فرقة مسرحية تبحث عن عرض د.محمد سيف#باريس

فرقة مسرحية تبحث عن عرض د.محمد سيف #باريس

يتحدث عرض مسرحية (غرفة في الهند) لأريان منوشكين، عن فرقة مسرحية مفلسة ماديا بعد ما صرفت كل ما تبقى لديها من نقود للسفر، وهكذا تبقى معلقة أو محصورة في الهند، تفقد أثر مديرها الذي كان يشعر بالحيرة، ولم تعد لديه قوة لتحمل ما يحدث من خراب. ومن المفترض أن تعلن هذه الفرقة المسرحية عن مشروعها في اليوم التالي ! وهكذا فإن قصة العرض هو، فرقة مسرحية تبحث عن عرض.

إن العرض يتطرق أولا، وبثبات معاصر إلى مسألة وجودية تسكن اعماق اغلب الفنانين والادباء والمفكرين وإلخ… وتتلخص، في كيف يمكننا اليوم أن نروي فوضى هذا العالم الذي أصبح غير مفهوما ؟ كيف يمكن رؤيته وتصوره دون أن نكون جزء لا يتجزأ منه، بعبارة أخرى، أن لا نضيف فوضى إلى فوضاه، وحزنا إلى حزنه، وعذابا إلى عذاباته؟. كيف يمكن خلق مادة فنية، أو عرض يستطيع، بشكل من الأشكال، أن يضع حدا لتقشي الفوضى؟ أسئلة كثير يحاول العرض ان يناقشها ويقدمها من خلال اختياره للحيوية المسرحية والضحك.

من اجل الحديث عن الخوف الذي انتجه هذه العالم، اختارت اريان منوشكين وفريق عملها (الكوميدية) كمضاد حيوي له. الضحك على هذا الذي يحدث لنا، على فشلنا، على خوفنا، على هذا الذي ينكر عليه شرعيته. فالخوف شعور، إحساس وهناك اسباب مشروعة لحدوثه، يجب العيش معها ومعالجتها، مثلما تقول اريان منوشكين. إن ممارسة الكوميدية اصعب بكثير من ممارسة المأساة. وبالتالي فأن “عمل غرفة في الهند” هو مأساة متنكرة برداء من الكوميدية، ولهذا تثير الضحك، لأن شر البلية ما يضحك، اليس كذلك ؟. بلا شك لم يعد في القلب مكان للضحك بسبب ما يحدث من رعب وخراب والتباس، ربما لهذا السبب تلجأ منوشكين وفرقتها الى الكوميدية، وربما أيضا لان القلب بحاجة اليها، لا سيما ان قلوب الممثلين تنبض بالمشاعر مثلما تنبض قلوب المتفرجين، ولهذا فهما على موعد دائم للقاء.

تجري احداث العرض في الهند، وفي غرفة في الهند، ولكنه لا يتحدث بالضرورة عن الهند فقط. لأننا في الغرفة يمكن أن نسافر كثيرا حيثما نريد، ونستقبل العالم بأكمله ! يمكنننا مواجهة مجموعة متنوعة من الرحلات المتخيلة، والاحلام أو الكوابيس … بلا شك ان الهند حاضرة في هذا العرض كأرض أم بلانهاية، حيث كل شيء عظيم، ومرتب، وملهم ومتطلب ببراعة.

إن العرض يحتفي بشكل من الأشكال المسرحية الهندية العظيمة، التي لا نعرفها حقيقية ولم نسمع عنها من قبل، انه التركيتو (Le Terukkuttu). وهو شكل مسرحي تقليدي قديم جدا يلعب بشكل عام من قبل ومن أجل الطبقات الدنيا. ويعتبر ابن عم المسرح الكاتاكلي، ان صح التعبير، ولد في مدينة تاميل نادو، التي تقع في اقصى جنوب الهند. وبينما نال المسرح الكاتاكلي شهرة كبيرة واعتبر من الاشكال المسرحية النبيلة، ظل المسرح التركيتو شعبيا، يلعب في القرى والارياف منذ سقوط الليل حتى النسائم الأولى للفجر. انه شكل مسرحي غاية في الحيوية يمنح الممثل حرية تعبيرية هائلة، ويحكي مبدئيا بعض القصص والحكايات الخارجة من معاطف ملاحم المهار بارتا والرايا مانا. ويلعب هذا الشكل المسرحي “التركيتو” في عرض “غرفة في الهند” دورا مهما جدا كمثالا على قوة المسرح نفسه، ويؤكد نفسه كنوع يذكر بالقوانين الأساسية للمسرح، التي تسخر من تموجاتنا وتذبذباتنا. ولكن بكل تأكيد، ليس كل شيء يقع في العام مؤخرا يمكن حله عن طريق عرض لمسرح التركيتو. وإنما هذا المسرح هو حجر لعبور نهر فائض، مثلما تقول آريان منوشكين.

إن هذا العمل موجه إلى مجتمع في حالة أزمة الإرهاب، ولهذا نرى منوشكين فيه مخرجة سياسية أكثر من أي وقت مضى، فهي تستحضر على المسرح شكسبير، تشيكوف، وكذلك داعش وشارلي شابلن، في مشاهد مسرحية تبحر بنا بين المسرح المعاصر والمسرح التقليدي، تستخدم المسرح داخل مسرح بأشكال وأنواع عدة، بحيث تنبثق مشاهد العرض مثلما تخرج الأشياء من جيب بشكل مفاجئ وذلك من خلال فن المونتاج السينمائي، ولكن هذا الاستخدام المسرحي للسينما، ليس بمجاني، وليس له أية علاقة باستعراض الصيغ المسرحية، وإنما هو دائما وابدا من أجل مساءلة عالمنا، وحاضرنا من خلال مهنتها المسرحية، وعملها الفني، إنها تتساءل في هذا العرض، وبشكل متواصل عن الطريقة التي يمكن أن يقدم فيها هذا العالم في المسرح.

د.محمد سيف – باريس

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *