العرض المسرحي العُماني “العيد” دراما مُركزة لمجتمع مُتهتك

تناقضات كبيرة وعديدة تعيشها المجتمعات العربية، تدفع الكثير من البسطاء إلى التحول لشياطين بشرية، تحاول نهش بعضها، خاصة حين يكون القفر والعوز هو عنوان الروتين اليومي الذي يعيشه العديد منهم، ومن جهة أخرى، ما خلفته الصراعات السياسية المسلحة في المنطقة، وذهاب العديد من أرباب البيوت إلى مناطق وبؤر الصراع، للمشاركة في القتال مع الجماعات المتطرفة، طمعاً في الجهاد والشهادة والجنة، تاركين عوائلهم في جحيم الظروف الصعبة، ليسوا قادرين على مواجهة الحياة ومصاعبها. 
 
هذا بعض ما قدمه المخرج العُماني محمد المعمري، في عرضه المسرحي “العيد”، خلال ثالث أيام ليالي مهرجان المسرح الحر بدورته الثانية عشر، على خشبة المسرح الرئيسي، في المركز الثقافي الملكي، في العاصمة الأردنية عمان.
 
دراما البكاء.. وكوميديا ليست للضحك
حكى العرض قصة الأم “جميلة” وطفلها “عيّاد”، الذين تركهما الأب للقتال في إحدى بؤر الصراع مع الجماعات المتطرفة، طمعاً بالجنان والحور العين، بينما الطفل وأمه، يعانيان على أرض الواقع من الفقر وظلم الناس لهما، ومحاولة العديد منعهم استغلال الأم التي لا تزال شابة، تدور الحياة عليهم، ويرميهم العوز من يد إلى أخرى، حتى تموت “جميلة” وهي تناجي زوجها العودة، وبين يدي ابنها “عيّاد”، الذي يواجه مستقبلاً ليس مجهولاً بقدر ما هو متعب وظالم، حين يقرر “شيخ الحضرة” الذي أرسل أباه إلى القتال، بأن يرعاه.
 
من الداخل.. الآداء، السينوغرافيا، النص
من الداخل.. عانى العرض العُماني عدة مشاكل في عناصره الرئيسية، وهي أداء الممثلين، والسينوغرافيا المتمثلة بالإضاءة والديكور، والنصّ أيضاً، حيث تسبب التركيز على حشر كل هذا الكم من الدراما في الأحداث، بخلق ضعف واضح في العناصر التي ذكرناها.
 
 
الممثلين..
المسرح تاريخياً وبشكل عام، فن يعتمد على المبالغة، لأسباب عديدة أهمها، كي يصل الأداء والصوت إلى جميع الحضور، حتى الذين في الكراسي البعيدة عن الخشبة، فيصنع الممثل مبالغة مقصودة في حركة جسده وصوته، إلا أن هذه المبالغة إن كانت غير مدروسة، تؤدي إلى تقديم أداء غير احترافي، لا يستطيع إيصال الفكرة وحركة الممثل بالشكل المطلوب.
 
الممثلين العُمانيين وقعوا في هذا المطب خلال العرض، فأخذتهم الحالات الدرامية إلى تقديم أداء مبالغ فيه، كسر الإيقاع العام للعمل من جهة، ومن جهة أخرى، أفقدهم إمكانية إيصال الحالات الإنسانية المناسبة لكل حدث، والتي ضاعت في خِضم المبالغات الكبيرة التي قدموها، واستعانوا بالمبالغة ذاتها في محاولاتهم لتقديم الكوميديا داخل هذا العرض الفائض بالدراما المُركزة، والغير مدروسة، فأضاعوا أدواتهم في العمل، حتى وصل الحال إلى التهريج أكثر من أن يكون تمثيلاً مسرحياً محترفاً.
 
إضافة إلى ما سبق، كانت حركات الجسد، والتموضع على المسرح، خالية من أي هدف واضح يصل إلى المتلقي، فكان الممثلين أحياناً يتخذون حالات حركة أو سكون معينة، إما أنه لا معنى لها، أو أنها لم تصل إلى المتلقي بالشكل الصحيح، بسبب ضعف رؤيتها المسرحية، وأسباب اتخاذها.
 
السينوغرافيا..
مطب آخر وقع به عرض “العيد”، حيث لم يستطع الديكور البسيط الذي تم استخدامه، والمكون من ثلاثة أعمدة متحركة، أن يخدم العرض ورؤية المخرج من خلالها، فكانت بالكثير من الحظات، غير واضحة الهدف، أو القصد من الإستعانة بها، ولم تُقرب الحضور إلى مضامين وأمكنة العرض أو أزمانها، وكذلك الإضاءة التي ظلت مُعظم العرض بالحالة ذاتها، لم يعرف الجمهور وقت ومكان المشهد، ولم تخدم الحالات الدرامية له.
 
النصّ..
لا يزال المسرح العربي، يقع في هذا المطب الخطير، والذي يُفقد العمل الكثير متعته البصرية والفكرية، فيظل المخرج والممثلين، متعلقين بنص المؤلف الأصلي، حتى بأقل الحوارات أهمية، متناسين أن هناك نصٌّ مختلف للخشبة، فيتم تقديم نص أدبي وليس مسرحي، مُتخم باللغة الشعرية التقليدية، والصفات والنعوت التي تجعل ألسنة المؤدين ثقيلة في المنولوجات أو الحوارات المقدمة، وثقيلة أيضاً على آذان الحضور.
————————————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية -محمد المعايطة – سيدتي نت 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *