«جنونستان» بين نزار قباني وحكيم حرب / نور الهدى عبد المنعم

كتب نزار قباني مسرحيته «جمهورية جنونستان» عام 1977 أي مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، وقام بنشرها في عام 1988، أي بعد أحد عشر عاما من كتابتها، دون أية إضافة أو تعديل لأن الواقع الذي خلفته الحرب في لبنان كان لا يزال كما هو، الذي وصفه نزار بالعبثية والوحشية والجنون.
وتدور أحداثها في قالب كوميدي مأساوي يصور الحياة بعد الحرب الأهلية وما أحدثته من تغير ليس على مستوى ملامح البلاد وقوانينها بل في أفكار شعبها ومعتقداته، التي تتغير مرة أخرى بعد سنوات من وقوع الحرب وندم المشاركين فيها واعترافهم بأخطائهم وجرائمهم التي ارتكبوها في حق أنفسهم وبلادهم حيث كانوا معتقدين وقتها أنهم محقون في طاعتهم لأوامر أولي الأمر.
وقد تشابهت مع أحداث مسرحية «جنونستان» تأليف وإخراج وتمثيل الفنان الأردني حكيم حرب التي شاركت بمهرجان المسرح العربي الذي عقد مؤخرا بالقاهرة، مع الاختلاف في أنه لم يحدد زمانا ولا مكانا بعينه للأحداث التي تدور داخل جمهورية جنونستان مستعينا بملابس فانتازية لا تعبر عن هوية بعينها، هذه الأحداث عبارة عن الآثار التي خلفتها ما اصطلح على تسميته بـ«ثورات الربيع العربي»، على كل البلاد العربية التي شملتها والدمار الذي أحل بها، موضحا التركيبة الشخصية التي يتصف بها شعوب هذه الدول، والتي تنقسم بين الشاعر الحالم والمعارض الثائر والمنافقين وتجار دين، مسقطا تلك الأحداث على دولة ليبيا تحديدا حيث يظهر حكيم مرتديا ملابس تشبه الرئيس الراحل معمر القذافي الذي أطلق عليه الرئيس الراحل أنور السادات لقب المجنون، حيث العباءة والنظارة السوداء وبعض حركاته التي اشتهر بها، كذلك فريق الحرس المكون من سيدات.
في قالب كوميدي ساخر لخص حكيم حرب الحكاية في جملة واحدة على لسان الزعيم وهي: «دع أصدقاءك الأحرار يلبسون ملابس السلطة وانظر ماذا يفعلون»، ثم بالفعل تمت تنحية الحاكم الحالي وتداولت السلطة بين المدني الذي قام بإعدام الجميع، ورجل الدين الذي حول البلاد إلى بؤرة إرهابية على يد الدواعش، مما جعلهم يطالبون بعودة الرئيس المخلوع، وبالفعل يعود ويجلس على كرسي السلطة مرة أخرى، وهو ما يعبر عن عبارة تقال في العراق وليبيا ومصر تحصرا على الزعماء الراحيلن.
دائما ما نعاني أثناء مشاهدة العروض العربية من صعوبة فهم اللهجات المحلية، لذلك نفضل أن تكون عروض المهرجانات بالعربية الفصحى، لذا فإنه يعد من الذكاء اعتماد حكيم حرب في لغة المسرحية على اللهجة المصرية في كثير من المشاهد، كذلك العربية الفصحى تحتل مساحة كبيرة، وقليل من اللهجة الأردنية المحلية، في دمج أصاب به عدة أهداف، حيث يتناول واقع الوطن العربي خاصة مصر التي شهدت كثيرا من الأحداث التي يتناولها العرض.
كذلك ربط تلك الأحداث بالتراث المصري متمثلا في أغنيات الشيخ إمام الشهيرة، منها: «دور يا زمان، بقرة حاحا، إذا الشمس غرقت»، مستعيدا ببعض المشاهد التي تعبر عن أحداث ثورة 1919، وأغنية “خلي السلاح صاحي”، كما ظهرت ألوان العلم المصري متجسدة في ملابس الممثلين «الطربوش الأحمر، القميص الأبيض، البنطلون الأسود».
نبرة السخرية عالية وواضحة جدا في وصف إعلام تلك المرحلة بإعلام الأراجوزات، حيث يتم إذاعة نشرات الأخبار عن طريق عرائس ماريونيت من خلف ستار وهو ما يستخدم في تقديم فقرات الأراجوز، كذلك في تعرية وفضح فساد الأنظمة السابقة من خلال عبارات صريحة مثل مقولات الزعيم: أنا والفساد وهواك، أنتم تسرقون الناس في السر عن طريق فرض الضرائب وأنا أسرقهم علانية، أو إيحائية كاختيار اسم ليلى لكل عناصر الحرس فيطلق عليهم ليلى 1، ليلى2، ليلى3، في إشارة إلى طبيعة علاقته بهن، فليلى هي المعشوقة دائما.
كما تناول في مشهد صغير جدا كوميدي جدا فترة حكم الإخوان في مصر، وخصوصا مشهد توزيع عبوات الزيت على المواطنين، وسلوكيات الحاكم التي تدل عن مدى غبائه، حيث ينضم للمواطنين المعارضين له ولحكمه.
قدم حكيم حرب عرضا مسرحيا مكتملا، حيث ضم جميع عناصر الفرجة المسرحية المعتمدة أولا على الأداء التمثيلي الكوميدي الذي يليق بالمسرح للفنانين: حكيم حرب، نهى سمارة، عمران العنوز، إياد الريموني، هاني الخالدي، نور عطا الله، قيس حكيم، قمر بدوان، ماهر جريان، تيسير محمد علي، سيف الخلايلة، مع كورال طالبات مدارس الجامعة الأولى.
الاستعراضات والرقص والغناء، الديكور البسيط الذي اعتمد على عدة كراسي، وكرسي الحاكم الذي استخدم كأداة الإعدام أيضا في رمزية عبقرية للربط بين حياة الحاكم الديكتاتور وقتل الشعب، خاصة الثوريين وأصحاب الفكر والرؤى.
كذلك الإضاءة التي عبرت عن الحالة الفانتازية التي تدور فيها أحداث العرض.
العرض قدم خارج المنافسة على الجائزة بناء على رغبة المخرج وفريق العمل، وهو ما أعتبر موقفا غريبا برروه قائلين: حرصنا الشديد على تأكيد وتعميق حالة المسرح، كفن وإبداع وجمهور وحوار وندوات وورش وتفاعل؛ أكثر من قضية التنافس، التي عادة ما تكون نتائجها سلبية على كل المشاركين، وتساهم في خلق أجواء مليئة بالتوتر والاحتقان والطاقة السلبية التي لا تمت للمسرح بصلة، وهي قد تكون ملائمة للمسرحيين في مرحلة ما من مراحل العمل بالمسرح، لكنها غير ملائمة عندما يصبح المسرح مشروع حياة أكبر من قضية التنافس.

______________

المصدر / مسرحنا

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *