انطلاق الدورة 2 لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح.. فلسطين واسطة العقد التي تزيّن المهرجانات الوطنية للمسرح، وتنظمها الهيئة العربية للمسرح بمبادرة كريم من سلطان الثقافة د.سلطان بن محمد القاسمي

فقرات فنية ومعرض ملصقات وتكريم ثلاثة من رموز المسرح الفلسطيني
افتتاح الدورة الثانية لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح .. “من شارقة الثقافة إلى كل فلسطين”

رام الله – من يوسف الشايب:

    منذ الدخول إلى بهو قصر رام الله الثقافي، مساء أمس الجمعة 25 أكتوبر 2019، تشعر بالأجواء الاحتفالية المرافقة لتدشين الدورة الثانية لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح، التي تنظمها وزارة الثقافة الفلسطينية بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح، تبعاً لمبادرة سمو الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة، رئيس المجلس الأعلى للهيئة.

    في ركن من البهو تجد الفنان الفلسطيني عبد السلام عبده يحمل دميته “أنيس”، ويحركها بحيث تبدو مغنياً شعبياً تطلق الأغنيات التراثية. وليس بعيد عنه، ثمة معرض لملصقات مسرحيات فلسطينية.. قدمتها أجيال مسرحية تعاقبت عبر عقود. في حين التقى نجوم المسرح الفلسطيني، الذين تحولوا مع الوقت إلى نجوم عرب وعالميين حققوا شهرة عربية وعالمية على مستوى الدراما والسينما، وليس في مجال المسرح فحسب، فهذا قادم من رام الله نفسها، وتلك من القدس، وأخرى من عكا، ورابع من جنين، وخامس من الخليل وإلى جانبه فنانة من الجليل، بحيث اجتمعت فلسطين التاريخية داخل قاعة واحدة احتضنت الأمسية الشعرية الأخيرة لرمز فلسطين الثقافي، الشاعر الكبير محمود درويش.

انطلقت فعاليات المهرجان بتقديم أبدع فيه الممثل المسرحي الفلسطيني حسام أبو عيشة، واشتهر بطابعه الكوميدي، والممثلة الشابة شادن سليم، وبرعت في عديد الأدوار المسرحية المتعددة، فشكلا لوحات شبه مسرحية كانت تلقائية ولكن مدروسة للربط ما بين فقرات الحفل، من تكريم وعروض وكلمات.

مكرمون ثلاثة
واختارت الدورة الثانية للمهرجان تكريم ثلاثة ممن قدموا للمسرح الفلسطيني الكثير، كان من بينهم “سيدة المسرح الفلسطيني” الفنانة القديرة سامية قزموز بكري، التي قدمت ما يشبه العرض المسرحي القصير والتلقائي بعنوان “خشبة”، تحدثت فيه عن شيء من رحلتها على خشبات المسرح في العالم، بدءاً من مسرح قصر رام الله الثقافي والحضور الطاغي لمحمود درويش فيه، ومن حوله، حيث تحوم روحه في المكان، هو الذي يرقد جسداً على مقربة جغرافية من موقع انطلاق فعاليات المهرجان، ومسارح أخرى ذكرتها بنجوم عرب كبار في مصر، والمغرب، وغيرها.

وكرم المهرجان أيضاً المسرحي خليل طافش من غزة، مبرراً ذلك لكونه مسرحياً مبدعاً منذ نصف قرن ويزيد، أثرى بإبداعه وعطائه ساحات ومساحات في المسرح على المستوى العربي وليس المحلي فحسب، فيما قال طافش في كلمة مسجلة له، بعد ان حال الاحتلال دون قدوم المبدعين من غزة للمشاركة في فعاليات المهرجان أسوة بالضيوف العرب: المسرح لم يكن يوماً حدثاً طارئاً في حياتنا، وإنما نتكئ إلى التاريخ الطويل الذي يمتلكه الفلسطينيون في عالم المسرح، معرباً عن سعادته بهذا التكريم، وأمله في ديمومة واستمرار مهرجان فلسطين الوطني للمسرح وتطوره المستمر بحيث يتحول إلى مهرجان للمسرح العالمي، لاسيما أن المسرح في فلسطين يفتقد إلى الكثير من الدعم والرعاية، وقد يغطي المهرجان ثغرة في هذا المجال.

كما كرم المهرجان الفنان خالد الطريفي المقيم في الأردن، وتسلمها نيابة عنه الفنان إيهاب زاهدة عضو اللجنة العليا للمهرجان .. واسترجع الطريفي في كلمة تلفزيونية مسجلة له، أسوة بكل الضيوف من خارج فلسطين، مشواره مع المسرح ومع الثورة الفلسطينية، إلى أن حطت به الرحال عقب مغادرة بيروت العام 1982 في عمّان التي شارك في تأسيس الحركة المسرحية الحديثة فيها، مؤكداً على المعاني الكبيرة لتكريم مهرجان فلسطين الوطني للمسرح له، وأهمية فلسطين في المسرح، والمسرح في فلسطين، على حد سواء.
المسرح هوية وطنية

    وكان وزير الثقافة الفلسطيني د. عاطف أبو سيف أكد في كلمته على أن “الثقافة الوطنية الفلسطينية تنتج منجزاً مهماً كهذا المهرجان، بفعل الإرادة الصلبة لمجموع المثقفين، الذي يتحدون كل المعيقات التي تواجههم، ويزرعون في حقول الأجيال إبداعاتهم”، مضيفاً: لعل هذا المهرجان نتاج هذا الفعل الكبير، فاحتضان فلسطين للدورة الثانية من المهرجان الوطني للمسرح بمشاركة تتخطى حدود الوطن المحاصر بالنكسة والنكبة تأكيد على أن فلسطين القضية حاضرة في وعي المثقف والفنان الفلسطيني الذي كرّس فنه وإبداعاته في خدمة قضيته الوطنية، سعياً إلى تحقيق العودة والحرية والاستقلال، عبر رسالة المسرح الإبداعية”، معرباً عن أمله في أن يتسع المهرجان في العام القادم لفرق فلسطينية تقدم أعمالها خارج فلسطين، ولو تعذر كما في الدورتين قدوم أي ضيف إلى فلسطين، بسبب سياسات الاحتلال في استصدار التصاريح، فإنه يمكن تنظيم المهرجان داخل الوطن وخارجه، فالثقافة الفلسطينية واحدة موحدة.

    وأكد أبو سيف: المسرح ليس أداة لمجرد اللهو أو الضحك أو إثارة مشاعر الحزن، بل هو رسالة البشرية الأسمى التي يكرسها الفنان انحيازاً للإنسان في معركته من أجل نيل حقوقه الفردية والجمعية، وليس غريباً أن المسرح هو أب الفنون، وهو أول فعل إبداعي إنساني وجد في التاريخ البشري البصري، ولذا لا عراقة لمدينة أو دولة دون أن يكون أحد أهم معالمها مسرح قديم يحمل في ثناياه ومساماته آثار من وقفوا وجسدوا فعل الحياة على الخشبة .. ومن هنا جاء هذا المهرجان لنعطي مساحة إضافية للمسرح الفلسطيني الذي نعتبره خندقاً ثقافياً وإبداعياً يهدف برسالته الوطنية إلى تأكيد هويته من خلال رسالته السامية، وتتلخص في البقاء والصمود على هذه الأرض، وهنا دور المبدعين عامة، والمسرحيين خاصة، في الحفاظ على الحكاية الفلسطينية، والوقوف في وجه محاولات سرقتها من قبل الاحتلال، ففي فلسطين ظهرت المسارح قبل الغزاة، فكانت ولا تزال قبلة الحياة ومحج الأنظار.

    ولفت وزير الثقافة الفلسطيني إلى الدور القومي للهيئة العربية للمسرح في الشارقة، موجهاً لها الشكر والتقدير على دورها في دعم هذا المهرجان، والذي يصب في اتجاه دعم الحركة المسرحية الفلسطينية عموماً، وغيره من المهرجانات الوطنية العربية، مؤكداً على أن الشراكة ما بين الوزارة والهيئة من شأنها خلق فضاءات أكثر رحابة للمسرح الفلسطيني والمشتغلين والمنشغلين فيه.

من شارقة الثقافة إلى كل فلسطين
بدوره شدد إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، في كلمة تلفزيونية مسجلة، على أهمية الدور الذي يقوم فيه “حماة المسرح وجنده، وعشاق الركح ومريديه” في ترسيخ “فعل مسرحي قوامه الإبداع، وأفقه التجديد والتجدد، ورسم لوحات تعبر عن قيم الحق والحرية والجمال، وتعلن الظلم والقبح، عبر الاحتفال بدورة جديدة من مهرجان فلسطين الوطني للمسرح”.

وقال عبد الله: من شارقة الفنون والثقافة إلى رام الله والقدس وغزة وكل فلسطين نبعث لكم رسائل المحبة والود، لنعلن لكم مشاطرتنا وتقاسمنا معكم لحظات الفرح والبهجة التي تعم قصر رام الله الثقافي، حيث اجتمعت إرادة المبدعين الفلسطينيين حول الخلق والإبداع، وتوحدت جهودهم، وجهود المسؤولين حول المضي أماماً لتحقيق النجاح للمسرح الفلسطيني، وتكسير كل الحواجز التي تعيق تطوره وتقدمه، فاليوم تعيش رام الله دورتها الثانية لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح، كما عاشت المنامة من قبلها دورة مهرجانها الأولى، وعاشت عمّان في الأردن، وفاس في المغرب، ونواكشوط في موريتانيا دورات مهرجاناتها الثانية، وستعيش بعد أيام قليلة بغداد في العراق دورة مهرجانها الأولى، وبيروت في لبنان والخرطوم في السودان والمكلا في اليمن دورات مهرجاناتها الثانية.

وأضاف عبد الله: بذلك تكون فلسطين واسطة العقد التي تزيّن المهرجانات الوطنية للمسرح، وتنظمها الهيئة العربية للمسرح بمبادرة كريم من سلطان الثقافة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية والمسرح، والذي يتابع عن كثب كل صغيرة وكبيرة تهم المهرجان، ويسعى من خلال توجيهاته أن تحظى فلسطين بكل الدعم والرعاية، فهنيئاً لنا جميعاً بهذه الخطوة الجديدة التي نقفز بها نحو غد مشرق للمسرح الفلسطيني بكل مكوناته ومشاريعه، كي يكون ركيزة أساسية من ركائز المسرح في وطننا العربي، ولا شك أن المبدعين العرب من المحيط إلى الخليج سيواكبون ويتابعون هذه الدورة لما تمثله لديهم من أمل في أن تواصل الثقافة والفنون دورها في المقاومة والتنوير وبناء الإنسان.

    وختم بعبارة من وحي العروض المشاركة في المهرجان: دعونا نتذوق ملحكم الأخضر في سحماتا تحت أشجار الصنوبر، ونعاين بيدرو والنقيب وعباس الفرّان من على سطح الدار، في حين قلنديا رايح جاي يراقب الغراب، وكلب الست يركض ليصل إلى لندن – جنين .. شكراً لفلسطين على هذا الاحتضان والرعاية، وشكراً للحكومة الفلسطينية ووزارة الثقافة ممثلة بالوزير الدكتور عاطف أبو سيف على كل المجهودات المبذولة لإنجاح هذا الحدث الثقافي والفني، والشكر موصول لكافة أعضاء اللجنة العليا، وإدارة المهرجان، واللجان الفنية، ولجنة التحكيم وكل ضيوف المهرجان، وتحية إجلال خاصة لكل المبدعين الفلسطينيين صانعي المعرفة والجمال .. حيّ على العمل بنظرة استشرافية للمستقبل نجعل فيها المسرح مدرسة للأخلاق والحرية، كما دعا إلى ذلك صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي .. عشتم، وعاش المسرح.

رغم قساوة اللحظة
وأشار رائد فارس، رئيس اللجنة العليا للمهرجان، إلى أن “أهمية هذا المهرجان تكمن في حجم المشاركات وعمقها، والشراكات التي تعقدها الوزارة مع الفرق والأفراد المنشغلين في هذا الحقل الثقافي الهام، وبسبب التوقيت الذي تنعقد فيه بعد مهرجان أيام فلسطين السينمائية، ومهرجانات الفنون والتراث التي أغنت الفعل الفني والثقافي في فلسطين رغم قساوة اللحظة، وأضفت عليه كثيراً من الحيوية”، لافتاً إلى أن إطلاق المهرجان العام الماضي جاء “تأكيداً على أهمية الدور الذي يلعبه المسرح في الحياة الثقافية على الدوام، والذي شكل في دورته الأولى نجاحاً نفتخر ونعتز به، لتأتي هذه الدورة لترتفع من مستوى التنسيق بين الفرق والفعاليات المسرحية، ولتراكم على ما حققته الحركة المسرحية في فلسطين على مدار الوقت من إنجازات تتجاوز حدودها، وهي تقدم الدليل الإبداعي على حيوية المشهد، ففي فلسطين للفن والثقافة نكهة خاصة وهي تنسج روايتها من ألق الحياة رغم ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان مستمر على يد الاحتلال”.

فقرات فنية
هذا، واشتمل حفل افتتاح مهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الثانية، على عدة فقرات فنية، من بينها لوحات مسرحية صامتة للفنان الفلسطيني سعيد سلامة (بانتومايم) عبر من خلالها عن انسجام مع مقدميّ حفل الافتتاح الفنانين أبو عيشة وسليم، وأخرى منفردة عكس فيها قدرات فنية عالية بالدمج ما بين أكثر من شكل فني قوامها المسرح، وأعاد الاعتبار لهذا النوع من الفنون المسرحية، التي تكاد تختفي في فلسطين، وبدرجات متفاوتة عربياً وعالمياً، فيما قدمت فرقة اصايل للفنون الشعبية لوحات من الدبكة والرقص الشعبي على وقع أغنيات وطنية وتراثية، في حين انطلقت فعاليات المهرجان بعزف حي للسلام الوطني الفلسطيني قدمته الفرقة الموسيقية العسكرية للأمن الوطني.

يوسف الشايب

(المصدر: الهيئة العربية للمسرح)

شاهد أيضاً

شاهدت مرّتين مهرجان المسرح الوطني الفلسطيني للمسرح – راضي شحادة #فلسطين