المسرح العربي في المهجر: المضامين وأساليب العرض .. تجارب عراقية / أ.د. حسين الأنصارى – العراق -السويد

 

أن اشكالية التثاقف المسرحي والتفاعل مع الاخر ليست مسألة جديدة في المسرح المعاصر بل ان هذه المحاولات تعود الى بدايات القرن التاسع عشر حين فتح الرائد المسرحي مارون النقاش نوافذ جديدة للتفاعل مع المسرح الاوربي ، ظنا منه أن ذلك سيدعم حركة المسرح العربي وهذا ما تحقق عبر مر السنين بعد ان تطورت التجارب وازداد التفاعل مع الاخر ، ولم تعد النظرة الى المسرح العربي هو مجرد تقليد ، عربي – غربي شكلا ومضمونا بل انه ومع مرور الوقت اصبح فنا متشكلا من المعمار وبنيته من المسرح الارسطي وتكوينا من تقاليد الفرجة العربية المشهدية السائدة التي عرفت بالاحتفالية والحكواتي والسامر والبساط وغيرها ممن حاول البعض من المسرحيين العرب التنظير لها ببيانات او مناهج او التطبيق العملي عبر تجارب مسرحية اتخذت من التراث موضوعا بغية التأصيل او رسم هوية لمسرح عربي

لقد افاد المسرح العربي من حالة الانفتاح والتلاقح مع الاخر رغم هيمنة الثقافة الغربية ومركزيتها التي تدعو الى جعل الثقافات الاخرى تابعة لها رغم حالة المواجهة ودعوات الحوار الثقافي والتفاعل الحضاري المتكافىء

ولكن مع حلول القرن العشرين حدثت كثيرا من التحولات بفعل تطور حالة الاهتمام بالثقافة المسرحية وتنشيط حركة الترجمة الى جانب استحداث معاهد واكاديميات الفنون الجميلة التي اخذت على عاتقها مهمة تدريس المسرح على اسس ونظريات ومناهج علمية عمقت حالة الوعي والانفتاح كذلك تم ارسال البعثات الطلابية التي توزعت على مختلف البلدات الغربية واطلعت على مستوى الحركة المسرحية وسبل ممارستها وحين عادوا طلاب الابتعاث حاولوا نقل هذه التجارب الى طلابهم او من خلال ما قدموه من تجارب تطبيقية او تراجم للنظريات والمناهج الاوربية والامريكية.

اما المرحلة الاخرى التي جعلت الثقافة العربية والغربية اكثر اقترابا وتفاعلا فقد جاءت بفعل تزايد موجات الهجرة وكان من بين هؤلاء الكثير من فناني المسرح الذين سرعان ما تأثروا بواقع المسرح الغربي وتعرفوا على طبيعة التجارب وتفاعلوا معها محاولين تحقيق حالة من الحوار المشترك والاندماج انطلاقا من مبدأ التنوع الثقافي الذي من شأنه اغناء الفكر والحضارة الانسانية.

من هنا حرص المسرحيون العرب على ان يكون للقضايا العربية حضورا في المسرح الغربي وهكذا قدمت الكثير من الاعمال التي استمدت مضامينها من التراث العربي او تناول قضايا عربية معاصرة والبعض الاخر حاول معالجة نصوصا غربية برؤية عربية او العكس واسفر هذا عن الكثير من التجارب التي ساهمت في التعريف بالثقافة والتقاليد العربية ، كما ان الغربين من كتاب ومخرجين كان لهم دورا في الانفتاح على الثقافة العربية بعد أن ادركوا انها تتوفر على مضامين انسانية راقية وهناك الكثير من النصوص القديمة والحديثة التي يمكن توظيفها والافادة منها لاغناء تجاربهم .

في هذا الورقة اتناول تجربة المسرح العراقي في المهجر وموضوعاته واساليبه ومستوى  تفاعل الجمهور الغربي معها ، ونتيجة لاتساع رقعة وانتشار المسرحيين العراقيين في مختلف بلدان العالم  اثر الباحث اختيار بعضا من النماذج التي تركت اثرا واضحا وحققت حضورا لدى الاخر اضافة الى مراعاة الفترة الزمنية التي امضاها اصحاب هذه التجارب بعد ان اتقنوا لغات هذه البلدان وادركوا ثقافتها وتقاليدها وقد وقع الاختيار على المسرحيين عوني كرومي في المانيا ، و فاضل الجاف وحسين الانصاري في السويد ، وحازم كمال الدين في بلجيكا ،وجواد الاسدي في بعض المدن الاوربية الى جانب تجارب باسم القهار وكريم جثير في كندا،وسعدي يونس في فرنسا.

ان تجارب هؤلاء وغيرهم ساهمت كثيرا في عملية التقارب الفني والثقافي وكان للمهرجانات المسرحية العربية امثال مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج اثرهما الواضح في جذب الكثير من الفرق الغربية التي اصبحت تتفاعل وتستمد مضامين عروضها من المجتمعات العربية بل إن هناك فرقا قد تخصصت بأعتماد الثقافات الاخرى في عروضها كماهو  الحال في مسرح باسشونين في مدينة مالمو السويدية

– – BASTIONEN TEATER-باسشونين

الذي عملت فيه واخرجت بعضا من العروض المسرحية التي كانت مضامينها تتناول القضايا العربية  الاجتماعية او السياسية والتي سنتعرض اليها ضمن سياق البحث املين ان يكون ذلك اضاءة حول الموضوع الذي اختير ليكون محورا لدورة هذا المهرجان .

مفهوم ثقافة المهجر

لاشك في إن ظاهرة الهجرة اضحت حالة كونية من جنوب العالم الى شماله ومن شرقه الى غربه

وبالعكس ، حيث يشهد العالم موجات متلاحقة من الهجرات ولمختلف الاسباب منها الاجتماعية او الاقتصادية او الثقافية ولو رجعنا الى المنظور التأريخي لنشأة وتبلور مفهوم ثقافة المهجر لوجدنا ذلك يعود الى العصورالبعيدة  بحثا عن البيئة الافضل التي يجد فيها المرء ما يسد احتياجاته الحياتية ويلبي ايصال افكاره الى من يتعايش معهم ، وفي فترة الدولة الاسلامية تم التشجيع على الهجرة بل التشريع لها ولاسباب مختلفة ،منها قضية متابعة ونهل العلم والاغتراف من حواضره المعروفة كالقاهرة وبغداد والبصرة والكوفة والحجاز انذاك

(ن طلب العلم الشرعي كان سببا قويا دعا إلى هجرة كفاءات كبرى تبغي الاستزادة والرياسة العلمية في المجامع العظمى كالقاهرة و الشام و بغداد. فالسماع و لقاء الأعلام، و البحث عن عوالي الأسانيد رواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و دراية لما جاء به، و التفرد والنظر ببعض النقول و المرويات هو الذي جعل خطوط التنقل عامرة بأهل العلم والثقافة )-1-

وفي العصر الحديث ابتداءا من مطلع القرن التاسع عشر توسعت فكرة الهجرة وتغيرت اهدافها وقد جاءت من قبل بعض الاقليات من غير المسلمين الذين تعرضوا للاضطهاد من قبل السلطات الحاكمة انذاك  او ما يسمى بالدولة العثمانية التي فرضت سيطرتها على بلدان عربية عديدة خصوصا بلاد الشام والمرحلة الاخرى للهجرة جاءت بعد الحرب العالمية الاولى 1914 حيث شهدت هذه الفترة تزايدا في اعداد المهاجرين من الشرق الاوسط باتجاه  البرازيل والارجنتين وكذلك الولايات المتحدة وكندا والمكسيك واستراليا ونيوزلندة وافريقيا بسبب تردي الاوضاع السياسية والاقتصادية الى جانب ضعف الخدمات وانتشار الاوبئة والامراض والجفاف ( كذلك ساعدت أخبار النجاح الذي حققه المهاجرون الاوائل في الامريكيتين الى تنامي ظاهرة الهجرة وتشجيع الناس على ذلك حتى بلغ من لبنان وحدها عدد المهاجرين في تلك الفترة  مائة الف مهاجر اي ما يقارب ربع عدد سكان لبنان انذاك ) –2–  التي هاجر منها الكثير وكان من بين هؤلاء العديد من النخب المثقفة التي وجدت في بلدان المهجر فضاءات رحبة لممارسة ابداعهم

———————————————————————————————————

1-   محمد ، عبد الرحيم غنيمة  ،تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى.

2- السفير اللبنانية ، تاريخ الهجرة ومراحلها ،16-10-2015

.

وتجسيد افكارهم لاسيما وان هذه البلدان استوعبت مفهوم التنوع الثقافي وفتحت المجال ودعمت المبادرات الثقافية المتنوعة من عروض مسرحية ومهرجانات سينمائية ومعارض كتب ومحاضرات وفعاليات اخرى من شأنها ان تكرس ثقافة المهجر

لقد قيل الكثير في موضوع الثقافة والمهجرفمنهم من اشار الى جوانب سلبية وفريق اخر اشار الى ضرورات التعايش والتمازج الثقافي الذي من شأنه ان يغني ويضيف عوامل جديدة لوعي وفكر وابداع البشرية وهم يتقاسمون العيش على هذا الكوكب .

دلالة المصطلح

 

التفاعل الثقافي

يعرفه الباحث الاسباني بينيا كالفو ” انه عملية اتصال وتفاعل بين الاشخاص والجماعات والتي من خلالها يتم التعايش مع الثقافات الاجنبية واحترام التنوع الثقافي ويتطلب ذلك القدرة على ربط الثقافة الاجنبية بالثقافة الاصلية وتنمية الفضول اتجاهها والتعاطف معها” (3)

).

الاندماج الثقافي : 

الاندماج هو عملية تستهدف تقليص الهوة بين المهجرين وبين المجتمع الحاضن أو المستقبل لهم، وذلك عن طريق التركيز على الجوانب الاجتماعية- الاقتصادية- الثقافية، من خلال توفير فرص العمل والتعليم والسكن اللائق والمساواة في الحقوق القانونية والكرامة الإنسانية ومحاولة تجنيبهم الوقوع في الجريمة، والتمييز العنصري. ويكون الشخص مندمجاً في المجتمع الجديد إذا كان: يجيد لغة هذا المجتمع بقدر جيد، ويحترم ثقافته، ولا يتعاطى ممارسات سلوكية وثقافية تتناقض مع ثقافة هذا المجتمع، وأن يشارك مشاركة فعالة في الحياة اليومية بجوانبها الاجتماعية والإدارية والسياسية. وهو معادلة تتطلب تعاون طرفيها المشار إليهما، كما يشير الاندماج إلى مقدار الاتصال بين الجماعات الاجتماعية. بهذا فهو ليس عملية التمثيل أو التمثل التي ينصهر فيها المهاجر في مجتمع المهجر بحيث يفقد هويته وثقافته الأصلية4.

 

التنوع الثقافي

 مفهوم يشير الى  الاختلاف والتباين والتمايز بين الناس حتى بين افراد الجماعة الواحدة وفي ازمان مختلفة

“التنوع الثقافي هو المحرك الرئيسي للتنمية المستدامة للأفراد والمجتمعات المحلية والبلدان. ولهذا فإن وضع نهج عالمي فعال للتنمية المستدامة والتعليم من أجل التنمية المستدامة يتطلب تناول جوانب احترام التنوع الثقافي في العالم الآن وفي المستقبل واحترامه وإدامته”  5

اما على المستوى الاصطلاحي فأن التنوع الثقافي يرمز الى مفهوم ظهر مؤخرا وما زال في طور التشكل هذا المفهوم يؤكد على ايجابية التنوع الثقافي واهمية استمراره وعلى حق مختلف انواع الثقافات المحافظة على كيانها واحترام اوجه الاختلاف وتميزها وحماية صناعاتها الثقافية.

————————————————————————————-

3– بينيا كالفو . و جوتيريز  الماراز ، التفاعل الثقافي وتطوير الانشطة الطلابية ، بحث مقدم في المؤتمر الدولي الثالث عشر  ، مدينة مورسيا  ،Almarza2002، ص 921 .

4- ايفا عظمة ، الاندماج الاجتماعي للفئات المهجرة ،مركز مداد للابحاث والدراسات دمشق مارس 2016،5- اليونسكو ، التربية والتعليم ، التنوع الثقافي ، اعلان جوهانسبوغ 2002

الفنان والمهجر

تشترك عوامل عديدة في بلورة رؤية الفنان حين يهاجر من بيئته الاولى الى المكان الجديد الذي سيقيم فية ,فهو يحاول ان يتكيف مع مفرداته وتفاصيل الحياة فيه, وان دراسة هذه العوامل ومدى تاثيرها على عطاء الفنان هي, في الحقيقة امر في غاية الصعوبة لانه ذلك يرتبط بمدى قدرة الفنان المهاجر على التفاعل مع البيئة الثقافية

الجديدة و كيف سيبلور رؤيته التي لابد وان ترتبط بتاريخ معرفي ينطلق من رؤية لفنان ومرجعياته ودوافع هجرته, والى أي مدى استطاع ان يوظف كل ذلك في رؤيته المسرحية التي تتمازج فيها ثقافة الجذور بثقافة المهجر؟ ام يبقى الفنان مرتبطا ومنكفئا على ثقافة الآصل وغير قادر على الافادة من معطيات الواقع الجديد وماتفرضه الظروف المادية والموضوعية على مجمل نشاطه الحياتي او  الابداعي؟

انه لامر بديهي ان تلعب الفترة الزمنية التي يقضيها الفنان في بلد المهجر دورا كبيرا في تحديد ونضج اعماله المسرحية  بعد إن يتعرف على تفاصيل الحياة  الثقافية والاجتماعية وكيف يستطيع ان يتعامل معها  برؤى  جديدة  وتفاعلية متبادلة وهذا ما دأب عليه البعض من المسرحيين العراقيين الذين عاشوا واقاموا في المهجر والذين تزايد عددهم سواء في اوربا او الامريكيتين او استراليا وكندا حرصنا في هذه الورقة ان نختار بعض التجارب المسرحية المميزة التي تركت بصمات واضحة وحققت تفاعلا متبادلا بين الثقافتين العربية والغربية وقد اخترنا هذه التجارب في ضوء المعايير التالية

المستوى الاكاديمي لاصحاب التجارب المختارة وجميعهم من الخريجين من معاهد فنية مرموقة  واصحاب شهادات في التخصص

الخبرة واللغة والممارسة المسرحية الطويلة

مدة الاقامة في بلدان المهجر والاطلاع على الثقافات الاخرى

تنوع بلدان المهجر ومحاولة اضفاء الطابع الشمولي للنماذج المختارة

عوني كرومي*  : سلطة المنفى وجماليات المسرح الشعبي

أن دراسة تجربة عوني كرومي تحتاج الى معرفة الظروف التي أحاطت به عبر مرحلتين من مراحل تواجده في المهجر الاولى للدراسة وأكتساب المعرفة والثانية هي الاشد قساوة حيث اجبر على مغادر وطنه, الذي لم يعد يجد ذاته فيه بعد سلسلة من الممارسات والمضايقات التي تعرض لها, فأضطر الى ترك الوطن و الذهاب الى الاردن وهناك ايضاً لم يتوقف نشاطه المسرحي, فقد عمل في التدريس بجامعة اربد واخراج عددا من الأعمال المسرحية ولكن الأجواء الفنية العامة ايضاً لم ترق له ووجد انه غير قادر على تنفيذ افكاره ورواه لذلك قرر العودة الى برلين حاملا هموم الوطن بين جناحيه

أن عودة الفنان هذه المرة مختلفة تماماً اذ ترك هناك رصيدا من الأعمال وارتباطا بجمهوره الذي تابعه وتواصل معه طيلة سنين عديدة, حين عاد كرومي الى المهجر للمرة الثانية لم يجد الأمور كما تصورها, فالمسارح تغيرت تقنياتها واساليب عملها ، الى جانب ارتفاع تكاليف انتاج العروض لذلك لجأ كرومي الى الاعمال القليلة الشخصيات معتمدا على ذاته وعلاقاته ويشخص الفنان كرومي ذلك بقوله

” كنا نعتقد أن المسرح في بلدان المهجر سيفتح ابوابه مشرعة ويرحب بنا, ولكن رغم منافستنا لهم أن لم نقل تفوقنا في هذا الشأن, فأن جدار القطيعة مازال عاليا, والواقع خلاف كل التوقعات, لان الآخر لايقيمك مادام لايعرفك, وأن تنازل قليلا ذلك فأنه في أحسن الأحوال سيعرفك من خلال تجربتك معه واستناداً الى قدرتك للانصهار في ثقافته”6

من خلال هذا الرأي نجد ان العمل المسرحي في كنف المهجر لم يكن هينا

ان ينتمي لها ابدا, لذلك كانت عودة الفنان عوني الى المنفى هي آخر المرارات, لهذا حاول ان يعيد بعض الاشياء التي فقدها في ظل الفوضى وغياب الحريات في وطنه, جراء نظام شمولي حاصر كل فكر حر, ولاحق  الفنانين الذين  يمتلكون الجرأة في تقديم  مايرونه معبرا عن الواقع وحاجات الشعب  وفي هذا الصدد قدم الفنان كرومي  مسرحيات” مسافر ليل” ومسرحية” ترنيمة الكرسي

—————————————————————-

*مخرج عراقي مواليد 1945 ، نينوى

درس المسرح في العراق واكمل دراساته في المانيا واقام فيها مرتين عمل ودرس في جامعاتها ، توفي عام 2006 ببرلين وهو يواصل تقديم عرض اخر اعماله مسافر ليل ، سمي بسفير الثقافة الالمانية تكريما لجهوده في التعريف بها ، دفن بالمقبرة الفرنسية وسط برلين الى جوار عمالقة الادب والمسرح الالماني امثال برتولد بريخت وهيلينا فايغل وهاينر موللر واخرين .

6- محاضرة ، حول تجربتي المسرحية ، مهرحان المسرح العراقي في المنفى ، بروكسل ، بلجيكا 1997

الهزاز” في المانيا ، وقد حارل الفنان ان يختار اماكن غير مألوفة لتقديم هه العروض تاركا المسارح التقليدية التي شعر انها لاتفي بما يرغب ان يعرضه بل  شعر انها تحاصره وكما يصف ذلك الباحث فاضل السوداني

” من أجل أن يخلق كرومي علاقة فهم متبادلة بين المشاهد والنص البريختي, فأنه يعمد الى ترك المبنى الروتيني للمسرح واعتماد أماكن العمل, كالمصنع او ساحات البيوت,او تقديم العرض في أمكان غير مسرحية” 7

لقد حاول عوني كرومي في عرض مسافر ليل  تأليف الشاعر المصري صلاح عبد الصبور أن يتوغل لكثر في عمق التفاعل الثقافي مع الاخر فألى جانب اعتماد اللغة الالمانية حوارا اشرك ممثلتين المانيتين لتجسيد ادوار العرض الذي توفر على رؤية تجربية اختزلت مفردات السينوغرافية بسلم من الالمنيوم ليوظفه في  مواضع عديدة ويحوله الى اماكن مختلفة ، استطاع كرومي بهذا العرض ان يحقق نجاحا مضافا لتجاربه السابقة وان يقترب اكثر الى تقديم مضامين عربية برؤى كونية تصل الى الاخر عبر شفرات محملة بالرموز ومنفتحة لتأويلات شتى .

اخرج كرومي في المهجر اكثر من خمسة عشر* عرضا تنوعت بين عديد اللغات الالمانية والعربية والانجليزية والكردية ، اما عن اسلوبية عروضه فقد حاول كرومي ان يقترب من تقنيات ومضامين المسرح الشعبي مستفيدا من خبرته ودراسته لمسح برتولد بريخت حيث سعى للتعريف بهذا المسرح وسماته من خلال الجوانب النظرية والتطبيقية عبر الورش والعروض والمحاضرات بعد وجد فيه ان هناك الكثير من موضوعاته واسلوبه ينسجم وحاجات المجتمع العربي ومشاكله الاجتماعية

—————————————————————————————-

7- فاضل السوداني ، المسرح العراقي ومفهوم المسرح الملحمي ، الحوار المتمدن ، محور الادب والفن ،9 -8-2007

* من ابرز الاعمال التي اخرجها عوني كرومي هي مسرحيات العميان  ، الترنيمة96 ، تقرير امام الاكاديمية لكافكا ، من دفتر مذكرات ممثلة 1997 ، السيد والعبد ، صراخ الصمت الاخرس ، هكذا في الاعالي99 ، فاطمة 2000 ، المصباح ، الانسة جولي 2001، في السماء 2004 ،ليلة السكاكين الطويلة 2005 ، مسافر ليل 2006

 

 

 

 

 

حازم كمال الدين *: الالتباس والتنوع في العرض المسرحي

 

بعد ان اتم دراسته الاكاديمية في كلية الفنون ببغداد قادما من مدينة كربلاء حاملا طقوسها وشعائرها الدينية وتشابيهها لينتقل الى فضاء حديد من الثقافة والمسرح الذي راح يمارسه عبر اعمال كلية الفنون او من خلال فرقة الفن الحديث والتي ساهتما في بلورة موهبته ممثلا ومخرجا وكاتبا فيما بعد ،حين شد رحاله خارج الوطن باحثا عن وطن يأويه بعد ان واجه ملاحقة السلطات ومضايقته مما احبره على ترك الوطن والهجرة منه  وبعد طول معاناة  حط رحاله في بلجيكا التي وجد فيها مأوى ورعاية من بعض اصدقائه المقربين وسرعان ما واصل دراسته في معهد مسرح الحركة بمدينة انفيرين ، وفي الوقت نفسه يواصل اطلاعه  ومشاركته في تجارب المسرح البلجيكي  مما زاد في تأهيله الى ان قام بتأسيس فرقته الخاصة (صحراء 93) التي سعى من خلالها الى اعادة الارتباط ورسم العلاقة ابداعيا مع الوطن من خلال المسرح في المهجر.

قدم كما الدين عديد المسرحيات التي حاول من خلالها الغاء الحدود الثقافية والفنية السائدة ابتداءا من اعماله ( زرقة الرماد ، ظلال في الرمال ، صورة في العاصمة ، دماغ في عجيزة ، سلالم الصمت ) اعتمد في معظم هذه الاعمال التركيز على المضامين الشرقية والعربية مستفيدا من الطقوس الدينية و الشعبية الحركية في معالجة موضوع الحركة والجسد ، رغم انه حرص على تقديم اعماله بلغة غير العربية  هي اللغة الفلامانية لكنه لم يتخل عنها بل دافع عنها بوصفها اسا للثقافة العربية والاسلامية التي قدم نفسه من خلالها واجبر الاخر الاعتراف به ضمن منظور التنوع والحوار الحضاري .

لقد ركز حازم كما الدين على الحركة واشباعها بروح الحكايات الشرقية في معظم اعماله التي كان يكتبها بنفسه موظفا فيها الكثير من النصوص والصحف والاحداث المحلية بالوطن الاصل محاولا بذلك خلق مزيج شرقي الروح وغربي الجسد وهذا ما جسده بمسرحية الاسفار المأخوذة عن نص الغزاة لكاتب تشيلي ففي هذا العمل حاول  المخرج والمعد كمال الدين

الدخول الى عوالم الميثولوجيا الشعبية جاعلا من شخصياته الخرافية المتمثلة بالجنية وشيخ

————————————————————————————

*ممثل ومخرج وكاتب عراقي من مواليد محافظة كربلاء ، درس ببغداد وعمل في الفرق المسرحية الاهلية وجسد ادوارا عديدة منها في مسؤحيات القربان ، حكاية شركان في بيت زارا ، شفاه حزينة ، راشامون ، حكاية الرجل الذي اصبح كلبا ، الملك هو الملك ، رحلة حنظلة ، القصة المزدوجة للدكتور بالمي ، الحصار

 

 

الجان وزهرة الصبار ما تشبه الدمى الجامدة الخالية من الملامح والفاقدة للحس الانساني في اشارة على انها شخصيات مهمشة لاحياة فيها تتحرك وفقا لارادات خارجية وهي رموز

واشارات موحية الى سلب ارادة الانسان في مجتمعاتنا وتحديد حريته والتحكم بمصيره .

يرى حازم إن الحكاية الشعبية هي وسيط لايصال المعنى اكثر منها موضوعا قائما بذاته وقد حاول  الفنان سواء في اعداده لمسرحيته او من خلال تعامله الاخراجي الى تشذيب الحكايات الشعبية من الترهل حين لجأ الى التكثيف والاختزال  وهو ما يسميه بالمينماليزم وهو اسلوب يكشف عن جوهر الحكاية مضيئا كان ام معتما.

اما عن الاسلوب في عمل الفنان حازم كمال الدين فنراه يضع اهمية للامكنة التي يختارها فضاءات لعروضه ، انه يلغي سلطة المكان  واقصد هنا المسرح التقليدي ليكتشف من خلال ذلك الامكانات اللامتناهية في فضاءات غير مألوفة تمنح الممثل والجمهور معا طاقات متجددة للتعبير والخلق التي تقوده نحو أفاق مشهدية لا حدود لها وعن علاقة الجمهور بعروضه فهو ينظر للجمهور جزءا من الرؤية الاخراجية فهو يحركه كما يحرك ممثليه محاولا اشراكهم في بنية العرض وانتاج الدلالة اذ يقول في هذا الصدد ” تعاملت مع المتلقي كمخرج فوضعت له موانع ، الغيت المسافة بينه وبين الخشبة ، اجلسته على الخشبة وتركت المشهد يحدث في الصالة ، وضعته في زوايا مختلفة الرؤيا كل منها تضىء العرض ، اخرجت الممثلين من تحت اقدام المشاهدين ، وضعت المشاهد تحت مدرج السرح اوقفته ، اجلته ، اعطيته سريرا كي يتمدد ويراقب ، وشعت الممثل على الاشجار وفي الساحات العامة وفي كل هذا كان شاغلي البحث عن العلاقة الايجابية الخلاقة مع المتلقي ، لكني في كل مرة اصطدم سرا بحقيقة وهي انني انا الذي كنت اضع الشروط “8

يعد كمال الدين من اوائل مسرحي العراق في المهجر والذي استطاع من خلال مجمل اعماله ان يحقق حضورا وتفاعلا مع الثقافة البلجيكية موظفا جوانب من ثقافته وتراثه في العروض التي انجزها وشاهدها الجمهور وتناولتها وسائل الاعلام المختلفة وهو اسم دائم الحضور في مسرح المهجر وتجاربه المعاصرة .

 

————————————————————————————

8- حازم كمال الدين ، لقاء معه ، مجلة أدب وفن ، العدد 53 سنة 2005

 

 

 

 

 

فاضل الجاف* التنوع الثقافي والاثني ثراء للمسرح

——————————————————-

ان طبيعة المدينة التي ترعرع فيها فاضل الجاف وما تنطوي عليه من تنوع ثقافي وعرقي  ووجود لغات متعددة كل ذلك ساهم في بلورة موهبته الاساسية وهو المغرم بالموسيقى والوانها المتعددة سواء العربية منها او الكردية والتركية والاشورية وحين اتم دراسته الثانوية في مدينة كركوك انتقل الى العاصمة بغداد ليدرس المسرح ويتعلم اصوله ومناهجه الاولية على ايدي اساتذة اكفاء ويخوض غمار التجربة نظريا وعمليا ، وحين تخرج الجاف كانت المنطقة الشمالية تعيش ظروفا استثنائية  مما جعله يفكر بمغادرة العراق  فحمل هواجسه واستقر في السويد كان ذلك منذ اكثر من الثلاث عقود ، وبعد ان اطلع على الثقافة السويدية واتقن لغتها وتعرف على تجارب مخرجيها قرر الجاف اكمال دراسته فسافر الى لندن ليكون في جامعة غولد سميث ، بعدها اكمل دراسته للدكتوراه في روسيا ليعود مختصا بمنج مايرهولد وتطبيقاته المسرحية

اسس الجاف فرقة أرارات المسرحية عام 1986 في ستوكهولم التي جمع فيها عددا من الفنانين الاكراد وقدم معهم عددا من التجارب المسرحية الكردية منها مسرحيات :الدوامة87، كلاويز والذئب88، التعري 89 ، العنب والزجاج 90 ، نبيان 94 ، ناز والدب 2000 ، الموت والعذراء 2004وهناك عروضا اخرى قدمها باللغات الانجليزية والعربية والسويدية

الناقد عواد علي يقول عنه ” يتميز الجاف بالمثابرة واستيعابه للاتجاهات العالمية للمسرح ومحاولة المزاوجة بين الجانبين النظري والعملي واضفاء اللمسات الشيقة والجذابه لعروضه التي استطاع من خالاها استقطاب المتفرج السويدي ” 9

الجمهور الغربي عرض ( الف ليلة وليلة )ومن العروض المميزة التي استقطبت

الذي اعده البريطاني دموني كوك وعرض في مدينة هلسنبوري السويدية ، يتناول العرض ليالي الشرق بأسلوب معاصر وقد وظف الجاف في هذا العرض كل مواهبه في الموسيقى والاخراج حيث وظف موسيقى شرقية بأداء موسيقين سويدين كما اشرك ممثلين عرب واجانب اضافة الى استخدامات فنية للضوء واللون والتوظيف الهارموني للديكور والمؤثرات الصوتية التي كانت

————————————————————————————-

* فاضل الجاف : مخرج واكاديمي ، درس المسرح بجامعة بغداد واكمل دراساته في جامعة لندن -كلية كولد سميث متخصصا بالاخراج التطبيقي ، فم بعدا اكمل شهادة الدكتوراه في روسيا مدينة بطرسبورغ عن اطروحته حول منهج مايرهولد وتأثيره في المسرح الغربي وقد اصدره بكتاب عنوانه فيزياء الجسد

9- عواد ،علي ،فاضل الجاف المتعدد الثقافات ، مجلة شانوكار ، مقالات المسرح ،10-5-2015

               www.shanokar.com

 

 

 

بشكل لافت مما جعلت من العرض عملا راقيا وجميلا شد انتباه الجمهور  الذي اعجب بالمضون واسلوب العرض . ومن بين العروض الاخرى للجاف يأتي عرض ( في البحر الفسيح ) للكاب البولندي سلافو ميروجيك الذي تم عرضه على مسرح مدينة روسلند واثار ردود فعل متباينة كونه يتعرض من خلال احداثه الى اسقاطات سياسية حول الاوضاع التي كان يعيشها الاقليم في عهد النظام السابق .

وهناك ايضا عرض ( الموت والعذراء)  للكاتب التشيلي ارييل دورفمان قدم العرض بمدينة غوتنبيرغ وتناولت انتهاكات حقوق الانسان ، حاول الجاف في هذا أن يمنح العرض طابعا شموليا كونيا ليتلائم مع طبيعة الجمهور المتنوع الثقافات حيث مزج فيه مابين منهجي ستانسلافسكي ومايرهولد أي بين المنهج النفسي واليايوميكانيك القائم على الحركة والبعد البصري والفضاء البنائي والنظرة الكروتسكية الى الواقع كما عمد لتقديم العرض في فضاء مفتوح مركزا على البعد الانفعالي والعاطفي الذي يزخر به الفضاء الخالي .

واهتم الجاف ايضا بمسرح الطفل وله في هذا المجال عديد العروض التي قدمت باللغة السويدية

منها (الاميرة والقبعة تحت الارض ) للكاتبة السويدية نينا اولسون ومسرحية (الدمية المهملة )

للكاتب الفونسو ساستري ومسرحية (الفتاة والذئب) عن حكاية روسية ومسرحية (ذات القبعة الحمراء) عن حكاية فرنسية

لم تقتصر عروض الجاف في السويد بل  عرضت في عديد المسارح العربية والعالمية وقد استطاع من خلال ذلك ان يجد له مكانا في الثقافة الغربية عبر تجارب حملت سمات التنوع والتفاعل الحضاري .

جواد الاسدي* قسوة المنفى وجمالية النصوص

——————————————-

تختلف تجربة الفنان جواد عن مجايليه من الفنانين المسرحيين الاخرين فهو رجل مهووس بالمسرح،  بالوطن ، والانسان حد النخاع ، رغم انه لم يكن يفكر يوما ان يدرس المسرح الا ان الصدفة قادته لهذا العالم الرحب الذي دخله متوجسا بعفويته ووعيه الاجتماعي وما يحمله من صور وخيال وتصوف وادعية وطقوس كيف لا وهو ابن مدينة زاخرة بالعلم والدين والطقوس حمل كل هذا ودخل معترك الفن المسرحي ليجعل منه ساحة اخرى للتعبير والبوح بعد ان تعلم ابجدياته في كلية الفنون ونهل من خبرات اكاديمية عراقية مميزة  حاول ان يكاملها في مدينة صوفيا التي سافر اليها ليواصل دراسته في معهد الفييتس البلغاري وتجاربه المعروفة من قبل اساطين المسرح البلغاري والروسي انذاك وبعد ان اتم دراسته عاد ليعمل في عواصم عربية عديدة ابتداءا من دمشق ثم عمان وبيروت كما عمل في بعض دول الخليج وكذلك اقتحم المسرح العالمي ليقدم بعضا من تجاربه  في مسارح البلدان الاوربية مثل فرنسا والمانيا والسويد واسبانيا وهولند

جواد مخرج متميز له خصوصية متفردة وتجربة غير مألوفة فهو يسعى دائما الى تجاوز السائد باحثا عن المشاكسة والاشتباك مع النصوص واحالتها الى لغات اخرى تختزن بجمالبات وصور ودلالات فكرية وجمالية .

عاني الاسدي من قسوة المهجر ويكاد يكون الاكثر من بين المخرجين تنقلا بين مدن الكون ولهذا جاءت تجربته ممتلئة بالاحاسيس والمرارة ومحتزنة بمشاعر الالم لما عايشه من حيرة المنفى

————————————————————————————-

*- مخرج ومؤلف عراقي ولد في محافظة كربلاء ، درس المسرح في العراق وبلغاريا وعمل في سوريا ومع المسرح الفلسطيني واخرج عديد العروض المميزة التي حققت نجاحا عربيا وعالميا ونال العديد من الجوائز العالمية والعربية .

والاغتراب والتمزق السياسي الذي جعل وطنه في حالة حرب دائمة وعدم استقرار وتراكم ازمات وضياع لمستقبل الاجيال بفعل اسباب عديدة منها داخلية واخرى خارجية جعلت البلد ساحة للحروب والكوارث وتصفية الحسابات وانتشار الفساد وشيوع الجهل والفقر والامراض كل هذا جعل من شخصية الاسدي ان يتخذ من المسرح مكانا للتصدي وطرح الافكار وكما يقول ” المسرح هو المساحة الوحيدة المتاحة لي وللمثلين لنقول الاشياء التي نريدها دون مكياج او اقنعة “10

وما يميز تجربة الاسدي المسرحية التي تتوزع فصولها في عواصم عربية ومدن غربية انها تظل عبارة عن مختبر بل مصنع دائم للافكار وتوليد الرؤى كونه يحرص دائما على التجديد وتجاوز المألوف سواء عبر كتاباته واعداده للنصوص التي يقوم بأخراجها او من خلال تعامله مع الممثلين او فنيي العرض ، فهو يجعل التمرين المسرحي ورشة تفضي للكثير من الحوارات التي تقود لمزيد من الانزياح والخروج عن الثابت الى الجديد المتحول مراعيا في ذلك الجوانب الفكرية والرؤى الجمالية.

حفلت اعماله بتناول المضامين الكبيرة والاسئلة المقلقة التي تواجه الواقع وتتصدى لضناع الدمار من السياسين والمتسلطين والمحتلين محاولا تحقيق مقاربات قريبة من الواقع الراهن وملامسة الاحداث الساخنة وما يسفر عنها من تداعيات وانعكاسات على المجتمع

ومن اهم العروض التي برع فيها الاسدي وكانت تحمل بين طياتها السمات السابقة هي مسرحيات ( العنبر رقم 6) لانطوان تشيخوف ، و(الخادمات ) للفرنسي جان جنييه و(هاملت) و)المجنزرة ماكبث ) لشكسبير حيث حاول الاسدي في هذه العروض وغيرها ان يعيد صياغتها وفق رؤاه الاخراجية وبما يستطيع من خلالها  استحضار السياق الثقافي العربي وان يعيد قرائتها وفق منطقه المشاكس ، لقد سعى الى توليد نصوص نابعة من رحم الواقع العراقي وهذه كانت احتجاجا كبيرا وتعايشا لمجريات الواقع واحساسا بمرارته وسط ضجيج السياسين وثرثرة المتسلطين من اصحاب القرار امام انسحاق الانسان البسيط فجاء عرض ( حمام بغدادي) الذي اراد من خلاله ان يعري النفس ويغسل ادرانها ليعيد اليها ذلك الجوهر الانساني الذي افتقدته .ان انتماء الاسدي الى الانسان اينما يكون جعل من اعماله نافذة يطل منها الى العالمية لذلك قدم البعض منها في اوربا منها عرض ( رأس المملوك جابر ) التي عرضت في مدينة فلانسيا الاسبانية والتي حاول فيها تخطي حاجز اللغة والتركيز على قوة المضمون واستثمار حركة الممثل بالتماهي مع النص من خلال موسيقى الجسد فالاسدي يحفر في ذاكرة الممثل وكذلك الشخصيات ليصنع منها اجسادا وتعبيرات  ولغات خاصة تشكل بنية ومعمار العرض

———————————————————————————

10- فاروق يوسف ، جواد الاسدي من كربلاء الى الحمام البغدادي ، جريدة العرب ، ع 9583 ، في 8-6-2014 صفحة10

الاسدي ميال الى الثقافة العالمية منذ ان قدم عائلة توت وهاملت والعنبر فهو يمزج بين شكبير ومفارقات ارتو كما انه مغرم بتشيخوف .

والعرض الاخر الذي قدم في مسارح غربية عديدة هو ( الخادمتان) الذي انطوى على قراءات متعددة حيث قدمه الاسدي اخراجيا عدة مرات ظنا منه انه يعيد احياء النص في كل مرة  مركزا على ثيمة الاستغلال والتسلط والعلاقة بين السجن والتحرر وهي ثيمة عالمية انسانية  حاول الاسدي ان يشتغل في هذا العرض على ثنائيا الاداء الواقعي والغرائبي الى جانب توظيفات السينوغرافيا وفق جماليات عديدة ومستويات مختلفة حملت دلالات ومعاني وجسدت العلاقات بين الشخصيتين السيدة والخادمة ان هذا العرض ورغم قلة مفرداته الا انه اختزن بمضمون انساني راق واداء ساحر وتكنيك مسرحي لتوظيف الجسد وبناء مشهدية طافحة بالغرابة والجمال وهو مايميز اسلوب الاسدي وتجاربه   قدم هذا العرض في المانيا والسويد وحقق تجاوبا كبيرا مع الجمهور .

باسم القهار : المهجر وعزلة اللامكان

يعد باسم القهار احد الطاقات المسرحية التي استطاعت ان تثبت حضورها في اكثر من مجال ولعل التمثيل مبكرا اخذ حصة من اهتمامه ، وتبلورت موهبته خلال دراسته في كلية الفنون الجميلة التي شارك فيها بعديد الاعمال التي اثبتت قدرته وتفوقه ، ولكن بعد تخرجه لم يلبث طويلا اذ سرعان ماغادر الوطن سنة 1991  اي بعد تخرجه بعام واحد تاركا ارثا جميلا من اعماله التي اخرجها في بغداد مثل ( العنقاء) ومسرحية ( في انتظار غودو )  و(ماكبث) ثم شريكا الى جانب المخرج صلاح القصب في مسرحيتي ( عزلة في الكريستال) و( الخال فانيا) وحينما غادر الى سوريا ومن ثم الى استراليا  واصل القهار مسيرته وتزايد رصيده الابداعي عبر اكثر من 27 عملا

لكن تجربة استراليا لها خصوصية مميزة كونها جاءت في بيئة مختلفة وثقافة وبيئة حضارية واجتماعية متباينة من الثقافة العربية ومع التشكل المعرفي للفنان ، جاءت هذه التجارب لتكون جسرا للوصول الى الاخر وردم الهوة  من اجل التقارب والاندماج والتفاعل مع ثقافات ولغات وقيم ورؤى كبرى ازاء العالم ومفمهوم الدين والحب والحرية والجنس والسياسة والديمقراطية ومفاهيم التقديس والعلمانية الغربية والشرق الديني الغيبي

عمل الفنان باسم القها في مسرح سدني بعد مرور عام على وصوله 1998 وقدم فيه اول تجاربه  المهجرية ( مسرحية جريمة في جزيرة الماعز ) للمؤلف الايطالي ايغوبيتي  جاء هذا العرض من خلال خبرته بهذا النص وتفاصيله لكي يجتاز به حاجز اللغة الانجليزية ، لم تكن جزيرة الماعز من رجل سجين مع ثلاث نساء فقط بل انه كان قراءة في كون هذا الرجل هو اسير حرب وسليل الفاشية العسكرية الايطالية لموسليني .حيث مارس هذا السجين سلوكا ديكتاتوريا ضد النساء الثلاث هو الاستبداد العاطفي  وطغيان الحب ضد النساء هو نوع من استعمار الجسد يشي باستعباد هذا الرجل للارواح والعقول واحلام النسوة الثلاث.

اثر نجاح عرض الماعز عمل القهار مع مسرح الاولد فتسروي 1999 لتقديم عرض (الحارس) لهارولد بنتر كانت هذه الدراما  المكان والملاذ والرحيل انه اللامكان الذي يعيشه الفنان حيث لا يشعر بالانتماء ولا الحرية ولا التجذر ولايمكن اقامة اية شراكة مع المكان ، اما رؤية العرض سينوغرافيا فقد جاءت من خلال مفردة الحقائب المتراصة بشكل فوضوي والممثلون يحضرون ويغيبون وهم يحملون حقائبهم ، وسط عالم من الاضطراب العقلي ايضا لان الراحلين والقادمين يشبهون المرضى النفسيين في مشفى ، جاء العرض بمثابة نقد قاس لاسى الرحيل والهجرة والنفي والاسعباد والنزوح.

اما التجربة الاخرى فكانت عرض (الخادمات) لجان جنييه ايضا  وهي لمسرح سدني الفن عام 2000  ،العرض يحمل افكارا تحررية ومواجهة للطبقية الفاسدة نحو نشوء عدالة اجتماعية والانقلاب على بديهيات الضرورة الطبقية والتراتبية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، اراد المخرج في هذا العرض ان يقول”ان الخادمتين كانتا تتمرنان على الثورة ، يقمن بروفات متواصلة للتمرد والانقضاض على السيدة وقتلها ، قلت في العرض إن الثورات لا تحتاج الى تمارين وبروفات انها تكتفي باليأس والغضب والحقد لتتفجر “11

حسين الانصاري* نحو مسرح لثقافات متعددة

منذ ان غادر ارض الوطن تاركا عمله الاكاديمي  بصفته استاذا للمسرح في كلية الفنون وناقدا للعروض المسرحية ومتابعا دائبا  لمسيرة المسرح العراقي والعربي وتنوع اساليبه ورؤاه ، ظل هذا الهاجس ملازما له وهو يواجه تجربة المهجر وثقافة اخرى عليه ان يفك مغاليقها ويدخل اتون الثقافة السويدية لذلك كانت تجربته مع مسرح المدينة الرئيسي في مالمو والذي يسمى ( الهيب تياتر )* ذات اثر كبير في التعرف على جوانب مهمة من  مسيرة المسرح السويدي حيث كان يعمل في المسرح نخبة من الاسماء المسرحية الكبيرة ولعل العمل مع مخرج بحجم روني دانلسون لهو تجربة واطلاع على تجربة كبيرة لهذا المخرج الشهير الذي قدم الروائع للمسرح

————————————————————————————–

11- مقابلة شخصية مع المخرج باسم القهار 7-8-2016

* باحث وناقد مسرحي من مواليد ديالى – العراق كتب واخرج العديد من العروض المسرحية

استاذا في المسرح وله العديد من البحوث والدراسات ، شارك في عديد المؤتمرات العلمية والثقافية واشرف على عدد من رسائل الدراسات العليا في الفنون والاعلام

السويدي ، من هنا كانت النافذة الاولى التي اطلت منها نحو المسرح في المهجر ، بعد تجربة الهيب تياتر جاءة تجربتي مع مسرح ( بوزشونين) والذي كان يسمى فرات تياتر حيث تهتم هذه الفرقة بالتجارب الثقافية للشرق ومحاولة التعاون من اجل ترويج ثقافة الاندماج والحوار والتفاعل الحضاري  كانت لدي تجربتين اخراجيتين هنا الاولى جاءت عام 2006  بعنوان

(  كانها لم تكن بيروت ) والتي جاءت لتعكس سطوة الغربة والابتعاد عن الوطن الاصل وكيفية الانشداد اليه رغم الزمن فمن خلال علاقة مشتركة بين شخصية يوسف اللبناني وزوحته السويدية سابينا يعودان الى بيروت بعد غياب ليوسف اكثر من عقد لقضاء اجازة الصيف هناك

يوسف المغرم بصوت فيروز وحنينه لاماكن صباه وشبابه وملتقى ذكرياته بالروشة واشتورا وبعلبك وبيروت مدينة يوسف التي عشق نهاراتها وليلايها ، افراحها واحزانها سرعان ما تتغير كل هذه المشاعر وتطوقهم احزان الحرب التي بدأت فدمرت احلى مافيها ويكتشف يوسف الذي يختبأ في الملجأ مع زوجته ان طيل مدة بقائه في المهجر هو مازال غريبا في نظر سابينا ويتحول المكان الى صراع وتعرية بين الطرفين من اجل ان تعود ابنتهما التي بقيت عالقة خارج المكان بعد انهيار العمارة التي يسكنون فيها ، حاولت في هذا العرض توظيف التراث اللبناني من خلال الموسيقى والحركة حيث اغاني الميجنا ورقصات الدبكة اللبنانية التي تكسر مستويات الصراع وحدة المأساة المتصاعدة .

تجاوب الجمهور السويدي مع اداء الممثلين واسلوب الاخراج وكان عرضا ناجحا قدم صورة من صوروثقافة مجتمعين ونوعية العلاقة الانسانية بين رجل عربي وفتاة غربية .

العرض الاخر جاء بعنوان ( يمكنكم ان تشاهدوني الان ) وهو مستمد من مسرحية الزبال للكاتب السوري ممدوح عدوان وقد تم اعداد النص  مونودراما لتوضيح قيمة العمل واختلاف المفاهيم بين مجتمع الغرب والمجتمع العربي ، كما توفر العرض على جانب من الاسقاطات السياسية والاجتماعية  ، اما سينوغرافيا العرض فقد اعتمدت مفردة البراميل البترولية في اشارة الى الثروات العربية التي تضيع هباءا وبعيد عن خدمة الانسان وتحقيق حالة الانماء والتطور

العرض الثالث بعنوان ( انظروا ) وهو دراما اجتماعية تلقي الضوء على حياة مهاجر ارتكن لحياة المهجر معتمدا على المساعدات الاجتماعية في حين تكون الشخصية المقابلة على العكس تماما وهي الزوجة القادمة من بلده الاصل التي تجتهد وتثابر من اجل تعويض الوقت وفعلا تنجح وتحصل على عمل مميز ، الامر الذي يجعلها دائما في حالة صراع مع الزوج اللامبالي وتبقى نهاية احداث هذا العرض مفتوحة بتأويلاتها هذا العرض قدم في برلين وحاز على تجاوب الجمهور  حيث اقترب بمضمونه من واقع يعاني منه الكثير ممن ينظرون لحياة المهجر انها حياة رغيدة  دون جهد وعمل .

وهناك تجارب اخرى لمخرجين اخرين ساهموا في مسرح المهجر اذكر منهم  المخرج كريم رشيد وعصمان فارس ورياض محمد واخرين لايسع المجال  للوقوف عند تجاربهم الان.

خلاصة

——–

تظل الحياة الثقافية مفتوحة النوافذ للتحاور والتلاقح والتفاعل مع الثقافات الاخرى والمسرح هو الوسيلة الاكثر تعبيرا عن ذلك ومن خلال ماتقد م يمكننا تأشير الملاحظات التالية حول سمات مسرح المهجر من حيث المضامين والاساليب المستخدمة وكما يلي

لقد تناولت معظم العروض التي قدمت في بلدان المهجرقيما انسانية انبثقت من خلال حالات الصراع والثنائيات بين الخير والشر والتوق الى الحرية ورفض الاستعباد والدعوة للانفتاح وتجاوز العزلة والانغلاق كما كان موضوع الغربة وقسوة المنفى والحنين الى الاصل ثيمات واضحة

* سعت العروض الى محاولة توظيف الموروث الشعبي الشرقي بكل ما يزخر به من مضامين فكرية واسلوبية ورؤى جمالية

* توزعت الاعمال مابين الاعمال المؤلفة والمعدة او المقتبسة وتوظيف نصوصا اخرى سواء تكون شعرا ام حكايات كما تونعت التجارب لمسرح الكبار والاطفال

على مستوى الاسلوب حرص المخرجون على تجاوز العروض التقليدية والبحث عن فضاءات غير مألوفة في محاولة لكسر السائد وتحقيق حالة من التشويق واشراك المتلقي ، كما غلب الطابع الرمزي والتجريدي في بعض المعالجات وكان التركيز الاكبر على  طاقة الممثل وحركة الجسد وكيفية توظيفه في صور ودلالات متنوعة وثرية مقابل تبسيط احجام الديكور والاعتماد على بعض المفردات نتيجة لضعف الميزانيات ولتسهيل التنقل بالعروض والمشاركات المختلفة

حرص المخرجين على اشراك فنانين من بلدان المهجر في محاولة للتفاعل والتبادل الثقافي والانفتاح على ثقافة الاخر تجسيدا لطاهرة التعدد والتنوع والحوار الحضاري المطلوب .

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *