بنية الصراع الدرامي وتجلياتها في مسرحية «يا رب}/سعد عزيز عبد الصاحب

تستدعي اشتراطات النص والعرض المسرحيين منذ الاغريق تأكيد وتفعيل الحالات الصراعية بين ثنائيات الفرد والمجتمع، الفرد والسلطة،  الفرد والوجود،  من منطلقات درامية يكون فيها الفعل هو الاساس في توليد هذا الصراع ، الذي سيكون (افقيا)  او صراعا عموديا، من هنا نجد  المؤلف علي عبد النبي الزيدي، اذ سادت مباني نصوصه الاخيرة، لاسيما مسرحية  «يا رب»  جدلية النوع الصراعي الثاني (العمودي ) ولكن بعلاقة واحدية لا تؤدي الى دفع الفعل الدرامي الى امام ـ كما فعل المؤلف الاغريقي ـ

انما يبقى الفعل لديه مراوحا في مكانه ، ينوب عنه استغراق الشخصية في نجواها وبوحها الذاتي في اطار مناجاة خطابية مفتوحة مع  المتعالي، لكنها  تغذي الفواعل الدرامية للشخصية والحبكة،  انما تبقى تدور في فلك انتقادي صريح وجريء لـ (المتعالي) بوصفه العلة والسبب،  فيما يتحرك على الارض من مشكلات وعليه التدخل، كي يجد حلا حاسما لها وبلا ابطاء او
مواربة.
لذا عليه كما تقول المرأة  ان يوقف الحرب وينزل المطر مدرارا ويجفف دموع الامهات الثكلى ويرجع الغائب الى حضن امه،  لقد كان هذا النوع من الصراع العمودي (الخامل) المتأثر بشيء من الروح الرومانتيكية في المسرح العالمي … له مرجعيات اجرائية في المشغل الدرامي العراقي ، اذ كان جزءا من تقنيات المؤلفين الدراميين المحليين فترة التسعينيات،  خصوصا لدى الكاتب  فلاح
شاكر.
وكان اللجوء الى هذا النوع (الصراعي) (الرمزي) مبررا ذلك الوقت بسبب (التابو) الرسمي الذي كان مكبلا وعائقا لانفتاح المؤلف الدرامي على اي مشكل او علة او خلل اجتماعي او قانوني وضعي ، فإتجه المؤلف لتقنية  المونولوج والمناجاة الشعرية  مع  الميتافيزيقي, في حين كان الاطار العام للعمل الفني الدرامي تلك الفترة يقوم على خلفية اجتماعية (ظواهر ما بعد الحرب) ولم يكن مغربا او بعيدا عن الوقائع وبيئتها ، حتى في اتخاذه الصراع العمودي اسلوبا للبناء الدرامي.
ان ما شاهدته حسب زعمي ـ
في عرض مسرحية (يارب) كان يديم تلك العلاقة ويدعمها .. اعني العلاقة مع الغيبي لا ان يدحضها ويقوضها ـ لان الفاعل الرئيسي هو (المتعالي) ـ بإتجاه التفاعل الجدلي مع (المادي) بفواعله الاجتماعية والثقافية ومشكلاته العضوية التي يمور بها الشارع العراقي بموضوعات مثل: ( التهجير والهجرة) (الاسلام السياسي وازدواجية المعايير)(القتل على الهوية واللون والطائفة) كلها موضوعات وعنوانات تشي بتفاعلات حقيقية واصيلة مع الواقع والمجتمع.
وتكشف عن المسكوت عنه والمضمر والمحرم في تلافيف السياسة والدين والسلطة وصراعاتها التي ادت بنا الى ما وصلنا اليه … لا ان نغض الطرف عنها ونطلق بالونات الدخان لاجل التعمية وتضليل الطريق عن الفاعل الحقيقي الراقد بيننا ، لا على (سدية)(موسى) (الغيبية) كما ارانا اياها
العرض .
القراءة الاخراجية :
ينفتح العرض المسرحي (يا رب) للمخرج الشاب  مصطفى الركابي  على اجراء علاقة جمالية مع الوسيط السينمائي لمعالجة النص الدرامي فنشاهد في المشهد الاول من خلال (الداتا شو) وهي تعرض المشهد الاستهلالي للأرامل المكللات بالسواد وهن سائرات الى المجهول في اقتطاع ذكي لمشهد من الفيلم اللبناني (هلا لوين) ، اراد المخرج بهذا المشهد ان يعوض عن الفعل الحركي والنفسي في المتن الحكائي في نص الزيدي الذي تقوم به شخصية المرأة قاصدة الوادي المقدس طوى حيث النبي موسى كليم الله ، موزعا اياه على النسوة في العرض السيميائي ، مبقيا على شخصية المرأة في منزلها تشدو لحنها المناجاتي الحزين نادبة للنفس والاهل والابناء الذين غادروا قبل الاوان …واذا بنا امام «سدية» تظهر عليها شخصية النبي (موسى) تبدو عليه مظاهر الاعياء والتعب، تقف امامه ممرضة تنشف العرق عن جبينه وتزقه حسب الموعد حبات الدواء والحساء وبأزياء معاصرة، ولكن لم يتطرق العرض لتبرير وجود شخصية موسى وحضوره في بيت المرأة ، ففي النص الدرامي ذهبت تبحث عنه المرأة ، اما في عرض (الركابي) ومعالجته فقد جاء حضوره في البيت غير مبررا بالمرة ، لأنه على الاقل لم يتم عن طريق استدعاء تعبيري حلمي في ذهن المرأة ولا وعيها ، ولا عن طريق الدعاء او المناجاة وكأننا بموسى مقيم ازلي في بيت المرأة .
وعلى كل حال اقام العرض حوارية طويلة بين المرأة وموسى على منضدة جمعتهما بشكل معاصر، اشبه بمائدة افلاطونية عمادها الفكري ادانة المرأة لـ(المتعالي) والقاء الوصايا والشروط القاسية عليه ، وممانعة موسى لما تقول المرأة ورد مقولاتها ، لتكشف  عن مأساتها بالصور والوثائق والبراهين لموسى النبي عندها فقط يحصل التحول لديه ليصطف الى جانب المرأة ، ويأخذ بالتهكم من اخوانه الانبياء بعد ان يكسر الممثل (فلاح ابراهيم) الوهم بدهائه المعروف ليخرج من الشخصية ويعود اليها مخففا من صدمة التلقي في  تجسيده لشخصية (تابوية) في الوعي الجمعي بأزياء وروح
معاصرة .

المصدر/ الصباح

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *