الواقع الثقافي الراهن مفزع في ظل غياب سياسات ثقافية واضحة

«مسرح الطفل بالنسبة إليّ رهان تمكنت من كسبه بنجاح وذلك من خلال مجموعة من الأعمال التي قدمتها…فلم تمر سنة الا وقد كللت بانتاج مسرحية جديدة للأطفال… لكن لا يقتصر عملي على هذه النوعية من المسرح بل يستهويني أيضا مسرح الكبار…» هذا ما ذكره المسرحي لطفي العكرمي في حوار جمعه بـ«الصحافة اليوم» حيث تحدث أيضا عن عديد المواضيع من بينها جديده الفني وتشخيصه للمشهد الثقافي الراهن.

 لننطلق من جديدك الاذاعي والمسرحي؟
بعد الانتهاء من تقديم الأعمال الدرامية خلال الموسم الرمضاني المنقضي من المنتظر أن تكون العودة من خلال بعض الأعمال المتنوعة التي ستنفّذ بالتنسيق مع رئيس مؤسسة الاذاعة التونسية وذلك وفقا للميزانية الخاصة بسنة 2016 بالاضافة الى انطلاقي في اعداد مسرحية جديدة موجهة للطفل بعنوان «كروان والسجان» وهي عبارة عن تتمة لمسرحية بعنوان «يحكى أن» كنت قد قدمتها سنة 2013 وتحصلت من خلالها على عديد الجوائز في تظاهرات مسرحية.
وبالعودة الى مسرحية «كروان والسجان» فهي من نوع المسرح الغنائي تتضمن عشر أغان من تلحين زياد المالكي وتوزيع أيمن الرياحي. وفي السياق نفسه أضيف أن العمل لم يتمتع بدعم وزارة الشؤون الثقافية حيث عوّلت على امكاناتي كي ترى المسرحية النور… في الحقيقة لقد جاءت هذه المبادرة الفردية بعد أن رفضت وزارة الشؤون الثقافية دعم عمل ضخم عبارة عن بسيكودراما عربته عن نص للكاتب الأمريكي «أرثرميلر» وذلك لأسباب تقنية….
مع العلم أن المسرحية الجديدة في مرحلة اللمسات الأخيرة كي تكون جاهزة للعرض قريبا.

 عدت مؤخرا من باريس حيث خضت تجربة في إطار مسرح الطفل، حدثنا عن تفاصيلها؟
لقد خضت تجربة مسرحية بباريس مؤخرا تندرج ضمن مشروعي الذي اشتغلت عليه منذ سنة 2010 وهو بعث نوادي مسرح موجّهة لأطفال الجالية التونسية في المهجر وذلك بالشراكة مع احدى الجمعيات التونسية.
وتهدف هذه البادرة الى تكوين الأطفال في فنون المسرح خاصة وأن المسرح أداة من أدوات العلاج والتنمية البشرية كما يساعد على العيش المشترك وقبول الآخر…
وقد نجحت هذه التجربة على امتداد سنوات ومؤخرا اقترحت الجمعية تأسيس ناد للمسرح بباريس يحتضن الأطفال التونسيين المتواجدين هناك وذلك قصد تلقينهم اللهجة التونسية وتدريبهم على أبجديات الفن الرابع… ومن المنتظر أن تنقل هذه التجربة الى مناطق أخرى في بلدان العالم تتواجد بها جاليتنا التونسية..

 هل اقتصرت إنتاجاتك على مسرح الطفل؟ ولماذا هذا الاختيار؟
في الحقيقة مسرح الطفل بالنسبة إليّ رهان تمكنت من كسبه بنجاح وذلك من خلال مجموعة الأعمال التي قدمتها… فلا تمر سنة الا وقد كللت بإنتاج مسرحية جديدة للأطفال لكن لا يقتصر عملي على هذه النوعية من المسرح بل يستهويني أيضا مسرح الكبار….
لقد اهتممت أكثر بمسرح الطّفل لسبب بسيط وخطير في الآن نفسه وهو أن حق الطفل مهضوم من حيث الإنتاجات سواء في الإذاعات أو التلفزات لذلك تمت إعادة «دراما الصّغار» إلى الإذاعة من خلال مسلسلين يتضمّن كل واحد منهما ثلاثين حلقة وهما «سروج الذهّب» و«أصحاب الغابة» باللغة العربية الفصحى… لقد حدثت قطيعة بين الإذاعات والتلفزات وانتاج برامج موجهة للأطفال تونسية 100%.. وتم الإقتصار على برامج مستوردة من شتى بلدان العالم تجلب لأطفالنا ثقافات أخرى غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا وحضارتنا إلى درجة أن الطّفل التونسي اليوم أصبح منبتّا غريبا يتلقى أفكارا غريبة عنه وعن مجتمعه.. ولعلّ أبرز خطر اليوم تكشفه الارقام المفزعة المتعلقة بأعداد الأطفال المنقطعين عن الدراسة في سن مبكرة..
لابد من مراجعة سياساتنا وإعادة الاعتبار إلى الطفل في وسائل الإعلام العمومية والخاصة وذلك لضمان ناشئة متوازنة…

 لماذا ابعدت عن تقديم برامج تلفزية موجهة للطفل رغم أنك قد تحدثت سابقا عن عديد المشاريع?
لقد اشتغلت منذ سنة 1995 كمعدّ برامج ومنشط في التلفزة الوطنية حيث قدمت برامج الطّفل لكن التجربة لم تتواصل رغم تقديمي للكثير من الأفكار والمشاريع ففهمت أن الرّهان على برامج الطّفل غائب تماما لأسباب أعلمها حقيقة رغم أن مؤسسة التلفزة الوطنية معززة «بأبناء الدّار» القادرين على تحقيق الإضافة والتميز في هذا المجال.
الأمور لازالت غامضة في ظل انعدام التجاوب بالقبول أو الرفض لمشاريعنا التي قدمناها سابقا ولكنني متفائل بقرار الرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية الياس الغربي المتمثل في تخصيص القناة الوطنية الثانية للبرامج الثقافية مما سيفتح المجال للكفاءات التونسية كي تعمل وتبرز…

 وماذا عن التلفزات الخاصة?
مع احترامي لجميع التلفزات الخاصة والعاملين فيها الا أنني لا أحبذ التعامل معها رغم ما كتبته من نصوص وسيتكومات وضعت في الرّفوف لصعوبة ايجاد الجهات المنتجة.. في التلفزات الخاصة تكون العلاقة معها محكومة بالمادة وليس بمدى جودة العمل… وللتوضيح أكثر فإن القائمين على هذه النوعية من وسائل الإعلام يشترطون على صاحب المشروع مبالغ مالية كي يتم قبول نصه والشروع في تنفيذه وزد على ذلك فإن الكثيرين من أصدقائي الفنانين عملوا في  القنوات التلفزية الخاصة دون أن يتلقوا مستحقاتهم المالية… لذلك أؤكد على أن مؤسسة التلفزة التونسية هي الأصدق بالإضافة إلى جدية قناة «الحوار التونسي» في التعامل مع الفنانين…

 كيف تقيّم المشهد الثقافي الراهن?
ما نعيشه اليوم من واقع أو راهن ثقافي مفزع لدرجة كبيرة ومخيفة وذلك لغياب سياسة ثقافية واضحة المعالم…
لقد اقترحت على أحد وزراء الثقافة ـ ما بعد الثورة ـ ايقاف الدعم الخاص بالانتاجات وذلك لمدة سنتين والقيام بتشخيص الواقع الثقافي الراهن وتحديد أية ثقافة نريد بالإضافة إلى إعادة النظر في لجان الدعم … لديّ الكثير من التساؤلات من أهمها : هل يعقل أن أكثر من 75 % من ميزانية وزارة الشؤون الثقافية ترصد لخلاص معاشات موظفيها? وماذا تبقى للإبداع والمبدعين?…
لم يتغير الوضع بعد الثورة، فنحن نعيش في بلد بلا ثقافة وبلا تخطيط مسبق لها كي تكون موجودة.
أجرت الحوار: رحاب المازني

المصدر/ اليوم

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *