الهيبة العربية للمسرح وامتحان الوجود والتأثير/غانم حميد

المتتبع لطبيعة المهرجانات المسرحية العربية على سطح الخارطة من الشرق الى الغرب، يراها غير مستقرة في مناهجها وعناوينها ومواعيد انطلاقها وثبات تواريخها، بل أن هناك متغيراً دائماً في أسمائها وظروف انطلاقها وآليات إقامتها ، ففي بغداد مثلا كانت العلامة الفارقة باسم (مهرجان بغداد للمسرح العربي)  والذي تباينت ظروف انعقاده بحسب المتغيرات السياسية والاقتصادية، وبالتالي لم يعد قائماً كمهرجان دوري ثابت يحسب حسابه في فلسفة العروض ألعربية ومنافساتها ، و(مهرجان القاهرة التجريبي) والذي حاول الحفاظ على ثباته عبر سنوات عدة لتشمله متغيرات الربيع العربي بتأجيله لسنوات ،وعاد اخيراً عودة متواضعة وخجولة .
أما (مهرجان قرطاج) فمرض مرضا مزمنا من خلال تواضع قدرات العروض وعدم اكتمال أدوات التنظيم والضيافة وحساباتها وكلف تذاكرالطيران ونفقاتها ، مما اثر تأثيراً مباشراً في عدد ونوع الفرق المشاركة ومسمياتها. أما مهرجانات المغرب الرئيسة والمعروفة، فلم تعد موجودة أصلا كمهرجان ربيع المسرح العربي ومهرجان الرباط . وفِي الاردن حافظ مهرجان المسرح الأردني أو الذي سمي مؤخراً بمهرجان الاردن المسرحي على فقره وتواضع خدماته، فلم يعد من العلامات الفارقة في خارطة المهرجانات ووجودها.
وبرغم ان المهرجان الذي ألغي قبل سنوات كان مهرجانا غير حكومي ، إلا انه كان متميزاً في عدد ونوعية عروضه وطبيعة خدماته وأعني به ايام فوانيس المسرحية .
اما المهرجانات الخليجية فأكثرها خليجية بامتياز ومحلية ولاتعنى إلا بدول الخليج وأحيانا تشرك عروضا عربية على شكل استضافة كمهرجان أيام الشارقة ومهرجانات اخرى في الكويت وعمان . نعم هناك مهرجانات وملتقيات متفرقة في بعض العواصم والمحافظات وتوجه الدعوة الى عروض عربية  كما في الجزائر والمغرب وتونس لكنها في مجملها مهرجانات ضعيفة ومحدودة في خدماتها وليست من المهرجانات الرئيسة .
وحده الذي اكتمل في بنائه وتقاليده وثبات مواعيده وعدد لجانه وثرائه الفكري ،عبر الندوات والورش والجلسات النقدية وثرائه في الاستقبال ونوعية الخدمات المقدمة للمبدع العربي بكامل احترامه هو مهرجان الهيئة العربية للمسرح، فهو يتكفل بكل شيء من صيغة الدعوة الى التذكرة أينما تكون دولة المدعو الى الاقامة وتنوعها وإمكانياتها، ومن ثم حسن تنظيمه وعروضه وجلساته حتى الوداع الاجمل على لسان ممثل المهرجان من اننا ( قد قصرنا). أرى أن هذه الكلمات ومجمل المعطيات التي ذكرتها تبدو عنواناً لشرف كبير تمتلكه هذه الهيئة تجاه المبدع المسرحي والمسرح العربي برمته.
تسع دورات من الإبداع والاحترام والتوثيق لمهرجان عربي قيم هدفه التجديد وهذا واضح من شعاره ( نحو مسرح عربي جديد ومتجدد)، ألا يحق لي أن أسميه متلاعبا بتسميته بنية منتمية خالصه له … وأقول (الهيبة العربية للمسرح )..؟
انهزمت الحكومات وانتصر السلطان……
ماذا يشكل الرقم الخرافي لانتاج مهرجان مسرحي عربي دوري من ميزانية الدولة العربية … نفطية كانت أم غير نفطية … ؟ على البحر تقع أم على السهل أم على قمة الجبل منتصبة…؟ عندما قامت ثورات الربيع العربي فرح الجميع واشترك الجميع ، بغية حكم يحفظ الكرامة ويعطي للذات خصوصيتها ويدعم نشاطات الفرد البشري أيا كانت ، لأن بعض الحكومات قبل ثورات الربيع العربي ربما كانت تقيم المهرجانات بهدف ايديولوجي يخدم فلسفتها وتجربتها ولَم يكن خالصا لخدمة الفن المسرحي والمسرحي العربي .
نزعم أن ثمن الضيافة وتذاكر السفر وانتاج تجربتين مهمتين للبلد المضيف واستقبال ضيوف على الهامش ،لايكلف البلد رقما خارقا في ميزانيتها برغم أن وزاراتها تمتلك الفنادق والمطاعم ووسائط النقل ، وإن سلمنا بهذا فلماذا لاتقوم الحكومات بإقامة مهرجانات مسرحية لافتة للثقافة والاهتمام بقدرة المسرح على التغيير، كونه من الفنون المشاكسة والفاعلة والقادرة على تمييز هذا البلد دون سواه بقوة مثقفيه وتعدد عناوينهم، فالمسرح ابو الفنون كما يقولون .
ما الذي يفسر هذا الإصرار على إهمال الثقافة والمسرح بالذات..؟ هل هو خوف ..؟ أم انهزام..؟ أم جهل..؟.
لنعترف أن معظم الحكومات العربية جاهلة ومنهزمة وربما سارقة فلا تريد لهذا الشعب أن يرى خارج حدود المتوفر من الوعي ، أو ربما تعرف قيمة المسرح لذلك تخاف من افكاره وتوجهاته ،أو ربما تكون سارقة للحد الذي لا تكلف  نفسها خسارة بعض الدنانير لإقامة مهرجان مسرحي .ومن هذا وذاك وبالعودة الى الخارطة والتقييم ،فإننا نعلن انتصار السلطان القاسمي وهو يدفع بالمال الحلال الخاص لإقامة مهرجان مسرحي دوري (مهرجان المسرح العربي)،ثابت الخطوة في كل شيء ،كما أسلفنا ،بحيث اصبح المهرجان الملجأ لهموم المسرح العربي الذي انهزم ابوه وولى
وطنه .
ماالذي يدفع السلطان القاسمي إلا ايمانه بإقامة مسرح عربي خالص برغم أن المسرح لم يكن يوما من الايام فنا عربيا ،لكن بسبب حاجة الامة  ومفاهيمها وتطور الايام وتلونها بات من الضروري جدا إقامة مسرح عربي وفق مقاسات ومعايير خاصة يطلبها الجاهل قبل الواعي ويطلبها المثقف قبل المختص .
ألم يكن ذلك مدعاة للفخر والاعتزاز …؟ ألم يكن ذلك عنوانا من عناوين تأكيد الذات والوجود للمسرح العربي ؟ وألم يكن ذلك عنوانا من عناوين الشرف العربي والتزامه ؟
نعم هو كل ذلك أقولها بإيمان عال وثقة ما بعدها ثقة :  نحن كمسرحيين نشد على اياديك النبيلة بالاستمرار وأنت دائم الذكر لمسرح قلت عنه ( نحن زائلون كبشر ويبقى المسرح ما بقيت الحياة

المصدر/ محمد سامي موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *