المبدع عوني كرومي – العراق

( مسرح الديالكتيك وديالكتيك المسرح )

لم ولن تدرج يوما تحت ايما عنوان الا عنوانك المقدس, العراق, ولا شيء سوى العراق… لعلك تذكر يوم انتهينا من محاضرة مشتركة في قسم الفنون المسرحية كلية الاداب جامعة اليرموك – المخرج المسرحي العراقي والمنهج البرشتي – ونحن نلملم ما تبعثر من قصاصات ورق أثقلتها الهموم والأحلام والطموحات ازدحمت بالملاحضات والمشاكسات واشياء اخرى , قلت لك يا معلمي شتان بين فرق الوعي وفرق العملة , ابتسمت كعادتك , وقلت تمنى الساعة اني طوعك , فصرخت بأعلى صوتي : أتمنى ارضا تتلضى , جزرا تتشهى لكن لايذبح فيها الانسان فدى مولاي الفاتك باسم الله ومولاي المستحلم بسم الله …. نم سعيدا في ارض أختارتك ولا تقلق على عوالمك الجميلة السابحة في سماوات القاهرة وعمان والكويت وتونس والمنامة وبرلين وستوكهولم وترنيمة كرسيك الهزاز في بغداد الحبيبة تقاوم التفخيخ وطيف الموت يطوف البيت ويذبح احلى الازهارواحلى الاطفال . كنت تقول المنجز الابداعي وحدة ابداعية لايمكن تجزئتها , والآن سأقرئك على الوفق ألآتي :

عوني كرومي وكيفية الاشتغال على المستوى الاسلوبي في النص 

من تساؤل يقلقه دائما , يؤسس (كرومي) أسلوبه القرائي للنص , وأن كان تساؤلا ينال بنية النص بشكل عام , فالنص وحدة أبداعية تقنية تقاليدية أنتاجية طرازية ونوعية تجعله من حيث الدلالة وثيقة تاريخية أو ( بيان ) كما يعتقد ( برشت ) .

فهو ظاهرة على صعيد الادب المسرحي وعلى صعيد بنيته . والسؤال هو : هل يتوفر حاضرنا على قدرة قرائية لتلك البنية بمستوياتها في ضوء معطياته ليخرج بالمنجز الادبي من مفهوم العمل الى مفهوم النص فعلا ؟ – حيث تعتقد البنيوية ان العمل موضوع مغلق ومنجز – ليصبح مجالا منهجيا ينكشف في نشاط القراءة؟ أو أن منظرات الحاضر , لا تنظر للنص ألا في سياقه التاريخي وبذلك تصبح حتى الظواهر المعاصرة أنساقا متماسكة يخضع كل منها الى طابعه الثقافي الخاص ؟ يرى عوني كرومي أن أستراتيجيات المحتل تجيب على تلك التساؤلات , بل يرى ان من ضرورات الاخراج ألمعاصر أن يتعامل مع النص على وفق تلك الاستراتيجيات أي كما يقوول دائما : تعامل مع الخطاب الادبي تعامل الغزاة , أخضعه الى فعل أباحي , مشاعي , أممه لك حتما وباتجاه فكرة أهتدية اليها . ولكي يتجاوز الاخراج مرجعيات النص وعلاقاته الداخلية المنتجة للمعنى , والتي يمكن أن تعترض أمكانية الاشتغال على الفكرة المهتدى اليها داخل النص , على الاخراج أن يحدد منطقة أشتغاله وهي : الحقول الدلالية وعلاقتها بالمعنى الاساس . أي محاولة أختراق مجال ما تؤسسه الصياغات اللغوية من مفاهيم , فتلك الحقول الدلالية تحاول ،أن ترتقي مثلا بكريولان – مسرحية لبرشت أخرجها كرومي للمسرح العراقي – الى مستوى الفرد البطل المنقذ , غافلة لدافعه الشخصي الذي يمكن ان يحيله الى شخصية تراجيدية مؤكدة أغترابه , لذلك لابد ان تشتغل القراءة على التفريق بين مرجع الدلالة ومعناها أي البحث في المعني ذاته , أذا ستكون قرائته للنص ذاته وبذاته , مستقرءة موضوعته وقوانينه النابعة من داخله وليس من الخارج وبذلك سيكون القانون المحرك ل ( شان تي وفلازوفا وكوراج بل حتى أوديب ) – شخصيات مسرحية – تفرضه الموضوعة وعالمها داخل وحدة النص وهو يقيم وضع علاقاتها أيظا .وبما أن تلك العلاقات تنكشف داخل نظام آخر , ألنظام اللغوي , فان علاقات الشخصيات الذاتية والموضوعية مرتبطة ايضا باللغة ذاتها.ان (كرومي)يؤكد , ان عموم الاجزاء العضوية في البنية الكمية والكيفية لايمكن ان تملك هويتها وفاعليتها لاية سمة تعريفية خارج نظام اللغة , وبما أن اللغة نظام من العلاقات وعناصر البنية الاخرى تشكل نظام علاقات ألا أنه مرتبط بها ويتحدد داخلها , أذا داخل ذلك النظام اللغوي ستشكل عناصر البنية مستوياتها الدلالية لتحدد وظيفتها ألا أنها أنية داخل النسق الدلالي وبامكان الاخراج جعل الموجودات المادية أوحركية جسد الممثل بديل مكافئ لما ترمز له العلاقات اللغوية في وحدة النص , بعد أختراق تلك النظم العلائقية التي تفرزها اللغة في خطاب العرض – الاحلال – فالتعريب والتعريق تعني ممارسة عملية الاحلال لكي يتسنى للمخلرج تأسيس علاقاته : بين الفكرة المهتدى اليها وأسلوب المعالجة والشكل الذي يسعى ذلك المخرج لتقديمه – كما يعتقد كرومي – وهذا يعني أن التعريب أو التعريق للنص الاجنبي والتحولات التي تطرء عليه بمختلف هوياته اللغوية هي بمثابة خلخلة أو أزاحة للنظام اللغوي لصالح نظام لغوي آخر من خلال العمل داخل نظامه العلائقي وفرض هويته الجديدة على عناصر البنية من داخل ذلك النظام وليس من خارجه . لقد ظهر أستسلام غاليلو البرشتي حتميا بسبب ضعفه أمام ألات التعذيب ويكشف النص البرشتي عن ذالك وصفا أخباريا من خلال ( أندرية سارتي و الراهب الصغير – شخصيات في المسرحية – ) ألا أن كرومي تجاوز تلك النتيجة جاعلا آثارها مسلمة بديهية ألاأنه أكد على حتمية أستمرار البحث العلمي حيث علا من فعالية لغة الجست – الايماءة ذات الدلالة الاجتماعية , الايحائية وميمياء الوجه مقوضا نظام اللغة , وأسقط العديد من الحوارات لحساب تحقيق البديل المكافئ ونقيض الصورة اللفظية المعبرة عن الفكرة في ذات المشهد , لقد أشتغل مقابله المسرحي على المنطوق اللفظي وصورته ونظم الكلام وهيكلية البنية السطحية للغة بشكل عام , أنه لن يتدخل في حوارات (رئيس الجامعة ) ألا أنه أكد موقفه من غاليلو من خلال خلق التقاطعات الدلالية بين دالات الحوار ودالات الحركة ليؤكد أرتباط رئيس الجامعة بتلك المؤسسة الاحتكارية الارهابية , كذلك (كريولانز )- مسرحية لبرشت أخرجها كرومي للمسرح العراقي – حيث أستعاض عن بعض حواراته بالحركة الواسعة الانتشار في الفضاء والمعبرة عن واقعها الذاتي المناقض فكريا /غائيا للواقع الموضوعي , فبدت حركيا وعبر مشهد راقص رغبته في فرض مفهوم البطولة عبر حركات جسدية محبطة أكدة مفهومها النقيض والمؤكد لضرورة بل حتمية أختفاء عنصر البطولة , لأن اختفاء الابطال من حيث هي كائنات مغتربة من نتاج مجتمع مغترب معناه أيجاد مجتمع صحي . وأذا كان برشت يرى في الحركة من أهم مستلزمات المسرح الملحمي بل هي مادة المسرح , فان كرومي يجد في الحركة أكثر دلائل الحياة وضوحا وهي وسيلتة كذلك لسرد العرض المسرحي في أيصال الحدث الى المتلقي ليؤكد أن المستوى الاسلوبي للنص في جوهره منجز لا يتعلق بذاته حسب أنه مرتبط أرتباطا وثيقا بماهية المعرفة والفكر . ان المعرفة حقل أنفتاح واعي وحصن من السقوط في أحادية الثقافة , والثقافة المهيمنة , الا ان الفكر في النسيج اللغوي يعبر عن البناء الفكري الداخلي وهو مرتبط به ارتباطا عضويا , وهنا يكمن السؤال حول ماهية الفكرة ألا أن هذا السؤال يؤكد حضور المتلقي في عملية الاعداد والتركيب لخطاب العرض . أن كرومي يتسائل فيما أذا كان الفكر المقدم قادر على قراءة الواقع المعاش بحركيته الكلية والجزئية أي تجاوز شكلانية الواقع ليحقق فعلا قرائيا معاصرا في عملية الاختيار يرتقي بوعي المتلقي الى مستوى الجدل او الوعي الجدلي , أذ ذاك تتوحد جميع النصوص وان أنتمت لثقافات وحظارات متعددة ومختلفة وان شكلت أنعكاسا فكريا حتميا لتجارب شعوب أخرى فالقراءة المعاصرة لتلك النصوص تفرض توحدا من وجهة نظره بين موضوعة الاختيار والقراءة والقاسم المشترك بينهما الموقف الاجتماعي بمعنى آخرالاختيار, قراءة جمالية تكشف للاخراج ذاتيا مقومات وبنية العمل الفني الذي أختاره للتعبير عن حداثة العصر وجوهر الواقع , والبنية كل مكونات المسرحية وعناصرها التي يعاد ترتيبها باسلوب ألاخراج اولا وليس الاسلوب الذي يثبت على اساسه , هذا يعني أن المرحلة المقبلة في اطار المعالجة لابد أن تكون أكتشاف علاقة بين الفكرة المهتدى اليها ووأسلوب المعالجة وشكل العرض ولايشكل مفهوم قدسية النص عند كرومي أدنى اهمية , ألنص مؤمم , وهو حتما يخضع للحذف والاضافة واعادة الترتيب لمتتالية الاحداث مع مراعات الابقاء على سماة مهمة كالملحمية والكوميديا الجادة والمتعة والتعليمية بالمفهوم البرشتي والعقدة ذات الاثر الاجتماعي والانساني . أن المبدع الكبير عوني كرومي يلاقي برتولد برشت في سعيه الى تجريد الخطاب من أدبيته والتعامل معه على أنه مجموعة صور فكرية ملموسة ومشخصة فالتعامل مع المفردة يتم على أنها صورة أي أن ثمة الكثير من العناصر الفنية ستساهم في أيصال الفكرة , كالحركة والايماءة الصوتية والصورية الجسدية ذات الدال الاجتماعي , وهي لايمكن أن تخفى أو تزيف بل قادرة على الكشف عن الافكار وتأكيدها أو نفيها ولها قدرة متفردة على الكشف عن طبيعة العلائق الاجتماعية بصورة أبلغ وأوضح . 

عوني كرومي وكيفية أشتغاله على المستوى الدرامي في النص . 

التعارضات الكلية, ألتناقض والجدل المقابلات القائمة على اساس التنافي , كانت سمة مميزة من سمات أعداد حكاية الخطاب الدرامي لتفسير الواقع الاجتماعي وآليات أشتغاله على البنية الكيفية للنص . وان كان هيكل الاحتواء ومنظم عناصره وفعالياته العملياتية – الشكل- سرديا لايصل بحد الصراع الى المستوى الذي تنتظره المادية الديالكتيكية بل يذهب لاكثر من ذلك وهذا ما جعله يبدء مع برشت في ذروة أبداعه النظري والتطبيقي , فكلاهما لايقيمان اي نوع من المهادنة والمصالحة مع وبين الثنائيات ذات التعارض الكلي : العام /الخاص , الفردي الذاتي / الجمعي , التبؤر / الانتشار , بل يعمقان تلك التعارضات دون أدلجتها كشرط قبلي لتحديد طبيعة الاشكالية التي تنفتح على عموم العناصر المؤسسة لماهيتها وكياناتها داخل المجال الايديولوجي لمواجهة أزمات يفرضها التراكم الزمني – التاريخ – ليؤسس بنية متوفرة على جميع العناصر الفاعلة , وهنا يبدء التباعد بين كلمن برشت وعوني كرومي والادلجة المادية التي تدرك أنساقها الرؤيوية والفكرية المتشكلة داخل البنى الفوقية المجتمعية بقصد تاكيدها , ألا أنها تشكل أنعكاسا حتميا لعلاقات الانتاج والنهج الاقتصادي المجتمعي وتؤكد وسائله في ذات الوقت مما يجعلها تنتج وعيا زائفا : ان الجدل الذي يترتب على العلاقة التصادمية القائمة بين الوجود الفردي العضوي الفاعل من جهة والوجود المجتمعي من جهة أخرى ينتج وعيا زائفا , والجدل الذي يقع بين الافراد بوصفهم موجودات اجتماعية وبوصفهم حوامل لاواعية لأنظمة كلية لم تنكشف بعد , يفرز أيضا وعيا زائفا . لذلك يكرس كرومي الوجود الفردي داخل مجموعة شرطية خاصة : الشخصية توجد في ثقافتها ولغتها , وصراعها مع ظرفها المحيط وتكتشف وعيها بالذات والموجودات المحيطة بالممارسة ليصبح الوعي أدراك الواقع والوجود الانساني الواعي مقترنا بالحرية , أي الارادة الحرة والخيار الشخصي وهو بذلك يرتقي فوق مستوى الوعي الذي تحرره التجربة البرشتية . أنه يجسد الذات من خلال تاكيدها أرادتها الحرة وخيارها الشخصي متجاوز الوعي الذي تحرره ثلاثية الاستلاب (أستلاب , أستلاب الاستلاب , أستلاب أيجابي أي تحرير الوعي )أن الوعي الذي يحرره المفهوم الاخر, التغريب , النقيض – المثالي – يصور التاريخ وحركة الشخصيات داخل النص جزءا منه , على أنه حضورا آنيا ومن تفاعل لأبنية عقلية ولا يملك أسباب التكوين ولا التقدم وكاننا أزاء ذاكرة مبرمجة غير قابلة للتاويل ألا أنها التعديل على وفق قانونها الذاتي , فتصادر قدرة التلقي على القراءة الذاتية وتمارس أشبه ما يكون بالصنمية المعرفية المؤكدة لأغتراب الفرد , لقد كانت ترنيمة الكرسي الهزاز – مسرحية أخرجها كرومي للمسرح العراقي – أكثر خطاباته المسرحية بلورة لهذه المفاهيم حيث وضع المتلقي أمام عوالم ثلاث وكانها بوحدتها تكون ( مريم ) الشخصية الرئيسة في المسرحية , مريم المنشطرة الى تلك العوالم , عوالم تجسد مراحل النمو الوجودي القسري , أي أنه أرادي , عالم يعيد انتاج ذاته بعد تاسيسها وتشكيلها في تناقض مع كل التاريخ المستحضر التاريخ الذكرى تاريخ , مدونة حملتها الملامح والجدران وصوت ترهل وشاخ وافل بريقه . تاريخ محمول داخل الشخصية يكشف عن ذاته عبرممارساة عيانية حسية تفرض طقسية تهيمن على الاماكن اشبه بطقوس الاحتظار في رهبتها وخشوعها وبرودتها , فيما شكلة الصفحات المطعمة للنار/ المحراب / ذلك التاريخ التجربة السر / أنه يغير او يستحضر من اجل الاتي الذي احالة اليه كل الاغاني , الاتي عالم انشغل به المتلقي : من هو , ما هو , ماهيته , تفاصيله , سماته , الاانه – المتلقي – الان داخل اللعبة مشاركا غير متماه . لقد شكلت الأغاني احالة أخرى ,الموت الجسدي , أنها تمارس أعادة اكتشاف ذاتها في اطار المستجد من الظروف لتدرك وجودها وواقعها وتعيه بحرية وخيار ارادي , أنها تكتشف الواقع وماهية الزمن / العصر فهي تستعيد وعيها لأنها تدرك ليس أنعكاسا للواقع لذلك ترفض ان تعيش القانون المدجن للحياة , قانون يحيلها الى ذات العمليات المتكررة دائما بمناهج عملية أخرى لتصبح ذاتا سلبية , أنها تتعلم حريتها عن طريق علاقاتها بالاشياء أو كما يقول ( سارتر ) : أن الانسان أذا أكتشف حريته في عمله بوصفه علاقة أصيلة بينه والاشياء المادية فانه يفكر في نفسه كشيئ في علاقاته . بالقانون , السلطة , هنا يودع كرومي في البنية الدرامية مفهومين , حرية الاختيار , والارادة الواعية ليمتد جسرا الى متلقيه عبر ممارسات ( مريم ) المعرفية , فيتبناها التلقي على هيئة أسألة باحثة في الوجود , لماذا ؟ عامة هكذا دونما تحديد !لمن نحتاج ؟ – طروحات الاغاني – السلام ؟ الخلاص ؟ المعجزة ؟ القانون ؟ صراع الوعي والا وعي بقصد أكتشاف الذات في تنامي فعلي درامي خطي مغلق لا يمكن ان يؤشر اي تواتر به, أحال ذاكرة المتلقي الى مرجعياتها بفعل الدلالات المحمولة في أغاني ( مريم ) التي أصبحت أشبه بمفاتيح معرفية باحثة عن ماهية الاتي لدى التلقي , فهو حتما ليس ( مازن ) -شخصية في المسرحية , لكنه لايمكن ان ( كودو) .

أن تبني التلقي لموقف ( مريم /راجحة ) ليس من باب التماه بل ثمة أكتشاف مفاجئ لما يمكن أن يؤول اليه مصير الفرد أزاء تماثل الظروف . لقد ناقض برشت في علاقته بالمتلقي ألا أن ذلك التناقض جاء في الكيفية لتصبح المسافة بينه وبين برشت في قصدية خطاب العرض ذات المسافة بين حتمية ان تكون وكيف يمكن ان تكون .لقد دعم كرومي موقف (مريم) وخلع عليها سماتها الذاتية من خلال نقيضها الخارج عنها ( راجحة ) حيث التقتا في وحدة تناقضية في ذلك التساؤل المصيري .

وفي كريولانز يبدء كرومي بحثه الجمالي من فرضية الفكر ومبرهنته الازلية , كذلك للحرب أيديولوجيتها الخاصة كما السلام , لقد فرضت أيديولوجيا زمن الحرب نمطا وشكلا علاقاتيا انجز ذلك المجد الاثيلي لكريولانز ومن هنا تبدأ مأساته , لقد حقق ذاته في زمن الحرب في ظل أتحاد النقيضين , مؤسسة الدولة والشعب الروماني , الا انه لا يدرك ان ثمة حتمية ستفرص تغير شكل العلاقات وان كان ذلك اكثر ثباتا واقل حركية موازنة بالتغيرات التي تطرء على المحتوى , لقد جعله موضوع بحث داخل سياق التاريخ , فبدى وعيه وادراكه معطوبا تماما قاده الى تناقض ذي حدين الاول مع المؤسسة الرومانية – الدولة – والثاني مع الشعب , لقد اعلنت السلطة استراتيجها المنسجم واهدافها في زمن الحرب والسلام وادارة اتجاه المعركة من خارج الاسوار الى داخلها , لقد كثف كرومي ذلك بتاسيسه خطا توتريا للاحداث أدخله منعطفات كثيرة متجنبا التوالد والتخارج للفعل , وكشف عن خط بياني تاويلي بدى خلاله كريولان منسجما مع السلطة في الجوهر دون ادراك منه , أنه لم يخلق بينه وبين السلطة تعارضا كليا , فهي التي اعدته لهذا الدور واعدته للدور ايضا – وهذا ما لا تجده في نص برشت – .

لقد بدا كريولانز داخل تطورات الواقع دون ان يدركها لأنه لم يمارسه على اساس معطياته الحركية فهو لايريد التغيير لأنه لا يمكن ان يتغير أنه في تعارض كلي مع الشعب الذي اوجده ذات يوم وللشعب نهجه الحياتي وخبرته وتجربته التي بدت تتمخض عفويا أنطلاقا من التراكمات التي افرزتها تجربة الحرب والدم , هنا ينقل الاحداث الى المتلقي الذي سيقرأ خطاب العرض بمنهج موازي لمنهجية السرد والروي ألا أنه بعيدا عن التامل البرشتي او الانغماس والتورط الارسطي في استهلاك قدرة التلقي , أنه ينتج الحدث بمؤشرات واقعه التي اكتشف بها الواقع المعروض لينتج قانونه البعدي الذي جعله واثقا من أن أنتصار كريولان كان الثمن المدفوع سلفا لهزيمته.

ان القوة التي مكنته من الانتصار هي ذاتها سبب هزيمته .

——————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – سلام الأعرجي –  الناس

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *