المسرحي المغربي عبد اللطيف فردوس: المسرح مقرون بالديمقراطية والحرية

 

المسرحي المغربي عبد اللطيف فردوس لـ”الهلال اليوم”: المسرح مقرون بالديمقراطية والحرية المسرحي المغربي عبد اللطيف فردوس لـ”الهلال اليوم”: المسرح مقرون بالديمقراطية والحرية, اليوم الأربعاء 21 أغسطس 2019 06:03 مساءً

بعد دراسات العلوم السياسية والتاريخ والجغرافيا سيجد المسرحي المغربي عبد اللطيف فردوس نفسه، رغم اشتغاله أستاذا ومدربا للكرة الطائرة، مهووسا بالمسرح، لدرجة العشق الأبدي، منذ التحاقه سنة 1968 بأحد أعرق الأندية المسرحية بمراكش، ومنذ ذلك الحين زاوج بين الإخراج  حيث قدم 11عملا مسرحيا، والتأليف والإعداد والترجمة حيث قدم 27 نصا أغلبيتها نشرت وصورت كعمل مسرحي للتلفزة المغربية، كما عمل ولا يزال في تأطير ورشات المسرحية القصيرة.

اشتغل فردوس رفقة ورشة الإبداع دراما لمدة 12 سنة، على مسرحة الإشكال الفرجوية في التراث المغربي، وعلى مسرحة الرواية والقصة، حيث ألف 14 مسرحية قدمت كلها على الخشبة، وتم تصوير 8 منها للتلفزيون المغربي، وحظي 11 منها بدعم وزارة الثقافة، وفاز بـ 3 جوائز في المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي، وان كان لا يؤمن بأن معيار الجوائز لا يحدد مكانة المسرحي.

ألف فردوس أيضا بطلب من فرقة تانسيفت، وهي فرقة تاسست على يد مجموعة من خريجي المعهد العالي للفن الدرامي والتنشيط الثقافي، مسرحيتي “كيف طوير طار” و” التسليم للأسياد”. وعلى الصعيد الدولي ألف لفرقة الأصدقاء بغرونوبل بفرنسا مسرحيتي “شامة” التي ترجمت الى اللغة الفرنسية،  و”لحريق تحت الدفة”. كما قام بإعداد وبإخراج 16 عملا مسرحيا  موجها للأطفال والشباب. وله في مساره حلقة تلفزيونية من حلقات برنامج الأطفال “القناة الصغيرة”.

وعلى المستوى العالمي وبتكليف من نائب رئيس اللجنة الاولمبية المغربية ورئيس الجامعة الملكية المغربية للالعاب المدرسية، السيد الحسين بوهروال،  قام فردوس بإعداد وإخراج فقرات حفلي افتتاح واختتام البطولة العالمية المدرسية للألعاب الجماعية التي نظمت بمدينة مراكش سنة 2000.

وسينمائيا ساهم فردوس في كتابة سيناريو شريط سينمائي للمخرج جمال بلمجدوب وأنجز 3 أشرطة قصيرة. وتحمل مسؤولية نائب رئيس أول فرع جهوي للنقابة المغربية لمحترفي المسرح “سابقا”، وكان عضوا بلجنة دعم المشاريع المسرحية لوزارة الثقافة 2017  و لجنة اقتراح عروض مهرجان  الهيئة العربية للمسرح ( دورة الجزائر) و لجنة انتقاء عروض المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي  2016 – ولجنة انتقاء عرض الجهة بمهرجان هواة المسرح في دورته الثانية 2019.

يركز فردوس حاليا على وضع سيناريو سينمائي مع المخرج جمال بلمجدوب. وفي هذا الحوار معه نتعرف على أفكاره ورؤاه وتجربته مع المسرح والتلفزيون والسينما.

** المسرحي عبد اللطيف فردوس بعد هذا التقديم وأنت أمام مرآة مسارك وتجليات تجربتك، ماذا يمكن ان تضيف؟

* حينما أنظر إلى مرآة  مساري المسرحي، أخال نفسي سيزيفا بين السيزيفيين في قطار اسمه المسرح، نرددون جميعا مونولوجا من مسرحية “تحفة الكوارثي لفرقة” ورشة الإبداع دراما، من إخراج عبد العزيز بوزاوي وتأليف عبد اللطيف فردوس:

السيزيفيون هنا ماكثون

لا هم أحياء ولا هم مائتون

يحملون صخر الفشالات صمودا

وصخر الصمود فشالالت…

السيزيفيون هنا

ما أغناهم عددا، ما افقرهم عددا…

القطار لن يتوقف، ونحن سنستمر.

** كيف هي علاقة المسرح المغربي بالمشهد المسرحي العربي أولا من حيث التواصل وثانيا من حيث التأثيروالتأثر وثالثا من حيث الملامح والتجليات؟ 

** تعود علاقة المسرح في المغرب بالمشهد المسرحي في باقي الدول العربية إلى فترة الثلاثينيات إلى العشرينيات، فمدينة مراكش كباقي المدن المغربية الكبرى توطدت علاقتها بالمسرح من خلال الزيارات التي قامت بها بعض الفرق المصرية، كفرقة نجيب الريحاني 1933، التي عرضت مسرحيات ” الليالي الملاح ” و”حلاق بغداد” و”نجمة الصباح”،  وفرقة فاطمة رشدي التي زارت فاس والبيضاء لتحل بمراكش ما بين 22 و 25 يونيو 1932وقدمت  مسرحيات “كيلوباترا” و”العباسة أخت الرشيد” و”ليلة من ألف ليلة”. ومن خلال  كلمة رئيس جمعية التلاميذ عبد الغني القباج التي ألقاها بالمناسبة، يتضح دور الزيارة لإثارة الانتباه إلى أهمية المسرح، إلى جانب فنون الفرجة الأخرى التي كانت سائدة في المغرب، وإلى دوره في التوعية والنضال: “.. جئتم لنشر بنود فن التمثيل العربي الذي أبدى لنا عيانا ما كان لسلفنا الطيب من الضخامة، والمدنية، وكريم الأخلاق، وشريف الهمم، ورقة الشعور.. إلى غير ذلك من جميل الشيم مما بنى لنا ولكل عربي مجدا.. وعزا وفخارا..”.

منذ هذه الانطلاقة إلى يومنا هذا، ارتبط  المسرح في المغرب بمصر وباقي الدول العربية عبر ما أسميه بالمثاقفة بالنظير، فأوضاع المسرح العربي كما يرى د.حسن المنيعي ” ليست وليدة الصدفة، بقدر ما كانت نتاج مثاقفة وبحث عن هوية تجعله قادرا على تحقيق حضوره – حركية الفرجة في المسرح”، ولقد عملت الأوضاع التي كانت سائدة بالعالم بما فيها الدول العربية في  السبعينيات على خلق تكتلات ايديولوجية انعكست على الحركة الثقافية والفنية، فتقوت ارتباطات المسرحيين المغاربة، خاصة المنظرين منهم والنقاد، بسوريا والعراق ومصر والجزائر وتونس.

وأصبحت بيانات المسرحيين المغاربة كالاحتفالية والمسرح الثالث ومسرح النقد والشهادة أرضية للنقاش والمساءلة والنقد والانتقاد في بعض الدول العربية، كما شكلت نصوص نجب سرور ومحمود دياب ويوسف العاني  وإميل حبيبي وسعد الله ونوس محطة اشتغال فرق مغربية. وأظن بان حدثان تاريخيان هامان، أثرا بشكل  قوي عمق ورفع من وثيرة التفاعل الفني، نكسة 1967 التي غدت فكرتي القومية العربية والقضية المشتركة، و”الربيع العربي”حيث ضاعت البوصلة في الدول العربية بدرجات تيه متفاوتة، وخبا بريق القومية العربية، ولو بشكل مضمر، وأصبحت عوالم المسرح أكثر انفتاحا على تجارب وابتكارات عالمية عوض الارتكاز على التراث. ويتزعم المرحلة  حاليا خريجو معاهد تكوين متخصصة تحت معاينة ومواكبة جيل من الرواد بقي البعض منهم متمسكا ببعد المسرح الكوني بعيدا عن الشوفينية الضيقة. ولم تعد تيمات  المسرحيات  كما كانت مركزة على إدانة الاستعمار وفضح الامبريالية، بل توجهت نحو فضح فساد الأوضاع بالدول العربية والعلاقة المتوترة بين السلطة المسيطرة على الحياة الاقتصادية والسياسية وباقي فئات الشعب. إلا إن ملاحظتي على بعض العروض سقوطها في الشعبوية ومقولة “الجمهور عايز كده”. وعلى العموم فالمسرح العربي يعرف طفرة جديدة تقوم على البحث والتجريب ومساءلة الأشكال التقليدية، إن لم أقل الثورة عليها. المسرح العربي أصبح من حيث الشكل أكثر توظيفا للوسائط الفنية الأخرى.

** كيف ترى سقف الحريات المتاح للمسرح المغربي؟

** المسرح مقرون بالديمقراطية والحرية  ليس كتشريعات، بل كسلوكات وممارسات فردية ومجتمعية. وعندما تعي المجتمعات أهمية هذا الفن، فهذا مؤشر ودليل على نضج مفهوم الحرية لديها.. المسرحيون من يحدد سقف الحريات، وكلما ارتفع منسوب الوعي  ارتفع هذا السقف. في المغرب لا يخضع المسرح لأي شكل من أشكال مراقبة الدولة، لكن أخشي من أن ينبطح بعض الممارسين لسياسة التحفيزات المادية والرغبة في المشاركة في المهرجانات أو عدم الرغبة في الجرأة لتكسير الطابوهات، بمبرر أن المجتمع محافظ يجب احترام خصوصياته، فيخضعون بذلك إلى رقابة أقوى وأقسى وأشد تأثيرا من رقابة الدولة.

** هل هناك خطر يتهدد المسرح العربي؟ وان كان فماهو في نظرك هذا الخطر؟ وكيف يمكن مواجهته؟

** الخطر الذي يتهدد المسرح ليس بجديد أو عرضي،  ففي القرون الوسطى عاش هذا الفن صراعات مريرة مع الكنيسة والإقطاعيين لدرجة لم تكن تقبل معها شهادة الممثل في المحاكم. ولكن حينما انتبهت أوروبا إلى أهميته، جعلت منه مؤسسة اجتماعية وركيزة في أساسات حياتها المدنية. قد يقول قائل بأن الخطر يكمن في  تطور وسائل الفرجة، إلا أنني أرى بان المسرح سيبقى فنا نبيلا يستهوي المؤمنين بدوره وبأهميته في الحياة الحديثة. المسرح نضال وفن، لذلك في نظري لا خوف عليه مادام عشاقه يحملونه في قلوبهم وفكرهم ويخلصون له في هذا العشق. ومع ذلك لا يمكن إن يأتيه خطر يدمره إلا من بعض الذين يشتغلون بالمسرح، لا أسميهم مسرحيين لأن حمل هذه الصفة أنبل بكثير من الاشتغال بالمسرح.

هؤلاء يمكنهم تدمير أنفسهم بالمحاباة والحقد والأنانية المرضية. المحاباة في النقد وتقييم الأعمال. المحاباة في اختيار العروض النظرية ومنظريها في المناسبات، المحاباة في المهرجانات وقس على ذلك. على هذا النوع من “المشتغلين بالمسرح” إن يعيدوا النظر في أنفسهم وفي الميدان، وسأستعير ما قاله ميشيل فوكو ” علينا إن ننظر لذاتنا كموضوع معرفة ومجال للفعل، وذلك من اجل إن نتحول ونصحح أنفسنا وان نتطهر وان نحقق خلاصنا.” ولكي يحافظ المسرح على مكانته خاصة في الدول العربية أرى أنه آن الأوان لنبحث عن قضايا بحثية جديدة ومعالجات جديدة وتساؤلات جديدة مرتبطة بالتطور الذي تعرفه المجتمعات، آن نعيد طرح السؤال حول طريقة تشكيل الانفعالات، هل هي كونية ام هي منشاة على أساس اجتماعي؟ كيف يمكن الانتقال من فردية الشعور إلى انفعال الجماعة؟  أن نتساءل عن التمثلات الحالية للانفعالات وللإدراك، لأنها تغيرت، و حسب ما ترى المؤرخة الأمريكية جوان سكوت “أصبحت الحساسية في اتجاه العنف والأحكام السلبية المصاحبة لها منتشرة في المجتمعات الحالية”. علينا إن نتساءل ايننا كمسرحيين من قضايا كونية أصبحت أكثر إلحاحا بل صارت أولويات القرن 21 كالاحتباس الحراري، أزمة العطش التي تهدد ثلثي ساكنة العالم وفي مقدمتها الدول العربية، الحروب الإقليمية، وباختصار وكما أشار الفيلسوف الأمريكي المهتم بفلسفة “دينيس دايتون”: علينا إعادة طرح السؤال حول وظيفة الفن.

** ما رايك في المهرجانات المسرحية التي تنظمها الامارات العربية المتحدة خاصة أنك من أبرز المتابعين لهذا المسرحي؟

** جاءت المهرجانات التي تقيمها دولة الإمارات العربية المتحدة نتيجة لرغبة سياسية في النهوض بالثقافة بصفة عامة، واعتبارها قاطرة للتنمية. ولبلورة هذه الرغبة على ارض الواقع وضع مسؤولون،على اعلي المستويات، إستراتيجية واضحة قابلة للتقييم والتقويم. ولأجرأة هذه الإستراتيجية وتفعيل أهدافها،  تم إسناد المناصب إلى كفاءات بشرية خبيرة وذات تكوين أكاديمي ولها رغبة كبيرة في النجاح، لا كأشخاص، ولكن كمسؤولين عن تنفيذ الرغبة السياسية واستراتيجية النهوض بالإمارات، واحتلال الريادةة على الصعيد العربي ثقافيا. والمتتبع لهذه المهرجانات سيلاحظ أن أهم ميزاتها هي التكامل والانفتاح. التكامل فيما بينها بتراتبية دقيقة “من مهرجان المسرح المدرسي إلى مهرجان الشارقة مرورا عبر مهرجان المسرحية القصيرة” ويتجلى الانفتاح في مهرجان المسرح الخليجي ومهرجان المسرح العربي والمهرجانات المحلية التي تنظمها الهيئة العربية للمسرح بمختلف الدول العربية.

** كيف ترى العلاقة بين المسرح والتلفزيون؟ 

** المسرح كيان قائم لذاته، بينما التلفزيون مجرد وسيط وأداة ناقلة، لذلك، وكيفما كانت نوعية العلاقة بينهما،  يبقى المسرح مسرحا والتلفزيون تلفزيونا. ومع ذلك يمكنني إن أقول بان التلفزيون يصنع نجوما ويروج أخرى، وبهذا يمكن إن يستفيد منه المسرح في إطار توسيع قاعدة المهتمين والمتتبعين. ولكن الخطر يأتي حينما يتحول بعض الممثلين والمؤلفين ذوي التكوين الثقافي والسياسي والفكري السطحي والمهزوز إلى كائنات تلفزيونية تساهم في نشر ثقافة الابتذال وتمييع الساحة الفنية، بنشر طريقة التفكير الهدامة التي تقود إلى التطرف في جميع أشكاله. واقصد هنا بطريقة التفكير الهدامة،  هو جعل الإنسان يتبنى مواقف جاهزة دون إعمال العقل والتشكيك.

** كلمة أخيرة؟

** من مسرحية “حمار الليل في الحلقة”  لورشة الإبداع دراما تأليف عبد اللطيف فردوس وتلحين كلمات الأغاني عبد العزيز باعلي.. “إن كان المسرح جريمتنا، مرحبا بالحكم، وليكن مؤبدا فوق الخشبة”.

https://www.elbayan-news.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش