جمالية البنية المسرحية في المسرح الكويتي المعاصر (الكاتبات نموذجاً) / د. سكينة مراد – الكويت

المقدمة

شهدت الكتابة المسرحية تحولات عديدة ناتجة عن تطورات فنية وفكرية، والتي كان سببها تلك المتغيرات التي حدثت في المجتمع وأثرت في جماليات البنية المسرحية، وأدت بالتالي إلى تباين في الرؤى واختلاف في النظرة إلى الكون والإنسان، ومن ثم اختلفت وظيفة المسرح وطبيعته عما كانت عليه في السابق. هذه النظرة حددت وظائف جديدة للمسرح غيرت من جمالياتها، فبعد أن كانت وظيفة المسرح الكلاسيكي تتحدد في التطهير الناتج من إثارة عنصري الخوف والشفقة، اللذيْن يجعلان المتلقي يتأثر ويتفاعل مع الحدث، وينفعل لما يراه، تحدث عملية التطهير التي يخرج المتلقي معها وهو متخلّص من كل انفعالاته. كما أنه اعتمد على المنطق العقلي في البنية المسرحية، من حيث إنها بنية ثابتة وواضحة ومنظمة ومقسمة إلى فصول ومشاهد وشخصيات لها أبعادها وملامحها، وهذا ما جعل كتّاب المسرح في القرن السابع عشر يعتمدون على نهج الكلاسيكية القديمة لأنهم وجدوها قائمة على مفاهيم عقلية.

ثم ظهر شرّاح أرسطو الذين بدأوا يتجاوزون بعض العناصر الخاصة في بنية النص، وكان هذا التجاوز بداية لتفكيك البنية الكلاسيكية والذي جاء مرتبطاً بظروف المجتمع، وكان من بينهم شكسبير الذي قام بكسر الوحدات الثلاث، وتحديداً وحدة الموضوع، والمزج بين التراجيديا والكوميديا، إلا أنه ظل مع ذلك محافظاً على مفهوم البطل.

ولكن الظروف التي سادت في المجتمع الغربي، في القرن العشرين، ولّدت نظرة جديدة إلى العالم أثرت في جماليات البنية المسرحية، فظهرت بالتالي مذاهب مسرحية جديدة منها: العبثية والوجودية والملحمية، سعت إلى ابتكار شكل جديد للمسرح بهدف كسر كل ما هو قديم، لأنهم رأوا أن الشكل القديم غير مناسب ولا يتفق مع الواقع الحالي.

ظهرت مفاهيم جدلية وثورية إذاً أدّت إلى ظهور شكل جمالي جديد مختلف عن القديم، حيث اختلفت وظيفة المسرح البريختي وأصبح هدفه إظهار كل ما هو خفي للمتلقي، لإيقاظ وعيه ومعرفته بالواقع الاجتماعي لكي يتخذ منه موقفاً نقدياً، ثم يحدث نوع من التغيير، لأن بريخت كان يعتقد بأن المتلقي عندما يفهم واقعه فإنه يسعى إلى تغيير وضعه، وهو هنا استبدل التطهير بالتغيير والخوف والشفقة بالوعي والتغيير.

استمرت هذه النظرة حتى ظهور ما بعد الحداثة، مع بعض الاختلافات والتغييرات في البنية الجمالية للنص، والتي ارتبط مفهومها بالاتجاهات الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين.

ومن أهم سمات ما بعد الحداثة “التنافر والتشظي”[1]وهي سمة تختلف عن النموذج القديم الذي كان يعتمد على البنية المتكاملة والثابتة والمترابطة سواء في المعنى أو في تسلسل الحدث، بينما كان مسرح ما بعد الحداثة قائماً على تفكيك وحدة الحدث بحيث يبدو مبتوراً، فهي لا تتكون من بناء واحد، بل هناك سلسلة من الأحداث والقصص، أو الجزئيات المتنافرة، ولهذا نجد أن مسرح ما بعد الحداثة يدعو إلى التعدد والتنوع. ويرى “إيهاب حسن” أن تيار ما بعد الحداثة (يتطلع) إلى الأشكال المفتوحة، المرحة والطموحة، الانفصالية والمتروكة أو غير المحددة لتكوين خطاب مؤلف من شظايا أو تكوين أيدولوجية التصدع التي تعمد إلى الحل والقص وتستنطق الصمت”[2].

“إن هذا النموذج لأسلوب ما بعد الحداثة يضع قائمة أسلوبية بأنواع التعددية في المعنى وضروب التفتت والتشظي التي تتجلى في فن ما بعد الحداثة”[3]،إذن، فإن سمة”التفكك والتشظي” نجدها في كل عناصر البنية الدرامية، فالشخصيات متعددة وملامحها غير واضحة ولا علاقة بين كل شخصية وأخرى، ويرى “جنكس” “أن أكثر التقنيات تفشياً في فن ما بعد الحداثة هي استخدام “الشفرة المزدوجة” والثورية الساخرة والغموض أو الالتباس في المعنى، والتناقض، ثم يمضي ليرصد قائمة منوعة من التقنيات الأخرى، المتصلة بالتقنيات السابق ذكرها، ومن الحيل البلاغية التي تمثل ملامح هامة لهذا الأسلوب، ومنها المفارقة والتناقض الظاهر، والغموض… والاتساق القائم على التنافر(هارمونية النشاز)، والاسهاب، والتضخيم، والتعقيد والتناقض، واسترجاع الماضي، وقلب الترتيب المألوف لكلمات الجملة…”[4]

ونلاحظ أن مسرح ما بعد الحداثة مزج بين أساليب متنوعة، واعتمد على الفوضى والتشتت، ونتيجة لظهور التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، بدأ التركيز على الصور والتقنيات الجديدة، لهذا لم يعد مسرح ما بعد الحداثة يعتمد على الكلمة والسرد في كتابة النصوص تمشيّاً مع تطورات العصر.

إذاً، فإن المسرح يتطور بناء على التغيرات التي تطرأ على المجتمع،ويتّخذ شكلاً جديداً وفقاً لطبيعة الجمهور المتلقي.

هذه المتغيرات التي طرأت على المجتمع الغربي، والعالم بأكمله، لم يكن المسرح الكويتي بعيداً عنها، فبالرغم من بداياته التقليدية إلاّ أنه سرعان ما تأثر بجماليات الكتابة المسرحية، أدّى إلى تغيير في شكل البنية وسماتها.

ومن هنا نطرح السؤال التالي: كيف أصبح شكل المسرح الكويتي الذي تأثر بظهور الاتجاهات والمتغيّرات الحديثة؟ وماهي السمات التي تمثّلها الكتابة في المسرح الكويتي؟

 

*مدخل إلى المسرح الكويتي

منذ البدايات في الكويت اتخذ المسرح الشكل التقليدي سواء على مستوى الكتابة أو على مستوى الإخراج، ولكن مع مرور الزمن، والمتغيرات التي طرأت على المجتمع وخصوصاً ظهور التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال، تغيرت مفاهيم كثيرة أفرزت نماذج مغايرة للنموذج التقليدي، أضف إلى ذلك وجود عناصر كثيرة ساعدت في تطوير الحركة المسرحية، منها:

-دور المجلس الوطني في إقامة دورات في فن الكتابة المسرحية التي استقطبت الكثير من هواة الكتابة المسرحية.

-استمرارية المهرجانات المسرحية التي ساعدت على إيجاد جو التنافس وتشجيع الطاقات وتفجير الإبداع، حيث إنّ المسرح هو مكان الإبداع واكتشاف الذات.

-عودة المبتعثين من الخارج محمّلين بأفكار جديدة نشروها عبر التدريس، إلى جانب الاهتمام بمادة “فن الكتابة” من ضمن المواد الدراسية المقررة في قسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إذ كان هناك من لديه استعداد شخصي فقام بتطوير موهبته عبر دراسة أساسيات الكتابة المسرحية.

-الواقع الكويتي كان سبباً آخر من أسباب تطور الحركة المسرحية، وذلك عبر فرض التعليم الإلزامي على جميع المواطنين، مما ساهم في ظهور طبقة جديدة من المثقفين، ومنحهم حرية الرأي والتفكير، إضافة إلى طبيعة المجتمع وتقبله لدور المرأة ومشاركتها في الأعمال الثقافية والفنية.

إذاًظهرت في بداية الألفية الثالثة نماذج حديثة في المهرجانات، وكانت في معظمها تبشّر بجيل جديد، اتخذت التجارب النسائية فيها مكانة بارزة، وتحديداً على مستوى التأليف،وذلك باتخاذ أسلوب جديد أضاف إلى المسرح شكلاً جديداً في كتابات مزجت بين الشكل التقليدي والشكل الحديث، وأفرزت توجهات فكرية نابعة من الواقع المعاش وتقنيات مستمدة من الشكل الغربي، وذلك من خلال التعامل والتعرف على أنماط مسرحية غربية.

في هذا البحث تم اختيار بعض التجارب النسائية الحديثة التي أخذت مكانتها في الساحة المسرحية، بحيث لم تخلُ المهرجانات المسرحية من عمل أو عملين _كحد أدنى_ من أعمالهن، لهذا جاءت أهمية هذا البحث في رصد مرحلة جديدة في المسرح الكويتي مع ظهور التجارب النسائية على مستوى التأليف.

ولكننا نتساءل: هل استطاعت هذه التجارب النسائية أن تُحدث تغييراً جذرياً في المسرح الكويتي من خلال كتاباتهن؟ وهل لقيت هذه النصوص نجاحاً عند عرضها على خشبة المسرح؟ وما هي السمات الخاصة بها؟ ثم ما هي علاقتها بالاتجاهات الحديثة مثل مسرح ما بعد الحداثة؟ وكيف عبرت الكاتبات عن قضايا الوطن؟

والحقيقة أنّنا لا نستطيع أن نحكم على هذه المرحلة من خلال نص أو نصين فقط، بل علينا أن نختار عدّة نصوص لكاتبات كان لهن أثر واضح في الحركة المسرحية، والتي يمكن لنا من خلالها أن نحدد مسار الحركة المسرحية المعاصرة في الكويت. لهذا وقع اختيارنا في هذا البحث على نصوص كل من: تغريد الداوود، فاطمة المسلم، فطامي العطار، فاطمة العامر.

إن اختيارنا لهذه الأسماء لم يكن قائماً على تميّز الكاتبات عن غيرهن من المؤلفات، ولم يتم اختيارنا للنصوص بناء على قيمتها الفنية، وإنما قصدنا من ذلك أن نبحث عن التجارب المسرحية المعاصرة للكاتبات اللاتي كان لهن تأثير في الحركة المسرحية، وأن نقدّم نموذجاً لشكل جديد ومرحلة جديدة في الكتابة المسرحية في الكويت، وأن نقرأ النصوص لاستنباط المكونات المسرحية وتحديد السمات الأساسية فيها انطلاقاً من المحاور التالية: القضايا المطروحة، البناء المشهدي، توظيف المكان والزمان درامياً، استخدام الرمز والإيحاء.

أولاً: القضايا المطروحة

بعد قراءة أغلب الأعمال المسرحية وجدنا أن هناك قضايا عامة تختلف باختلاف المعاناة، فهناك قضايا مشتركة تتناول الهم الاجتماعي الذي يعاني منه الإنسان المعاصر والمتمثّلبالقلق واليأس والملل والشعور بالوحدة، إلى جانب طرح الأفكار الجديدة ورفض الفكر القديم، نتيجة للتطور الزمني والفكري الذي طرأ على الانسان. إن الكاتبات –بسبب انتمائهن إلى لجيل الجديد-يجدن مدى تمسك المجتمع والتزامه بالفكر القديم المحمّل بالعادات والتقاليد التي أصبحت -فيما بعد-بمثابة قوانين راسخة تقيد حرية الفرد، لذلك جاءت كتاباتهن لتعلن الهروب من الواقع المفروض ورفض كل ما يقيد الفرد في حريته وإبداء رأيه، والذي جاء عبر صراع الأفكار بين ما هو قديم وما هو جديد. لذا قامت بعض الكاتبات بتصوير بعض النماذج المأخوذة من الواقع، والتي تشكو من معاناتها على اختلاف أنواعها، لأنّها تعيش في عزلة عن المجتمع ولا تستطيع أن تتكيف معه.

يبدو ذلك واضحاً في مسرحية “المحطة رقم 50” للكاتبة تغريد الداوود، التي عبّرت عن هذه المعاناة من خلال تصنيف الشخصيات إلى ثلاث مجموعات هي: الجيل القديم (العجوز) جيل المنتصف الذي يمثل الضوابط والقوانين (حارس المحطة) والجيل الجديد (نماذج من الشباب).

إنّ كل مجموعة من هذه المجموعات كانت تحمل فكراً معيناً، وكل شخصية في المجموعة كانت تحمل قضية معينة من القضايا، فمثلاً مجموعة الجيل الجديد جاءت متمثّلة بشخصية الشاب قوي البنية، والشاب المتمرّد، والشابة الغامضة. هذه المجموعة كانت تحمل هموم الشباب ومطالبتهم بالحرية جرّاء الشعور بالملل والقلق بفعل القيود ورفضهم الأفكار الرجعية. يتضح ذلك في الحوار الذي دار بينهم:

خالد:”ممن تختبئ؟

سامي (بتردد): … من أهلي، فقد خرجت من البيت عاقداً العزم على ألا أعود إليه.

أمل: ماذا! هربت من بيتكم؟

خالد (ساخراً): ولماذا؟ ألم يتناسب بيتكم مع (اللوك)؟

سامي: لقد عارض أبي دوماً رغبتي في أن أصبح فناناً، يقول أن علي أن أفكر بمستقبلي بعيداً عن هذه التفاهات.

أمل: هذا مؤسف، بات حتى أقرب الناس إلينا لا يتفهموننا.

سامي: أتعلمين؟ لقد حاول أبي مراراً منعي من الموسيقى، ولكن دون جدوى، هو يعتقد أنه يعرف مصلحتي أكثر مني، يريدني أن أصبح عسكرياً! أتتصورين… أنا عسكري!! هه يريدني أن أحيا الحياة التي كان يتمناها لنفسه”[5]

يتضح من هذا الحوار أن هذه الشخصيات هربت من بيوتها، هربت من أهلها، هربت من واقعها، ومن القوانين المفروضة عليها بسبب عدم تقّبل الأهل لرغباتهم وميولهم، هربوا للبحث عن حريتهم، التقوا في المحطة وهم في حالة انتظار الأمل، تقول أمل: “…أجننت، كي أحمل معي طبلاً يربطني بالماضي! وأنا التي أتطلع للمستقبل.

خالد لأمل: وماذا عن تاريخك؟ أتهربين منه الآن؟

سامي: كما هربت أنا من بيتنا.

عامل النظافة (بحسرة) كما لم أتمكن أنا يوماً من الهرب.

أمل: أنا لا أريد الهرب بل أريد الحرية”[6]

ومن جانب آخر نجد شخصية السيدة العجوز التي تحمل أفكار الجيل القديم المتمثّلة بالأعراف والعادات والتقاليد القديمة والبسيطة، فهي تبيّن مدى بساطة الحياة في السابق، وأن الأمور كانت تسير بدون أي تعقيد، فتقول: “في السابق لم تكن القطارات تتأخر، ولم نكن ننتظر طويلاً”[7].

وتستمر في الحديث عن زمانها وعن أنهم كانوا يعيشون بسلام وسعادة متمسكين بأعرافهم دون أية قيود تُعيقهم ودون أي شيء يفسد أمورهم، فتقول: ” في ما مضى لم يكن أحد يصف أفراحنا بالفساد”.

بين الفكر القديم والجيل الجديد استحضرت الكاتبة نموذجاً يمثّل جيل المنتصف/ الضوابط والقوانين (حارس المحطة) الذي كان يمثل السلطة التي تفرض على الآخر التمسك بالنظام والقوانين، وهو الأكثر تشدداً وتمسكاً من الجيل الماضي. تطرح الكاتبة أموراً كثيرة على لسان الحارس، وهي عبارة عن قوانين وضعية فرضت على الشخصيات، وتحديداً الجيل الجديد، الذي بات يجهلها أو يرفضها، بينما العجوز ربما تدركها وتتقبلها، كقضية منع الاختلاط بين الجنسين، مخالفة الآداب العامة، عدم العزف في المحطة.

يقول الحارس للشاب: “أنت… هل أتت هذه الفتاة معك؟ أهي زوجتك؟ أختك؟ قريبتك؟

أمل: أتيت وحدي.

الحارس (مخاطباً الفتاة): إذاً فاجلسي بعيداً عنهم فالاختلاط بين الجنسين ممنوع.

أمل: ليس من حقك منعي من الجلوس حيث أريد.

الحارس: النظام نظام، لا تضطريني لأن … أنا حارس المحطة وواجبي هو الحفاظ على الآداب العامة، فليحترم الجميع النظام المتبع في هذه المحطة وإلا فليبحث له عن محطة أخرى”[8]

إن لدى هذا الحارس قوانين معينة يفرض على الشباب الالتزام بها، وكأنه يرفض الفكر الجديد، لأنه يرى أنه فكر دخيل على المجتمع وأنّه يحمل من الغرب كل ما هو سييء، إلا أن الشباب يرفضون تطبيق هذه القوانين لأنها تحد من حريتهم سواء في الفكر أو الرأي أو الرغبة، يقول خالد: “القانون الذي لا يحترم سواه يجب أن يتغير، وإلا فإننا سوف نبقى في وهم الانتظار إلى الأبد”[9].

إن هؤلاء الشباب ليسوا ضد القوانين بشكل عام، بل هم ضد كل قانون لا يتفق مع ميولهم وأفكارهم ورغباتهم، ضد كل ما يمنعهم من التصرف بحرية، لذلك يسعون إلى التغيير.

هذا الصراع الفكري بين المجدّدين والتقليديين تحاول العجوز أن تنهيه وأن تصلح بينهم بنشر السلام والمحبة كما كان في زمانها، فتقول: “يجب أن تسموا على خلافاتكم وتنبذوا العداوات بينكم لتمضي رحلتكم بسلام ففي النهاية قطار واحد يستجمعكم، حكموا العقل”.

إنّ هذه العجوز تمثل صوت الكاتبة، كما نرى لدى شخصيات “شو” و”الحكيم” التي كانت تحمل أفكار الكاتب، وهذا ما نجده في مسرح الأفكار الذي “يحشر فيها المؤلف أكبر قدر ممكن من الأفكار، وإنما هي تلك المسرحية التي تتراءى فيها الفكرة شيئاً فشيئاً من خلال ما يدور فيها من صراع ولا تكتمل هذه الفكرة إلا بانتهاء هذا الصراع”[10]. إذاً فالصراع الفكري لا يعتمد على الصراع الجسدي والصراع العاطفي، بل هو صراع قائم على مناقشة الأفكار المتناقضة.

هذا الصراع الفكري نجده عند أغلب الكاتبات الكويتيات، ولكن بمعالجات متباينة، فعلى سبيل المثال كانت الكاتبة فاطمة المسلم، في مسرحية “نرفانا”، تركز على الصراع الفكري بين المعتقد والعقيدة، بين الدين والفكر الاجتماعي، بين الفكر الجديد والموروث الشعبي، حيث لجأت بشكل غير واقعي، وغير مباشر، لطرح أفكارها عبر اللجوء إلى الأسطورة التي أعطت النص الشكل الطقسي للتعبير عن مفهوم المعتقد الشعبي ومدى تأثيره في فكر الإنسان وتكوين شخصيته، والذي أصبح فيما بعد عقيدة راسخة بالنسبة إليه.

رسمت الكاتبة عبر هذه الحكاية شخصيتين (العشيق والعشيقة)، وأعطت لكل منهما فكراً مختلفاً عن فكر الآخر، نابع من واقعه، فالعشيق يحمل فكراً واقعياً بينما تحمل العشيقة فكراً وهمياً ناتجاً من موروثها الشعبي الذي تحوّل إلى معتقد ثابت وراسخ.

بيد أن لهاتين الشخصيتين رغبة درامية مشتركة هي الوصول إلى السعادة، فالعشيق يجد سعادته في الوصول إلى العشيقة، ولكن هناك عقبة وحاجز يمنعانه بسبب الاختلاف الفكري الناتج من اختلاف العقيدة الدينية، ومحاولة العشيق في التغلب على العقبة جعلته يغير فكره وعقيدته دون قناعة، رغم أن العشيقة ظلت متمسّكة بفكرها، ورغم تغلّبه على كل الصعوبات ومحاولته تغيير فكره، إلاّ أن رغبته الدرامية لم تتحقق بسبب تمسك العشيقة بفكرها، حيث انتحرت إيماناً بفكرة(الاستنساخ)، وهذا يرمز إلى تغلب الواقع على الوهم، والعقيدة على المعتقد، والدين على الموروث القديم.

إن الموروث الشعبي عند فاطمة المسلم يعادل الشكل التراثي أو الفكر القديم عند تغريد الداوود، إلاّ أنهما لم تتمكنا من توصيل الفكرة بشكل واضح، لأن تغريد الداوود جمعت بين مختلف أشكال التناقضات الاجتماعية، فاختلط موضوع السلطة والجاه المالي، وتداخل بين الفكر القديم والفكر الجديد دون أن ندرك هدفها من ذلك، فأحياناً نجدها تدافع عن الجيل الجديد إلاّ أنّها سرعان ما تعود إلى الماضي بكل تقاليده وموروثه وثقافته، وهذا ما أدى إلى التناقض في فهم الفكرة والتشظي في الحدث.وهكذا هو الحال بالنسبة إلى فاطمة المسلم التي جعلت العشيقة تتمسك بفكرها رغم أنها تمثل الوهم، بينما العشيق الذي كان يمثل الواقع هو من حاول أن يعتنق معتقداً آخر، وفي النهاية تموت العشيقة رغبة منها وإيماناً بمعتقدها، ويبقى العشيق على قيد الحياة بعد أن حاول تغيير فكره، ما أدى إلى الغموض والتشويش في الفكرة.

كان الغموض واضحاً في أغلب النصوص، إذ ربما جاء بشكل الكتابة العفوية، أي عدم القدرة الجيدة على الكتابة، أو كان انعكاساً لطبيعة هذا الجيل الذي يرى العالم مضطرباً بلا وضوح ولا استقرار نتيجة القلق والحروب، لذلك هو نظر إلى العالم بنظرة سوداوية مليئة بالتشاؤم واليأس، أو ربما كان هذا الغموض بسبب تقليد لشكل الغربي جرّاء تأثرهن بأفكار غربية، وذلك نتيجة الانفتاح على الثقافة المسرحية الغربية، ما جعل الكاتبات يدركن أبعاداً جديدة وأسلوباً جديداً في الكتابة، دعا اليهما المنظرون الغربيون سواء أكانوا عبثيين أو وجوديين أو حتى كتاب ما بعد الحداثة، فأخذن تقنيات المسرح الغربي ووظفتها بشكل جديد يتغلب عليها المنطق، لأن طبيعة المجتمع لا تتقبل الفكر العبثي أو الوجودي.ففي ما بعد الحداثة مثلاً نجد “الاهتمام بالتركيز على التنافر والانقطاعات العميقة للعمل الفني الذي لم يعد موحداً أو عضوياً بل هو الآن حقيبة منوعات فعلية أو حجرة كرار ممتلئة بالأنساق الفرعية المفككة والمواد الخام العشوائية والدوافع من كل نوع وبتعبير آخر، تحول العمل الفني الأسبق (أي الأعمال السابقة على ما بعد الحداثة) إلى نص تتقدم قراءته بواسطة التمايز وليس بواسطة التوحد. إلا أن نظريات الاختلاف نزعت إلى التشديد على الانفصال إلى النقطة التي تميل عندها مواد النص، بما في ذلك كلماته وعباراته، إلى التساقط، إلى سلبية عشوائية وخاملة، إلى تشكيلة من العناصر التي تستعرض انفصالاتها أحدهاعن الآخر”[11]

وأمّا فطامي العطار فقد تنوعت مصادرها ما بين التاريخ كما في مسرحية “تميمة وحمدان وكتاب الزمان” والتراث والموروث الشعبي كما في مسرحية “طار برزقه” ومسرحية “صندوق أمينة” ومسرحية “يادانا دنا الليل”، وبالتالي تنوعت قضاياها بين القضية الاجتماعية والإنسانية والقومية العربية، فخلال تناولها هذه القضايا قدمت نقداً للواقع السياسي بشكل رمزي غير مباشر. تماماً كما نجد لدىبريخت حينما لجأ إلى الأساطير والحكايات الشعبية والخرافية والتاريخ والموضوعات الغربية، الذي لجأ إلى التراث حتى يطرح أفكاره بشكل غير مباشر.

وربما كان لجوء بعض الكاتبات إلى التاريخ والأسطورة تأكيداً على إبراز الصراع الفكري بين القديم والجديد، والفرق بين الحياة في الماضي، التي تزخر بعادات معينة، وبين الحياة في الحاضر التي تسودها الفوضى الاجتماعية.

والملاحظ أن أغلب الكاتبات ركزّن على فكرة العزلة والانتظار، وهي من أهم الأفكار التي ركز عليها أغلب كتّاب القرن العشرين، وتحديداً كتّاب العبث واللامعقول، الذين عبّروا عن إحساس الانسان بالعزلة عما حوله، وعدم تواصله مع الآخر، وشعوره بالغربة تجاه نفسه.

حاولت الكاتبة تغريد الداوود أن تعبّر عن فكرة العزلة والوحدة في مسرحية (المحطة رقم 50) من خلال تركيزها على الإحساس المتبادل لدى شخصيات الجيل المعاصر وشعورهم بالعزلة، وكان هذا الإحساس قد شكّل بالنسبة إليهم جانباً مهماً في حياتهم فقاموا بفعل هذا الإحساس بترك منازلهم ومنهم من قرر الرحيل من موطنه هرباً من الواقع المرفوض، لأنه شعر بالوحدة تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.

تتضح هذه الفكرة أيضاً في مسرحية “ليلة ربيع عين قمرة” للكاتبة فطامي العطار، عبر وجود ربيع منعزلاً في سجن انفرادي، لا يتواصل مع الآخرين فيطغى عليه شعور بالغربة والملل، وهذا تعبير عن الغربة النفسية، كما هو تعبير عن العزلة التي يعيش فيها الانسان العربي.

فقد لجأت الكاتبة فاطمة العامر، في مسرحية “شارع أوتوقراطيا”، إلى طرح مواضيعها بواقع غربي حتى تبتعد عن المباشرة في نقد واقعها، حيث تطرقت إلى فكرة الوحدة والعزلة وصراع الطبقات بين القوي والضعيف، بين الطبقة التي تملك والطبقة التي لا تملك، كما أنها أرادت أن تبحث عن المعنى بأسلوب جديد ومختلف، لذلك اتخذت هنا مفهوم المسرح كرسالة فقط.

هذه الظاهرة نجدها عند أغلب الكاتبات اللاتي كتبن نصوصهن من منطلق أن المسرح رسالة تخاطب المتلقي ليس بهدف التطهير والمتعة، ولكن بهدف مخاطبة وعيه بالظلم والقهر واستفزازه بإثارة الأحاسيس والعواطف، فيرى واقعه ويؤثر فيه حتى يمارس عملية النقد ويسعى إلى التغيير، وهذا قريب من المفاهيم البريختية التي تسعى إلى ايقاظ وعي المتلقي، والسبب الآخر هو اختلاف المفاهيم لديهن، لأنهن يعتقدن أن المسرح النخبوي لا بد أن يكون مسرحاً غامضاً.

هذه التجارب أعطت المسرح الكويتي اتجاهاً جديداً على مستوى الكتابة بهدف تجسيد قضايا المجتمع ومناقشة هموم الجيل الجديد عبر فضح أساليب الحياة وتعرية الواقع وتسليط الضوء على بعض الجوانب الاجتماعية وتناقضاتها الداخلية، الأمر الذي انعكس على بنية النصوص الجمالية، والتي خرجت عن البنية الكلاسيكية التقليدية.

ثانياً: الأسلوب الفني

 

*توظيف المكان والزمان درامياً

اهتمت بعض الكاتبات بتصوير المكان والتركيز عليه بشكل درامي يحمل بعض الارشارات والرموز، بحيث تم توظيف المكان درامياً حتى يتماشى مع السياق الدرامي للنص.

في مسرحية “المحطة رقم 50″ورغم ثبوت المكان إلا أنه كان يحمل دلالات معينة مرتبطة بفعل الشخصيات وهو فعل الانتظار. ففي المحطة تلتقي الشخصيات لهدف واحد هو انتظار القطار القادم من مكان ما لينقل آخرين إلى مكان آخر، فهو مكان لكل العابرين (القادم/ الراحل)، وإن الرغبات الدرامية لكل الشخصيات متناقضة، فكل شخصية لها هدف معين من القطار، كما أن القطار يمثّل بالنسبة إليها رمزاً معيّناً. فالعجوز التي تمثل الفكر القديم تنتظر ابنها منذ فترة طويلة وترفض الرحيل، إنها الأكثر صلابة، بينما شخصيات (الجيل الجديد) تريد أن ترحل وهذا يدل على أن لديها هدفاً مشتركاً هو الهروب والخلاص من واقعها.

أمّا الحارس فوضعه ثابت كثبوت المكان، إنه مرتبط بالمكان ويسعى إلى الحفاظ على قوانينه، ويقف ضد كل رغبة تعارضها، لهذا يقوم بفرض قوانينه على الشباب، وهذا ما يجسد في النص فعل الصراع بين الأفكار، الصراع بين شخصيات تريد أن تعيش واقعها وتفرض كيانها وتواجه الفكر المخالف والمناقض لفكرها، لهذا نجد شخصية الحارس تحاول فرض ذاتها وتكسر رغبات الشباب الذين ينتظرون الخلاص.

وأمّا بالنسبة إلى القطار فهو يعد وسيلة لتحقيق الرغبة والانتقال من مكان إلى آخر، من حالة إلى أخرى، فهو في هذه المسرحية يتيح الفرصة لتحقيق الآمال والرغبات أو الخلاص من الواقع المفروض، لكن هذه الآمال لا تتحقق لعدم وصوله في النهاية.

إن الرقم (50)، الذي يحمل اسم المحطة، ربما هو الرقم الذي يشير إلى المنتصف (منتصف القرن) أو المركزية، وهذا مرتبط بشخصية الحارس الذي يمثل المركز أو السلطة أو القوة في تنفيذ قرارات المحطة، كما أنه يرمز إلى الفترة الزمنية التي مرت بها الكويت، وهي فترة ما بعد الخمسين التي خضعت للتطور في جميع نواحي الحياة. وبالتالي تصبح المحطة رمزاً للوطن، وهذا ما فعلته الكاتبة تغريد الداوودفي مسرحية “الديوانية”عندما جعلت الديوانية كمكان ورمز للوطن، وبالتالي أصبحت الشخصيات تمثل نماذج من المجتمع ومن شرائحه المتعددة.

إن المكان في مسرح الداوود يشير إلى الوطن، إلى الأرض، إلى الانتماء، وقد وظّفته درامياً بحيث جاء لينعكس على طبيعة الحدث، ففي مسرحية “مخلصوص” صوّرت المكان مزرعة محاطة بسور يحاول اللصوص الدخول عبره بكل سهولة.

وفي مسرحية “شارع أوتوقراطيا” حدّدت الكاتبة فاطمة العامر في وصفها للمكان بأنه شارع من شوارع إنجلترا، مليء بالنفايات، فالمكان هنا عام، يحمل همواً عامة، فيه نماذج مختلفة. ولا شك في أن طبيعة المكان انعكست على طبيعة الشخصيات، كما أن ارتباط الزمن بالمكان يعطي معنى للحدث الدرامي، ويساعد على تحديد طبيعة الشخصية، فالليل يحمل معاني كثيرة، كالظلام، التستّر، التخفي، والتنكّر. ولعلّ الكاتبة كانت تهدف الكاتبة إلى ظهور الشخصيات ليلاً في إشارة إلى الهروب من الواقع المؤلم في ضوء النهار، وهذا يعادل “القطار” في مسرحية “المحطة رقم 50″، كما أن النفايات كانت ترمز إلى عيوب البشر وأغلاطهم المتراكمة من ماضيهم.

*الإشارات والدلالات والرموز

تعطي الكاتبات أحياناً أبعاداً دلالية لأحداث النص المسرحي على مستوى الواقع والخيال، وذلك عبر تصوير الشخصيات والارشادات المسرحية، وأيضاً عبر الحوارات والخطابات التي توجه إلى القارئ للتعبير عن هاجس القلق الذي يدور في فكرهن وفي فكر أبناء جيلهن، وهذا يعطي تعددية الآراء في التفسير والتأويل، كما أنه يعطي ثراء للنص المسرحي أحياناً.

كما أنّ اللغة أيضاً كانت تحمل عند بعض الكاتبات دلالات كثيرة وبعداً معرفيّاً آخر، وربما كان الهدف من اعتمادهنّ على الرمز في اللغة كشكل فنييهدف إلى التوريةَ والابتعادَ عن المباشرة.

هذا ما نجده عند فطامي العطار في مسرحية “أحلام عبدالسلام” حيث حملت الحوارات مدلولات ومعاني لغوية، في إطار فعل جدلي بين الشخصيات، لتوضيح بعض الأفكار والمفاهيم والتعبير عن الحدث الدرامي. وعلى سبيل المثال اتضح الرمز عبر قراءة الفنجان، والكابوس الذي ظهر في حلم أحلام، فالكاتبة هنا كانت تمهد للأحداث القادمة وتوقّع ما يحدث في المستقبل، أي أنها كانت تسبق الحدث عبر الإشارات والرموز لتكشف عنها فيما بعد مع تطور الحدث. تقول أحلام لأمعليش التي تعمل في منزلها: “كوابيس فظيعة، في كل مرة أرى نفسي أساق إلى منصة الإعدام وعندما أستيقظ أشعر بأن جسدي يؤلمني.. وبأن أنفاسي تزهق، حتى إنني أستطيع أن أشعر بقلبي وكأنه حجر يرقد بين أضلعي.. إحساس رهيب، أظنني أتذوق طعم الموت في كل مرة”[12].

وبعد هذا القول تطلب منها أم عليش أن تقرأ لها الفنجان مدعية أنها تجيد قراءة المستقبل القريب، فتقول: “… سيقف البخت هناك على الأرض المحترقة… هناك ينظر إلى القارورة الخاوية… هناك حيث ينسكب ماء وجه الغول، فتحترق الحقيقة لينبعث منها دخان السلام”[13]

حاولت الكاتبة أن تبني أحداث النص على حوارات الشخصيات التي تبين من خلالها بأن هناك حدثاً ما سوف يؤدي في النهاية إلى السلام، كما أنها وقعت في خلل درامي في أثناء استخدامها أكثر من تقنية في التمهيد للحدث، وهذا ما يجعل المتلقي يتخيل الحدث دون تشويق أو ترقب.

استخدمت الكاتبةالواقع أيضاً في مقابل الخيال كوسيلة تحرك أحداث النص، كما في مسرحية “حفرة انبيش” التي أرادت فيها إظهار البعد السياسي في الخفاء تحت الأرض عبر حفرة قرأ فيها الواقع من نواحٍ خفية وغير ظاهرة، وهي الحفرة التي ظهرت عندما حاول (عوضين) أن يزيل البلاط ليصلح العطل في أنابيب المياه حيث يقترب كل من أنبيش ومستورة وعوضين لينظروا إلى ما يحدث بذهول ويدور بينهم الحوار التالي:

عوضين: “يا نهار أسود.. وده بيفرق.. أمال إيه الخيمة دي.

مستورة: خيمة مرة وحدة! .. وين أنا موشايفة.

أنبيش: أي خيمة؟!

عوضين: بص.. ركز معايا.. في الخنفسة..شايفها؟!

أنبيش: (بتملل) موشايفشي

عوضين: أنت شايف الخنفسة ومش شايفالخيمة..(بدهشة) بص شوف دي الخيمة .. الله الله الله.. دي بتمشي.

أنبيش: طالع هذا.. انت شفيك.. هذه خيمة..

عوضين: أمال إيه؟

أنبيش: هذه غترة.. غترة

عوضين: دي كل حاجة هنا مقاس إكس لارج

مستورة: عوضين.. طالع شنة تحت الغترة.. هذا جنة جوتي!”[14]

أمّا تغريد الداوود فقد ركزت، في استخدام الرمز والإيحاء، على تصوير المكان وتوظيفه ليسقط على الواقع بشكل غير مباشر، فالمزرعة في مسرحية”مخلصوص” رمز للوطن، وعنوان المسرحية كان يحمل المدلولين هما: اللصوص المخلصون الذين يستغلون جدال الزوجين (المتمثليْن بالشعب المنشغل بالأمور التافهة) ويدخلون المزرعة من الباب علناً وبكل سهولة للسيطرة عليها ونهب خيراتها،والشاب  المخلص (الذي يمثل الجانب الآخر من الشعب) الذي يسعى للإقتراب إلى الفتاة التي تمثل الوطن وحمايتها ويحاول الوصول إليها بالخفاء عبر أسوار المزرعة خوفاً من الزوجين اللذيْن يعتقدانه لصاً. إن هذه المفارقة الدرامية تحولت فيما بعد إلى كوميديا الموقف وأدّت بالتالي إلى السخرية والتهكم من الوضع القائم.

في مسرحية “اوتوقراطيا”برز الرمز عبر تصوير الشخصيات، حيث جسّدت الكاتبة صورة الإنسان المهمّش البسيط في مظهره، إلاّ أنّه يحمل معاني عميقة في جوهره، وصورت غموض واقعه الذي يعيش فيه منعزلاً ووحيداً في عالمٍ قاسٍ. لقد قدّمت نماذج متنوعة لهموم الإنسان، كالفتاة اللقيطة التي تعاني من الوحدة، وبسبب الوحدة هذه تحولت فيما بعد إلى فتاة الليل (الساقطة)، وأيضاً هناك نموذج للفنان العازف الذي لديه مشاكل نفسية بسبب موت عشيقته، فبات هو الآخر يشعر بالوحدة والعزلة عن العالم الخارجي.

قامت الكاتبة هنا بتفكيك الهموم الإنسانية وتوزيعها على شخصيات متعددة ومختلفة باختلاف الأسباب، ورغم معاناة هؤلاء إلاّ أنّهم لم يغدروا ببعضهم ولم يتخلّى أحدهم عن الآخر، فيقول واحد منهم: “أحياناً يجب أن يموت أحدهم ليعيش أحدهم”.

في مقابل هذه المجموعة، تصوّر الكاتبة مجموعة أخرى تمثّل السلطة عبر شخصية الشرطي النزيه والمحقّق الشهير، وهذه المجموعة كان لديها أطماع للوصول إلى مآربها، وهذه الأطماع جعلتها تصل إلى حد الغدر والتضحية بالآخرين مقابل تحقيق أهدافها.

ثالثاً: بناء المشهد المسرحي

بنت أغلب الكاتبات مسرحياتهنّ بأسلوب جديد مغاير للأسلوب التقليديبسبب متغيرات المجتمع واختلاف مظاهر الحياة والقضايا والهموم، وذلك بالعمل على المزج بين سمات المسرح التقليدي وسمات ما بعد الحداثة، إضافة إلى دمج موضوعات متعددة ومترابطة في الفكرة ومنفصلة في التسلسل، بحيث جاءت كتاباتهنّ غير منفصلة عن التقليد ولم تكسر الحكاية، وربما جاء ذلك نتيجة لتأثيرهنّ بالاتجاهات الحديثة، فمزجنّ بين مفاهيم الحداثة القائمة على العقل وبين مفاهيم ما بعد الحداثة الرافض لمنطق العقل، حيث أن “الميول الكلاسيكية للحداثة جاءت لترى نفسها تشكل مرحلة عقلانية تعمل على قلب مفاهيم التقاليد الراسخة بعيداً عن النزعة العاطفية للقرن العشرين”[15]، بينما مفهوم ما بعد الحداثة يقوم على “الاعتراض على مختلف قيم الحداثة كالتقدّم والحرية واللاعقل والسعادة الفردية والإقرار بفشل مشروع الحداثة الغربية”[16].

جاءت أغلب النصوص في فصل واحد وعدة مشاهد، حيث بنت بعض الكاتبات أحداث المسرحية بشكل تقليدي من بداية ووسط ونهاية، أما بعضهن الآخر فجاء أسلوبهن في الكتابة بشكل غير تقليدي وبعيد عن التسلسل المنطقي، والاعتماد على تفكيك المشهد، حيث برزت بعض المشاهد غير ثابتة وغير مكتملة، وإنّما في أجزاء متقطعة، كما نرى في نصوص فطامي العطار على سبيل المثال مسرحية “ليلة ربيع عين وقمرة” التي بدأت أحداثها في مكان غير محدد وعبر بعض الإيحاءات اتضح للمتلقي بأن المكان ليس سوى زنزانة انفرادية تحيطها أجواء موحشة قذرة، ثم تنتقل الأحداث إلى مكان آخر أدى إلى تشتيت في المحور الرئيسي للحدث والغموض في الفكرة، وفي النهاية تحاول أن توصل الكاتبة إلى المتلقي بأن كل ما حدث كان في مستشفى الأمراض العقلية. إنّ هذا الأسلوب في بنية الأحداث يؤدي غالباً إلى الغموض لأنه يُغيّب المعنى، وربما جاء ذلك بشكل عفوي غير مقصود، كما هو موجود في المسرح ما بعد الحداثة الذي كان يسعى إلى تغييب المعنى حتى يصل إلى المعنى المراد منه، ويستمر الغموض حتى نهاية المسرحية.هذا ما نجده عند”تشونج” الذي “ينتقل بين الوسائط بدلاً من أن يخلطها، ويخصص كل وسيط فني لطرح قضية منفصلة، ولا يسعى إلى بناء فكرة موحدة أو أثر كلي”[17]، حيث كانت عروضه عبارة عن أحداث متقطعة وشخصيات غير محددة، لأنّ الغموض كان مسيطراً بحيث تظل التفاصيل غامضة.

أمّا في مسرحية “نرفانا”فإنّنا نجد أن الاستلهام من الأسطورة هو الذي أدى إلى الغموض في بنية النص، ولكن الغموض هنا أدى إلى نوع من التشويق، لأنها سعت إلى توضيح المعنى في النهاية.

اعتمدت أغلب الكاتبات على الحوارات البسيطة والسريعة حتى في التعبير عن المفهوم العميق للنص، فلم يعتمدن كثيراً على الحوارات الطويلة، ولا على اللغة الأدبية، بل إنّهنّ اعتمدن على الجمل البسيطة البعيدة عن الصور البلاغية، كما استعنّ بدلالات معبّرة، رغم أنهن يعبّرن عن المعاناة الإنسانية، والتقنية التي غالباً ما تعبر عن ذلك هيالمونولوجات الطويلة للتعبير عن دواخل الشخصية، لكن الحوارات الطويلة غابت واعتمدت على العبارات القصيرة، وهي اللغة التي تسمى “التليغرافية” وقد تكون الكاتبات تأثرنّ بواقعهن الذي سيطرت عليه التكنولوجيا الحديثة، فأصبحت لغة الرسائل تلغرافيةً بل ومشفرةً أحياناً، وذلك ما نلاحظه في حوارات بعض النصوص، على سبيل المثال في مسرحية “أوتوقراطيا”

فتاة الليل: “تتحدث عن الحب ؟ في حين لم ترافق في حياتك سوى تلك الأوتار الغبية.

الشحاذ، الحب؟ هل هو موجود؟

العازف: بالطبع موجود

فتاة الليل: ليس موجوداً

العزف: تصرين على تشويه كل زهرة جميلة!

فتاة الليل: الأزهار تموت

الشحاذ: هل نتحدث عن الحب أم الأزهار؟

العزف: أفضل العزلة على أن أكون كالذباب أحوم من نفاية لأخرى!

الشحاذ: هل تتحدثان عن النفايات؟ انظر (يشير إلى القمامة) هذه العجوز السوداء هي بيتي.. لسنين وهذا البيت يحتضنني من كل برد ومطر وريح.. لم أجد وفاءاً كوفاء النفايات”[18]

كذلك اتّبعت هذه النصوص تقنية أقرب إلى السيناريو منها إلى النص الأدبي، وهذه التقنية تبرز بوضوح في مسرح الصورة الذي لا يعتمد على (الكلمة/ اللغة)، كما كان في المسرح التقليدي، بل يعتمد على الرموز والإشارات والأيقونات، وهذا ما فعله “أرتو” عندما حاول “أن يقلل من أهمية الكلمة إلى القدر الذي تصبح فيه مجرد رمز أو فكرة. إن معنى الكلمة بالنسبة له ليس هو الشيء الهام، وإنما الهام هو مادتها كصوت مؤثر في الحواس العضوية”[19].

إن الكاتبات هنا مزجن بين اللغة والصورة، فأصبحت اللغة بالنسبة إليهنّ غير مكتملة إلاّ عبر الصورة، حيث جاءت الحوارات في أغلب الأحيان لتتساوى مع الوصف والإرشادات المسرحية خلافاً للقيم الجمالية القديمة التي كانت تعتمد على الكلمة والجملة، أما بالنسبة إلى ما بعد الحداثة فنجد أنه قام بتفتيت البنية الجمالية وكسر كل ما هو قديم من حوارات وشخصيات، بينما سعت الكاتبات إلى الموازنة بين الكلمة والصورة، فأكثرن من الوصف والإرشادات المسرحية حتى تتكوّن في ذهن القارئ مجموعة من الدلالات والتأويلات، وهذا يسهل عليه توضيح الفكرة التي جاءت في حدث متراكم وبسيط.

إن هذا الأسلوب في الكتابة يعكس طبيعة الجيل السريع الذي انطبع بسمات عصره وليس لديه الرغبة في الكتابة الأدبية المطولة، فاختصر كل أفكاره ولخّصها في فصل واحد، واعتمد على الرموز والإرشادات في إيجاد المعنى عبر بعض الأحداث التي جاءت في مشاهد متراكمة رغم تسلسلها التقليدي السريع من بداية ووسط ونهاية. كما أنّ الكاتبات لم يركّزن على مفهوم البطل كما في المسرح التقليدي، بل إنّهنّ اعتمدن على التعددية في استخدام نماذج مختلفة “تشظي الشخصيات” لتعبر عن حالات وصور مختلفة للمعاناة، هذه الشخصيات بأفعالها وآرائها تمثّل رؤى الكاتبات.

بعض الكاتبات اعتمدن على المزج بين الواقع والخيال فمنهنّ من اعتمدت على طرح رؤيتها عن طريق بعض التقنيات كتقنية مسرح داخل مسرح كما تبدو واضحة في مسرح فطامي العطار في التداخل الزمني بين الماضي والحاضر الذي حدث في مسرحية “تميمة وحمدان وكتاب الزمان” فأثناء سير الأحداث الواقعية يقطعه الخط الخيالي بظهور الشخصيات التاريخية لتشارك الحدث، أما في مسرحية “حفرة أنبيش” حيث يحمل النص إيقاع الواقع والخيال معاً، فقد صاغتهما الكاتبة في قالب واحد حتى يكون المألوف غريباً.

أمّا في مسرحية “المحطة رقم 50″فقد مزجت الكاتبة بين الماضي والحاضر عبر صراع الأفكار في المقابلة بين الفكر القديم والفكر الجديد، بين فترة ما قبل الـ 50 وبين ما فترة ما بعد الـ 50 التي عبرت عن الماضي عبر شخصية العجوز التي رسمتها الكاتبة لتبرز من خلالها أفكار الفئة الأخرى.

وأمّا الكاتبة فطامي فقد استخدمت هذه التقنية بطريقة مختلفة قائمة على المزج بين الماضي والحاضر عبر عملية الاسترجاع كما في مسرحية “تميمة وحمدان وكتاب الزمان” حيث يتغير المكان فجأة بدخول المذيعة وهي تحمل بيدها ميكروفوناً استعداداً لإجراء مقابلة.

في بنية أغلب هذه النصوص لاحظنا ما يشبه عملية التثوير، ولعلّ الكاتبات اعتمدت أسلوب بريخت الذي يعتمد على الجدلية والنقد ليترك أثراً في القارئ أو المتلقي، ويجعل المتفرج يخرج بانفعالاته ويتّخذ موقفاً نقدياً، وهذا الأسلوب يخالف بنية النص الكلاسيكي القائم على التطهير الذي يسعى في النهاية إلى وضع حلول ومعاقبة المذنب، وهنا يخرج المتفرج وقد تخلص من كل انفعالاته أو ربما احتفظ بها.

في مسرحية “إعدام أحلام عبد السلام” اعتمدت الكاتبة على إثارة مشاعر المتلقي بإعدام أحلام (الذي يعتبر بمثابة تحقيق العدالة في المسرح الكلاسيكي)، فهي على الرغم من أنها قتلت زوجها إلاّ أنّها تعد في نظر المتلقي مظلومة، وبالتالي فإنّ إعدامها يثير انفعالاته لأنها لم تقتل إلاّ من أجل القضاء على الاستعمار والدفاع عن قضية الوطن، وربّما أرادت من خلال فكرة المحاكمة أن تخاطب مجتمعها وكل المجتمعات العربية، وأن تطالب عبر شخصية أحلام محاكمة واقع الإنسان، الإنسان الذي يخضع أمام القهر والظلم. فالكاتبة هنا تحاول أن تكشف كل التناقضات وكل ما هو خفي عبر علاقة الزوجين التي استمرت واقعاً وحقيقة لم تدركها إلاّ في النهاية، حيث كانت الحقيقة مؤلمة بالنسبة إليها، وعدم استسلام أحلام لهذه الحقيقة وقتلها زوجها والاعتراف بذلك، كلها تثير أحاسيس المتلقي ليتعاطف معها ويتخذ موقفاً حيال ذلك .

هذا الأسلوب في بنية النص نجده لدى تغريد الداوود وتحديداً في “الديوانية” التي تحاول فيها ترك أثر في المتلقي واستفزازه عبر إثارة بعض القضايا التي طرحتها والمرفوضة في الواقع، كالطمع وأصحاب الشهادات المزورة … وغيرها، وعبر شخصية المجنون الذي ينصب عليهم في النهاية، وهذا ما نجده أيضاً في مسرحية “مخلصوص”.

*السخرية والتهكم والكوميديا

اعتمدت معظم الكاتبات على أسلوب السخرية والتهكم، وهي وسيلة برزت في المسرح الحديث منذ “الفريد جاري” وصولاً إلى مسرح العبث واللامعقول الذي استخدم أسلوب التراكم والتشويه والتضخيم لخلق

نوع من الضحك النابع من معاناة الانسان والسخرية من الحياة التي أصبح اختلاط الأضداد فيها نوعاً من الفكاهة، فكان التهكم من الأساليب الفاعلة في مسرح بيكيت ويونسكو، كما أنه يستخدم في النصوص ما بعد الحداثية، حيث أن جماليات ما بعد الحداثة فهي ” محاكاة ساخرة كئيبة لتلك النزعة المضادة للتمثيل (العرض). فإذا لم يعد الفن يعكس (الواقع). فليس ذلك لأنه يسعى إلى تغيي العالم. وليس إلى محاكاته”[20].

إن الأسلوب الساخر نجده في أغلب النصوص، بحيث كانت بعض الحوارات تحمل إشارات واضحة للتهكم والسخرية من الأنماط المسؤولة التي تقصي الفرد عن مزاولة فعل التحدي والرفض والتغيير، كما نرى في مسرحية (المحطة رقم 50) التي طال التهكم فيها أفعال حارس المحطة، كما طال التهكم في (الديوانية) جميع الشخصيات باستثناء شخصيتي الجد والفتاة. كما طال التهكم أيضاً في كتابات فطامي العطار بحيث تحوّل إلى كوميديا كما نجد في مسرحية “حفرة إنبيش” ومسرحية “طار برزقه” وفي بعض مشاهد من مسرحية “تميمة وحمدان وكتاب الزمان”، والتهكم في مسرحية “ليلة ربيع عين وقمرة” جاء عبر سلوكيات البشر من أساتذة الجامعة وكبار القادة واتضح ذلك عبر تبادل الحوارات فيما بينهم حيث بدأ كل منهم يكشف أخطاء وعيوب الآخر، على سبيل المثال:

عين: ” (بسخرية) كنت أستاذاً جامعياً لمادة الفلسفة.. مجلس الجامعة أرسل لك خطاباً يحذّرك من بعض الأمور  التي كنت تمارسها..

ربيع: (الخزي يبدو عليه) أسكت لا أريد أن أتذّكر..

عين: بيع أسئلة الامتحانات.. تزوير رسائل الدكتوراه.. محاباة بعض الطلبة من أبناء المسؤلين.. والأدهى من كل هذا وذاك، أنك كنت تعتقد نفسك أفلاطون العصر

ربيع: (بغضب) كفى.. أيها الخبيث.. لا تنكر أنك وجماعتك زينتم لي الأمر كما تفعل الشياطين.. لم لا تقول بأنكم أنتم من تستغلون أمثالي من البسطاء وتخضعونهم لسلسلة من التجارب من خلال الندوات وورش العمل والرحلات الكشفية.. إنكم تعيدون صياغة تفكيرهم”

*الخاتمة

اتخذت الكاتبات، في المسرح الكويتي، شكلاً جديداً مغايراً للشكل التقليدي الذي اعتمده أغلب كتّاب المسرح في المراحل السابقة، وقد ساعد على ذلك الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تلك الفترة، والتي شكّلت عاملاً مساعداً على بروز هذا الاتجاه، والذي جعل الكاتبات يجسّدن رؤاهنّ عن الأوضاع القائمة في المجتمع، إذ سعين إلى التعبير عن انتمائهن إلى الوطن ونقل هموم الجيل المعاصر عبر فكر جديد ومن خلال شكل جديد يمزج بين أساليب متنوعة.

بيد أنّ الكاتبات لم يعتمدن بشكل كلي على نهج معين واحد، كما لم يعتمدن على أساليب ما بعد الحداثة بشكل مطلق، ولم يتخليّن عن الشكل التقليدي في الكتابة، بل أوجدن للمسرح الكويتي بنية جمالية خاصة في الكتابة المسرحية، مبنية على ظروف المجتمع ومناسبة لتفكير المتلقي.

ومن خلال ما تقدم في هذا البحث من دراسة لتقنية الكتابة لدىالكاتبات الكويتيات، يمكن تلخيص النتائج التي توصلنا إليها بما يلي:

-اعتماد بعض الكاتبات على الأسلوب التهكمي الساخر في أثناء طرح القضايا الإنسانية، ومواقف مأساوية بشكل ساخر وتهكمي، للكشف عن الواقع الزائف، وفضح بعض المظاهر التي تكشف أشكال التناقض، وذلك عبر تقديم جانب كوميدي، ما يؤدي ذلك إلى تحريك مشاعر المتلقي واستفزازه (عملية تثوير للمتفرج).

-هناك إشارات واضحة في النصوص المسرحية إلى ممارسة عملية النقد ومحاولة فعل التغيير، وذلك عبر تصوير معاناة وهموم الإنسان الذي يشكو من حال مجتمعه ويسخر من طريقة معيشته، وذلك للتأكيد على كشف الحقيقة ومعرفة الواقع، وهذا التأكيد على المعنى يختلف عن سمات مسرح ما بعد الحداثة الذي يغيّب المعنى.

-اعتمدت الكاتبات على اللغة السريعة والابتعاد عن المونولوجات الطويلة، فالنص بالنسبة إليهن لم يكن نصاً أدبياً كالنص الكلاسيكي الذي كان يعتمد على الكلمة والسرد، بل كان النص أقرب إلى السيناريو، لذا فإنهّن لم يعتمدن على اللغة الحوارية المنطوقة فقط بل أدخلن معها الإشارات والدلالات والرموز والإرشادات استكمالاً للمعنى.

كما كانت بعض الكاتبات يطرحن قضاياهن أحياناً بشكل مباشر، وأحياناً أخرى كنّ يبتعدن عن المباشرة عبر بعض الرموز والتلميحات السياسية.

-بنت بعض الكاتبات المشاهد على أساس تقليدي من بداية ووسط ونهاية، والبعضالآخر ابتعدن عن الترتيب المنطقي بالاعتماد على تقطيع الحدث بشكل لوحات منفصلة في التسلسل ومتصلة في الفكرة.

-تناولت الكاتبات في نصوصهن قضايا وهموماً عامة مشتركة: كالصراعات الإنسانية، والصراع النفسي القائم بين الواقع والوهم، وبين صراع الأفكار بين القديم والحديث، ومن الأفكار القائمة أيضاً فكرة العزلة والانتظار للخلاص من المعاناة.

-كانت كتاباتهن كانت هادفة تحمل المعنى على الرغم من أن الأحداث غالباً ما تتسم بالغموض، بسبب النظرة السوداوية إلى العالم وعدم وضوحه بشكل عام، وربما كان هناك سبب آخر لعدم تماسك بنية الأحداث أحياناً فالغموض جاء بشكل عفوي.

-تعددت الرغبات الدرامية في بعض النصوص المسرحية ما أدى إل تشابك في أحداثها بحيث أصبح لكل شخصية حدث معين.

-المزج بين الواقع والخيال والتداخل بين الماضي والحاضر كان واضحاً عند بعض الكاتبات فمنهن من عبرت عن ذلك عبر الأفكار كـ (تغريد الداوود، فاطمة المسلم) وبعضهن الآخر عبر التداخل الزمني والمكان كـ (فطامي العطار).

-اعتمدت الكاتبات على تقنية جعل المألوف غريباً بإدخال أحداث أو شخصيات غريبة في البنية، ما أدى إلى تغريب الصورة، وكان الهدف من ذلك إثارة المتلقي أو لفت انتباهه إلى معاناة الإنسان والصراعات التي تصاحبه، وذلك بهدف الاستفزاز، أو ربما كان الهدف منه هو التشويق.

قائمة المراجع والمصادر

 

*المصادر

-الداوود ( تغريد ) ، مسرحية المحطة رقم 50، لا. ط، ( الهيئة العامة للشباب والرياضة ) ، الكويت، أكتوبر 2012

-الداوود ( تغريد ) ، مسرحية مخلصوص، نسخة المؤلف، غير منشورة.

-الداوود ( تغريد ) ، مسرحية الديوانية، نسخة المؤلف، غير منشورة.

-العامر ( فاطمة ) ، مسرحية شارع أوتوقراطيا، نسخة المؤلف، غير منشورة.

-العطار ( فطامي) ، مسرحية تميمية وحمدان وكتاب الزمان، ( مكتبة الكويت الوطنية ) ، الكويت، 2016.

-العطار ( فطامي ) ، مسرحية ليلة ربيع عين وقمرة، ( مكتبة الكويت الوطنية ) ، الكويت، 2016

-العطار ( فطامي ) ، مسرحية حفرة إنبيش، ( مكتبة الكويت الوطنية ) ، الكويت، 2016

-العطار ( فطامي ) ، مسرحية إعدام أحلام عبدالسلام، ( مكتبة الكويت الوطنية ) ، الكويت 2016.

– المسلم ( فاطمة ) ، مسرحية نرفانا، نسخة المؤلف، غير منشورة.

*المراجع

إنجلتون( تيري ) ، الرأسمالية والحداثة وما بعد الحداثة: ضمن مدخل ما بعد الحداثة، سلسلة كتابات نقدية، عدد26، ( الهيئة العامة لقصور الثقافة ) ، القاهرة، 1994.

بغورة ( الزاوي ) ، الفكر الأخلاقي ما بعد الحداثة، مجلة عالم الفكر، عدد 2، مجلد 41، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ديسمبر 2012.

– جيمسون( فريدريك ) ، المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة،إعداد وترجمة : أحمد حسان، ( الهيئة العامة لقصور الثقافة ) ، القاهرة.

– حمادة ( إبراهيم ) ، معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، ( دار المعارف ) ، القاهرة.

– عويد ( عدنان ) ، قضايا التنوير، ( دار التكوين للتأليف والترجمة ) ، دمشق، 2011.

– صقر ( أحمد ) ، مقدمة في نظرية المسرح الفكري مع التطبيق، ( مركز الإسكندرية للكتاب ) ، الإسكندرية، 2002.

– كاي( نك ) ، ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، ترجمة : نهاد صليحة، الطبعة الثانية، ( الهيئة المصرية العامة للكتاب ) ، 1999.

-Hssan-Ihab: The Question of Post Modernism-Harry R.Review. Vol.25 No2-London 1980

كاي( نك )، ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، ترجمة: نهاد صليحة، ص4[1]

Hssan- Ihab: The Question of Post Modernism– Harry R. Review. Vol.25 No2- London 1980. P:85[2]

كاي( نك )، المرجع السابق، ص16[3]

كاي( نك )، ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، ص 7[4]

 الداوود( تغريد ) ، مسرحية المحطة رقم 50، ص121-122[5]

 المصدر السابق، ص137[6]

 الداوود( تغريد )، مسرحية المحطة رقم 50، ص143[7]

المصدر السابق، ص[8]

 الداوود( تغريد )، مسرحية المحطة رقم 50، ص 147[9]

 صقر( أحمد )، نظرية المسرح الفكري، ص6[10]

جيمسون( فريديرك )، المنطق الثقافي للرأسمالية المتأخرة، ضمن “مدخل إلى ما بعد الحداثة”، إعداد وترجمة: أحمد حسان، ص18[11]

 العطار(فطامي )، مسرحية إعدام أحلام عبدالسلام، ص193[12]

المصدرالسابق، ص 194.[13]

 العطار( فطامي ) ، مسرحية حفرة أنبيش، ص254-255[14]

عويد( عدنان ) ، قضايا التنوير، ص45.[15]

ا بغورة( لزواوي ) ، الفكر الأخلاقي ما بعد الحداثة، ص93[16]

كاي( نك ) ، ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، ص12[17]

 العامر(فاطمة ) ، مسرحية شارع أوتوقراطيا، ص4-5[18]

 حمادة(إبراهيم ) ، معجمالمصطلحات الدرامية والمسرحية، ص 475[19]

 ا إنجلتون(تيري ) ، الرأسمالية والحداثة وما بعد الحداثة، ص24-25.[20]

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *