النمس.. عرض مسرحي مغربي فرجوي ابن زمانه ومكانه

إن من أصعب ما يمكن تقديمه في الفنون، طرح المأساة بقالب جمالي غير متكلّف، ويحمل من الكوميديا والبهجة ما يحمله دون خفّة واستخفاف، ما يجعل من العمل إذا ما كان مسرحياً، عملاً فرجوياً بامتياز، وهذا ما نجح فيه فريق مسرحية “النمس” المغربية لمخرجها المبدع أمين ناسور، الذي يدهشنا مع كل ظهور له على خشبة المسرح أو خلف الكواليس، وهو العمل الذي شارك في فعاليات مهرجان المسرح العربي بدورته الثانية عشرة في العاصمة الأردنية عمّان، والمقتبس بتصرف عن رواية “هوت ماروك” لياسين عدنان، وبرؤية نصيّة لعبد الإله بنهدار.

وما بين الواقع والافتراضي، وما بين الدارجة المغربية والفصحى، ثمة مساحات من الإبداع، تراوح ما بين أداء متميز، وسينوغرافيا مبهرة دون بهرجة، واستعراض، وأداء جسدي، وموسيقى حيّة، وغناء، و”لعب” على المسرح، في تبادل للأدوار، يعكس حالة فصام يعيشها الشعب المغربي، عبر انشطار الفرد على ذاته، ومن ثم المجتمع، ما بين هذه الثنائيات، وكأنه الهروب إلى اللامكان واللازمان، في حين أن الزمكان الفعلي ملطخ بما تفوح منه رائحة نتنة.

و”النمس” الذي فرّ من “هوت ماروك” وقدمه “المجانين” كما وصفهم بطريقته، يكشف ويكتشف زيف الواقع المحيط به واقعياً كان أم افتراضياً، في مقهى الإنترنت أو خارجه، حيث تكاد تتناسخ الحالات والوقائع، ففي الواقع ثمة تحالف ينشأ ما بين الإسلام السياسي والسلطة، وفي الواقع أو اللاواقع الافتراضي يصل الأمر إلى حد تجييش الفتيات لصالح علاقة جسدية تصطبغ بخطاب ديني، يتجاوز فكرة “جهاد النكاح” إلى “الجهاد الرقمي”، على أمل توظيف أجساد الجواري المفترضات لاحقاً، وبشكل واقعي.

ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته سلاسة الديكور في صالح العمل، حيث التنقل من واقع إلى آخر، حقيقي أو افتراضي، دون صعوبات تذكر، عبر “شاشة الكمبيوتر” في “مقهى الإنترنت” وخارجه، أو في شوارع مرّاكش، المدينة المغربية الشهيرة، بينما كان “اللهو” على المسرح، وتبادل الأدوار، والضحكات التلقائية والحوارات الأكثر تلقائية، في صالح العمل، الذي قدّم في المهرجان ما هو مغاير ومتقدم على مختلف الأصعدة، ما يجعل منه عملاً حداثياً يعيد الأمل في مسرح غرق في وحل تراجيديا سبيعينات وثمانينيات القرن الماضي، ولم يعد قادراً على انتزاع فردتي حذائه المطيّنتين منه، فـ”النمس” عمل ينتمي إلى الألفية الثالثة شكلاً ومضموناً، ويقدم، دون أن يقفز عن روح المسرح المتوارث أو يمحوه، مشاهد فرجوية مبهرة شكلّت فيما بينها لوحة متكاملة باتجاه عمل ناضح وحداثي، هو ما يحتاجه المسرح العربي لتقديم نفسه دولياً، ولمحاكاة الأجيال الشابة التي تعزف عن ارتياد صالات العروض المسرحية في غالبية وربما كافة الأقطار العربية.

وكان لوجود الراوي حضوره الضروري، في الربط ما بين تكوينات اللوحات المسرحية، التي قد يخالها البعض تضج بالأمل والحياة، وهي كذلك من زاوية، ولكنها من زاوية ثانية تعكس حجم الألم الذي يتملك “النمس” والمحيطين به من شخصيات، أبدع في تقديمها الفنان حسن مكيات، ورفاقه: عبد الله ديدان، وعبد الله شيشة، وهاجر الشريكي، ومونية لمكيمل، وغيرهم.

وكان مخرج المسرحية أمين ناسور، أشار في مؤتمر صحفي حولها، أنها “عبارة عن تجربة مسرحية مختبرية”، قائلاً: دائماً ما نعمل بتقنية المختبر، وبمشاركة مجموعة من الفنانين بتخصصات متعددة، ولكن تجمعنا رؤية واحدة، هي رؤية المخرج التي تؤسس لفرجة مسرحية مختلفة، فرجة مسرحية فيها تجديد وبحث ودون إسقاط للهوية، فلا مسرح دون هوية، ولكن علينا أن نمارس المسرح بطريقة جديدة تقودنا إلى زمننا الحاضر.

وبالفعل كان عملاً فرجوياً بامتياز، من المفترض أن يكون من أبرز المنافسين على جائزة أفضل عمل مسرحي عربي هذا العام، بانتظار ما تبقى من أعمال قليلة حتى مساء الخميس، موعد إعلان المسرحية الفائزة، من المركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمّان.

يوسف الشايب – فلسطين

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …