توازن’ مغامرة فنية بين مسرحين متناقضين / نضال قوشحة

المصدر / العرب / نشر محمد سامي موقع الخشبة

العرض المسرحي قدم دون حوار مستخدما لغة الجسد مع الديكور البسيط والإضاءة الموظفة والموسيقى التي كانت تتلون صعودا وسكونا بحسب الحالة الانفعالية للشخصية.

لم يعتد الجمهور المسرحي السوري على وجود صيغة تفاعلية صاخبة وعميقة بين المسرحين العام والخاص، بل على العكس، فغالبا ما تكون العلاقة بينهما فاترة وربما نافرة، فأهل المسرح العام (القومي أو الجاد) يتهمون المسرح الخاص بالسطحية، بينما يتهم أهل المسرح الخاص منافسهم بالتعالي والنخبوية.

وعلى مسار الحياة المسرحية السورية الطويلة، كانت هذه العلاقة هي التي تحكم طرفي المسرح، إلا من استثناءات قليلة، وقد قدمت فيها جهات أهلية محاولات مسرحية محدودة، متعاونة فيها مع المسرح الحكومي الرسمي، وقد أثبت بعضها نجاحات هامة على مستوى المتابعة الجماهيرية، لكن الموضوع بقي في إطار المغامرات الفنية التي لم تتأصل لتصبح حراكا مسرحيا واضح المعالم.

ضمن هذه الحالة، يتجرأ عدد من الشباب المتحمس للفن، من جنوب سوريا، وتحديدا من محافظة السويداء، فيؤسسون شركة فنية “بازلت” وهي شركة تتجه للإنتاج المسرحي والتلفزيوني والسينمائي، وتعمل على تأهيل بعض هواة فن التمثيل في دورات إعداد الممثل ليكونوا أصحاب معرفة في سوق عمل الدراما السورية المزدهرة إنتاجيا أخيرا، كما أن للشركة توجهات في العمل على الشق السينمائي، من خلال تنبي العديد من المواهب السينمائية ودعمها بفرص إنتاجية محددة، يصل عددها إلى أربعة أفلام قصيرة سنويا.

في تجربتها الأولى، وبعد انطلاقها بأعمالها في عام 2015، تتعاون مع الجانب الحكومي (وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقى) الذي قدم للشركة العديد من المساعدات، كان أهمها منح مسرح الحمراء الشهير لتقديم باكورة أعمال المؤسسة.

المسرحية يشارك فيها 22 ممثلا وتقوم على فكرة الصراع الذي يجسده الممثلون دون حوارات بل فقط بالحركات والإيماءات

“توازن” كان عنوان العرض المسرحي الأول الذي قدمته الشركة كمشروع أول لطلاب قسم التمثيل فيها، وقد قدمه اثنان وعشرون طالبا وطالبة، جسدوا شخوصا لنص كتبه وأخرجه كل من كنان العشعوش ومعن دويعر.

وقد اختار صناع العرض شكلا فنيا صعبا هو الإيماء، وقدموا من خلاله مقولة أزلية كثيرا ما طرحت في الأدب والمسرح والفن العربي والعالمي وهي الصراع بين الخير والشر.

ومن خلال هذه الثيمة، كتب المعدان دويعر والعشعوش حبكة قصصية يظهر فيها فريقان يمتلكان رؤى مختلفة بل متناقضة، فريق أبيض اللون يمثل الخير والمحبة، وفريق آخر أسود اللون يمثل البطش والحقد والقتل، ومن خلال القوة التي يمتلكها، والإغراءات التي يستخدمها وكذلك الخوف الذي يفرضه على الآخرين، يتمكن من استمالة يافع من الفريق الأول، الذي لا يستطيع أن يتابع المشوار إلى نهايته، فيفكر في العودة أدراجه، لكن أمره ينكشف من قبل قائد الفريق الأسود فيقوم بقتل هذا الشاب وأكله مع الجميع بشكل عبثي جنوني فيه الكثير من معاني الحقد والقسوة إمعانا في إبراز حقده وطبعه الإجرامي الحاد.

لكن قوى الخير في المجموعة السوداء، تبدأ فعلها في نفوس البعض، فيبدأون بمراجعة أعمالهم ليكتشفوا حجم التيه الذي هم فيه، وتزداد قناعتهم بشكل تدريجي بأنهم على خطأ، فيبدأ هؤلاء بالتراجع والانفضاض عن قائد فريق الظلم، حتى يصبح وحيدا، وينهزم أمام قوى الخير التي تتضافر لكي تنتصر على قوى الإجرام والقتل. ويسجل الخير مجددا انتصاره على قوى الشر الكامنة في نفوس البعض.

العرض المسرحي قدم دون حوار مستخدما لغة الجسد مع الديكور البسيط والإضاءة الموظفة وحضرت الموسيقى كعنصر هام، حيث كانت أكثر من مجرد خلفية موسيقية عادية، بل كانت جزءا من الحدث، حيث كانت تتلون صعودا وسكونا بحسب الحالة الانفعالية للشخصية، ومقدار التوتر العصبي في المشاهد، وكانت متغيرة في الشدة من الهادئ تماما إلى الصاخب والعالي، الذي يمثل النفسية المشوهة لهؤلاء الناس.

عن هذه المغامرة المسرحية التي قدمتها الفرقة في باكورة أعمالها، يقول معن دويعر مخرج المسرحية “كنا نرغب في تقديم شيء جديد مهما كان غريبا ومختلفا، وكان لا بد من أن نتجه في التخريج لحالة مميزة، فاخترنا هذه الفكرة، وجسدناها بهذا الشكل الفني الذي يلغي الحوار تماما في العرض، وعلى طول مساحته الزمنية، ويستبدل به لغة الجسد والإيماء، وكذلك تلعب الموسيقى هنا دورا حاسما.

العرض بصري خالص، يعتمد على استنباط ما يجول في دواخل الشخصيات عبر مونولوجات عديدة أخرجناها بالطريقة التي تحدثت عنها لكي تكون في إطار شكلانية جديدة تطرح مساهمتنا ضمن جهود شابة جديدة في حركة المسرح السوري الشاب”.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *