روسيا تودع واحداً من أكبر المخرجين المسرحيين في تاريخها

 

 

 

 

 

مارك زاخاروف أسطورة لا تموت على خشبة مسرح لينكوم

موسكو: طه عبد الواحد
خسرت روسيا، وعشاق المسرح في العالم، قامة ثقافية إبداعية كبرى برحيل المخرج المسرحي – السينمائي مارك زاخاروف، الذي فارق الحياة في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد نحو 5 عقود قضاها من عمره إما على «الخشبة»، في إخراج مسرحيات بات معظمها اليوم جزءاً من «الموروث الثقافي» للأجيال الروسية، أو خلف الكاميرات، في إخراج أفلام سينمائية وتلفزيونية. وتغلغلت أعماله الفنية في عمق ذاكرة المواطنين من الأجيال السوفياتية التي كانت محرومة من مشاهدة إبداعات المسرح والسينما في دول أخرى. وفي مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي، وإطلاق سياسة الانفتاح، بما في ذلك الثقافي، التي وفرت للمواطنين إمكانية مشاهدة العروض السينمائية والمسرحية من مختلف دول العالم، لم تفقد أعمال مارك زاخاروف أهميتها، ولا تزال تحظى باهتمام كبير لدى الأجيال حتى يومنا هذا.

«رحيل آخر الموهيكان» جملة رئيسية استخدمتها وسائل الإعلام الروسية عنواناً لخبر وفاة زاخاروف. ويستخدم الروس هذه الجملة عادة للتعبير عن خسارة «آخر» شخص يمثل مجموعة كانت مزدهرة متطورة، ويمثل رحيله نهاية حقبة مميزة من الإنجازات، وهي استعارة من روايات عن قبيلة «الموهيكان»، إحدى قبائل الهنود الحمر. ورحيل زاخاروف يمثل نهاية حقبة طويلة من الإبداع، تألق خلالها عدد من كبار المخرجين والممثلين وكتاب السيناريو السوفيات الذين حافظوا على مكانتهم المميزة في الوسط الفني، رغم التحولات الجذرية التي طرأت على المجتمع، وشملت في ذلك المجال الثقافي.

وُلد مارك زاخاروف في مدينة موسكو، في 13 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1933. ومنذ بداية تحصيله العلمي، اتجه نحو المسرح، وتخرج عام 1955 من معهد الفنون المسرحية. وشارك بداية في التمثيل المسرحي ضمن فرق محلية، ومن ثم مع فرق مسرحية في جامعات روسية. وفي عام 1956، أخرج أول عمل مسرحي. وفي عام 1959، انضم ممثلاً إلى فرقة مسرح موسكو للدراما، المعروف باسم «مسرح غوغول»، ومن ثم عمل ممثلاً في «مسرح الإرميتاج» في موسكو. وبدأت مسيرته في «الإدارة» منذ عام 1965، حين عُين مخرجاً لمسرح موسكو الأكاديمي، وهناك أخرج مسرحية «المنصب المريح» التي حملت في طياتها نقداً للمنظومة السوفياتية، مما دفع وزيرة الثقافة حينها إلى إصدار قرار بمنع عرض المسرحية.

وشكّل عام 1973 نقطة تحول كبرى في حياة زاخاروف المسرحية، وذلك حين عُين مديراً لمسرح الشباب اللينيني، المعروف اختصاراً بـ«مسرح لينكوم». وفي ذلك المسرح، وسط موسكو، قدم زاخاروف مجموعة كبيرة من الأعمال المسرحية التي مهدت له الطريق نحو موقع مميز ضمن قائمة «كبار المخرجين» في تاريخ المسرح السوفياتي والروسي. وخلال 45 عاماً من عمله مخرجاً في «لينكوم»، أخرج زاخاروف أكثر من 40 عرضاً مسرحياً، أخذ نصوصها من روايات لأدباء يتمتعون بشهرة عالمية، منها على سبيل المثال لا الحصر: «أسطورة أولينشبيغلي» للروائي البلجيكي تشارلز دي كوستر، و«حديقة الكرز» و«تشايكا» و«إيفانوف» لأنطون تشيخوف، و«مدينة المليونيرات» للكاتب المسرحي المخرج الممثل الإيطالي إدواردو دي فيليبيو، وغيرهم. وكان زاخاروف، عملياً، أول من أدخل نوع «الروك أوبرا» إلى العروض على خشبات المسارح السوفياتية، وأبدع في هذا المجال في مسرحية «يونونا وآفوس»، التي وضع نصها الشاعر أندريه فوزنيسينسكي، وأبدع الموسيقي الروسي الشهير أليكسي ريبنيكوف في صياغة نصوصها الموسيقية. ومنذ أول عرض لها عام 1981، حالها حال معظم الأعمال المسرحية من إخراج زاخاروف، لا تزال «يونونا وآفوس» حاضرة حتى الآن على قائمة العروض المسرحية الأسبوعية في «لينكوم»، وسط إقبال مستمر واسع عليها.

ومع شهرته المسرحية، دخل زاخاروف «بيوت» المواطنين السوفيات والروس عبر أعمال سينمائية لن يكون مبالغاً فيه وصفها «خالدة»، وبينها: فيلم «اثنا عشر كرسي» الذي أخرجه عام 1976، وفيلم «الأعجوبة الطبيعية» عام 1978. وفي العام التالي، أخرج واحدة من أجمل لوحاته السينمائية، وهي فيلم «إنه البارون مينهاوزن ذاته»، من بطولة الممثل الروسي الأسطورة أوليغ يانكوفسكي، الذي أبدع هو ومجموعة من كبار الممثلين ضمن الفرقة المسرحية مع زاخاروف على خشبة «لينكوم» وأمام كاميرات السينما على حد سواء. وحتى آخر ساعات في عمره، كان زاخاروف حريصاً على تقديم أعمال جديدة لعشاق مسرح «لينكوم»، وكان يستعد للانتهاء من إخراج مسرحية «المصيدة»، إلا أنه توفي في 28 أيلول (سبتمبر) نهاية الأسبوع الماضي. وستُنجز ابنته هذه المهمة، وستعرض المسرحية باسمه. فارق زاخاروف الحياة، لكنه لم يترجل بعد عن خشبة المسرح، وعلى ما يبدو أنه لن يترجل، وسيبقى حاضراً أمام محبيه عبر أعماله المسرحية والسينمائية.

https://aawsat.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني