(بمسرح الشارع ..المسرحيون العراقيون يشاركون في الاحتجاجات الحالية) د. بشار عليوي

 

 

 

 أن عُروض مسرح الشارع هي واحدةً من أبر أساليب ” الاحتجاج” لذا فهي تسعى أن تكون أداة من أدوات تغيير أنماط التفكير لدى أفراد المُجتمع وطرح مفاهيم جديدة لهم والاحتجاج على واقعهم المزري حينما تُقدم في أماكن غير تقليدية وتحديداً في ساحات الاعتصامات والاحتجاجات التي يقوم بها شعب ما كشعبنا العراقي في احتجاجاتهِ واعتصاماتهِ وتظاهراتهِ المتواصلة منذ الاول من إكتوبر الماضي لذا فان هذه العروض تسعى من لتحقيق التفاعل بينها وبين جمهور الشارع , مع ما تحملهُ تلك العُروض من محمولات فكرية تتمثل في إدانة السلطة الحاكمة التي تصدت لتلك الاحتجاجات بكل وحشية رغم سلمية تلك أساليب الاحتجاج العراقي ومنها عرض(لا ما نتعب) الذي قدمته مجموعة من المسرحيين العراقيين الشباب في مدينة البصرة مؤخراً داخل ساحة الاعتصامات والاحتجاج اليومي , إنطلاقاً من مبدأ عودة المسرح الى الشارع فـمع هذه العودة من المسرح للشارع ، يعود الشارع إليه بهمومه وقضاياه وبساطة لغته ، عبر ممثليه ونشطائه وحكاياته اليومية الممسرحة ، التي قد لا تعيش غير يومها ، لكنها تلامس العصب العاري ، ملبية احتياجاً من الشارع لتحويل الاحتدام الدامي بين المحتجين العراقيين من الشباب وبين قامعيهم إلى حوارات عامة في صورة فنية في الشارع ، وصادمة في ذات الوقت أفق توقعاته لتحريضه على تغيير واقعهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة لتغيير نهايات الحكايات المقدمة لأفعال فعلية على أرض الواقع . إن الرجّات العنيفة التي يتعرض لها أيّ مُجتمع إنساني نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية … وغيرها , تُوَلِدْ تحولات عاصفة تهزّ مُختَلَف جوانب حياة هذا المُجتمع, مما يؤدي إلى نشوء حالة من الاحتجاج من قبل أفراده على هذهِ الأزمات, اذ يُعتبر الاحتجاج Protest والذي يُقصد بهِ “الاستعمال الجمعي لأساليب المُشاركة السياسية غير التقليدية بقصد مُحاولة إقناع أو إجبار السلطات على دعم أهداف جماعة تحدي أو رفض مُعينة” سمة أساسية تُميّز الفاعلين داخل المُجتمع ممن يتصدون لمهمة التعبير عن آراء جميع الأفراد كَكُل, عبرَ اتخاذهِ لهدف التغيير المُجتمعي, حيثُ غالباً ما يتخذ هذا الاحتجاج أساليبَ وأشكالاً مُعينة, كارتداء الملابس بطريقة مُغايرة أو اللجوء الى مُزاولة مُمارسات شعائرية مُعينة, فضلاً عن استثمار الفنون كالغرافيتا والأغنية الشعبية ورسم البوسترات بالإضافة الى العروض المسرحية الاحتجاجية بكونها أساليب للاحتجاج, الذي اتخذ فعلاً مُعبّراً عن إدانة للظلم والأزمات المُجتمعية الراهنة، فضلاً عن كونهِ وسيلة لجذب الانتباه الى مطالب المُحتجين. إن مفهوم الاحتجاج قديماً والذي ساد كتابة المسرحية هو جزء من ردّة الفعل التي انتابت الثقافة العالمية بشكل عام في الفترة التي تلت الحرب العالمية هو في حقيقته انعكاس لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية من جهة, وثورة على واقع المسرحية آنذاك من جهة أخرى, إذ ظهرت بوادر احتجاج وغضب على ما أصاب المجتمع من نكبات وويلات بسبب آثار تلك الحرب الكارثية, فلم يكن النتاج المسرحي ببعيد عن هذه الأوضاع, حيث تبلورَ في انكلترا مثلاً اتجاه مسرحي اتّسم بالاحتجاج بعد أن قامت الطائرات الألمانية خلال الحرب بتدمير أكثر من 20 % من مسارح انكلترا وبعد أن وضعت أوزارها اتضحَ حجم الدمار الذي أصاب تلك المسارح مما أثرَ بشكل كبير في الحراك المسرحي الانكليزي، فأوّل العروض التي قدّمت كانت بداية عام 1946 حتى سُميّت الحركة المسرحية التي تلت الحرب مُباشرة بـ”مسرح 1946″, لكن الانعطافة البارزة لتمثلات أساليب الاحتجاج المُتنوعة في المسرح العالمي, تجسدت في ظهور الاتجاه الذي سُميَّ بمسرح “الغضب والاحتجاج” والذي أفرزَ عدّة أسماء مُهمّة على صعيدي التأليف والإخراج، لعلَ أبرزها (جون آردن) الذي كتبَ مسرحيات عدّة منها مسرحية “حمار الشغل” و “الحرية المغلولة” والكاتب (هارولد بنتر) و(جون اوزبورن) ونصهِ الشهير “انظر الى الوراء بغضب”, ويُعرف كاتب السطور أساليب الاحتجاج في المسرح، بأنها (مُجمل الطرق والمُمارسات والوسائل والأدوات المُجتمعية المُتاحة التي تُبرز النشاط الاحتجاجي الفكري والتي تتمثل داخل منظومة العرض المسرحي بوصفهِ أداة اجتماعية فاعلة بيد أفراد المُجتمع ووسيلة سلمية مُعبرة عن رفض الواقع الحياتي لهم ومن أجل تحقيق أهدافهم). لقد عرفَ المسرح العالمي ومنهُ العربي, تمثلات عديدة لأساليب الاحتجاج في عروضهِ المسرحية, إذ اتسمت البلدان العربية بتقلص مساحات الحُرية والديمقراطية بفعل ضغوطات الأنظمة الحاكمة التي تُسخّر كُل ما مُتاح أمامها لضمان استمراريتها ونفوذها القائم, مما دفعَ المسرحيين العرب الى تحدي هذهِ الضواغط من خلال استثمار المسرح العربي لأساليب الاحتجاج وتمثلاتها داخل عروضهِ التي واكبت ما باتَ يُعرف بالربيع العربي, والتي تأثرت بحرارة الشارع والأوضاع المُجتمعية المُضطربة التي تعيشها المجتمعات العربية التي سادت فيها روح الاحتجاج على تلك الأوضاع, حيثُ عكست وترجمت تلكَ العروض التوتر والفوضى اللذين يعيشهما أفراد المُجتمع العربي في ظل الحِراك السياسي والاجتماعي والفكري المضطرد، خُصوصاً في دول عربية بارزة كمصر وتونس وسوريا والعراق, إذ تأثر المسرح العراقي هوَ الآخر بمُجمل الانعطافات الاجتماعية والسياسية منذ إسقاط النظام العراقي السابق في 9/4/2003 والى الوقت الحالي, بعدما شهدَ البلد عموماً ترديّاً في الأوضاع الأمنية تفاقم مع دخول قوات الاحتلال الأمريكي الى العراق واتخاذ هذا الاحتلال ذريعة من قبل التنظيمات الارهابية لشن هجمات تكاد تكون شبه يومية على المدنيين العُزّل وارتكاب الجرائم بحقهم، فضلاً عن تفاقم الأوضاع المعيشية الحياتية ونقص الخدمات وسلب الإرادة السياسية والشعبية ، فنزل شباب العراق يوم 1 اكتوبر بكل عنفوانهم معبرين عن احتجاجهم على ما آل إليه الوطن لتتحول تلك التظاهرات والاحتجاجات الى ثورة حقيقية لتغيير الواقع عرفت بـ(ثورة اكتوبر ) وما زالت هذه الاحتجاجات والاعتصامات حاضرة في قلب الشارع العراقي ، فكانت أبرز وسائل ” السلمية ” التي ينادي بها المحتجون هو ” مسرح الشارع” فتم تقديم سلسلة مِم العروض المسرحية داخل ساحات الاعتصامات في مختلف المدن العراقية ، كان آخرها عرض( لا ما نتعب) لمسرحيي البصرة الشباب ، وهو محاولة لمحاكاة مُخرجات التصادمات الدامية التي شهدتها ساحات الاحتجاجات والاعتصامات العراقية والتي شهدت سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى ، وهذه هي أبرز مهام مسرح الشارع كوسيلة احتجاج سلمية _انسانية _معرفية ، قادرة على إحداث التأثير المطلوب داخل الضمير الجمعي العراقي .

 

د. بشار عليوي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش