تشريــــــح الصــــــــــــورة  في الخطاب المرئي – الأستاذ الدكتور  حسين التكمه جي     

تشريح الصورة 

في الخطاب المرئي

 

 

                                                             

                                                         الأستاذ الدكتور                                                        

                                                       حسين التكمه جي                                                     

 

 

مدخل البحث : 

ما من عرض مسرحي له القدرة في إقصاء الصورة البصرية , وليس بالإمكان لأي مسرح ضمن إي معمار أو فضاء خارجي أن يستغني عن الصورة أياً كانت عناصرها , ولعل الصورة هي الحاضن الضروري الذي لا فكاك منه في تقديم إي عرض مسرحي .كما لا يمكن لأي مخرج مسرحي البتة أن ينقل رؤيته وتصوراته الذهنية وأطروحاتهالفلسفية والفكرية والتعاطفية والجماليةللمتلقي بمعزل عن الصورة , ومن غير الممكن لأي خطاب مرئي أن يوصل رسالته للمتلقي دونما المرور من خلال الصورة . وعلى وفق ما تقدم فإن المنجز الإبداعي للخطاب المسرحي لا يمكن أن يتقدم خطوة دون الولوج ضمن تكوينات الصورة . 

ضمن إطار الصورة بكل جزئياتها ونسيجها الإبداعي والمعرفي والدلالي تنحو منحىوحدة الانطلاق الشعوري واللاشعوري في إنتاج المعنى , بل إنها أحياناً تحدد نكوصها أو ارتقاءها الإبداعي نحو ناصية المثالية المستوفية لشروط ديمومتها .

وعليه فإن للصورة الأهمية البالغة والأسبقية المتقدمة تحت سقف الإخراج المسرحي , إذ ينبغي لنسيجها وفسلجتها داخل إطارها أن تمنح للأجزاء قيمتها الإشتغالية في إنشاء منظومة الكل المعبر عن وحدة أجزائه , كون الصورة تنتج زمن العرض آلاف المعاني والأنساق الدلالية والإشارية والعلاماتية فضلاً عن التشكلات الجمالية , لمنح العرض المتعة الفكرية والحسية وصولاً للإدراك الذهني بوصفها مكتنزة بالمهارة الفنية المعرفية المستوفية لشرائط الاستجابةالبصرية .

ولعل البعض من المخرجين إستسهلوا أهميتها باللجوء إلى بناءٍ مستندٍ على قواعد أساسية . هاملين أو مهملين الكثير من تفاصيلها الجزئية ذات التأثير الإيجابي , وربما لم يهتم البعض بالعلوم المجاورة التي تتكأ عليها الصورة أحياناً كالقيمة الجمالية والفكرية والفلسفية لاسيما اللون وانسجامالإيقاع والخطوط وأنثيالاتها في الإيقاع البصري والعمق الفراغي والتأويل لإنتاج المعنى , وأهميتها التحويلية التي تدفع بدورها الصورة نحو السيولة المتجددة على الدوام . ولعل الأسباب الواردة في جوهر المشكلة تتيح لنا أن نخوض في جوف الإبداع المقترن بالمعرفة العلمية والخيالالخصب الذي تتمتع به الصورة , ذلك إن البعض من الصور قد حملت سلبياتها معها, أو إنها متدنية بسبب سوء التقدير الحسي أو الفكري أو الجمالي , وربما قدمت متناقضة تماماً مع تطلعات ورؤية المخرج , أوبسبب حشر بعض المفرداتالحركية في غير محلها, أوربما بسبب سوء الموازنة بين الوحدات والعناصر على وفق التكوين البصري ضمن مخاصب الوحدة والتناسب والإيقاع والتماثل والانسجاموالتنويع مما يسبب إرباكاً ذهنياً ومعرفياً في تشظي الدال المهيمن على مفردات الصورة وصولاً لتشظي المعنى , بحيث يمكن لنا إدراجها تحت كلمة ( باهتة ) أو غير معبرة . في حين تقتضي الضرورة الفنية لإنشاء وتكوين الصورة في تحكم متنامي للوحدات منذ الوهلة الأولى الحاملة للمعنى والمستوفية لشرائط التداول والتفسير والتحليل ألقصدي وصولاً لمنطقة التأويل , فالأفعال الساندة مهما صغرت إلا إنها تخلق مثيرا دائماومتجددا يرتقي لمستوى الإلهام كما يعبر عنه ( أفلاطون ) بوصفها الكل الذي يسعى لوحدته كما إنها الاشتغال الأكبر الذي يواجهه المخرج لبناء الخطاب المرئي .

 

 

يهدف هذا البحث إلى :

(1) التعرف على أهمية تشريح الصورة بوصفها أداة معرفية ووسيلة اتصالية لإدراك المعطيات المكونة للرؤية الإخراجية .
(2) قدرة الصورة على اكتساب وتحميل سمات نوعية وإشارية وعلاماتيةقصدية ضمن خصوبة المدرك الحسي الذي يفضي تداولياً إلى قاعدة استناد المعنى 

المصطلحات

تشريح :/ ( anatomy ) علم تشريح جسم الكائن الحي , للوقوف على وظائفية أجزاءه ,يفترض الدراسة والتحليل والتطبيب . والتشريح في الصورة يعنى بدراسة جزئياتها والعناصر الداخلة في صلبها التكويني من الناحيتين العلمية والفنية بغية ترصين مفهوماتها الدلالية والإشتغاليةوصولاً للمعنى . 

. الصورة :/ ( visible picture ) كل ما تقع عليه عين الفرد من صور بوصفها مدخلات , وكل ما تنتجه ذاكرة المتخيل من صور ضمن خصوصية التصور , وتتحدد الصورة أيضا من كونهاتوقف الزمن للحظة واحدة2)

ويرى هاوزر بان الصورة  هي تباينات مستقلة ومنفصلة قابلة للتطبيق على مضامين مختلفة  3) .في حين تذهب موسوعة 

( برنستون ) على إن الصورة  تفهم على إنها نسخة مادية أو شيء مادي , لكن على إنها محتوى فكرةٍ يكون الانتباه فيها مركزاً على توعية حسية بشكل ما  4) .ويرى هوبنز, أن الصورة نتاج الذاكرةفالأشياء التي ندركها تقع على أعضاء الحس لدينا وتنتج صورا في الذهن    1) . 

التعريف الإجرائي / الصورة تمثل بصري يستدعي الكثير من الفكر نتيجة الخيال المولد والتصور الذهني لإنتاج شكل مكتنز بالمعنى والدلالة القصدية . 

الخطاب المرئي :/   نسق من العلامات ينطوي على مفهوم , وهو الجانب التنفيذي الموازي للكلام الذي يؤدي إلى معنى , ضمن السياق الاجتماعي في علاقة مجازية غير مباشرة  2) .

 

 

 

مقدمة البحث 

 

تناولت الصورة منذ عصر الكهوف الحجرية توظيف الطقوس البدائية كدلالات معرفية بالغة الإبداع , وحفظت لنا بنية استدلاليةسعى إلى فك شفراتها وعلاماتها البصرية المعاصرين من علماء الأنثروبولوجيا , فضلاً عن خصوصيتها الإدراكية لعالم غائب عنا منذ ألاف السنين . وقد تطورت الصورة بوصفها انعكاس للواقع الطبيعي أو التعبيري بشتى صنوفه المرمزة , كما إنهابالمقابل حددت وجودها كحاجة ملحة للفرد البدائي على نقل الانطباعات الحسية لحياة صياد الوعول على جدران الكهوف . ولما كان الفرد مهووس بالصيد في تلكم المرحلة , فقد أمسى صراعه مع الحيوان ضرورة حياتية فرضت نفسها بشكل فني لإمكانية السيطرة والتغلب عليه , ثم ما لبثت الصورة حتى خطت لنفسها تطوراً في جل مستوياتها الفنية ومواضيعها المتنوعة على وفق حتمية التطور التاريخي الحديث, ولعل صيغ محاكاة الواقع عند الراقصات اللاتي رسمن على جرة فخارية في وادي الرافدين قدشكلت دلالة رمزية بائنة عن طقوس الإخصاب والزواج

في مرحلة لاحقة امتثلت الصورة لمحاكاة (  المقدس ) حينما شاع استخدامها في الأواني الفخارية وجدران المعابد والقصور ومداخل المدن وبواباتها العملاقة , فارضةً صيغاً إبداعية متقدمة على مستوى الشكل , والنسبة , والتناسب , واللون ,والتوزيع , والاتزان , والرمز , ثم ما لبثت أن وضعت ثقلها ضمن محاضن عديدة تمثلت بالنحت المجسم على الأعمدة والواجهات والأفاريز والمعابد كنمط استدلالي يقترن في محاكاة الحياة اليومية الاجتماعية والسياسية والدينية والحربية ,على وفق جدلية تاريخية وثقافية تعاقبية , لتوكيد مضامين لاتقبل الشك ضمن مفازات التلاقح الخصبة لقوى الإبداع , على مستوى التقديم وأساليب الإنتاج وخصوبة الرؤية الفنية .

 

لايمكن لنا أن نضع تلك النتاجات تحت رحمة البدائية وسطوتها , بل يمكن القول إنها كانت تحت نباهة العقل المدبر الذي لين الحجر, ليصنع المستحيل بأدواته البدائية ,كان الفعل للإنسان وليس للآلهة .. ومهما يكن من أمر فإن خطوط التنامي لم تتوقف عندما كانت مستوفية لشروط التنوع والاستبدال والتطور نحو مخاصب عصر النهضة , فقفزت الصورة لتحاكي سوسيولوجية المجتمع وشخصية ( المقدس ) في الكنائس والبحث عن الصور المتعالية والروحية ومحاكاة النبل وعالم المثل العلوي وكأنها تنقل الشكل إلى ميتافيزيقيا قوامها المطلق المبني على قواعد المعرفة الحسية والروحية , لقد حققت الصورة تواصلاًإبهارياً يصل حد الإعجاز المغمس بخصوبة اللذة المشبعة بالمتعة الحسية والجمالية .

لعل الابتداء الأول للصورة المسرحية حقق حضوره في العصر الكنسي حينما عمد المسرح إلى تقسيم الخشبة على صورتين متباينتين ( الجنة والجحيم ) . غير إن مسرح العربة الإيطالي حاول توزيع الصورة على العربات الخاصة بالعرض, إذ إن لكل عربة مشهداً يحتضن الصورة ضمن مكانية جديدة , فكل مشهد مسرحي خصصت له عربة . 

أما المرحلة التطورية اللاحقة فقد قدم المسرحالإيطالي الصورة البصرية بتفاصيل أكثر ,غير إنه لم يتخلص من المنظر المرسوم المبني على قواعد المنظور كخلفية ساندة للصورة , إلا إنه سعى بجدية إلى توظيف العديد من التقنيات المنظرية والضوئية واللونية في توكيد الصورة كونها إحدى خصائص تشكيل الفضاء المسرحي , وتشير الدراسات بأن ( سيرليو, وإيما جونز ) وآخرين قد تفردوا في تحقيق صورة بصرية تأخذ بالألباب ضمن تقنية رديئة هي استخدام ضوء الشموع وزجاجات النبيذ الملونة في محاولة لإسباغ الفضاء بالنور الملون .

ولعلها كانت أولى محاولات التطور لصورة المشهد الموحية بالمعنى , لكنها  على الرغم من التطور الإبداعي للمصممين والمخرجين وضعت تحت مصطلح ( الجو النفسي العام ) . لقد سعى المسرح في جل تطوره إلى توظيف الاكتشافات المسرحية والعلمية حال توافرها بدءًا بالشموع وانتهاءً بالكهرباء .إلا إن الاكتشافات العلمية والتكنولوجيةوتسارعها , سرعان ما نوعت وعززت من أطر بناء الصورة ابتداء من اكتشاف الفوتوغراف, مرورأً بالفلم السينمائي وصولاً إلىالصورة الرقمية , والصورة المسرحية هي الأخرى تأثرت بهذا التطور في توظيف استخدام ليزرات متعددة في قيام المنظر المسرحي وصولاً للصورة الأكثر إدهاشاً وجمالاً . حينها لم يعد ( للمصمم ثمللسينوغرفر ) من تأثير, كما هو تأثير(البروجانسيت ) في المسرح المعاصر . وبهذا وفرت التكنولوجيا ثورة في تكوين الصورة ووسائل عدة تقوم مقام المنظر المسرحي من خلال الأجهزة الضوئية المتطورة , فضلاً عن استخدام ستائر الضوء التي تشكل كتل ضوئية بديلة عن المناظر واستحداث تقنيات الليزر المتنوعة ( كليزر بخار النحاس والذهب ) التي أسهمت في إنجاز رؤى وأحلام عجز الأقدمين عن تحقيقها كما تمنى ذلك المخرج والمصمم ( أدولف آبيا ) . 

سيكولوجية الصورة 

 

تشير الدراسات السيكولوجية كافة بأن مركز تكوين الصورة البصرية هي الذاكرة , التي تستقبل المعلومات من البيئة المحيطة بالفرد عن طريق مستقبلات الإنسان الحسية إلىالدماغ , والذاكرة هي المسؤولة عن تسجيل وحفظ واسترجاع الخبرة الماضية من أفكار وميول واتجاهات وسلوك وصور قد حصل عليها الفرد من تراكم الخبرة طيلة حياته , وتستقر في ( مخزن الذاكرة طويلة الأمد ) عن طريق الأعصاب التي تقوم بدور سريان المعلومات من الحواس إلى المخ على وفق ثلاثة محاور بحسب نظرية ( التكوين العرضي ) .

1. الترميز : (encoding ) الذي يفسر المعلومات ويرمزها كي يسمح بتشكيلها ومن ثم تخزينها , بوصفها معلومات معدة بالمعرفة والخبرة السابقة .
2. التخزين : ( storages ) إي حفظها في مخزن الذاكرة طويلة الأمد لإعادة استرجاعها عند الحاجة .
3. الاستعداد والاسترداد : أي إعادتها مرة أخرى كصورة رمزية إيقونية ذلك إنالذاكرة الإيقونية بصرية في طبيعتها إذ يعتمد بقائها واستمرارها على شروط الرؤية .

 

وعندما يقوم الفنان عن طريق المنبه الحسي للفكرة , فأنه يترك انطباع حسي ( خيال ) يتفاعل مع مخرجات التخزين فيحدث هناك تفاعل و 
( إعادة تفكيك وتركيب ) يستظهر منه إعادة إنتاج الصورة , وتسمى هذه المرحلة بالتحليل الإدراكي لهذا المرئي الذي يستغرق مقداراً من الوقت لا يستهان به   1). كما يؤكده عبد الفتاح رياض أيضا , من كونه يتطلب سرحان عميق وتأمل طويل , تتخذ الذاكرة منه موقفاً لتكوين الصورة وتحديد أبعادها وشكلها وديمومتها  وإن عملية أو معاني أو الاسترجاع تنشط من خلال استثارة سلسلة من الأفكار يكون من شإنها أن تسهم في قيادة الفكر نحو الإبداع والابتكار 2) . 

 

والعملية برمتها تبدأ من الإدراك الحسي لتنتهي بالإدراك الذهني , فالذهن هنا هو المسؤول عن عملية تشكل الصورة البصرية من الذاكرة على وفق مبدأ( الاستدعاء recall ) الذي هواستحضار الماضي والحاضر في صورة ألفاظ حركات أو صور ذهنية كإسترجاع بيت من قصيدة أو حادثة  3) . ولكي تتم عملية إكتمال الصورة يسعى الفنان لتجسيدها على  فقاختصاصه كما رسمت في ذهنه , كونها تشكل رؤية المخرج الإبداعية عندما تستدعي سلسلة مفسرة لهذه الصورة ضمن القشرة المخية . التي تستطيع استدعاء سلسلة من خبرات الإنسان السابقة , فهي أشبه بجهاز تسجيل أو شريط سينمائي يتحرك داخل المخ بالمناظر والأصوات والأفكار  4) .

 

وهذا ما يجعل الفرق واضحاً بين أن تسمع مقطعا إذاعيا ينقلك إلى صورة مفترضة من الذاكرة , وبين أن ترى صورة مجسمة أمامك على الخشبة , أيهما أكثر تأثيراً وانفعالا وأكثر اقترابا من الفكرة . ويميز 
( كانت ) بين ثلاثة مستويات من الخيال أولهما الخيال المولد وهو ما يعرفه ( كولدرج ) بالتصور , ثم الخيال المنتج الذي يربط بين الإدراك الحسي والفهم , ويكمن الأخير في عملية التفكير المتسلسل وهو الجسر الذي يربط عالم الفكر بعالم الأشياء  5) . 
ويرى ( كوردن كريج ) إن المتلقي يأتي إلى المسرح وهو يهفوا إلى الرؤية أكثر منالسماع . بقولهأن الحياة هي الفعل في القاعة أو الشارع , شيء يرى أولاً ثم يسمع بعد إذ ”  1) . يتضح مما تقدم بأن مركز تكون الصورة هوا لخيال المولد الخصب .

 

الشكل والصورة 

 

يحدد الشكل مجمل خبرتنا الإدراكية والحسية للعالم المرئي على خشبة المسرح . بما يحويه الفراغ بشقيه العمودي والأفقي وحجم الفراغ السلبي والإيجابي , ويعدالفراغ منطقة اللعب الحرة والإبداعية لعمل المخرج والمصمم معاً . وإن غاية التشكيل ألمنظري هو أن ينهض على فق عناصر التكوين إن كان جيدا أو سيئا . 

 

ولما كان لكل مضمون شكلاً يحدده , فإن الشكل على فق القاعدة يقودنا إلى المضمون , وإن التوزيع الكلي للأجزاء على الخشبة مرتبط بوجهة النظر التشكيلية التي بدورها تحدد محكومية الأجزاء لإطار الخشبة . 

 

ولهذا فإن الشكل ( form ) يتحدد باتجاهينثابت ومتحرك . وهو في كلا الحالتين يختص بما هو مرئي أو بصري من مناظر, وكتل , ومساحات , وألوان , وأثاث , وخطوط , وملحقات وأزياء ,وضوء وظل وظلال , فهو صورة العرض البصرية الإيجابية في الفراغ السلبي أو هو التأثيث السينوغرافي للفضاء المسرحي .

فالشكل إذن يحدد بناء وتشكلات الصورة البصرية ( visible picture ) عبر استثمار المتخيل المرئي في تكثيف السردية الحوارية للنص بأفعال صورية تفسيرية مماثلة لخطاب النص , فالشكل ليس بوضع الأشياء على المسرح , بل بقدرتها الفنية للتعبير عن ذاتها ومكنوناتها وعلاماتها المسيمأة . ضمن عنصر الاختيار الدقيق للمضمون وشكله , فهو إذن التنظيم الداخلي لمحتوى ما , أو هو الربط بين العناصر المكونة للمحتوى في كل ٍ واحد , لا يمكن بدونه وجود المحتوى نفسه   2) .

وللسبب ذاته  فإن مدخلات الصورة تفترض وجود التطابق الذهني التصوري الذي شكلته رؤية وذائقة المخرج الإبداعية للمشهد بذات القيمة التسيُدية والفنية بل وحتى الإيقاعية منها ويرى (أينشتاين) إنه  يتعين علينا أن نحتفظ باهتمام خاص للوسائل والعناصر التي تشكل الصورة بها نفسها  3).

ولما كانت الصورة في المسرح سيالة ومتجددة, فهي المناخ المثالي لبلورة العرض وتغذيته وصولاً للاستجابة المثلى , وتفترض (سوزان لانجر) بأن  الصورة المتحركة هي أفكارنا بحيث تصبح مرئية ومسموعة وهذه الصورة تخترق إحساسنا كما تفعل أفكارنا وسرعتها وعودتها إلى الوراء تماماً مثل الذكريات المفاجئة , وتحولها إلى المفاجئ من موضوع إلى آخر يبدو مقارباً إلى حد كبير لسرعة انتشار أفكارنا , إن لها إيقاع الفكر والقدرة الممتازة نفسها لكي تتحرك إلى الأمام والخلف في المكان والزمان  1) .

إن الصورة ذاتها هي الخزين المعرفي والتصوري لذات المخرج , وهي بذات الوصف تعد معادلاً مكملاً ومحكماً للكلمة إن صح التعبير , ولا يمكن أن تكون المناظر المسرحية لها حدود دقيقة كما هو الحال في عالمنا الخارجي , إذ إن التكوين داخل الصورة هو لأشغال حيز مكاني افتراضيينبغي أن يخضع لمواصفات وأسس فنية تسمو به نحو الرمزية أو الشكل التعبيري أو السيميولوجي. ولعل وضع الأشياء والمفردات بعفوية تؤدي إلى معنى مغاير تماماً , وقد تشتت المعنى ضمن مخاصب الصورة يمكن للعقل الإنساني أن يتصور واقعة بدل الواقع , ويمكن إخراج صوراً من الممكنات بالصوت والألفاظ والتشكيل بحيث تجيء الصورة محققة لما كنا نود أن يكون   2) . 

لعل للصورة فضلاً عما قدمنا  ( إيقاعاً حسياً ) يتوافر على الدوام في كل ثنايا الصورة من الخطوط والألوان والمساحات والكتل والمسافات البينية بينهما , كما يتوافر في حركة الممثل وما يبثه جسده من إشارات وإيماءات وعلامات , فحركته تقطع خطوط المنظر الأفقية والعمودية فتحرك الإحساس بالإيقاع البصري نحو السرعة الإيقاعية المتفاوتة بين البطيء والسريعوالمتوسط , في الصوب الآخر يفعل ( الفراغ ) فعله من خلال تناغم بنيته الإيقاعية مع كتلة المنظر , والممثل , وللسبب ذاته فإن معمارية بناء الصورة تقتضي أن نحد الكثافة الضوئية وتناغم زوايا سقوط الضوء , فالضوء مرافق تام لا انفصال عنه للصورة ,إذ ليس من الممكن رؤية الصورة بمعزل عن الضوء , ( فالسرعة الإيقاعية والتعجيل (sconsin ) وتنسيق الإيقاع ( cadence ) والنبض 

( pulsation ) تبدو كمفاصل لشد الخطاب البصري , وهي تحدد انتشار القيم في الخطاب وتضمن مصداقيتها الحسية )  3) .

كما هو الحال مع الموسيقى , فقد وجد (أدولف آبيا ) أن الضوء يتلاعب بمشاعرنا كما تفعل الموسيقى , إن وسائل تصميم الضوء يرتبط بالسياق الدرامي بوصفه يجلو الأشياء ويوضحها ويدعم الأماكن المعروضة عن غيرها , وإن عملية الانعكاس مع اللون أسهم في توفير رؤية تجسيمية على فق الضوء والظل والظلال , وإن إسباغ الفراغ بالنور هي لجمالية التكوين البصري واكتنازالصورة بالرمز والدلالة , تستدعي أحياناتحولات ضوئية ولونية لتوكيد فكرة ما أو الإقدام نحو فكرة جديدة أو صورة مغايرة .ويؤدي اللون أهمية بالغة في تشكيل الفضاء وتحديد المساحات ومنح الصورة إثارة حسية على المستويين الفكري والذهني  فالخطوط والألوان والأصوات الجذابة والإيقاعات المثيرة , يمكن أن تقضي على كل فتور قد نحس به   1) .

غير إن السيميائين أمثال ( كاندنسكي ) وجدوا مجالاً رحباً في اللون , على فق أبانته وسميائيته بوصفه ( دالاً ) , مؤكداً إن الألوان تأخذ قيمتها ودلالاتها في علاقة بعضها بالبعض الآخر 

( حار × بارد ) ويضيف (كاندنسكي ) بإضفائه على الألوان خصائص موسيقية تحيلها إلى طبقات صوتية   2)  

. وهذا يعني إن الصورة تظل ملغزة إلى الأبد وبشكل نهائي كما لا يحكمها على الإطلاق مبدأ المشابهة , فالصورة الأولى تأسست بحسب ما قبلها وهي تؤسس لما بعدها, فهي بهذا الشكل تجبر المتلقي على الدوام للمتابعة المعرفية والمنطقية  إذ يحرص الجنس البشري من خلال الصورة على إنتشاء الذاكرة بوصفها  إستحضار الذكرى للأفراد . فالصورة خاصية الإنسان وأولى أفعاله  3) .

فالشكل إذن هو المحتوى في الصورة , يشير إلى النوعية الذاتية للأشياء التي تتم عن التباينات في المرئي , كما يشير إلى الكلية و تكون الخيال بوصفه محكوما بالتنظيم كما يرى ذلك 
( روبرت سكوت ) . 

 

فالحيوانات لها لغة للتخاطب غير إنها لا تمتلك الصورة , الكائن الحي الوحيد القادر على إستحضار الصورة , لسد نقص ما أو لتحقيق موقف معين , ولهيمنتها في الفن عموماً أصبحت ضرباً من الجنون من قبل رجال الفكر , وللسبب ذاته فهي ذات  فضل لأنها أداة ربط ……إن خصوصية النظرةالحديثة تقف وراء فقر الدم الذي أصيب به عالم الصورة  4) .

 

من كونها حاملة للفكرة, ولا يمكننا التخلي عن الفكرة, لكننا قادرين على الاستبدالالصوري لتغير الفكرة أو الموقف أوالحالة ,والصورة هي بمثابة الارتكاز الذهني والفكري والإبداعي لماهية الإخراج المسرحي , كونها لا تخلط بين الفكر واللغة , لكنها تدعو إلى التفكير والتأمل وتحويل المرئيات إلى لغة مفهومة من الكلمات كما تفعل ذلك 
( إشارات المرور ) عبر التآلف بين العلامات , سيما إنها تسمو بالفن إلى عالم المثل , ولقد تفاهم التشكيليون دائماً مع الشعراء أكثر من تفاهمهم مع الفلاسفة , كما يرى ذلك( ريجيس دوبري ) كون الشعراء يلهمون الفنانين برؤية شاعرية وجمالية ..ويرى( جورج سانتيانا ) بأن الصورة  تنسيق من الطاقة المخزونة لا إفتعال فيها ولا تصنع 1).

ولأهمية عدم وجود صورة باهته من خلال الشكل عمد المسرحيون إلى إيجاد( السينوغرفر ) بغية عدم الإحباط وتلافي الهفوات التي تجعل الصورة سلبية بوصفها لا تتطابق مع خطاب النص  إن التوجه نحو الشكل هو التسامي الحقيقي الذي يسمح لنا أن نكشف الموجود بدواخلنا وأن نأخذ منه موقفاً بأي شكل كان أو اتجاه   2) .

بيد إن المسرح المعاصر حاول إيجاد تمفصلات اشتغال جديدة , ذلك إن الرؤيةالبصرية للصورة قد لا يتسع لها مسرح العلبة ولا يمكن حصرها ضمن وسوعه التكعيبي , فالتجأ الكثير من المخرجين للبحث عن أماكن جديدة للعرض المسرحي كالساحات والشوارع والآثار بغية تحصين الرؤية بالصورة . أو ربما هي محاولات لتوضيح الفكرة وإنتاج المعنى , ولا تختلف الصورة أينما حلت في أية بيئة مكانية , كونها لا تنفصل عن الخصوصية التشكيلية أو التكوين والإنشاء الصوري في الفضاء ,غير أن الاختلاف يكمن في إن الصورة الأولى صممت تحت هيمنة مسرح العلبة , في حين إن الثانية أنشأت ضمن فضاءات العرض التوليفية المفتوحة , إلا إن ذلك لا يفقد من خصائصها شيئاً .

 

المعنى والصورة 

 

لما كان العرض المسرحي بيئة محبوكة ومتكاملة متعددة العناصر والوسائل , فإن كل عنصر من عناصرها هو غني بالتحفيزات التفاضلية ( differential )   يشكل منطقة إبداع حر لبناء الصورة إذا ما أحسن المخرج استخدامها , ولما كانت صورة المشهد تتأطر بتلك الكثافة الهائلة من العلاقات في الفراغ , فإن عوامل الربط المحكم بين الشكل المنجز والبناء التأويلي تستدعي التتابع المنطقي كما يرى 

( هوكز ) كونه استقصاء للمعنى وملاحقته واكتشاف الخلاصة الكنفية المدججة بالتفصيلات التأويلية , وإن الذائقة الجمالية الخاصة خاضعة إلى نسبية التجربة والمعنى على فق لعلاقات التفاضل لتعين قصدية (Intentionality) المعنى داخل الصورة بوصفه الهيكل المصاغ للمعنى . ولعل هذه القصدية لا تأتي من فراغ , بل إنها تستند إلى عوامل عديدة لإخصاب الصورة واكتنازها بالمعنى بحسب (هوسرل) , ويمكن العودة إبتداءً إلى العوامل الاستنباطية المؤثرة في عملية تفسير خطاب النص . لإحالته إلى صورة مرئية علىمفاصل عدة , كالعلة والمعلول ورسم المماثلات بين العلة كأساس استنباطي ,وبين الصورة بوصفها تكوين انتهائيلتفسير ثيمات العرض المسرحي , ومحاولةإنشاء فضائل المدركات الحسية لتحقيق الصورة الذهنية ضمن محاولة ترجمة الكلمةإلى  صورة  إذا كانت سلسلة من الكلمات لها معنى  فإن مقطعاً من الصورة له ألف معنى  1) .

في الصوب الآخر فإن الفعل يشكل المنعطف الثاني لإنتاج الفكرة , لكن الفعل ليس  هو الفكرة    إن الفكرة هي قاعدة الحدث أما الفعل فهو الحصيلة أو الأصح هو النتيجة التي تحكم عليه وتراقبه ”  2) .لذا فإن إنتاج الفعل إن كان بصري أو حركي أو ضوئي أو دلالي بأي مخصب كان , فهو القادر على تفعيل دور الفكرة وبالتالي استخلاص المعنى . 

ولعل سيمياء الصورة تشتغل ضمن محاضن أنتاج المعنى الدلالي فجميع الأشياء عند وضعها على المسرح تتخذ نسقاً دلالياً, وفقاً لخواص الإبانة وهي مادة غاية في التعقيد كونها تتمحور حول إنتاج المعنى في المسرح , ولقد كانت سيمياء العرض قد أولت العلامة وتوابعها عناية فائقة كونها تستند إلىضروب الدال التي يستخدمها المسرح لإنتاج المعنى  3)

للسبب ذاته فإن اكتناز الصورة , يفترض مسبقاً وجود رؤية تحدد تفعيل عناصرها الدلالية , في تغيير قوانين المفهوم البصري,فأنت لا ترسم صورتك على الخشبة إنما ترسم صورة الفكرة وجمالياتها المستنبطةمن خطاب النص أوالذاكرة التصورية ,سيما إن خطاب العرض متجدد على الدواميفترض أن تكون التفاعلات الدرامية محسوبة بدقة , كما يرى ( فلتروسكي ) بقوله  إن الصورة تشد الانتباه مؤقتاً أو طيلة مدة العرض على ديكور أو علامة أو إضاءة أو موسيقى وإن إعادة تشكلها ضمن خصائص العنصر العلامي يتغير شكل الصورة   4) . 

والمتلقي يرغب في تفكيك الصورة الخام بوصفها خطابا متفردا ذي معمارية خاصة, تجذب انفتاحه على لغة بصرية مؤطرة بالمعنى ,. والبحث عن المعنى هو ما يدفع الفرد أحياناً لشد الانتباه والمتابعة , فضلاً عن إن فكرة المخرج ينبغي لها أن تتأطر كلياً داخل الصورة , ولعل البساطة في التعبيرهي الأقرب إلى عملية الفهم , قد يسهل على المتلقي فك المكودات والشفرات في حالة التعقيد . ويذهب (كير إيلام ) إلى أن الصورة كلما قلت دلالاتها كلما أرادت لنفسها أن تكون لغة   1) .

وللصورة في الدراسات السيميائية ثلاث أبعاد الأولى هي الميتا لسانيات(Meataliusmes) والثانية هي الميتا دلاليات cmetasemantisme)) والثالثة هي الميتا تداوليات 
( metapragmatisme ) ويمثل البعد الثاني البعد الدلالي للصورة وعليها يميل تحديد ( لوجيزمان ) كونها تتضمن مرجعية ضرورية إلى معطى خارجي , لأن الصورة الثانية , هي صورة الموضوعات تعكس الصورة الأولى التي هي صورة الكلمات , وعليه ينبغي أن تشير الصورة هنا إلى وجود إنزياح بين الصورة ودلالتها بل أن الصورة جزء من صيرورة دلالة في تطور مستمر . تشير إلى فكرة التغيير والمشاركة .  2) .

فالخيال هو المنجز لماهيات الصورة وأنثيالاتها على وفق الذائقة الجمالية المستوفية على شرطين ( الطابع المكتسب للشكل المثار في الإدراك الباطني  والشيء الثاني في كيفية تكون النمط ( المثل ) في أذهاننا والصورة البصرية الناتجة هي التي تصحح مفهوم النوع , وهو رمز ينقلنا إلىفهم وإدراك الصورة كونه يمنحنا مضمون المعنى العام للصورة ) 3).  

 

إن القيمة الجمالية تتوافر في كل تمفصلات الصورة بما يحتويه الفراغ بشقيه السلبي والإيجابي ..وللسبب ذاته فإن المتعة الحسية والفكرية, ترتكز إلى القيمة الجمالية لتحقيق مبدأ اللذة الكانتي .  ويرى ( تالمي  وسبنسر ) على فق مصدر مفاهيمي مشترك هو( البنية  agonist  ) في 
الفضاء , حين تستند إلى قوتين متعارضتين يلخصهما  شكل الفضاء التوتري وتعديلاته, الهيئة التي يتم منها وحسب إجراءينمختلفين ولادة التصييغ بالتحول ( conversion  ) 
من جهة , وولادة إظهار السير الزمني للحدث بالاستدعاء (convocation  )  من جهة أخرى 4) .

وبهذا تصبح الصورة ملغزة بالمعنى التأويلي أو الرمزي أو الدلالي .

الإحالة الصورية 

 

ترتقي الصورة أحياناً إلى توظيفها في الزمن الحالي (الآن وهنا ) أو الزمن المستقبلي أو الزمن الإستباقي , وأحياناً تعتمد الصورة الإحالة إلى زمن سابق سبق الإحداث . ولعل هذا المفهوم قد أستعير من السينما عن طريق ( الفلاش باك flash  back ) وهي محاولة لإعادة صورة سابقة توتر الحدث ودعوة إلى المسببات والعلل التي قادت إلى تحديد المشهد الحالي , ولما كان المسرح قد سبق السينما , فإن مفهوم الإحالة قد فرضته سنن الرؤية الإخراجية وتأملات المتلقي المتعددة , فقد يرى المتلقي ربما في أحدى أمكنة المنظر زاوية تعيد ذاكرته إلى مرحلة الطفولة على وفق تلك المتشابهات في المنظر وبين ما هو مخزون في ذاكرته , وهذا نوع من الإحالة تفرضها الصورة , وقد يكون اقتران المشهد الذي يروم المخرج إعادته للمتلقي في إحالة لاحقة ,فيعمد المخرج إلى ربطه بموسيقى خاصةتقترن به اقترانا ترابطياً . وحينما يتم تقادم المشاهد اللاحقة فإن إعادة الموسيقىالسابقة في المشهد الحالي , يدفع المتلقي للتعايش الذائقة الجمالية نفسها والحالة النفسية والتعاطفية للمشهد القديم , وهو ما تحققه الإحالة بالموسيقى .

وقد تشكل الحركة أو الصوت أوالضوء واللون محاولات ترميزية للإحالة , إن للصورة محفزات بصرية وحسية نادرة على تحويل كم هائل من الإحالات بشتى صنوفها ضمن انسيابيتها إلى دلائل شاهدية أو إيقونية أو رمزية متفردة تصلح كثيراً لقيام مبدأ الإحالة  ضمن منطق الإحالة في هذه العلاقة تقام التوليفات والتزامنات وفقاً لإنثيالات الدال بين ما هو مرئي ومقروء وبين التأويل الصوري في المرافقة الدرامية حسيا على اعتبارالمعنى الظاهر هو محصلة العلاقة التبادلية بين وحدة التعبير ووحدة المحتوى  .

كما إن الشكل ضمن إطار الصورة يمكن أن يحيلنا إلى أمكنة حقيقية للمشاهدة العيانية , فالذهن يقوم بالإحالة على وفق عدد الصورة المخزونة في مخزن الذاكرة طويلة الأمد , مما يحقق متعة فريدة ومرافقة ( زاوية من بيت تراثي , وحب ماء , وشناشيل ) ويحدث في أكثر الأحيان أن يشم المتلقي روائح قديمة كانت مستقرة هي الأخرى فيالذاكرة ضمن مبدأ الإحالة ( الرطوبة والنتانة والعطور ) , إن الإحالة في الصورة المرئية تستوجب دراسة سماتها بدقة متناهية وصولاً لتحقيق الاستجابة الحسية , إن كانت ذوقية أو شمية أو لمسية أو سمعية أو بصرية , فجميع مستقبلات الإنسان الحسية يمكن تثويرها عن طريق الإحالة ,كما تفترضها نظرية 
( بافلوف ) في الاستجابة الشرطية . 

وترى( كريستيان مثيز )إلى إن الصورة آنية ومتجددة أبداً ,وأن مفهوم الإحالة لا يؤثر على استمرارية الفعل داخل الصورة بل هي تفرض نفسها وتطمس كل ما عداها  1) .

ويطالعنا (غريماس ) إلى إن عملية التلقي مرتبطة بالبنى الأولية للتدليل أو الترميز إننا ندرك الفروق بفضل الإدراك ويأخذ العالم شكله أمامنا وفق أغراضنا  2) ,ولتحقق الإحالة ضمن منطق هذه العلاقة تقام التوليفات والتزامنات على وفقتأسيسات المخرج والمصمم معاً عندما تترابط وحدة أجزاء الصورة في المقدمة مع ما يحققه البعد الفراغي لها في العمق كون الفارق بين الصورتين مدمج ضمن الصورة الكلية كما تتحسسه ذواتنا . ويتصدى ( بونتي ) لتفسير المرئي موضع بحثنا  ليقصد به الإدراك الذي يتحقق داخل ذواتنا , …..إما اللامرئي فهو قوة المرئي لدرجة الوضوح المتداخلة بين الصوت والمعنى 3)  . 

إن العملية البصرية برمتها تخضع بالأساس إلى استخلاص اللامرئي من المرئي على فق حدس اللحظة وتوقد الذهن .

فلسفة الصورة 

 

ما من شك في إن فلسفة الصورة تخضع بالأساس لفلسفة المخرج أو موقفه الفلسفي من الخطاب البصري أو مرجعياته الفلسفية التي يفرضها أحياناً على صورة العرض البصرية . كما قدم لذلك ( أروين بسكاتور, و بروتولد برشت ) في محاولة لإخضاع المشهد المسرحي لوجهة النظر الماركسية المستندة إلى المادية الديالكتيكية . 

ويرسم برشت مشهده على قانون التغريب ( ألينة التسويم ) بحيث يجعله مغرباً عوضاً من أن يكون تلقائياً , وهي فكرة مقتبسة من الشكلانيين الروس في محاولة للفت الانتباهللفعل , فكل شيء مادي ومألوف قد ينقلب إلى شيء مميز ولافت للنظر . والموقف بالكلية يستند إلى المقولة الماركسية التي تؤكد بأن التراكم الكمي يولد وعيا نوعيا . في حين يطرح ( جوته ) موقفاً آخر بقوله إن الرمزية تحول التجربة إلى فكرة وتحول الفكرة إلى صورة   4) . ما يعني بأن الأفكار بجل تنوعاتها ومقولاتها يمكن للمسرح أن يحولها إلى صورة . 

وترى الكثير من الآراء الفلسفية إنه عندما تترجم الفكرة إلى صورة في حالة الاستعارةأو الرمز ستنفجر الفكرة بكل بساطة , وإنعملية التجريب في الصورة مع وسائل التعبير الأخرى بإدماجها مع عناصر العرض تفضي بالضرورة إلى المعنى الفلسفي . التي يوفرها تراكب العناصر الأولية بوصفه خليطا مركبا .(فالقوة الدافعة للمدلولات المتغايرة تتلاقى في دال الصورة الذاتية المزاجية المفرطة في أحاسيسها ) .

كما يمكن للمسرح تحديد ماهية الصورة بالاستناد إلى الاستبدال الإستعاري المرتبط بالعلامة إذ كلاهما يقوم بمبدأ الشبه المفترض أو المجاورة المادية , وله القدرة أيضا أن يقوم مقام الفعل كونه رابطابالمجاورة كاستخدام خيمة بدل سقف قاعة ,ويرى( جاكوبسن ) هذا النوع استبدال معمول به إستبدال الكل بالجزء وهو ضرباً من ضروب المجاز  1) .

إن تعددية المعنى كما تطرحها سيمياء المسرح هي عندما تمارس الصورة آلية تعويضية للمفهوم الفلسفي , كما هو الحال مع المفهوم الجمالي والفكري والعاطفي , فإن المضمون الفلسفي يفترض كما هو متداول خصوصية الكلمة بوصفها ناقلة للمعنى , لكن الصورة ضمن خصائص المنجز الإبداعي تمتلك القدرة الفائقة علىتحول الكلمات إلى صورة مغروزة في اللاوعي تفلسف مفهوم الصورة وقد تخضع الصورة فلسفتها للمنطق المادي أو المثالي أو الحدسي كما يطرح ذلك المسرح المعاصر في فلسفة ( نيتشه وكروتشة ) .

 

إن الاتجاه التداولي الذي استند إليه ( بسكاتور وبرشت ) لم يغادر هذا المفهوم في جل أعمالهم المسرحية , فالصورة شكل يمتلك معنى ويرتبط بمضمون  وإذا كان لسلسلة من الكلمات لها معنى فإن مقطعاً من الصورة له ألف معنى  2) . كما يرى ذلك جيرارد دولوا دل ,

أما ( كانت ) فيرى أن ذلك يقع تحت حكم الذوق بقوله  إن الصورة الوسيلة الأولى لإرسال المعلومات من ذلك العصر إلى عصرنا هذا  3) . ذلك أن المسرحية بكل تمفصلاتها هي شيء فكري أولاً , ثم متعة حسية, والأدب كما هو معروف يحتاج إلى الفكر.  

 

…. في قاموس الفلسفة الأيونية يشرح ( أرسطو ) الصورة بوصفها إيقاعا علائقيايتبادل أو يتمايز للأشكال المنظورة في نظام واحد ( هو الصورة ) في حين يتفق ( ديمقريطس) مع رأي 
( أرسطو ) بأن الإيقاع هو الصورة والترتيب المميز لها هو ترتيب الأجزاء في الكل .

…. غير إن الدراسات السيميائية ترى في الصورة مجموعة من الزمر العلاماتية تتخذ شكلاً معيناً  توصف إنها ممثلات 

( Representamens )  وعن طريق ربطها بموضوعاتها تتصف بمؤلها ( nterprotants) والتمثلات علامات ترتبط بعلاقاتها مع الموضوع بواسطة علامة هي علامة المؤول . وتنطلق حركة تحليل العلامة من الممثل إلىالموضوع مروراً بالمؤول . 1) . يتضح إن تشكلات الصورة وماهيتها يمكن أن تخضع الفكر الفلسفي ضمن مخاصب الصورة المرئية , وإن ثبات الصورة أو حركتها لا يعيق طرح المعنى الفلسفي بل إن الآلية التعويضية لترسبات الصورة عن طريق عناصرها الرئيسة لخليقة بإنتاج المعنى 
الفلسفي . 

وله القدرة كذلك على تثوير الفكرة عن طريق التماهي والتماحك , كما يمكن أن يحققها خطاب العرض على وفق مخاصب اللغة ودلالاتها . فقد طرح ( بكت ) في مسرحية ( في انتظار كودوا ) تلك المفازات التي تجعل من كل مشاهدي العرض مهيئين لانتظارشخصية (كودوا) ولم يصل ( كودوا ) حتى النهاية ….. إنها فكرة الوجود والعدم التي أسست لها الفلسفة الوجودية عند ( سارتر ) . كما طرح …..( غروتوفسكي ) عن طريق تمرين العرض مبدأ ( النزعة الكاثوليكية ) في  ( مسرحية الأمير الصلب ) حينما حاول البحث عن لغة رمزية وإشارية تدنو من كاثوليكية المذهب أو نمطية الاتجاه, ولسنا هنا ببعيدين عن (بيتر فايس ) فقد شملت أكثر نصوصه مفهوم ( التراكم الكمي يولد وعي نوعي ) , ولعل فلسفة ( أوكست كوم ) الوضعية قد أثرت هي الأخرى على تثبيت ركائز المسرح الواقعي عند ( أبسن وسكرايب ) بوصفها انعكاسا للواقع , وقد جاءت عروض المسرح المعاصر مستندة إلىأكثر من تيار فلسفي ( يونك .ليفي شتراوس . نيتشه وكروتشة ) في محاولة لتغييب العقل ووضع الحس بديلاً له , فاتخذت من مبدأالهذيان وتجليات الروح للجسد والمبدأ ألتدميري كنتاج إدراكي لهذه الفلسفات .

. 

ولعل الأمر كما قدمنا له مرتبط بالتخطيط المسبق والتصورات الذهنية حول ماهية الصورة وتحولاتها بالولوج إلى عبقريتها في قول ما يمكن قوله . 

ويرى هوسرل  بأن كل تأمل هو استحضار صوري ….. يتحرك شكله ووجودنا أو وجودالعالم  2) . ذلك من كون العمل الفني تجسيدا جماليا في وعي الفنان , والقصدية هنا موضوعية تضفي الانسجاموالترابط .

ذلك أن التعبير عن الخبرة هي ثوابت أساسية لا تبتعد من حيث المبدأ عن هذا التحديد كونها تستلزم تدقيق الحدث وتوثب المعلومات وإن  الإفراط في التأملسيصبح درجة أعلى مقابل أعماق الفلسفة….. بل سيصبح هو الفلسفة ذاتها  1) . إذ إن فكر الوجود المرئي هو الذي يضعه الفكر استناداً إلى خلفيات الصورة وهو تجلي للذات وانكشاف الحدث على حسب ما قررت الذاكرة الفردية إنشاء وتنامي صورتها الذهنية .. 

 

جماليات الصورة 

 

تعد القيمة الجمالية أحد أهم المداخل الأساسية للفن , كما إنها المنتج الإبداعي لصناعة الجمال بأبهى صوره وبجل تمفصلاته وصولاً للذة الجمالية بوصفها أهمالمتع الحسية للفرد. 

وتذهب الدراسات السيميائية إلى إن مخاصب ( الدال ) موضوع جمالي كامن في الشعور الجمعي تحت ثنايا العرض المسرحي الذي يحول بدوره جميع الأشياء والأجسام جذرياً نحو سميائيتها ويمنحها قوة كانت تفتقر إليها , عن طريق شبكة العلاقات في العلامات والأنساق المتفاوتة .2)

وعليه فإن تشكل الجمال في الصورة يتطلب تواجد طرائق تقنية ومهارة فنية لتجسيدها ضمن (بيكتوغرام  pictogram  ) . كامل حامل للمعنى والقيم الجمالية . ولعل (أفلاطون ) يتصورها بأنها  حلت بمحاولة جعلت الفن بذاته ممثلاً للأنا الفوقي , أداة نقل للأخلاق والقيم المثالية 3).  ويرى ( فرويد ) في نظرية التحليل النفسي بأنها ( دافع حسي rality-prinicple ) ذلك أن الصورة تستحوذ بجل تصانيفها على القيمة الجمالية التي تستطيع الحواس الارتقاء بها إلى مبدأ اللذة 

( الكانتي ) إلى أقصاه  والحكم الجمالي لا يستهدف سوى المتعة المباشرة ….ويفترض تذوقك المباشر للأثر الماثل أمامك 4) . كما يؤكد ذلك  (جورج سانتيانا ) .  

ومن هنا صار للصورة بعد مهيب يستوفي شرائط قيامها الحسي والجمالي كون الجمال ( دال ) أسهم في إنتاج المعنى , وقيمة تصل بنا إلى مفاهيم وانثيالات تستفرد بالإحساس والمسافة الجمالية , وهو نوع من التمني, إذ يتمنى المرء صورة كأن العالم على غرارها , إن الفنان سيتفرد بما خبأه من العناصر التي أنشأ منها صورته الخيالية أو تصوراته الذهنية ., فالخطوط بتنوعها والضوء بشدته وانعكاساته وزوايا سقوطه  والظل والظلال بأهميته وتجسيميته والألوان بتراقصها بين الحار والبارد وحركة المفردات بكل انسيابيتها والأنغام الموسيقية بكل تناغماتها وإيقاعاتها وأداء الممثلين بكل تألقهم الراقص داخل مجال المنظر الذي يشكل بيئة زمكانية للحدث ,. وأي صورة على الرغم من سيلانها فإنها تمنح المتلقي فرصة التذوق الجمالي المفعم بالحيوية والإحساس كما يرى ذلك ( هيجل ) إذ  يحتاج التشويق الفني كما هو أيضا شأن الخلق الفني إلىطاقة وحيوية بحيث لا يعتبر الكوني حاضراًكقانون وحقيقة عامة , بل تأخذه العقول في وحدته مع الروح والانفعالات الشعورية  1) . 

يتضح مما تقدم أن إنتاج الصورة المرئيةالجمالية هو فن قائم بذاته يرتبط بقدرات الفنان التخيلية والتصورية المستنبطة من عمق التجارب المخزونة في الذاكرة إن البعد الجمالي ينبغي أن يستند إلى نظام من القيم وصيرورة معرفية , وأن يأخذ على عاتقه الآثار التوترية والحسية , وإن التنظيمات المرتسمة بالفضاء التوتري تدخلالخطاب بفضل تكميم البنى الشكلية    2)

إذ لا بد أن تثير فينا متعة الإحساس بالجمال, ويرى ( سميرأوتوكاريز)  بأن علم الجمال المسرحي يقوم على ( الصور Images ) من جميع النواحي على الإطلاق ,فالممثل يمثل الشخصية والمشهد يمثل المكان الذي تتكشف فيه القصة , والإضاءة تتقلب بين الليل والنهار وتدل الموسيقى على الحدث 3)  .

وينبغي أن تلعب التقنيات الفنية كحوافز تسهم في توكيد إنشاء الصورة, ولعل من الضروري إجراء عدة محاولات في أسلوب تجزئة فوتوغراف الصورة , في محاولة فصل الأجزاء لتطوير كل جزء ليليه تطوير جزء آخر حتى إتمام الصورة بكمالها , ولتغيير الحجم والمساحة داخل الإطار أو بدونه يجعلها تتوالد وتلغي كل تقيم هندسي للمسافات على وفق فلسفة المخرج وذائقته الجمالية في بناء شكل الصورة…….إنه تماس مشترك يحقق تجانس الأجساد أن كانت للمؤدين أو مفردات منظرية لها مساس بالجسد بحيث ينمو تجانس حقيقي بين الطرفين  فالتفاعل بين الجسدين يصبح موضوعا مدركا ( وهذا الإدراك الحسي الجماليEsthetic يتآلف من ثلاثة أنواع تركيبية Syntaxiques ”  إدراك حسي (انعكاسي ) يوطد العلاقة بين الذات وجسدها , وإدراك حسي (متعدي ) يوطد العلاقة بين الذات والموضوع , وإدراك حسي 
( تبادلي ) يوطد العلاقة بين الذرات  4)

هذه الانسيابية أوالهارمونية المتوالد للصورة تظهر بالتتابع المنطقي المبني على تغيير الكثافة المسرحية لتوالدية الصور . والمتلقي ( الآن وهنا ) مجبر على المشاهدة بل مدعو للتوغل داخل المجال البصري للصورة , كما هو مدعو لفك شفراتها وقد يجد المتلقي في لحظة ما إنه خارج المسرح البصري إي خارج الصورة المقدمة امامه , نحو مكان خارج المجال باتجاه الواقع الحقيقي ضمن عوالم أخرى تحت تأثير الصورة الخيالية الذاتية , أو ربما صور حلمية سابقة برزت بالتلاقح , وهي لحظة استرجاع ( ذاتي ) خارج مجال التطابق الصوري قد أثارتها حساسية المتلقي أو إسقاطاته الفكرية والعاطفية , واللعبة هنا تقوم على تفعيل دور الخيال للمتلقي مع خيال الصورة المرئية في العرض المسرحي .بوصفها المنجز الخيالي لتثوير ذاكرة المتلقي بكم من الصور الذاتية . 

في المسرح المعاصر تم استخدام تقنية جديدة تدعى  ( القزحية ) وتعتمد على إدخال مسطحات محاطة باللون الأسود تنفتح وتنغلق لتجعلنا نرى بالتدريج كل مسطح الصورة كما تجعله يختفي بنفس الطريقة التدريجية  1)  . 

 

ولقد وظف المسرح المعاصر تقنيات  ( تكنولوجية ) عالية الكفاءة على مستوى الضوء واستخدام الليزرات المتنوعة كليزرات صناعة الغيوم والمطر والكتل الضوئية الطائرة وشبحية الصورة وعمق ميدانها وتكرار حركة المؤدي كشبح متحرك والتكوينات الضوئية بالكتل لبناء المناظر المسرحية كبدائل عن المواد الصلبة , وقد يشاهد بالإضاءة أن المسرح يحترق بكليته تحت أقدام الممثلين , كما شملت التكنولوجيا المسرحية تقنيات الصوت كافة التي جعلت المتلقي يشعر وهو على مقعده كأنها تحت قدمه, كخرير الماء والزلازل والبراكين , وأعمال المخرج ( جوزيف زفبودا ) صاحب المسرح التشكيلي خير شاهد على ذلك . 

 وترى الدراسات الحداثية إن التوليف الصوري جاء لإحداث صدمة مباشرة بين صورتين أو التعبير عن عاطفة أو فكرة , فهو ليس وسيلة بل غاية لإحداث ارتباط ذهني يقوم على تفجير العلاقات المكانية والزمانية المتجاورة بإيضاح الإبانة الدلالية لتغيير الموقف والحالة , ولعل المسرح المعاصر سعى لمثل هذا اللون من ضروب التوليف , محاولاً أن يجعل من الصورة مكتنزة بالإحالة والرمز وصولاً لاستيفاء شرائط تقديمها التأويلية , في محاولة لتفجير كماً من المعاني الدرامية على حسب الطاقة الغريزية الداخلة في صلب المشهد , وبين هذا التلاقح الذي يربط العمق الفراغي والتآلف الصوري يستثير في المتلقي حضوره ألزماني والمكاني في الحاضر أو الماضي أو المستقبل , وربما بزمن استباقي بذات التوليف ضمن محاضن الصورة , لتحقيق معايير فنية وخطوط عامة يصبح المتلقي تحت تأثيرها , بوصفه طرفاً في الكشف والموازنة والتحليل وصولاً للمتعة الفكرية والجمالية ..1)

فالعمق الفراغي يوحي بالبعد والأتساع والحجم ويؤسس لميتافيزيقيا الصورة كما يدخل الغموض ويفترض موقفاً ذهنياً ومساهمة إيجابية  ويتوقف على شروط قيام المعنى في الصورة. وترى الدراسات التخصصية للون , بأن الألوان تؤدي دوراً مهماً في الإحساس بالعمق الفراغي , ذلك لأنها تعمق الإحساس بين الجسم الأقرب في مقدمة الشكل وبين الأبعد في الخلفية .   ويرى (فونتاني ) إن هناك أربعة أصناف مرئية تقوم بتنظيم الفضاء المرئي  أولهما 
( المؤشرات الدفينة  ponctuels )والاتجاهات  diracistion )


( والمواقع والمواد ) التي تشغل المكان ويعرج على وجهة نظر 
( شبينغ ) الذي يقترح صراعاً بين المادة والثقل وقوة انتشار الضوء حينها يكون الفضاء المرئي محصوراً داخل علاقة من القوى المتضادة التي تولد أثارها الدلالية 2) .   

إذ إن الشكل المنجز كما قدمنا له مرحلة تأسيسية بين القوى المادية المتضادة التي تفعلها آلية إشغال المؤدي , بوصفه كتلة متحركة تغير وتحول المفاهيم المادية بالتصادم مع المفهوم 
الفردي للمؤدي وصولاً لاستبيان الفكرة والثيمة . 

 

في خلاصة استنتاج واستنباط معرفة للصورة المرئية كما قدم لها البحث.هناك كم هائل لا يمكن حصره من الأفعال التكوينية والدلالية والفلسفية والجمالية والفكرية ذات السمات الإبداعية المحيطة بالمعنى والمستوفية لشرائط التأويل عند المتلقي وصولاً للاستجابة الكلية لعموم الصالة , ولعل مداخل البحث وبواطنه قد وفرت مخرجات معرفية للإحاطة الصورية بوصفها أداة للتعبير الفني الساعي إلى التكامل , كما إنها في الصوب الآخر حددت الوسائل والأدوات المساهمة في الإخراج المسرحي ضمن اعتبارات علمية تستند إليهاكمرجعيات في إنشاء واستحضار الصورة المرئية , فضلاً عن إن عللها و معلولاتها تقوم على مفاهيم ذات مخاصب في ذلك البون الشاسع من التواصلية في إنتاج المعنى المفعم بالحيوية , والمقترن بالإشباع الجمالي الذي يستوفي شرائط اللذة في الكيف والكم والماهية .

ولعل الصورة أخذت من المخرج جل جهده التعبيري وعصارة جهده الذهني لإخصابها, وصولاً لقول ما يمكن قوله من خلالها , إن المشكلات التي يواجهها بعض المخرجين تعود إلى التساهل المفرط في عدم الاكتراثلأهمية الصورة أو لعدم تفعيل وظائفعناصرها مما أحاط العرض بالتشتت وعدم الإبانة وبهاتة الصورة نزولاً للنكوص , وقد يصادف أن ترتقي بعض المشاهد المسرحية نحو التألق , في حين مالت المشاهد الأخرى نحو التسطح والهبوط , أو من عدم ضبط التناغم الإيقاعي الذي يجعل من الصورة تميل نحو الهبوط المستمر أو التنافر ربما غير المقصود , مما يسبب بالضرورة ملل المتلقي لرؤيا الحدث والفعل على السواء ..

وعلى ضوء ما تقدم يمكن الخروج بمعيار استدلالي واستنباطي بوصفها نتائج 

 

نتائج البحث

 

أولاً : الصورة الحاضن الضروري الأول في المعايير المسرحية الملازمة لتقديم أي عرض مسرحي ضمن خصوصيتها الإدراكية للعالم المرئي . 

ثانياً: أن خلق الصورة يأتي على فق قوة الذاكرة الناشطة في ترميز وتخزين واسترجاع الصورة بوصفها الخيال المولد لعملية الإدراك الحسي والفهم وهو الجسر الذي يربط بين عالم الفكر وعالم الأشياء .  

ثالثاً : يعد الشكل أحد أهم ركائز المرئيات في الصورة ضمن خبرة المخرج  الإدراكية لعالم الخطاب النصي . كون الصورة ترتبط بالتنظيم الداخلي للمحتوى و العناصر المكونة للشكل . 

رابعاً: إن اكتناز الصورة يفترض بها مسبقاً وجود رؤية إخراجية تحدد إشتغال عناصرها , ورسم متمثلاتها بين العلة كأساس استنباطي وبين الصورة بوصفها تكوينا نهائيا ,لتفسير ثيمات العرض ولتوكيد دور الفكرة وبالتالي استخلاص المعنى الدلالي .

خامساً : إن العمق الفراغي يؤدي إلىثراء وإخصاب حقيقة  للصورة لتضع المتلقي في علاقة صميمية مع المنظر وبشكل موفق ذهنياً يفترض مساهمة إيجابية بوصفه يخلق إحساس بالأتساعوالعمق والحجم كونه خلفية ساندة للفعل وهيمنته التجسيمية بين التكوين والتآلف الصوري .

سادساً : إن الإحالة الصورية تتحققعلى وفق عناصر الحركة والصوت والضوء واللون والكتلة وكذلك الموسيقىبوصفها محاولات ترميزية للإحالة , كما أن الشكل ضمن إطار الصورة يحيلنا إلى أمكنة حقيقية في لواقع للمشاهد العيانية , فالذهن يستخلص المعنى الظاهر وفق محصلة العلاقات التبادلية بين وحدة التعبير ووحدة المحتوى من كون الإحالة مبدأ تأويلي يرد العلاقات إلىموضوعاتها الأساس .

سابعاً : المضمون الفلسفي للصورة يفترض تداولية المنجز الإبداعي للوصول إلى قدرة فائقة لتحويل الصورة المغروزة في اللاشعور إلى نقل المعنى , إذ إن الصورة تمارس آلية تعويضية عن طريق الرمز أو الدلالة لتأطير المفهوم الفلسفي .

ثامناً : الحكم الجمالي لا يستهدف المتعة المباشرة التي تحقق بدورها الاستجابة الجمالية فقط , بل حينما تتساوق مع المثير الحسي كونه إدراكاحسيا من صور الممكنات في عالم الروح , والتصدي لإيجاد التقارب الذهني للمتلقي عندما تفرض العملية توافر طرائق تقنية ومهارات فنية لإحالتها إلىعملية التجسيد المثلى .

تاسعاً : عدم الاكتراث بأهمية الصورة أو تفعيل وظائف أجزائها , أو عدم ضبط التناغم الإيقاعي , يحكمها بالميل نحوالهبوط والتسطح والتنافر نزولاً للنكوص .

 

المصادر :

الأزيرجاوي (فاضل) أسس علم النفس التربوي ,جامعة الموصل ,وزارة التعليم العالي ,1991.

أنشتاين (سيرجي) ,الأحساس السينمائي , تعريب سهيل جيده,بيروت: دار الفارابي ,1975.

إيلام (كير) ,سيمياء المسرح والدراما ,ط1, تر رئيف كرم ,الدار البيضاء :المركز الثقافي العربي, 1991.

برنستون(موسوعة الشعر ) ترنايف العجلوني , بغداد:مجلة الثقافة الأجنبية ,العدد 2 ,دار الشؤون 21962. 

بريث (ر. ل ) التصور والخيال , تر عبد الواحد لؤلؤه , بغداد : دار الرشيد , 1979. 

بنتلي ( أريك ) نظرية المسرح الحديث, تر يوسف عبد المسيح ثروة, بغداد : وزارة الأعلام,1975.

بونتي(موريس ميرلو) المرئي واللامرئي ,تر سعاد محمد خضر ,بغداد :دار الشؤون,1987.

بيكون ( بياتريس) المسرح والصورة المرئية, ج2 ,تر سهيل الجمل , القاهرة: المسرح التجريبي,2001.

دال (جيرال دولو ) السيميائيات أو نظرية العلامة , ط1,ترعبد الرحمن بوعلي , سورية : 2004.

دوبري (ريجيس) حياة الصورة وموتها , تر فريد زهي , بغداد , دار المأمون,ب ت . 

رياض (عبد الفتاح) ,التكوين في الفنون التشكيلية , القاهرة: دار النهضة , 1974

ريد (هربت ) , االفن والمجتمع , تر فارس متري , بيروت: دار القلم , 1975. 

زوست (أرت فان ) , التأويل وعلم الرموز , تر أنطوان أبو زيد ,باريس: مجلة العرب, عدد5 ,1989

حطب (فؤاد) وآمال صادق, علم النفس التربوي , جامعة الموصل ,وزارة التعليم العالي ,1991

سانتيانا (جورج) الإحساس الجمالي , تر محمد مصطفى , القاهرة: الأنجلو المصرية , 1966. 

سكوت (روبرت ) أسس التصميم , ط2, تر عبد الباقي إبراهيم , القاهرة : دار النهضة, 1980

ستونليبز(جيروم ) النقد الفني , ط1, تر فؤاد زكريا , بيروت: دار الفارابي , 1974,

عبد (مسلم طاهر ) عبقرية الصورة , عمان : دار الشروق, 2002.

عدد من المؤلفين , سيمياء براغ , تر أدمير كوريه , دمشق: وزارة الثقافة , 1979

فاليري , التأويل ,باريس: مجلة الفكر العربي , العدد5 تموز ,1988. 

فونتاني ( جاك) سيمياء المرئي , تر علي أسعد ,سوريه :دار حوار,2003. 

لانجر (سوزان ),  ملاحظات حول فن الفلم ,تر راضي الحكيم ,بغداد:مجلة الثقافة الأجنبية , العدد,1986 .

الماجد (عبد الرزاق) مذاهب ومفاهيم في الفلسفة والاجتماع,بيروت:المكتبة العصرية ,ب ت .

ميثيز (كريستيان) لغة السينما ,تر محمد علي الكردي ,بغداد: مجلة الثقافة الأجنبية ,العدد,1986

الهلالي (صادق) فسلجة الجهاز العصبي , ج1,بغداد: مطبعة الأديب ,1982,

هاوزر (أرنولد ) فلسفة تاريخ الفن , تر عبده جرجيس ,القاهرة :1998

BEWIT PORKER THE PRINCPLES OF AESTETICS  (N. Y ) 2  nd .crofter . 199 

TICKER MAN .HERE . ANTOMY IN HISTOLOGY   , ( N . Y) ,s.g.k ,pre , 1967  .                                                                

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *