الكمبيوتر والمســـرح – بقلم:د.عماد هادي الخفاجي

 

الكمبيوتر والمســـرح

بقلم:د.عماد هادي الخفاجي

إن ظهور الكمبيوتر يُعّد أهم حدث منفرد في تاريخ التكنولوجيا والمسرح الذي اعتمد على التقنية الرقمية, وكانت أجهزة الكمبيوتر العامل الأساسي للتغير أثناء الثلاثين سنة الماضية, ونظراً لأهميتها لكل العالم وعلى جميع الأصعدة فأُطلق اسمها على عصر بأكمله – عصر التكنولوجيا/ المعلومات- والذي أنطلقت بداياته في السبعينيات, وأنَّ ما حدث من تطور في مجالات الهندسة والطب والفن.. وكثير غيرها ما كان له أنْ يخطر على البال لو لم تكن أجهزة الكمبيوتر قد أدت دورها المهم في مساعدة الباحثين في كل خطوة رسموها في عملهم, إذ سبق العصر الجديد توقعات عصر المعلومات في كل ما نراه الآن معاصراً، وواقعاً حياً بيننا لا يمكننا الإستغناء عنه, فحينما كان الكومبيوتر الشخصي في السبعينيات من القرن الماضي مجرد فكرة تراود فكر المهندسين، أصبح اليوم أداة مكتبية راسخة موجودة في كل مكان، وأكثر قدرة مما كان يظهر في الأحلام التكنولوجية,  إذ أصبحت أجهزة الكمبيوتر جزءاً متمماً لحياتنا اليومية، ومن الصعب التفكير الآن في أيّ جهاز الكتروني لا يكمن داخله كمبيوتر. إذ فاق الواقع الخيالي العلمي للماضي القريب.

 

ومما تقدم فقد مثّل الكومبيوتر متغيراً كبيراً في وسائط التعبير والتفاعل السيسيوثقافي وبالذات المسرح والفنون المسرحية بما أعطاه من دعم تقني للعملية الفنية لغرض تحقيق الإبداع والابتكار عبر إمكانيات الكترونية ، وعن طريق العناصر البصرية ، وذلك بالتركيبات والألوان ، والعناصر السمعية ، وعن طريق الإيقاع الصوتي، أو العناصر الحركية، وعلاقتها بالحركة، والديكور، وحركة الإضاءة حتى أجتمعت في ما بعد عملية أساسية في عالم المسرح,  وهذا الدخول يعد الأساس الذي يسمح للكمبيوتر أنْ يكون جزءاً من المنظومة التكنولوجية في تطوير الصورة المشهدية للعرض المسرحي الذي يسهم في بنيتها عبر “وسائط تقنية عدّة يصمم أفكارها ويخطط إستعمالها اختصاصيون في الموسيقى، والإضاءة، والصوت، والخدع البصرية، والملابس، والعمارة، والتشكيل، والرقص، والغناء، ويسبقهم في كل ذلك مخرج العرض المسرحي”([1]). بوصف الأخير عقل إدارة الإفتراض التجريبي والتحقق من الفروض بإدامة نشاط التفاعل التخييلي مابين المتلقي والعرض وفق رؤياه التصميمية وأهدافها الأدبية والفنية. إذ يعمل بالبحث عن معادل لمعالجات توازي التغيير الذي حصل في فكر المشاهد أو المتلقي بوجود التكنولوجيا، لاستغلالها في العرض الفني كبديل مساعد في التشكيل البصري، وصناعة الصورة المشهدية . مما دفع بالمسرحيين إلى تبني هذه التقنية الجديدة وتبني إستعمالها, فأخذ الكثير منهم الوسائط الحديثة والكمبيوتر والانترنيت حقولاً لتجاربهم الجديدة, أو لإعادة تشكيل أفكارهم وتنفيذها عن طريق الوسائط الرقمية الجديدة إذ أنَّ العمليات التي يقوم بها الكمبيوتر متأثرة إلى حدٍ كبير بدرجة وتناسق نشاطنا الجسدي والذهني، بالمقارنة مع الكمبيوتر، مع وظائفه وسلوكه ، ويمكن أنْ يظهر هذا النشاط درجة كبيرة من التركيز يتجاوز الصلة المباشرة صلة السبب في التأثير وتعريف على قدرة حقيقية  الأداء”([2]) . وعلى هذا الأساس يُعّد الكمبيوتر نموذج جديد للتقنية في صناعة وتشكيل الفضاء المسرحي وإمكانية تأثيثه بعد ارتكاز ذلك الفضاء على المرتكزات التالية كما في المخطط أدناه :-

الفضاء المسرحي

 

المخرج                 المصمم

الكمبيوتر

 

النظام التقني

 

الممـثل

 

العالم الواقعي      العالم الافتراضي

 

سينوغرافيا العرض المسرحي

وبظل ما تقدم يمكن القول بان مفهوم التكنولوجيا المعاصر جاء ليعزز طابع البرمجة العلمي على صناعة العرض المسرحي من جهة, ولتحقيق تشكيلات جمالية واسعة غير محددة الكيفيات والأشكال من جهة ثانية على وفق مستجدات رقمية حديثة زادت من قابليات الانغمار في قدرة التقنية على الأمتداد الآلي لها ببرمجة الكائن البشري, والذي دفع الواقع أنْ يتلاقح مع ما هو إفتراض وبهذا نستطيع الوصول إلى ما وراء القيمة الإنسانية العيانية إلى تجريدات مفتوحة أضفاها المفهوم التقني لتؤكد التكنلوجيا الرقمية قيم التزامن والتعدد وزخم الإندفاع بالفعل, لأجل أنْ يتسع الفعل بمزيد من التواصل, وكأن الحالة صارت من حدود واضحة في الأداء إلى لا متناهي من التشكيلات, وبما يتسع للخيال أن يؤدي دوراً مضاعفاً في التصميم, وبالتالي تعد التكنلوجيا والمتمثلة بجهاز الكمبيوتر المحرك الأساس الذي يمتلك في آن واحد ناصية الأداء والمفهوم, إذ أصبحت ممركزة في حضورها, وليست ثانوية, إذاً بدلا من الانقسام الحاصل سابقا بين التوظيف بين المفهوم المجرد والأداء المجسد أصبحا كلاهما حالة واحدة عند توظيفهما في العرض المسرحي لخلق فضاء مسرحي أفتراضي  يعطي للمتلقي القدرة على التصور والتفاعل والإندماج مع الكمبيوتر, ومع البيانات والمعلومات, إذ أنَّ القدرات السمعية والبصرية وأيضاً القدرات الحسية الأخرى للمستعمل يمكن أنْ تدمج مع مؤثرات العالم الواقعي, لخلق بيئة أو عالم إفتراضي تُبنى على وفق نظام افتراضي ذاتي لا مركزي بما يمتلكه من مرونة حد الإنفتاح والتعدد وعدم التقيد بأية حدود زمانية ومكانية, فضلاً عن قابلية النمو والتطور المتسارع

 

وفي النهاية يمكن القول بان الكمبيوتر سوف يظل استخدامه في المسرح علامة استفهام كبيرة للكثير من المسرحيين ولكن الزمن القادم كفيل بفرض طبيعته الحلولية في خلق عالم المسرحي يتمتع بقوة تكامل وقدرة على خلق مؤثرات تفاعلية  متعددة وسرعة ودقة بالتصميم والتنفيذ والمعالجة والتعديل في التصميم وتوفير النفقات الباهضة من اختزال للأجهزة وملحقاتها ولأي جانب تقني الى الحدود  الدنُيا مع الإمكانية العالية بتحقيق ما هو أوسع اداءاً وتصميماً وجمالاً للعرض المسرحي مع فتح المجال السينوغرافي ورفع الحدودية عنه.

 

 

 

المصادر:

 

([1]) رواس ، عبد الفتاح : التقنيات في عمارة العرض المسرحي ، جريدة الأسبوع الأدبي ، العدد 97 ، دمشق مطابع وزارة الثقافة 20/8/2005

(2) ينظر: بيتزو, انطونيو: المسرح والعالم الرقمي الممثلون والمشهد والجمهور ، تر: أماني فوزي حبشي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة  للكتاب,2009) ص23

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *