حسن عطية في كتابهِ الجديد ..مدخل الى المسرح من قبل المُتفرج الذكي – د. بشار عليوي

 

حسن عطية في كتابهِ الجديد ..

مدخل الى المسرح من قبل المُتفرج الذكي

د. بشار عليوي *

تبقى الحاجة دائمة من قبل طرفي العملية الثقافية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص المُبدع والمُتلقي , لإعادة إكتشاف دور كُل واحد منهما بُغية فهم مُخرجات هذهِ العملية وفق تحديثات عصرنا الحالي عصر الوسائط , العصر الذي أصبحت السيادة فيهِ للميدليوجيا في جميع صورها , من أجل الوصول الى إدراك ماهية مُتمثلات خطابها الفكرية والجمالية . وبالتالي أصبحت مهمة الناقد المسرحي العضوي (تساوقاً مع مفهوم المثقف العضوي) جسيمة في سبر أغوار العملية المسرحية وتفكيكها أمام المُتلقي من أجل تقريب المسافات بين النتاج المسرحي ومُتلقيهِ .

وفقاً لهذا التوصيف يأتي كتاب الناقد المصري والعربي المعروف أ.د.حسن عطية , الموسوم (دليل المُتفرج الذكي الى المسرح والمُجتمع ) , الصادر حديثاً عن الهيأة المصرية العامة للكتاب في القاهرة , ليُقدم نفسهِ بوصفهِ مدخلاً الى المسرح والمُجتمع يضعهُ أمام المُتفرج الذي دعاهُ بـ(الذكي) في إشارة حصيفة للدور المحوري الذي يلعبهُ هذا المتفرج في إكمال عقد العملية المسرحية بشكلها العام . يعي د.حسن عطية بوصفهِ واحد من أبرز النُقاد العرب المُعاصرين حضوراً في المشهد المسرحي العربي المُعاصر وأكثرهم إدراكاً للحالة المسرحية وإرهاصاتها وتموجاتها وقضاياها وأسئلتها المعرفية , أن دور المُتفرج ليس فقط في صفة الإكمال , وإنما يتعداهُ الى المُبتغى لكُل نتاج إبداعي الذي يجب ألا ينفصل عن بيئتهِ الإجتماعية من وجهة نظر د.حسن عطية الذي عُرفَ بغزارة نتاجهِ النقدي لا سيما قدرتهِ الساحرة على مُقاربة العروض المسرحية وتقديم وجبات نقدية تطبيقية آنية تجد طريقها للنشر في مُختلف الصُحف والدوريات والمجلات والدوريات فضلاً عن المواقع المسرحية الألكترونية , وهذا ما أكدتهِ تجربتهِ النقدية الثرة التي دائماً ما تنحى منحى مُقاربة جميع النتاجات الإبداعية الثقافية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص سيسيولوجياً ولعلَ واحدة من مثابات هذهِ التجربة هي إتخاذ ” النقد السيسيولوجي” نسقاً خاصاً بها ومُميزاً لها عن بقية تجارب النُقاد الآخرين . وفي كتابهِ هذا الذي يقع في (459) صفحة من الحجم المُتوسط يؤكد الناقد د.عطية أن العالم الغربي قد تقدم وأستنار ونجح فى العقود الأخيرة فى صياغة رؤى جديدة للعالم ، معبرة عن متغيرات حياتها وطموحاتها ، ومغايرة ومناقضة للرؤي التى هيمنت على العالم فى الأزمنة الفائتة ، ولكنه يظل (عالماً غربياً) وليس كل (العالم) الذى نعيشه ، وتضحى رؤاه للعالم الذى يراه هو من زاويته ، أى “رؤي غربية للعالم” ، وليس العالم الذى يراه الشرق الأقصى أو المتوسط أو أمريكا اللاتينية ، وفقا لثقافة كل مجتمع وموروثاته وطموحاته الخاصة ، مهما انفتح العالم على بعضه البعض ، وصار أقرب للقرية الكونية التى تذاب فيها الهويات الوطنية فى هوية واحدة ، وتطمس فيها الثقافات القومية لصالح ثقافة متعولمة ، أو ثقافة متدينة بالمقابل ، وتدان فيه كل الإيديولوجيات ويمنح القدح المعلي لإيديولوجية واحدة تعلي من شأن الفرد وتطيح بأية عدالة اجتماعية ، أو ترسخ لهيمنة الماضى البعيد على الحاضر الراهن , ويُضيف د. حسن عطية : ( أن مشروع الحداثة الغربية الذى اقتدينا به وسرنا على دربه منذ بداية القرن التاسع عشر ، وكان مسارا جيدا لنا فى أكثر من وجه له ، هو فى المنتهي مشروع ثقافي حضارى ظهر فى أوربا مع الثورة الصناعية فى القرن الثامن عشر ، وهى التى مكننت الصناعة محولة المعرفة بالعلوم إلى تكنولوجيا ، ومحركة البنية الاجتماعية ، خالقة معها طبقة جديدة تؤمن بالإنسان باعتباره مُنتج ذاته وعالمه ، وصائغ هويته وباحث عن اليقين فى كل ما يحيط به ، منطلقا من الشك المنهجى ، متمسكا فى ذلك بالعقل والعلم ، وعاملا على أنسنة الطبيعة ، وفصل الدين كمطلق عن أمور الدولة النسبية ، مسقطا فى طريقه مشروع ما قبل الحداثة الذى ساد فى العصور الوسطى الأوربية ، والقائم على عالم الأوهام والخرافات والأساطير وخضوع الإنسان لتصوراته الذاتية عن نفسه وعن العالم ، وللمقدر والمكتوب ولنبوءات الكهنة والسحرة المتحققة رغما عن أنف البطل الدرامي . وقد تداخل المشروعان ، الحداثى الغربي والما قبله الشرقي فى مشروعنا الثقافي العربي ، فأعجزنا عن تطوير مشروع حداثى مستقل عما قبله الكامن فى عمق ثقافتنا والبادى فى سلوك مجتمعاتنا ، وعما وفد إليه فى ذات الوقت من خارج جغرافيته ، فحاولنا التوفيق بين ما أسميناه الأصالة والمعاصرة ، ووصلنا لنتيجة فاسدة حينما وضعنا الدواء العلمي فى قنينة زيت القنديل الخرافية ، مما أصابنا بالهزائم المستمرة ، وسهل للأفكار الصحراوية والقبلية والميتافيزيقة غزو عقولنا تسللا من قنينة الزيت التى تدثر بها الفكر المستنير ، وجذب المجتمع للخلف وكأنه لم يتمدين لحظة ، وشوش عقل المثقف الراهن بين حداثة لم يمتلكها جيدا وما بعد حداثة زلزلت الأرض تحت قدميه ) .

وعن أهمية كتابهِ هذا , يُشير مؤلفهِ الى أننا بحاجة كل فترة لفحص ما نعرفه ونستخدمه من مصطلحات ومقولات وأفكار فى حقل النقد الفنى العربي ، وذلك  بسبب هيمنة مجموعة من المفاهيم على الكتابات النقدية الجادة فى السنوات العشرين الأخيرة ، انبهر بها النقد المسرحي ، والأدبي أيضا ، في سياق تبني للثقافة الغربية المستنيرة ، دون أن يفكر لحظة أن ينتهج معها منهج الشك العلمي ، الذى يفحصها فى ضوء الموقع الجغرافي والوسط المجتمعي واللحظة الزمنية التى خرجت منها ، متصورا أن من صك هذه المصطلحات ، ومن صاغ تلك المفاهيم فى ضوء واقعه المجتمعى ولحظته الزمنية ، قد منحها وجودا كليا يصلح لكل الأزمنة ولكافة المجتمعات ، وهو أمر مناقض للواقع والمنطق والفكر ذاته المتغير بفعل تغير هذه الأزمنة والمجتمعات , لذا فأن مؤلف الكتاب يجد أن هذهِ هي واحدة من أمراض العملية النقدية العربية برمتها , لذلك حرص هذا الكتاب المقدم للقارئ المهموم بتاريخ المسرح ومستقبله ، على إعادة النظر فيما طرحته الكتابات النقدية من مدارس ومصطلحات ونقاد ، برؤية تحترمها دون أن تقدسها ، وفاحصة إياها فى ضوء الدراسات السوسيولوجية ، التى تربط بوضوح بين الإبداع والمجتمع والزمن الذى يتخلق فيه هذا الإبداع ، وينفلت بفضل صياغته الجمالية الراقية ليخاطب أزمنة أخرى ومجتمعات مغايرة ، معبرا بذلك عن واقعه ، ومتجاوزا إياه بفعل ما يمتلكة من مقومات جمالية لا تجعله مشابها لواقع محدد ، دون أن يبارح لحظة زمنه الكامن بأعماقه ، ومجتمعه الحاضر فى إبداعه وتوجهاته .

أن واحدة من أبرز موضوعات هذا الكتاب القيّم هي موضوعة (كيف تكتب نقدا رديئا ؟) , لتتوالى باقي موضوعات الكتاب بحسب تسلسلها وهي ( مدارس واتجاهات ومناهج نقدية/ مندور .. سقراط النقد العربي/ لويس عوض والمنهج التاريخي/ د. على الراعى وتأصيل المسرح/ فاروق عبد القادر واستقلالية الناقد/ هدى وصفى وامتلاك المنهج / نهاد صليحة وتأسيس النقد السيميوطيقي/ صلاح عبد الصبور والرحيل فى الزمن الصعب/ رأفت الدويرى وجدل الأزمنة / محمد أبو العلا السلامونى وسؤال الكتابة/ يوسف إدريس وتعدد الصيغ البنائية/ أمنة الربيع والأرواح الهائمة) . جديرٌ أن مؤلف الكتاب د.حسن عطية هو                                                                                 ناقد مسرحي وسينمائي وهو أستاذ نظريات الدراما والنقد بأكاديمية الفنون المصرية والرئيس الحالي للمهرجان القومى للمسرح المصري ومدير تحرير مجلة (الفن المعاصر) المحكمة . شغل منصب عميد المعهد العالى للفنون المسرحية سابقا وعميد المعهد العالى للفنون الشعبية سابقا , وحالياً رئيس قسم التنشيط الثقافى بالمعهد العالى للنقد الفني باكاديمية الفنون . حاصل على دكتوراه فلسفة الفنون 0 عن “المنهجية السوسيولوجية في النقد” كلية الفلسفة والآداب 0 جامعة الأوتونوما 0 مدريد 0 أسبانيا . وهوَ رئيس الجمعية العربية لنقاد المسرح سابقاً ورئيس جمعية نقاد السينما المصريين سابقاً , وعضو لجنة المسرح واللجنة العليا للمهرجانات بالمجلس الأعلى للثقافة , وكانَ عضواً في المجالس القومية المتخصصة سابقا , وعضو (اللجنة العليا للتخطيط الدرامي) و(اللجنة العليا للدراما) بمدينة الإنتاج الإعلامي , وعضو اللجنة العليا للدراما بإتحاد الإذاعة والتليفزيون , وعضو نقابة المهن التمثيلية  , وعضو اتحاد الكتاب المصريين , وعضو لجان القراءة والتقييم بالعديد من المؤسسات العلمية والفنية ، منها قطاع الإنتاج بإتحاد الإذاعة والتليفزيون ، ومدينة الإنتاج الإعلامي ، والبيت الفنى للمسرح والبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية . أشرف على وناقش العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير بأكاديمية الفنون والعديد من الجامعات المصرية والعربية ، وشارك فى ترقية العديد من الأساتذة والأساتذة المساعدين داخل وخارج مصر , عمل بالهيئة العامة لقصور الثقافة  ، مراقباً عاماً لإدارة البرامج والمهرجانات ومديراً عاماً للمسرح بها .شارك فى العديد من الملتقيات والمهرجانات والمؤتمرات الدولية المسرحية والسينمائية والأدبية فى باريس ومونبليه ومرسيليا وروما وسيشل وأثينا ولشبونة وبرشلونة وجزر الكناريا وسان سباستيان وميريدا وكاراكاس وبوجوتا والمكسيك وفينيزويلا وقرطاج بتونس وجرش وعمان بالأردن ودمشق بسوريا ، فضلا عن القاهرة وبقية المُدن المصرية . راجع العديد من الكتب المترجمة عن الأسبانية ، وقدم أكثر من كتاب لمبدع مصري وعربي فى مجالات القصة والرواية والمسرح والسينما . نشر العديد من الكتب الخاصة بالمسرح والسينما والفنون الشعبية ، منها (الثابت والمتغير) : دراسات في المسرح والتراث 0 الهيئة المصرية العامة للكتاب 0 القاهرة 1989، و(فضاءات مسرحية) الهيئة العامة لقصور الثقافة 1996 ، (الرومانسية : يوتوبيا السينما المصرية) – مطبوعات مهرجان القاهرة الدولي للسينما – 2000 ، (نجيب محفوظ في السينما المكسيكية) ط 1  مكتبة الإسكندرية – 2003 – – ط 2 مكتبة الأسرة – القاهرة 2009 ، (السينما فى مرآة الوعى) الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة – 2003 ، (سوسيولوجية الفنون المسرحية) – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة – 2004م ، (السينما الأسبانية)  مهرجان القاهرة الدولى للسينما – 2008م . كتاب (دليل المُتفرج الذكي الى المسرح والمُجتمع) , كتاب جديرٌ بالقراءة والمُتعة المعرفية .

 

 

* مخرج وناقد مسرحي عراقي .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *