“حب ع الرّف” .. الفذلكة تسحب من رصيد عرض مسرحي لافت! – يوسف الشايب #فلسطين

“حب ع الرّف” .. الفذلكة تسحب من رصيد عرض مسرحي لافت! – يوسف الشايب

لعل “اللاعدالة” قد يكون عنواناً متساوقاً مع ما قدمه مخرج العرض المسرحي “حب ع الرّف” لمسرح عشتار، عن مسرحية “منتجات مصرية” للكاتبة والمخرجة ليلى سليمان، وهو من إعداد وإخراج إميل سابا، وتمثيل: إدوار معلم، وإيمان عون، وبيان شبيب، ومحمد عيد.
وتمثّلت اللاعدالة بالتحديد في طريقة تقسيم المسرح إلى منصتين، وتوزيع الجمهور بطريقة غير منتظمة تحت ذريعة أن “العرض اندماجي”، بل وتوزيع الحضور وفق رغبة “حاكمة” بوابة العبور في مسرح عشتار، هناك حيث انتظم العرض الثاني للإنتاج الجديد للمسرح.

حاول المخرج أن يكون “حداثياً”، بتقسيم “الخشبة”، وهي ليست بـ”خشبة مسرح” في “عشتار”، إلى اثنتين، ولنقُلْ منصتي عرض، ولربما حالفها التوفيق في الإيحاء، عبر ذلك، إلى حالة الاختلاف الثقافي والفكري وحتى الواقع الاجتماعي والحاجز النفسي ما بين الحبيبين، والتي لربما وجدت أنه لا يمكن التعاطي معها عبر منصة عرض واحدة، مع أنني أرى أنه كان بالإمكان ذلك، إلا إذا كانت اللقاءات في ما بين المنصتين، أو بالانتقال من واحدة إلى أخرى، بمثابة مسرب عابر للزمن وللأحداث، أو وسيلة وصل أو قطع بينهما، وهنا وقعت حالة من التوهان الزمكانيّ.

ولكن هنا لا بد من الإشارة إلى أن مضمون العمل البعيد عن “الكلاشيهات”، والذي هو على تماس مع شيء من الجرأة في طرح مواضيع بعضها مسكوت عنه، وبطريقة جميلة لا تخلو من عمق يتفاوت.. والأهم، برأيي، الأداء المبهر لكافة الممثلين، خاصة محمد عيد في دوره المركب، وهو ما يشكل عامل قوة يحسب إلى العرض.

ولولا هذه “الفذلكة” التي لم تحدث حالة الاندماج المطلوبة، كما يسوّق العرض المسرحي “حب ع الرف” نفسه، لكان العمل من أفضل الأعمال التي تفوّق فيها الإنتاج “العشتاريّ” على نفسه، وعلى عديد العروض المسرحية الفلسطينية، فالعمل خفيف الظل، ومحبّب، والعلاقة بينه وبين الملل بعيدة المدى، وينطوي على مضامين مهمة اجتماعياً ونفسياً، وفيه انتصار لجوانب مهملة من حياة الفلسطيني، بعيداً عن إطاريّ البطل الأسطوري والضحية، وهو ما نحتاجه فعلاً، هذا إضافة إلى براعة الممثلين الأربعة فيما أسند إليهم من أدوار، فمحمد عيد قدّم شخصية المرتبك ببراعة تعكس إبداعاً فذاً، وبيان شبيب تفوّقت في دور الثلاثينية الباحثة عن عريس تختاره بنفسها باقتدار، فيما لم يكن مفاجئاً إبهار إدوار معلم في دور المثقف المسن، وكذلك إيمان عون على تعدد أدوارها، مع خلفيات موسيقية وغنائية اختيرت بعناية تتوافق وطبيعة المشاهد، ونهاية واقعية ومفتوحة للتأويل بعيداً عن “النهايات السعيدة” التي اعتدنا عليها في عديد الأفلام والمسرحيات منذ “الأبيض والأسود”، ولا يزال.

ويقوم العمل في الأساس على سلسلة من القصص القصيرة، أحالها مخرج له لمساته البارعة إلى عمل موحد متماسك، وإن كان عليه أن يدرك جيداً أنّ الحداثة جدّّة (من الجديد ومن الجدّية) في الإبداع، وتحرر من التقليد، والأهم إنجاز عمل لم يسبقه إليه مبدع على مستوى الشكل والتحريك وغيرهما من العناصر، وهو ما لم يكن بشكل لافت، علاوة على كون الحداثة ليست طقساً يحفظ عن ظهر قلب، ويتبارى في تأديته “ممارسوها” أو مدّعي ممارستها، وهذا هو الأهم هنا، فمع عمل يبدو كقطع “ليغو” متناثرة مثل “حب ع الرف” لا مجال للمغامرة في “استعراض عضلات” قد يكون مجانياً على مستوى الشكل، وفي إطار فهم مبتور لمفهوم الحداثة، وهو ما بدا فجّاً بعض الشيء في العمل، وإن تصوّره البعض الكثير أو القليل للوهلة الأولى مبتكراً.

إلا أن ما يشفع للقائمين على العمل، علاوة على ما سبق ذكره، أنهم لم يدّعوا الحداثة في طرحهم المسرحي، وإن تحدثوا عن اندماج لم يتحقق إلا وهماً.. ومع ذلك فهو عمل لطيف انتزع الضحكة من جيوب أحزاننا ببراعة لص خفيف اليد والظل، فكان محبّباً وقريباً منا، وأعتقد أن كثيرين قد يرغبون بمشاهدته مرة وربما مرّات أخرى.

(المصدر : الهيئة العر بية للمسرح)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش