رواية الحرب والسلام على خشبة المسرح تاريخ الحروب لايخلد الرجال / عصمان فارس

مخرجة سويدية تنقل رواية الحرب والسلام إلي خشبة المسرح
كيف إستطاعت المخرجة السويدية (كارولينا فرند) أن تجسد وتنقل رواية الكاتب الروسي ليوتولستوي الحرب والسلام بأجزائها الثلاثة الطويلة وكل جزء بحتوي علي ٢٨ فصلاً؟ من أجل بلوغ المخرج أصدق الطرق لتجسيد الرواية علي خشبة المسرح هو التزامه بملاحظات المؤلف والمحافظة علي سقف وطقس الرواية، حاولت المخرجة إختصار الرواية والاحداث ومع ذلك كان وقت العرض المسرحي تقريبآ اربع ساعات ونصف مع إستراحة واحدة والمعالجة المسرحية لأي عمل سردي ينبغي من المخرج معرفة التفاصيل الدقيقة في العمل الروائي،ويكون الاسلوب الاخراجي في نقل الذروة أولا البداية اي المقدمة أو النهاية في العرض المسرحي ،… فالجمهور العادي غير متخصص ربما لم يقرأ رواية الحرب والسلام يحتاج الي وقت كافي لكي يفهم الاحداث في فضاء الرواية الممسرحة، يقرأ المخرج الرواية ويحاول ان يشحن خياله من خلال الامكانيات الموجودة في الرواية ونسجها علي خشبة المسرح وهذه تكمن في امكانيتة في إعادة قراءة النص وإعادة الكتابة، أو أحيانآ يتطلب تعديل أو تصحيح الرواية وإعدادها للمسرح وفق معالجة إخراجية وخلق المعادل المسرحي مابين الجملة والكلمات وكذلك فترات الصمت والقيمة البصرية والحركية وخلق عنصر المتعة والتشويق.
وشغل المخرج المسرحي وعملية مونتاج النص وإعادة فهمه وتأهيله الي نص مسرحي علي خشبة المسرح وخلق الفعل والاحساس وكل منظومة المخرج تبني علي تفسيروتأويل السرد الروائي الي فعل درامي كما في مسرحية (الحرب والسلام) فهي عرض مسرحي ذات نزعة مابعد الحداثة تدخل الي المسرح السويدي الجدية كمفهوم وقيم جمالية جديدة في المشهد الاول ودعوة حفل المدعوين ،(انا بافلوفا) ترحب بالجميع وهي تردد “كيف يكون حال المرء إذا كان يتألم معنويآ،” ومن أين يأتي في أيامنا الهدوء هذه إذا كان الانسان طيب القلب ؟ بسبب المرض والحروب هل تستطيع روسيا أن تنقد أوروبا وحدها وجيش نابليون علي أبواب موسكو، والاميرة الصغيرة ليزا تتألم وتردد لما هذه الحرب الملعونة زوجي هجرني مفضلآ التعرض للموت،وناتاشا الجميلة والوديعة تعشق وتنام علي أنغام الحب تشكوا وتتذمرمن الحرب ومن سلوك نابليون بونابرت ولكونه يعامل أوروبا كما يعامل القرصان سفينة كسبها، بيير ينظر في أفكاره ويعارض الحرب وهي مصدر إبادة البشر والعصر.الانين والصراخ وإنفجارات القنابل وشم رائحة الدم والبارود، قد تعرض بييربيزوخوف في مشهد تنفيد حكم ا لأعدام بمجموعة امامه وجاء دوره وقد اصيب بالذعر والهول من الموت وسط هذا الرعب، أن يحكم قانون الارض في زمن الحرب هو قانون إخضاع الحرية الانسانية للسجان وتنفيد حكم الاعدام والذي لايمكن الافلات منه.

القيمة التسجيلية
مدينة موسكو تحترق خالية نذرت للموت برحيل ملكها،النهب والسلب في كل مكان من موسكو كل شيئ مقفر والشوارع خالية، أبواب المساكن المحلات والحوانيت مقفلة إحتلال موسكو .بيير بيزوخوف المسالم المحب للسلام والكاره للحرب يرفض مافعله جيش الغزاة بمعالم مدينته من خراب ودمار لولا الالم ماعرف الانسان حدوده ،موسكو تحترق وقتل عشوائي، يقرر بيير بيزوخوف ان يشتري مسدس ومعطف.
تعد رواية “الحرب والسلام” الرواية التأريخية ذات قيمة تسجيلية، فكل فترة تأريخية علي نحو كل فترة أخري والماضي في تدفق مستمر، فرواية الحرب والسلام قدمت تصويرآ مخلصآ لعصر وتفسير لتأريخ معين، والرواية التأريخية هي حالة خاصة من التأريخ والماضي والذي قد يخبرنا بالمستقبل وتأثيرات الحرب. ومع ذلك كان عمره خمسة وعشرون عاماً تطوع تولستوي في الجيش الروسي العامل في منطقة القوقاز واشترك في حرب القرم. وأظهر تولستوي شجاعة فائقة في معركة عرفت باسم معركة “سيفا ستوبول” وعلي الرغم من شجاعته كره تولستوي الحروب، وكره تشبيه قادة الحروب بالأبطال. وقد كتب قصة “القوزاق” واصفاً فيها تجربته أثناء المعارك الحربية.وبعد أن ترك الجيش، سافر تولستوي في عدة رحلات إلي غرب أوروبا، عكف فيها علي تعلم أساليب التدريس وطرق التربية. وعند عودته إلي ضيعته، افتتح مدرسة لأولاد الفقراء، كان التعليم فيها معتمداً علي الأساليب التربوية السليمة، التي تعلمها تولستوي خلال رحلة حياته. ولتعميم طريقته في التدريس ونقلها إلي مناطق أخري من روسيا . فالمعالجة المسرحية للرواية السردية تتطلب المعرفة الكاملة بتفاصيل العمل الروائي لكي يكون المتلقي قد وجد طريقه في فضاء الرواية وخاصة رواية الحرب والسلام أروع ما كتب تولستوي من أعمال. وقد نشرت رواية الحرب والسلام كاملة، في شكلها النهائي عام 1889 وهي تحكي التسلسل التاريخي لحياة خمس أسر روسية، تمر بخضم التجارب الإنسانية، ومراحل الحياة المختلفة الحرب والسلام، رواية تاريخية، تصف الأحداث السياسية والعسكرية، التي كانت أوروبا مسرحاً لها، إبان الفترة من عام 1805 إلي عام 1820، وهي تُلقي بظلالها، بصفة خاصة، علي غزو نابليون لروسيا عام 1812 وفي هذه الرواية أعلن تولستوي، رفضه القاطع لنظرية تخليد التاريخ للرجل العظيم. فيذهب إلي أن الشخصيات العظيمة أو الأبطال ليس لهم بصمات مؤثرة علي مجريات أحداث التاريخ .تعتبر رواية الحرب والسلام من أروع القصص الروائية في التأريخ الاوروبي الحافل بقصص الحب والحروب وقد تركزت جاذبية العرض المسرحي علي جاذبية حركة المجاميع وابراز الحياة الروسية واستخدام السينوغرافيا وبعض الحيل الميكانيكية علي خشبة المسرح الخلابة وحركة الديكور وكذلك الاضاءة المبدعة، وتميز العرض بنجومية الممثلين والممثلات وكانت مشاهد الحروب تنفد بطريقة متقنة ومدروسة توحي للمتلقي ان كل اسباب الحروب تأتي بسبب البغضاء والانانية وحلم السيطرة وحلم العرش اي كرسي الحكم، وقد ادارت المخرجة كارولينا مشهد الحرب بواسطة الكراسي وليس بالبنادق ومن يقتل يخرج ويترك الكرسي، ولكن مشهد دخول نابليون الي موسكو استخدمت المراوح الهوائية الجانبية لتوحي بالعواصف ولكنها اخفقت في إظهار العواصف الثلجية ربما تكون من وظيفة مخرج الاضاءة اوالديكور، ففي المسرح الاوروبي تلعب التكنولوجيا وتدخل في تقنيات وجمال العرض المسرحي وخاصة عندما يكون العرض المسرحي من نوع العيار الثقيل خاصة الحرب والسلام رواية سردية وتأريخية كبيرة في احداثها وتنوع اماكنها وكثرة مجاميع العرض المسرحي عليخشبة المسرح الكبير للمسرح الحكومي في استوكهولم تعرض مسرحية (الحرب والسلام) المأخوذ عن رواية الأديب الروسي (ليو تولستوي) المسرحية تستعرض من خلال اعدادها عن الرواية ونقل أحداثها الي خشبة المسرح من خلال المشاهد المختلفة والاماكن والازمنة المختلفة تستعرض تاريخ روسيا القيصرية أيام غزو نابليون لها ، وبطل الرواية والمسرحية بيير بيزوخوف هو كاتب محب للسلام ينبد ويرفض الإشتراك في الحرب رغم توبيخ العديد من الناس له ، وإختار السلام عن الحرب ، ولكن وبعد ذلك يتغير موقفه بعد إحتلال بلده روسيا وعاصمتها موسكو وقيام الغوغاء والدهماء واللصوص بحرق المدينة موسكو ونهبها وقيام الغزاة جيش نابليون بقتل واعدام الناس في الشوارع وارتكابهم ابشع الجرائم والاعتداء علي النساء جيش نابليون جلب الخراب الي بلده ومدينته موسكو ، وقررالإشتراك في المجهود الحربي الروسي رغم أن سنه قد تجاوز سن الإنخراط في الجندية ، المهم أن إشتراكه في الحرب أفزعه بشدة وكان محيرا بين ضميره الإنساني الذي يحرم قتل أو إيذاء الآخرين وبين ضميره وواجبه الوطني والذي يفرض عليه المشاركة في الدفاع عن وطنه حتي لو أدي هذا إلي قتل أرواح إنسانية ، وكان خيار الحرب هو خيارا قاسيا بالنسبة له ، وفي النهاية تم القبض عليه من قبل قوات نابليون وكان علي وشك أن ينفذ فيه حكم الإعدام ولكنه تمكن من الهرب بعد تدهور أحوال جيش نابليون ، “بيير بيزوخوف” بطل المسرحية والذي قام بتمثيل الشخصية الممثل الايراني الاصل شبلي نيفراني ، وكذلك موقف “ناتشا روستوف” والتي لعبت دورها الفتاة الحالمة (ليف ميونيس) تلك الفتاة التي لم تكن تفهم الحرب ، بل هي محبة للحياة بطبيعتها حتي في أقصي لحظات الألم وبعد أن طردوا من قصرهم في موسكو إلا أن محبتها للحياة لم تتغير ، وظلت متفائلة حتي النهاية ، بينما إزداد إكتئاب (بيير بيزوخوف) من حقارة الطبيعة الإنسانية وكيف أن الإنسان يمجد الحروب والقتل . ورواية الحرب السلام تعتبر من أجمل إبداعات الأدب الإنساني لأنها إنحازت إلي السلام وإلي الحياة ، وتجعلك تكره الحرب والموت وقد تميز العرض المسرحي حيث حركة المجاميع المنسقة وللديكور دور جوهري في إبداع السياق المسرحي وحركة الديكور حركة ألية وهي في غاية الجمال، وبراعة التمثيل وإظهار مواهب الفنانين المبدعين في المسرحية وقد اجاد الممثل شبلي نيفراني في دور بير بيزوخوف والممثل يوناس هيلمان بدور نيكولاي بوستوف والممثلة ليف ميونيس بدور ناستاشا، والممثلة راكيل فرملندر بدور سونيا والممثل الكبير توماس بولمي بدور روستوف والممثل سفن اهلستروم بدور اندريه. رغم كل اجواء الحرب في كيان الرواية وفي اوروبا ،لكن تبقي الاجواء مشحونة بالرومانتيكية والشعر والموسيقي كانت تغزو اوروبا ففي مثل هذه االعروض المسرحية تجذب العديد من الممثلين المقتدرين من الناحية الابداعية، لان هذا العصر المسرحي الحديث تلعب التكنولوجيا دور مهم من الناحية الفنية والدرامية ودور الممثل في جذب الجمهور الي المسرح الكلاسيكي واهمية الممثل القدير والذي يتمتع بحيوية عصرية، فالمسرح ليس فيه قديم أوجديد وانما فيه الجيد وغير الجيد، لذلك نجد مسرحيات كلاسيكية او رواية يتواصل الجمهور معها بسبب عنصرالتشويق واثارة الافكار وحالة الفرح أو الحزن.المتلقي في المسرح السويدي تبهره وتجذبه رصانة العروض المسرحية مع كاتب عتيد مثل تولستوي .فالموسم المسرحي وخاصة في العاصمة استوكهولم حافل بالعروض لمسرحية وفق نظام الريبرتوار يستطيع المتلقي ان يختار من بين عشرات االمسارح المسرحية المناسبة لذوقه وتوجهاته

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني