المسرح والواقع العربي المأزوم / عواد علي

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

ما حدث من ثورات وانتفاضات، وما يحدث الآن من غليان، في بعض الدول العربية، لم يكن بعيداً عن هواجس وتجارب الكتاب والمخرجين المسرحيين في المغرب العربي وبلاد الشام والعراق ومصر.

تواجه مجتمعاتنا العربية المأزومة كوارث وهزات سياسية واجتماعية واقتصادية عنيفة لا حصر لها، لكنها رغم كونها مادة خصبة لإنتاجات مسرحية، مثلما هي كذلك لإنتاجات أدبية وفنية أخرى، تضع المسرحيين في حيرة من أمرهم، فبأي بلاغة تعبيرية وأشكال وجماليات يرتقون إلى صورها المأساوية، وما يرشح عنها من أسئلة موجعة؟ وكيف يقنعون المتلقي أو المتفرج بجدوى مقارباتهم الدرامية أمام هول تلك الكوارث والهزات؟

لقد نجح بعضهم في التغلب على حيرته، لما يتمتع به من خبرة وتجربة إبداعية ثرية، فقدم أعمالا اتسمت بجرأة ورؤى وصياغات حديثة مبهرة، شرّحت تلك القضايا، وأطلقت صفارات الإنذار، وطرحت أسئلة حارقة تتغاضى عنها أبصار الكثير من الهياكل الاجتماعية والسياسية، إما خوفا أو جهلا أو انعداما للحساسية، في حين لم يفلح بعضهم الآخر، فجاءت أعماله ضعيفة فنيا ذات منحى تقليدي أو خطابي.

ومن خلال متابعتي للمسرح العربي، عبر المهرجانات التي تقام في أكثر من بلد عربي، أستطيع القول إنه شهد، في العقود الثلاثة الأخيرة، تجارب مسرحية قدّمت مقاربات درامية مختلفة للبؤس والخراب والعنف والإرهاب الذي تعيشه بعض المجتمعات العربية، إما بسبب استبداد الحكام واستباحتهم لدماء شعوبهم، وفساد أعوانهم وأجهزة أنظمتهم، ومصادرتهم للحقوق والحريات، وإما بسبب الفقر والإرهاب والقمع الذكوري للمرأة، أو لهذه الأسباب مجتمعة.

وما حدث من ثورات وانتفاضات، وما يحدث الآن من غليان، في بعض الدول العربية، لم يكن بعيداً عن هواجس وتجارب الكتاب والمخرجين المسرحيين في المغرب العربي وبلاد الشام والعراق ومصر، على نحو رمزي أو مباشر أو من خلال الإسقاط، حيث شكّل فضح مظاهر القمع والقهر السياسي أو الاجتماعي، وكشف المستور، والبحث عن الحقيقة في خفايا السياسة والمجتمع، والتعبير عن المصائر والأحلام الضائعة، والانتصار لذات الإنسان ولحقوقه المدنية والسياسية المهدورة، وغير ذلك من الثيمات، شكّل استراتيجيةً لعدد من المسرحيين الطليعيين.

والحق أن تجارب المسرحيين في تونس، دون أن نغفل تجارب آخرين في المشرق العربي ومغربه، كانت هي الأنضج والأعمق في خطابها الجمالي والفكري (المُسائل والغاضب والرافض والناقد)، خاصة التجارب الحديثة للثنائي الفاضل الجعايبي وجليلة بكار (تسونامي، خمسون، عنف، جنون، يحيى يعيش، وخوف)، توفيق الجبالي (سلسلة مسرحيات كلام الليل)، الثنائي عزالدين قنون وليلى طوبال (طيور الليل، رهائن، وغيلان)، جعفر القاسمي (ريتشارد الثالث، والشمع)، الشاذلي العرفاوي (برج لوصيف)، وليد الدغنسي (الماكينة)، مريم بوسالمي (ما لم يقله الدكتاتور)، وغيرها من التجارب التي وضعت المسرح التونسي في طليعة المسرح العربي.

وفي حقلي النقد والبحث المسرحيين، اللذين غالباً ما تحتضنهما المهرجانات المسرحية العربية في ندوات وملتقيات وتعقيبات نقدية، كان لهذه القضايا حضورها الفاعل من خلال محاور مختلفة تقرأها وتحللها وتقترح لها مقاربات درامية وفكرية وجمالية بهدف تعميقها والارتقاء بها، وأذكر منها، تمثيلا لا حصرا، ندوتي “مواجهة التطرف والإرهاب بالمسرح” و”المسرح في علاقته بالسلطة” اللتين نظمتهما الهيئة العربية للمسرح في دورات مهرجان المسرح العربي، وندوات عن “المسرح والديمقراطية”، و”المسرح وحقوق الإنسان”، و”المسرح والحرب”، و”المسرح وثورات الربيع العربي” التي عُقدت في أكثر من مهرجان مسرحي محلي وعربي ودولي، ونُشر بعضها في كتب أغنت المكتبة العربية والثقافة المسرحية.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *