انتبهوا أيها السادة.. المسرح الجامعي في خطر

محمد الروبي  – مسرحنا – مجلة الفنون المسرحية 

 

«المسرح الجامعي في مصر» عنوان له تاريخ، فهو المكان الذي كان لسنوات طويلة، وما زال، مفرخة للنجوم وحقلا لاكتشاف المواهب في مجالات الفن المختلفة.

وقد عانى المسرح الجامعي الكثير في سبعينات القرن الماضي من تعنت طيور الظلام المنتمين للجماعات المتأسلمة، فكم تحلقوا كغربان سود حول الفرق وانهالوا عليهم بالجنازير والعصي تحت فتوى أن الفن حرام. لكنه وكأي فن حقيقي كان يرفع راية المقاومة ويصر على أن يكون. فقدم من العروض ما يحفظه التاريخ (المسرحي والجامعي) ما يفخر به المشاركون فيه الذين أصبحوا نجوما يشار إليهم بالبنان.

المسرح الجامعي – لمن لا يعرف – كان يتسابق على المشاركة فيه كبار مخرجي مصر من أجيال مختلفة (سعد أردش، كرم مطاوع، سناء شافع، سمير العصفوري، فهمي الخولي، حسين جمعة، حسين عبد القادر.. وغيرهم الكثير)، وكان هؤلاء الكبار لا يمارسون مع أعضاء الفرق الجامعية الفعل المسرحي وفقط، لكنهم كانوا أقرب إلى الموجهين الثقافيين يعلمون أبناءهم الفن والحياة.

وعلى الرغم من هذا التاريخ وهذا العطاء، نفاجأ ونحن في القرن الواحد والعشرين أن بعض مسئولي النشاط في الجامعات انتبهوا إلى أن المسرح الجامعي ليس فقط نشاطا زائدا على الحاجة، لكنه – وهو الأخطر – نشاط يدعو إلى إثارة الفتنة وينشر أفكارا معوجة!

نعم.. هكذا وببساطة مثيرة للدهشة تم إلغاء عدد من العروض المسرحية شارفت على الانتهاء واقتربت من موعد عرضها في كليات مختلفة بامتداد الوطن، ولأسباب تثير الدهشة بقدر ما تثير الخجل. إذ كيف يمكن فهم أن نصا عالميا سبق وأن قدم عشرات المرات على خشبات المسرح المصري وفي القلب منها خشبة المسرح القومي، وهو نص «ميراث الريح» الذي يناقش ويفند التناقض المزعوم بين الدين والعلم؟ هو نص «يثير الفتنة» ويحمل «أفكارا ملغومة»؟ هذا بالضبط ما تم وما قيل عن عرض كلية العلوم بجامعة الإسكندرية وقبيل افتتاح العرض بيوم واحد!

والمدهش أكثر أن أوامر المنع هذه وبالأسباب نفسها وتشابهها، لم تخص كلية واحدة، لكنها امتدت إلى أكثر من جامعة ومن بينها كليات نوعية تضع علوم المسرح على رأس لائحتها الدراسية!

فجأة امتد السرطان وانتشر من آداب المنصورة إلى نوعية طنطا إلى زراعة الإسكندرية إلى تجارة بنها إلى علاج طبيعي القاهرة و.. و.. وأخريات. والأسباب في كل الحالات واحدة، وكأنهم على اتفاق سري غير مكتوب أو معلن: «لإثارة الفتنة» و«احتوائه على ألغام فكرية».

«إثارة الفتنة» وصف لا يليق بالمسرح ولا بالفن عموما، قد يليق بهما أكثر «مواجهة الفتنة» و«مقاومة الأفكار المتطرفة». وهنا نجدنا مدفوعين لتذكرة السادة مسئولي النشاط بالجامعات سواء كانوا رؤساء جامعات أو عمداء كليات أو وكلاء أو موظفين إداريين ببديهية أن المسرح في الجامعة ليس مجرد نشاط فني يمارسه الطلاب، لكنه وبما أنه كذلك، هو فعل ثقافي يغير ويطور عقول ممارسيه. فأن تشارك في عرض مسرحي بما تعنيه هذه المشاركة من قراءة للنص ومناقشته والخوض في بروفات كثيرة والدخول في اختلافات حول الرؤية، وبما أنه عمل جماعي يتيح لك المشاركة مع آخرين تكنس المسرح وترتب قطع الإكسسوار وتنتقي الملابس وتشارك زملاءك في ارتدائها و.. و… فأنت تثري عقلك وروحك ومن ثم تبني جدارا عازلا بينك وأية محاولة لاستقطابك نحو فكرة هدامة أو سلوك فردي لا يرى في الحياة إلا سعيا لخلاص فردي يقوم على الأنانية ولفظ الآخرين.

المسرح الجامعي يا سادة هو المعمل الذي تتشكل فيه النفوس لتخرج إلى الحياة العامة محبة للحياة ساعية لتطويرها ونمائها.. أفلا تعقلون؟

وأخيرا، أدعو السادة مسئولي الجامعات إلى قراءة هذا الخبر: «مصر تستعد لإقامة أول ملتقى دولي للمسرح الجامعي».. وأكرر «ملتقى دولي».. وليقولوا لنا بعدها بماذا سنرد على وفود جامعات العالم عن أسباب منع «ميراث الريح» و«طاعون» ألبير كامي.. وغيرها؟

المسرح الجامعي يا سادة في خطر، فهل ننتبه قبل أن يدركنا الطوفان؟.. أتمنى.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *