ايرفن بيسكاتور ومسرحه السياسي 1893_1966

 
  وضاء  الحمداني – مجلة الفنون المسرحية 
 
يعد *( بيسكاتور ) أحد مؤسسي المسرح السياسي في العالم وأكد ان المسرح يجب أن لا يغفل السياسة بأي شكل من الاشكال والمسرح لديه وسيلة من الوسائل التعليمية في المجتمع وحاول أن يربط بين سياسته الفنية وبين الطبقة العاملة من أجل أن يضمن حياة حرة كريمة لهم وتحقيق الحصول على حقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . يقول بيسكاتور ( ان ميلاده الحقيقي هو يوم انضمامه للمسرح وكان ذلك عام 1914 . إلا انه في نفس السنة تحدث الحرب العالمية الاولى وتغلق المسارح ويجند بيسكاتور في صفوفالجيش الالماني ويصاب بالرعب من الحرب بعد ما رأى أكداس
الجثث من الجانبين المتحاربين خاصة بعد أن استخدمت ألمانيا الغازات السامة في المعركة “(1).
فكان في البداية من المتحمسين للحرب لكنه بعد التجارب المريرة رفضها بكل ما فيها وأسس مع صديقه(هرمان شولر)عام 1919(مسرح العمال الثوري )  وأسلوب (بيسكاتور) الإخراجي يتألف من ثلاثة عناصر رئيسة : عنصر سياسي وعنصر ملحمي وثالث تقني .
 
” لقد وجد (بيسكاتور )جذور المسرح البروليتاري في ثلاث حركات أو اتجاهات هي الطبيعية والتعبيرية والفن الشعبي ، فقد أعجب بالطبيعيين لاهتمامهم بالمشاكل الاجتماعية ولكنه أخذ عليهم خطأهم في تتحديد أنفسهم بالتقرير الموضوعي ومعاملة الواقع على أساس الثبات ، وأعجب بالتعبيريين لرغبتهم في تغيير المجتمع لكنه أخذ عليهم مثاليتهم وتجريداتهم ، وكان يساند الدوافع التي حفزت المسرح الشعبي إلا انه يعتقد إن الفن الشعبي قدم مسرحيات للطبقة الوسطى بدلاً من ابتداع مسرح بروليتاري حقيقي “(2).
 
 
استخدم (بيسكاتور) العنصر الملحمي أول مرة في مسرحية (الرايات ) ل(الفونز باكيت) وأستخدم الشاشات وتصوير الخلفية الاجتماعية والاقتصادية.
 
إن المسرح الملحمي عند (بيسكاتور) ” يجب أن لا يحقق مالا يستطيع الأدب أن يحققه وذلك عن طريق العرض : عرض مباشر للتاريخ لا كخلفية للمسرح ولكن في المستوى الأول للعرض المسرحي ، توصلاً إلى هضم الحكمة السياسية التي تطرحها تجاربه”(3).
 
ويقول( سعد أردش) في مجلة عالم المعرفة تحت عنوان ( المخرج في المسرح المعاصر  عن الواقعية السياسية عند (بيسكاتور) يقول (بيسكاتور) : ” إن الماضي هو الماضي ونحن نعيش في الحاضر في حقبة تغلي بالمتغيرات السياسية ولهذا فأن السياسة تحتل المستوى الأول من الاهتمام وتستوعب الجميع تحت جناحها فلماذا نطلب إلى المسرح شيئاً آخراً غير الدعاية السياسية ؟إن هذا ما كان يفعله المسرح الإغريقي “(4).
 
 
 
إن مسرح (بيسكاتور) مسرح سياسي مسرح (البروباجنده) الدعاية السياسية هو مسرح التعليم والاستفزاز السياسي هو مسرح لا بد أن يكون بالضرورة للطبقة العاملة ، أخرج مسرحية (الطوفان) ل(أدولف باكي) عام  1924 وفيها أستخدم السينما لأول مرة وأخرج مسرحية (هولا _نحن نعيش) للكاتب التعبيري (توللر) عام 1927 ولجأ إلى خلق توازن بين أحداث المسرحية على الخشبة وأحداث  لحرب والثورة مسجلة على فيلم سينمائي فيستيقظ البطل ( توماس) من عزلته في المجتمع بعد هزيمته في الحرب واندحار الثورة ليكتشف إن زملاءه في الحرب قد انصهروا في المجتمع الجديد مجتمع ما بعد الحرب ، كما استخدم (بيسكاتور) السينما في مسرحية (الاستعراض الأحمر ) عام 1942 وهي مسرحية دعائية تحريضية (بروباجندا) وفي عام 1927 قام بنقل مسرحية تاريخية تجري أحداثها في القرون الوسطى للمؤلف (آدم فليك) بعنوان (عاصفة في بلاد الغوث) ليجعل منها مسرحية حديثة جعل شخصياتها ترتدي أقنعة شخصيات موجودة في الزمن الحاضر.
 
“يعتقد (بيسكاتور) إن المسرح السياسي يجب أن لا يكتفي بعرض الأحداث الفردية بل يتخطى ذلك غالى تحليل انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية وتقرير كافة الوقائع التاريخية بشكل ينقل الصورة الدرامية إلى الآفاق الملحمية بإكساب العرض الطابع القصصي واللجوء إلى الوسائل التوضيحية( كالخرائط ، واليفط، والبيانات ، والشرائح الزجاجية ، والأفلام التسجيلية “(5).
 
إن “بيسكاتور لم يكن هدفه تقديم متعة جمالية للجمهور بقدر ما يدفع الجمهور إلى اتخاذ موقف عملي من القضايا التي تهمه وتهم بلاده ذلك أن المسرح عنده برلماناً والجمهور هو الهيئة التشريعية “(6).
 
وكان يقدم (بيسكاتور) المسرحيات التاريخية ليس لمجرد السرد بل ” إن رسالة المسرح لا تتلخص في سرد الأحداث التاريخية بل أن نستخلص من هذه الأحداث  دروساً قيمة وإقامة علاقات سياسية واجتماعية حقيقية “(7).
 
وكان مسرحه يقدم أحداث تاريخية معاصرة تهم حياة الجمهور الألماني في نهاية الحرب العالمية الأولى وما سببته هذه الحرب من نتائج كونه أحد الرافضين للحرب مهما كانت أسبابها ودوافعها ، وقد استخدم
 
(بيسكاتور) الملحمية كشكل مسرحي
 
 
مضاد للتعبيرية لتزويد الجمهور بخبرة جديدة ويصيح الجمهور عنصراً مشاركاً فعالاً في العرض المسرحي.
 
وأستخدم (بيسكاتور) مناظر باعتماده على رسامين في تصميم مناظره لأكثر أعماله ” أعتمد (بيسكاتور) على الرسام (جورج كروس) في تصميم مناظره كما في مسرحية (السفينة التائهة) فقد استخدم البروجكتر والفانوس السحري لعرض الصور وتحديد خشبة المسرح وعرض مقطع من شريط سينمائي  لعكس الظروف السياسية والاجتماعية “(8).
 
نال (بيسكاتور) شهرته في ثلاثة أعمال مسرحية هي (هولا _نحن نعيش)و(راسبوتين) و(الجندي الطيب شفايك ) و(افتتح مسرح (بيسكاتور)
 
بمسرحيته (هو لا _نحن نعيش) وهي تحكي عن أحد الثوار الذين يطلق سراحهم
 
من السجن بعد عشر سنوات ليكتشف ان جميع رفاقه القدماء قد استقروا في حياة مريحة أخرجها عام 1927،وفي المسرحية جمع بين الفيلم السينمائي والممثل الحي
 
 
“وفي أواخر عام 1927أخرج ( بيسكاتور) النص المعدل عن قصة (تولستوي )
 
حيث شيد (بيسكاتور ) بناءاً رمزياً يشابه الكرة الارضية ويحوي داخله عدة مناطق  للتمثيل ، وأستخدم شاشة بيضاء لعكس الصور وأستخدم احدى الشاشات ليعرض عليها التواريخ والتعليقات والملاحظات والهوامش.
 
وقصة (تولستوي) الروسية تحكي قصة المؤامرات في القصر الملكي وهي  مسرحية (راسبوتين) ، وقد أخرج (بيسكاتور) عام 1928مسرحية (الجندي الطيب شفايك)عن رواية جيكية للمؤلف الالماني (ياروسلاف هاجيك) بطلها شخصية كوميدية مخبول ظاهرياً وخانعة بسذاجة معبرة عن جنون وتفاخر العالم “(9).
 
 واستعمل (بيسكاتور) قرصين دوارين للدوران باتجاهين مختلفين أحدهما الشخصية الرئيسة (شفايك )    والثاني للشخصيات الاخرى فكان الجندي شفايك كما لو أن بساطاً يدور به. وأخرج مسرحية (تاجر ب   رلين)والتي عرضت عام 1929 للتعبير عن الصراع بين الطبقات عبر ثلاث حاملات للكشافات ا     لضوئية تصعد وتنزل حسب تطور الفعل. أما عن سبب انهيار المسرح السياسي في ألمانيا فهو لأسباب سياسية
 
 
حيث ازدياد الوعي السياسي الذي اصطدم بتنامي الرجعية السياسية في المانيا  أزمة في ميدان علم الجمال ، هرب (بيسكاتور) الى الولايات المتحدة اثر أستلام (هتلر) السلطة ثم عاد عام 1950الى برلين والى المسرح الالماني بتقديم مسرحية (الحرب والسلام) مأخوذة عن رواية ل(تولستوي) وساهم كل من (بيسكاتور)و(بيتر فايس)و(جنتر جراس)و(كيبارد)و(بريشت)في  تأسيس المسرح السياسي أو ما يسمى بالمسرح التسجيلي أو المسرح الوثائقي ان  من مؤلفات (بيسكاتور) (كتاب المسرح السياسي) عام1930وملحق لكتاب المسرح السياسي عام 1960.
 
 
  *بيسكاتور (1893_1966) مخرج مسرحي ألماني ، تتلمذ على يد المخرج ( ماكس راينهارت ) عمل في العاصمة برلين من
 
  1919_1938في المسرح الشعبي الالماني وهو أحد مؤسسي المسرح السياسي (البروبجانده) أو الدعاية السياسية ، هاجر الى
 
ا الولايات المتحدة الامريكية عام 1938 هارباً من النازية وأسس مدرسة للتمثيل تحت اسم المدرسة الدراماتيكية التجريبية وأستمر
 
مهجره حتى عام 1950 حيث عاد الى المانيا مرة اخرى .
 
 
الهوامش :
 
(1)سعد أردش ، المخرج في المسرح المعاصر ،(الكويت : مجلة عالم المعرفة ، 1978)، ص195.
 
(2)سامي عبد الحميد ، ابتكارات المسرحيين في القرن العشرين ، (بغداد : د0ت)، ص0173
 
(3)سعد أردش ، مصدر سابق ، ص0202
 
 (4) المصدر نفسه ، ص0201
 
(5) سعد أردش ، المصدر نفسه ، ص0197
 
(6)جيمس روس ايفانز ، المسرح التجريبي من ستانسلافسكي الى بيتر بروك  ، ترجمة : فاروق عبد القادر ،(الشارقة : هلا
 
للنشر والتوزيع ،د0ت )، ص0109
 
(7) أوديت أصلان ، فن المسرح ، ترجمة : سامية أسعد أحمد ،ج2، (بيروت : ايف للطباعة والنشر،د0ت)،ص0363
 
(8)فاضل خليل ،مادة: مناهج وأساليب عالمية في الإخراج المسرحي ، ألقيت على طلبة الدراسات العليا ، كلية الفنون الجميلة،
 
جامعة بغداد ،15/10/01995
 
 (9)ينظر: د.سامي عبد الحميد ، مصدر سابق ، ص176_ص0177

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *