رائدة طه.. حالة إبداعية مميزة في الساحة الفنية بفلسطين

تمتزج اصوات الضحك بالدموع  في تناقض  واضح طوال تسعون دقيقة هي زمن عرض مسرحية ” الاقي زيك فين يا علي ” للمخرجة الفلسطينية لينا أبيض وسيناريو وتمثيل رائدة طه  والتي تروي قصة الشهيد علي طه أحد  خاطفي طائرة سابين البلجيكية والتي كانت تقوم برحلة من فيينا الى تل أبيب في عام 1972 والذي استشهد خلال العملية .

استطاعت الكاتبة والممثلة رائدة طه ان تجسد واقع حياة اسر الشهداء  والصعوبات التي تواجهها  طوال مسيرة تكملة المشوار ، ليجد المشاهد نفسه وقد أصصبح جزء من الحدث التمثيلي الذي يعبر عن كل شخص في الاراضي الفلسطيية ا لا يكاد يخلو منزل من  فقدان شهيد .

الممثلة والكاتبة رائدة طه والتي ارتدت  ثوبا باللون الازرق في اشارة للحياة تروي بنفسها من خلال العرض المسرحي قصة الفقدان والحرمان الذي عاشته بعد وفاة والدها ،تجسد  من خلال  روايتها لقصة حياتها واسرتها اعماق القضية الفلسطينية للتمكن  بعد دقائق من بدء العرض من توحيد مشاعر المشاهدين الذين اصبحوا جزء من الحدث

رغم صعوبة الرواية وتسلسل الاحداث الا ان رائدة طه استطاعت ان ترويها بطريقة  سلسة، خفيفة الظل ،  ترصد خلالها أحداث يومية عاشتها اسر الشهداء الفلسطينين، وتغوص في  تفاصيل الحياة  داخل بيوت الشهداء  بعد ان يذهب كل الى حال سبيله ويكتفي الاعلام بالتغطية السطحية للحدث

تروي المسرحية قصة أربع  فتيات وزوجة لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، أغلقت الابواب عليهم بعد  وفاة “علي طه” وبدأت الضباع تتحايل للافتراس الضحية، ظناً منهم أنها فريسة سهلة، رغم ذلك نجد رائدة طه تلك الطفلة الصغيرة التي عاشت تفاصيل هذه الثورة، والانتفاضة، تقف اليوم لتعرينا من اخطائنا، تذكرنا بذنوبنا، وبماضي مازال يعيش معنا كأنه حاضر، فكل يوم يسقط شهيد، وتوصد الأبواب، ولا أحد يقف خارج الفقاعة ليحكي الرواية .

في المسرحية تتحول رائدة إلى تلك الطفلة الصغيرة التي فقدت والدها، ولم تكن قادرة أن تستوعب هذا الفقدان، فتعاتب والدها بكل قوة، وتحوله من بطل وشهيد، إلى  مجرد اب وبعد ذلك تضع نقطة، فعلى الرغم من فخرها، واعتزازها به، إلا انها كانت تفضل أن يحبها والدها أكثر مما كان يحب فلسطين، لتكبر بعد ذلك وتكتشف أن حب والدها لفلسطيين كان ينبع من حبه لها ولاخواتها.

هنا تشعر بقوة المشاعر التي تملئ المسرح، وتعود لتفهم مدى اهمية المسرح، حيث يجردك كمشاهد من كل التفاصيل الخارجية، ويضعك في الصندوق مع رائدة، ويجعلك تنتفض من الداخل، راغباً بالثورة على كل المبادئ والقوانين الظالمة، التي حرمت عدد كبير من أطفال فلسطين من أقل الاساسيات، وجعلت من الموت حدث جميل ومضحك، حدث يتمناه بعد الأطفال، ليحظو ببعض الخصوصية المميزة عن غيرهم

وجاء في الكتيب الخاص بالمسرحية “علي طه ‘الملقب بابو نضال’ هو أب وزوج وحبيب وأخ. رحل  ترك نساء ليكملن حياته عنه وحياتهن عبره. بنت الشهيد، اخته الشهيد، زوجت الشهيد…أدوار بطولة الصقت بهن ولم يبحثن عنها. امرأة جميلة ترملت في السابعة والعشرين، اربع فتيات أكبرهن في السابعة…وسهيلة أخته، التي قابلت هنري كيسنجر بطلب وحيد : استلام جثة اخيها الفدائي لدفنه بعد سنتين من حفظها في الثلاجة!”.

ويلمس المشاهد للمسرحية  قوة الإنثى الفلسطينية وهي  تدافع عن قضيتها وقضية شعب بأكمله ، وهي تحارب من اجل استرداد جثة شهيد ، وقد أنهت رائدة المسرحية بابتسامة واثقة وهي تردد ” علي طه لن يموت أبدا، حتى بعد مماتي ستعيش ذكراه”

تقول شقيقة الشهيد علي طه ، سهيلة ان المسرحية اعادتها لما يقارب 45 سنة الى الخلف  بكل ما حملته من ذكريات  ومشاعر، وتذكر انها تمكنت من تحرير جثمان شقيقها الشهيد بعد عامين من احتجازه بعد لقائها هنري كيسنجر منه استلام جثة اخيها الفدائي لدفنه بعد سنتين من حفظها في الثلاجة!”.

المصدر/ امد

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *