انتقام معلق وموت محقق فى « الثامنة مساء » / هند سلامة

 

المصدر : محمد سامي موقع الخشبة

فى كثير من الأحيان يتحمل الممثل المحترف عبء النهوض بالعرض خاصة إذا كانت هناك مشاكل بالنص المسرحي، قد يستطيع الممثل تجاوزها بخبرته واحترافه، وهذا ما فعلته الفنانة وفاء الحكيم بطلة عرض «الثامنة مساء» وشاركتها فى مباراة تمثيلية راقية لمياء كرم ومحمد عبد العظيم ونائل علي، مع تفاوت مستوى الأداء بين الجميع صنع أبطال العرض حالة من الهارمونى فى الخروج بعمل مسرحى جيد الصنع برغم وجود بعض المشاكل أو العيوب بالكتابة المسرحية.
نبوءة الوفاة فى «الثامنة مساء»
تدور أحداث العرض بإحدى محافظات الصعيد حول رجل عاجز قعيد بعد تعرضه لحادث سقوط من على الفرس تسبب فى عجزه عن الحركة وتنبأ هذا الرجل باقتراب موعد وفاته فى الساعة الثامنة مساء خلال الأيام المقبلة، ونكتشف مع مرور الأحداث أن هذا الرجل تورط فى مقتل أعز أصدقائه وتسعى ابنة صديقة بالاتفاق مع شقيقها على رسم خطة طويلة الأمد للتخلص منه، أخذا بثأر والدها الذى مات وتركها طفلة صغيرة وبالفعل تنجح هذه الفتاة فى إيهام الرجل بعشقها له وتتزوجه وتعيش معه هو وزوجته على أنها فتاة عرجاء وفى نفس التوقيت تستطيع إيهامه بأن هناك جنية تعشقه وبالفعل يعشق الرجل هذه الجنية عشقا ليس له دواء وبصراع طويل بين المرأتين داخل المنزل يكتشف أن زوجته تريد التخلص منه بسبب سوء معاملته لها وكذلك كانت الفتاة الصغيرة التى عاشت معه رغما عنها لكنها لم تتمكن من قتله بعد تراجع أخيها عن اتفاقه معها وحرصه على أبعادها عنه.
أزمة تكرار المعنى
وقعت الكاتبة ياسمين فرج عرابى فى أزمة التفاصيل الكثيرة والغير مبررة أحيانا والتى قد تتسبب فى حدوث حالة من التشويش للمتلقى بمعنى أن العرض بدأ بداية غير متوقعة لفتاة ترقص وتغنى باللغة الإنجليزية ثم فجأة تتحول إلى العامية الصعيدية، ونكتشف أنها أحد فتيات الصعيد وهى نفس الفتاة التى سنكتشف فيما بعد أنها خدعت صاحب المنزل كى تثأر لأبيها منه، ثم نفاجأ بأن هذا الرجل هو من تبناها وساعدها فى السفر للتعلم بالخارج لكن لا نعلم ما هو المبرر لإرسال فتاة من الصعيد للتعلم فى الخارج، وكيف تتاح لها فرصة الرقص والغناء بهذا الشكل كما جاء بالعرض، فبداية العرض لا توحى إطلاقًا بما سنراه فيما بعد وكأنه خط درامى مقحم على النص، العيب الثانى تكرار وإعادة مونولوجات الحوار أكثر من مرة فى المشهد الواحد خاصة مشهد المواجهة بينهم جميعا عندما تسقط الأقنعة ويتكشف أمر ونوايا الجميع، احتوى هذا المشهد على «مكلمة» طويلة بشكل مبالغ فيه خاصة من الفتاة المنتقمة التى أعادت على أسماعنا أكثر من مرة مأساتها معه مرة مع أخيها فى حوار منفرد والمرة الثانية معهم من جديد فعند اقتراب نهاية العرض يشعر المشاهد بطولة أكثر من أى وقت آخر، مما ساهم فى وضع المتلقى فى حلقة مفرغة من الأحداث، لا تحتوى سوى على مجموعة من الجمل المعادة والمكررة ورغبة فى الانتقام لا تتم بعد كل هذا المونولوج الطويل، وظل الانتقام غاية لم يصل إليها أحد، ثم يموت الرجل فجأة فى موعد الثامنة مساء كما توقع لنفسه، ومازلنا لا نعلم حتى نهاية العرض لمن كتب وصيته وبماذا كان يقصد بكتابة الوصية لشخص مجهول بفتح قوسين دون وضع اسم، فلم تحسم هذه القضية حتى النهاية..!
استخدام فواصل شعرية بالعرض المسرحي
العيب الثالث كان الحكى بإلقاء أشعار على لسان الشاعر عبد الله حسن فى فواصل منفصلة للعرض وهو شيء غير مستحب قد يحول العمل إلى صالون ثقافي، وليس عملاً فنيًا دراميًا يحمل قدرًا من المتعة والتشويق للمتلقى كان أولى ألا يفسدها المخرج بفواصل شعرية متفرقة، فهو خط آخر غير مبرر الوجود إلا فى أحد المشاهد كان التداخل الشعرى مع الرسم بالرمال فى أعلى شاشة المسرح منسجمًا وموحيًا فى مشهد الرجل القعيد وهو يتخيل نفسه حبيبا للجنية وقادرا على الحركة والرقص معها، فى هذا المشهد كان للشعر أثرا خاصة وهو بصدى صوت الشاعر دون ظهوره على المسرح، ومعبرا بقوة عن أجواء وحالة العرض لكن فى بداية العرض وتداخلات الشاعر بنفسه أكثر من مرة، لم تكن موفقة لأنها عادة ما تؤدى إلى انفصال المشاهد عن الأحداث وكسر حالة الاندماج لإدخاله فى حالة أخرى، وكأن الكاتب أراد أن يشدد على رسالته والعظة من هذه الأحداث وهو ما يعد نوعًا من المباشرة وتحويل العمل من حالته الحميمية إلى حصة تعليمية لإرشاد الجمهور، وهذا الأسلوب غير مستحب بالأعمال الفنية.
العشق المستور
برغم بعض العيوب التى احتوى عليها النص إلا أن هناك فكرة أو معنى ربما أرادت الكاتبة الإشارة إليه فى التكوين النفسى والتربوى لهذا الرجل القعيد قاسم الذى لعب دوره الممثل محمد عبد العظيم وهو عدم قدرته على الحب لأن والده علمه قاعدة «الرجل لا يحب».. وهذه الثقافة هى السمة الغالبة فى مجتمعات الصعيد والأرياف الرجل لا يحب أحد حتى ولو كان أباه، لأن الحب فى نظره ضعف، بينما عندما أراد أن يعشق أحب فى الخفاء فاختار الحب المستور فى الجنية، التى خدعته الفتاة حسن بوجودها فنسج من خياله صورة لفتاة جميلة ذات صوت جميل تطارده فى الأحلام تتجسد أمامه فى صورة امرأة، وهكذا عاقبت الفتاة الرجل مرتين الأولى عندما فضحته أمام ضعفه بوقوعه فى الحب ثم انتظاره للفتاة التى لن تأتى لأنها ليس لها وجود من الأساس فهى فقط من نسج خياله وهى من أوهمته بوجودها، وبالتالى عاش فى أوهامه ما عجز عن تحقيقه فى الواقع، هذا الجزء على وجه التحديد تم صياغته دراميا وإخراجيا بحرفة فنية عالية، كما أنه حمل الكثير من المعانى والأبعاد النفسية للخلل الشديد الذى يعانى منه هذا الرجل ولو كان العرض اختزل تيمته فى فتح باب عشق الرجل لجنية غير موجودة وإيهام هذه الفتاة له وحرفتها فى لعب هذه اللعبة وتفوقها بها لكان أفضل وأدق فى معناه من احتوائه على تفاصيل أخرى كثيرة متناثرة، كان من الممكن حذفها أو الاستغناء عنها..!
تفوق التمثيل على النص
كما ذكرنا فى بداية المقال تحمل الممثلون عبء النهوض بالعرض وضبط إيقاعه إلى حد كبير، أكثر من القصة نفسها فكانت مباراة تمثيلية عنيفة بين وفاء الحكيم بمهاراتها وخبرتها التى ظهرت بوضوح وبقوة فى لعب شخصية عائشة زوجة قاسم القعيد ولمياء كرم فى دور الفتاة العرجاء وانتقالها بمهارة واحتراف شديد من حالة العرج إلى حالتها الطبيعية فكانت تمثل على التمثيل بخروجها أمام هذا الرجل بشخصية ثم رجوعها إلى حقيقتها، وكان من أفضل وأقوى مشاهد العرض لعب الراقصة دينا ممدوح دور الجنية المتخيلة ثم خروجها ودخول لمياء على أنها هى من جديد هذا المشهد أوقع المشاهد فى فخ التساؤل والتركيز للوصول إلى حقيقة وجود هذه الجنية من عدمه وتميز هنا فى تأديته الممثل محمد عبد العظيم وكل من دينا ولمياء، بجانب مهارته أيضا فى مشهد التحطيب وكذلك الفنان نائل علي، ففى النهاية نحن أمام عمل مسرحى صنع جيدا سواء على مستوى الصورة المسرحية باستخدام ديكورات منزل بالريف تتخللها بعض لوح الفن التشكيلى وكأنها تجسيد آخر وحكى بصورة أخرى لرواية العرض وتسقط هذه اللوحات بسقوط الأقنعة عنهم جميعا، بجانب استخدام تقنية الحكى بالرمل التى كانت أكثر تميزا فى الإيحاء بالمعنى واختزاله من الرواية بالشعر، كما جاء الأداء الصوتى للطفل آسر هشام أثناء استرجاع الرجل لتعاليم والده ووهو صغير فى كابوسه الذى لا ينتهى موحيا ومعبرا بدقة عن شبح العقدة النفسية التى جاءت تفزعه من الماضى فإستطاع هذا الطفل الصغير بصوته إدخالنا فى هذه الحالة المرتبكة التى يعيشها الرجل كلما تذكره فى منامه، «الثامنة مساء» إخراج هشام علي، وديكور مى زهدي، أزياء نورهان سمير، موسيقى جو حنا، رسم بالرمال مايكل روماني، غناء ياسمين فرج عرابى.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *