلى مشروعَيْ قانون لتحسين الوضع القانوني للسجناء ذوي الأمراض النفسيّة والسجناء المحكومين بالمؤبد تقدّمنا بهما إلى مجلس النواب اللبناني في آب المنصرم.

 ما الذي تغيّر في زينة قبل العمل في السجون وبعده؟
أمورٌ كثيرة تغيّرت في شخصيّتي، أبرزها أن آفاقي أضحت أكثر اتساعاً وامتداداً وانفتاحاً، وساهمت في جعلي أفهم الآخر بصورة أعمق مهما كان مختلفاً عني، فالسجن هو صورة مصغّرة عن البلد الذي نعيش فيه. كما تعلّمت الصبر مع كل الصعوبات التي تواجهنا في التحضير لكل عمل.

العلاج بالدراما
 هل ما يزال مفهوم العلاج بالدراما مبهماً؟
لعلّني أوّل مَن بدأ العمل في العلاج بالدراما، ولكن الاختصاص الذي كان جديداً قبل عشر سنوات تغيّرت حاله اليوم، وصار من أهم أنواع العلاجات النفسيّة المثاليّة. كما أنّ هناك عدداً كبيراً من المهتمّين يسافرون إلى الخارج لدراسته.

 لماذا أنت بعيدة عن الدراما والتلفزيون، وهل هناك من شروط لتقديم عمل على الشاشة؟
أنا لا أتقصّد الابتعاد، ولكن طبيعة عملي على الأعمال المسرحية تستلزم تفرّغاً كلياً، ما يصعّب احتمال مشاركتي في أي عمل آخر. خلال تحضيري للمسرحية، وما تتطلّب من ملاحقات قانونية، أظل أكثر من سنة ونصف في فترة شبه انقطاع عن العالم الآخر. أما عن شروط العودة فهي تقتصر على النص الذي يُعجبني ويُقنعني.

 هل تجدين أنّ أدوارك الكوميدية ظلمت صورتك على الشاشة؟
على العكس، فمن يتابعني ويقتنع بما أقدّم له سواء على صعيد الكوميديا والمسرح فسيجد الأمر غنىً وقيمة أكبر. وأنا سعيدة لأنني أستطيع الوصول إلى قلوب الجمهور بواسطة الأسلوبين رغم اختلافهما.

 منذ حوالي خمس عشرة عاماً، ليس هناك من تلفزيون في بيتك، هل كل ما يوضع على الشاشة لا يستحقّ المتابعة؟
أجد أنّ قراءة كتاب ستعود إليّ بالفائدة أكثر بكثير من مشاهدة ما تعرضه الشاشات التلفزيونية، ولكنني من محبّات المسلسلات التي كانت تُعرض على تلفزيون لبنان مثل المعلّمة والأستاذ، الدنيا هيك، إلخ….، كما أحببت كثيراً مسرحية كميل سلامة «إنجازات حياة» التي شاهدتها منذ فترة.

المصدر/ السفير

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *