حول المهام التأسيسية المقترحة للمؤتمر العلمي للمسرح المصري

يجري الآن الإعداد لإقامة مؤتمر علمي حول “المسرح المصري” بالتعاون بين المركز القومي للمسرح ولجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، وربما بمشاركة جهات أخرى داخل وزارة الثقافة.
وبغض النظر عن المشكلة أو الأسباب التي استدعت التفكير في إقامة هذا المؤتمر، فهناك العديد من المهام “التأسيسية” التي تنتظره على المستوى العلمي والعملي، ولعل أهمها على وجه الاطلاق هو إعادة النظر في الأسس المنهجية لتدوين تاريخ المسرح المصري من جهة، وحجم الظاهرة المسرحية في مصر من جهة أخرى.
وفيما يتعلق بالمهمة الأولى: فإن التيار المهيمن حاليا على مجال تاريخ المسرح المصري يتشكل في مجمله من خريجي أقسام اللغة العربية بتكوينهم العلمي الذي يغلب الجانب الأدبي في النظرة للعالم بحيث يستمد أغلب تعريفاته “المسرحية” من نظرية الأدب تارة ومن الخطاب الشائع تارة أخرى، وأغلب الفاعلين في هذا التيار ليسوا مسرحيين تماما وليسوا مؤرخين تماما؛ مثلما يصعب القول إنهم باحثي لغة أو أدب بالمعنى الدقيق للكلمة؛ ولذلك فقد فاتهم متابعة التطورات المنهجية الهائلة التي شهدتها تلك العلوم منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وتمسكوا دائما بطرائقهم وتعريفاتهم المتقادمة التي كفلت لهم الهيمنة منذ البداية على هذا “المجال”، وهو أمر –للأسف- لم ينازعهم فيه أحد نتيجة لاهتمام الباحثين المسرحيين ومؤسساتهم الأكاديمية بجماليات المسرح على حساب تاريخه؛ واقتصار اهتمام باحثي العلوم الاجتماعية بمناطق تشابك المسرح مع مجال بحوثهم على حساب جمالياته وتاريخه معا، مما أفضى بنا إلى وضع شديد الخطورة؛ إذ يبدو أن هذا الجسد السردي الضخم والثقيل الذي يقدم نفسه بوصفه التاريخ المعتمد للمسرح المصري قد أصيب بما يشبه مرض نقص المناعة نتيجة لعزلته العلمية التي طالت أكثر مما ينبغي، بحيث أن نجاح فكرة مختلفة -مهما بدت بسيطة أو تافهة- في التسلل إلى داخل هذا الجسد يمكن أن تتحول إلى فيروس قاتل يعمل على تقويضه وانهياره، وهو ما اتضح للجميع عبر مؤتمر أقامته مؤخرا “الهيئة العربية للمسرح” وقام منظموه باستخدام “غير محسوب” و”غير مدروس” لثنائية ابتكرها “أحدهم” لتقسيم تاريخنا المسرحي إلى “مسرح في مصر”، و”مسرح مصري”، مما أدى بهم إلى اقصاء أو الغاء جزء كبير من تاريخنا المسرحي، وهو ما دفع “لجنة المسرح” بالمجلس الأعلى للثقافة إلى إصدار بيان فندت فيه هذه الأفكار، وأدانت طرحها واستخدامها على هذا النحو بوصفه “خطيئة معرفية وإجرائية”؛ ودعت إلى إقامة هذا المؤتمر ردا على نتائجها.
ولذلك أعتقد أنه ينبغي على هذا المؤتمر دعوة باحثين متخصصين في مناهج التاريخ والعلوم الاجتماعية إلى جانب الباحثين المسرحيين، بحيث يقوموا بنقد وتفكيك أو تحليل الأسس النظرية والمنهجية المستعملة في مبحث تاريخ المسرح المصري، واقتراح الأسس الجديدة الكفيلة بإعادة بناء هذا المجال على نحو أكثر علمية.
أما فيما يتعلق بالمهمة الثانية: فنحن حتى اللحظة لا نمتلك أي ارقام دقيقة أو حتى مبدئية حول مدى انتشار وخرائط توزيع الظاهرة المسرحية في مصر؛ سواء من حيث عدد العروض المنتجة سنويا أو أعداد المشاركين فيها … إلخ، وآخر التقديرات –أو بالأحرى الترجيحات- التي حاولت تجميعها بجهد شخصي تذهب إلى أن بعض مؤسسات وكيانات الدولة المصرية تنتج سنويا ما يزيد على 5500 عرض (وزارة الثقافة، المدارس، الجامعات والمعاهد العليا، مراكز الشباب، الكنائس)، ورغم أن هذا الرقم لا يستهدف الحصيلة الكلية لما يقدمه المسرح المصري سنويا إلا أنه رقم شديد الضخامة بكل المقاييس، ويعني أن أعداد المصريين المشاركين في إنتاجه تقدر بعشرات إن لم نقل مئات الألوف!
ويوجد هنا ارتباط بين المهمتين، فالأصول الأدبية لممثلي التيار المهيمن على تدوين تاريخ مسرحنا تقضي أن الشعر –مثلا- يؤرخ بأفضله أو أجمله وليس بأكثره، وهو ما تم تطبيقه على نحو غير واعي وغير مفكر به في مجال المسرح، فظاهرة المسرح؛ خلافا للشعر أو الأدب؛ هي بالمقام الأول ممارسة جماعية لأفراد يتحركون داخل مجتمعهم المحلي، وهكذا فإن “كل عرض منجز” على سبيل الحصر يقول شيئا ما عن المجتمع الذي صدر عنه، وبالتالي فتحديد وتحليل الأرقام الاجمالية للظاهرة المسرحية في المجتمع المصري بوسعه أن يقول لنا الكثير مما لا نعرفه عن علاقة هذا المجتمع بذاته. ولذلك فمن الضروري تخصيص محور في المؤتمر لهذه المهمة؛ بحيث إما أن تدعى إليه كل جهات الإنتاج المسرحي لتقديم ارقامها الموثقة، أو تكليف مجموعات بحثية بالعمل على انجاز تقارير علمية توثق لما يقدمه المسرح المصري سنويا، وتقترح الأسس النظرية والإجرائية الكفيلة بضمان استمرارية تدفق وتدقيق هذه الأرقام مستقبلا، على أن يتم مناقشة هذه الاقتراحات في جلسات المؤتمر وإصدار ما يتم إقراره منها في صيغة توصيات يمكن تعميمها –بواسطة وزارة الثقافة- على كافة جهات الإنتاج المسرحي في مصر، وكافة المنابر البحثية التي تهتم بهذه الظاهرة.
وإذا ما تمكن هذا المؤتمر المنتظر من التصدي والاستجابة بشكل جدي لهاتين المهمتين فسيكون قد طرح نفسه أمام المسرحيين والمتابعين بوصفه عملا تأسيسيا يفصل بملامح فارقة بين ما قبله وما بعده، أما ما هو دون ذلك فسيجعله مجرد ندوة علمية أخرى تعيد تداول ما سبق تداوله على نحو قد يكون أفضل قليلا أو حتى أسوأ قليلا مما جرى من قبل.

 

https://khabars7.com/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …