“حياة الإمبراطور” أول ظهور نسائي على خشبة المسرح السعودي

نجاة بشخصية ايزما تصوير :ندى حجوز

 

 

ندى العميد – vice – مجلة الفنون المسرحية 

 

العرض الأول للمسرحية سيكون في منتصف الشهر الجاري في العاصمة الرياض

“خذوا مني اللايكات والمعجبين وأعطوني خشبة مسرح،” هذا ما قالته فاطمة البنوي، بطلة الفيلم السعودي “بركة يقابل بركة” في أحد المشاهد معبّرةً عن أحد مطالب المرأة السعودية التي سعت لتحقيقها منذ عدة سنوات. لم يسبق أن اعتلت ممثلة سعودية خشبة مسرح من قبل. وعليه، كان المسرح السعودي العام مفتوح للرجال فقط الذين كانوا يواجهون العديد من الصعوبات بتجسيد الأدوار النسائية ناهيك عن موجات الغضب والانتقادات من المجتمع لاعتباره تشبهاً من الرجال بالنساء، فيما اقتصر المسرح النسائي على إقامة عروض مغلقة في مختلف الجامعات من شابات هاويات يبحثون عن فرصه صعود على مسرح حقيقي.

استمر الوضع على هذا الحال حتى سبتمبر العام الماضي، حيث اعتلت امرأة للمرة الأولى خشبة مسرح ضمن عرض مسرحية “ملحمة وطن” وذلك خلال فعاليات اليوم الوطني الـ 87 للمملكة. ومع التطورات والتغيرات الحالية في السعودية والتي تدعم دخول المرأة مختلف المجالات، جاء القرار بالسماح للمرأة السعودية بالتمثيل على خشبة المسرح بجانب الرجال وأمام عامة الحضور. وحال ما صدر القرار، قام الفريق المسرحي المعروف بـ “الستائر الحمراء” The Red Curtains ويضم حوالي 20 عضواً ومقره جدة، بفتح باب المشاركة للشابات وإقامة تجارب أداء لهم للتجهيز لمسرحية “حياة الإمبراطور” لتكون بطلة المسرحية أول سعودية تقف مع الممثلين على مسرح عام في تاريخ الفن السعودي. بالنسبة لي، كان الإعلان عن تجارب الأداء لاختيار بطلة المسرحية لوحده كفيلاً بزيادة حماستي، وكما لك أن تتوقع لم أستطع الانتظار طويلاً وذهبت الى التدريبات الخاصة بالمسرحية في جدة حيث التقيت بالمخرج والبطلة.

مؤسس الستائر الحمراء ومخرج المسرحية أماوري عزاية، 27 عاماً، لم يخف سعادته بكونه جزءاً من هذا العمل والذي يراه كإنجاز شخصي وفني. “كنا نسأل دوماً لماذا لا يمكن للمرأة أن تقف على خشبة المسرح، ولم نحصل على أيّه رد حتى تواصلنا مع هيئة الترفيه السعودية والتي دُرست المسألة للمرة الأخيرة أمام لجنة رؤية 2030 وتم إصدار القرار في مطلع عام 2018 بالسماح للسيدات بالتمثيل على خشبة المسرح مع الرجال،” يقول أماروي مشيراً إلى أنه سيتم العرض الأول لحياة الإمبراطور في منتصف الشهر الجاري في العاصمة الرياض.

درس أماوري الفنون المسرحية وتخرج من جامعة كاليفورنيا ستيت، لونغ بيتش، ثم عمل كمحاضر بجامعة الأعمال والتكنولوجيا في جدة وبها قام بتأسيس نادي مسرحي صغير ثم نقله لخارج حدود الجامعة لتأسيس الستائر الحمراء عام 2015 وهي شركة تُعنى بالإنتاج المسرحي واستقطاب جميع المواهب الشابة.

وعن اختيار “حياة الامبراطور” لتكون أول مسرحية سعودية ستقف بها ممثلة شابة مع ممثلين رجال على مسرح عائلي عام يقول المخرج: “هذه المسرحية مقتبسة من فيلم ديزني الشهير “The Emperor’s New Groove، وتتحدث عن الامبراطور الأناني الذي كان يحكم على جميع القضايا من حوله لمصالحه الشخصية وشهواته حتى تبدأ الخيانة من حوله وتتغير حياته. وقع اختياري على تلك القصة لشهرتها وحب الأطفال لها كما أنها تتناسب تماما مع المسرح العائلي وأيضاً مع معايير المجتمع السعودي.”

بطلة المسرحية نجاة، 21 عاماً، التي تقوم بشخصية “أيزما” وهي شخصية العجوز الشريرة التي تتدخل في شؤون الحكم وتعد الخطط لتدمير الإمبراطور “كاسكو” والاستيلاء على عرشه، عبرت عن سعادتها الغامرة بكونها أول ممثلة مسرحية ستظهر في مسرح عام وتقول: “كان الأمر وليد الصدفة، أخبرتني صديقتي عن وجود تجارب أداء في المسرح وأحببت المشاركة ونلت على إعجابهم.”

وتضيف نجاة التي كانت تقوم بتقليد الشخصيات من باب المرح ثم مثّلت في المسرح المدرسي وفي بعض السكتشات على اليوتيوب: “كنت أحلم دوماً بالحصول على دور رئيسي في مجال المسرح. وعندما طُرحت فكرة دخولي هذا المجال على أهلي لم يعارضوا، على العكس قالوا لي جرّبي. خلال تجربة الاداء، جاءت والدتي معي، وحين شاهدت تمثيلي في تجارب الأداء صُدمت من ثقتي وقوة أدائي على المسرح وشجعتني على الاستمرار.”

في الواقع، ومن وجهة نظري الشخصية جداً، أعجبت بأداء نجاة لشخصية “ايزما” لم تشعر بالخجل أو التردد، بل بدت وكأنها تمارس التمثيل منذ زمن، وليست المرّة الأولى التي تلمس بها خشبة المسرح، وأكثر ما أعجبني بشكل خاص هو صوتها، لديها صوت مسرحي جذّاب. أماوري يوافقني بأن أداء نجاة وغيرها من المتقدمات لتجارب الأداء التي أقيمت لاختيار طاقم التمثيل كان مفاجئاً: “من غير مبالغة إنها أفضل تجارب أداء رأيتها بحياتي. شعرت بأن المتقدمات يمتلكن العديد من المواهب وبانتظار فرصة كهذه كي يُبرزن مواهبهم. ذُهلت بجرأتهن وحضورهن المسرحي القوي جداً وكأنهم ذوي خبرة طويلة. بالحقيقة لقد تفوّقت الشابات على الشباب بكثير.”

أما عن عدد المتقدمات، فيقول أماوري: “وصل عدد المتقدمات على موقعنا الالكتروني 40 شابة، حضرت منهن حوالي 14، 12 منهن كان أداؤهن عال المستوى واخترناهن للتمثيل في عروضنا القادمة، حيث سنعرض قريباً مسرحية “علاء الدين” من بطولة ممثلات شابات وستكون أكبر انتاج مسرحي لنا.”

قد تكون الارادة والمواهب موجودة، ولكن ماذا عن الطرف الآخر من المعادلة، الحضور، هل سترغب العائلات السعودية بحضور مسرحيات تضم ممثلين وممثلات، كون البعض لا يزال ضد الاختلاط بين الجنسين؟ نجاة ترى أن المجتمع السعودي أصبح يتقبل دخول المرأة في مجالات جديدة، ولكنها لا تخفي أن هناك من سيرى في تمثيلها مع رجال مشكلة: “بشكل عام كان هناك تقبّل واحتفاء بي ولم ألحظ أي تعليق سلبي حتى الآن. ولكن هناك البعض الذي يعارض هذه التطورات بشدة مع الأسف ويرى حتى الآن أن المرأة مكانها المنزل فقط.”

كنا نتمنى منذ زمن وجود العنصر النسائي في المسرح، فغيابها كان يخلق لنا الكثير من الصعوبات، فقد كنّا نُجبر على تأدية الأدوار النسائية في المسرحيات

أماوري يشير إلى اختلاف الآراء في مواقع التواصل الاجتماعي، “هناك من دعم وشجّع الشابات على الاستمرار، وهناك من هاجم بسلبية. بالنسبة لمن عارض أحب أن أذكرهم بأن الدولة سمحت الآن للمرأة بالسياقة ودخول الملاعب والتصويت في مجلس الشورى وغيرها فلماذا لا يكون لها دور فعّال وتأثير بالمسرح أيضاً.”

لا أحد ربما يشعر بأهمية دخول المرأة للمسرح أكثر من الممثلين الرجال أنفسهم. ماجد، 26 عاماً، هو طالب جامعي وعضو في “الستائر الحمراء” من عام 2015 وأحد الشخصيات الرئيسية في مسرحية “حياة الامبراطور” يشعر أن دخول المرأة مجال المسرح وكأنه حمل ثقيل وانزاح عن ظهره، ويقول: “كنا نتمنى منذ زمن وجود العنصر النسائي في المسرح، فغيابها كان يخلق لنا الكثير من الصعوبات، فقد كنّا نُجبر على تأدية الأدوار النسائية في المسرحيات. أنا شخصياً قمت بتأدية دور نسائي في مسرحية “ME, MYSELF AND I” لإمرأة مغرورة تدعى نيكول تستخدم إغرائها للحصول على كل ما تريد. بالنسبة لي، شكل الدور تحدي كبير جداً، حيث بذلت جهد كبير لمحاولة تقمص الشخصية بشكل ناجح، في الوقت الذي يمكن لأي ممثلة تأديته بسهولة وابداع.”

“أتذكر أنه حال ما تم الإعلان عن تجارب الأداء حصل انفعال غير طبيعي، شعرت للحظة بانفجار لطاقات مسرحية مكبوتة تصرخ قائلة وأخيراً المسرح لنا. 95% من الممثلات كانوا موهوبات بشكل باهر على الرغم من قلة خبرتهن،” يضيف ماجد معبراً عن سعادته بالتغيرات الحاصلة في السعودية. “وأخيراً أستطيع أن أرى المرأة بكامل حقوقها بالمجتمع، قريبتي من محبي كرة القدم وكان حلمها أن ترى ملعباً واليوم سعيد جداً لها بدخولها للملعب والتشجيع وتحقيق أحلامها على أرض الواقع. وسأكون مرتاح ومطمئن مستقبلاً حين أرى زوجتي معتمدة على نفسها تقود سيارتها بنفسها تمارس حياتها بشكل طبيعي كأي امرأة خارج السعودية.”

وعن مشاريع الستائر الحمراء المستقبلية يقول ماجد: “سنحاول استرجاع ثقافة المسرح الضائعة في السعودية واستقطاب جميع شرائح المجتمع من خلال عروض متنوعة. فبعد السماح للمرأة بالمشاركة معنا أصبح بالإمكان تنفيذ العديد من المسرحيات الجميلة كـ”مكبث” وغيرها. كما سنفتح باب المشاركة معنا لأي شاب أو شابة وحتى ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يرى أنه يمتلك الموهبة بالتمثيل بالانضمام إلينا.”

ضمن هذه الأجواء المتفائلة بالمستقبل، تحدثنا إلى بعض الفتيات التي حضرن التدريبات، ومنهم سامية، 23 عاماً، وهي أخت البطلة نجاة، والتي جاءت للتدريبات لدعم شقيقتها وتقول: “هذه هي أول مرة لي في المسرح، وأنا هنا لتشجيع نجاة فهي تحب التمثيل منذ صغرها.” وعن القضايا التي تود أن يناقشها المسرح، تقول سامية: “تقبّل الرجال لدور المرأة الجديد في المجتمع ومساواتها بهم.”

أما أحلام، 20 عاماً، فهي أيضا تشعر بالحاجة إلى مشاريع ترفيهية في المملكة: “نحن في مجتمع شاب يحتاج للترفيه أكثر، إضافة إلى مناقشة قضايا مهمة كقضية العنصرية مثلاً،” كما تقول: “2017 كانت سنة نسائية بامتياز في كل شيء من مسرح وسياقة وغيرها والقادم أجمل لنا.” قد يختلف البعض حول ما سيبدو عليه المستقبل في السعودية، ولكن يبدو أن الجميع متفق بشكل ما على أنه سيكون أكثر غنى بالنسبة للمرأة السعودية.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *