“الطوق والإسورة” .. مُمكنات الرواية مسرحياً د. بشار عليوي

 

“الطوق والإسورة” .. مُمكنات الرواية مسرحياً

د. بشار عليوي

لطالما عمدَ المسرحيونَ “كُتاباً ومخرجين” على إختلافِ مشاربهم , الى الإستعانةِ بالمتون السردية الروائية لإشباع رغباتهم في سبر أغوار المُنتج الروائي وتقديمهِ على خشبة المسرح ولعلَّ واحدةً من أهم أسباب تناول الروايات مسرحياً , هوَ البناء الدرامي الذي يشتمل عليهِ المتن السردي الروائي ومُقاربتهِ للبناء الدرامي في المتون النصيّة المسرحية , فضلاً عن تناولها الواقع الحياتي المُجتمعي وهذهِ واحدةً من أبرز مُمكنات الرواية مسرحياً بوصفها نصاً قابلاً للقراءة الفرجوية والتأويل من قبل المُتلقي , وتُطالعنا العديد من الأمثلة على هذا التناول من قبل المسرحيين للروايات بعدَ اعدادها مسرحياًومن أبرزَ تلكَ الأمثلة , رواية (الطوق والإسورة) الموصوفة بكونها غارقة في المحلية للكاتب المصري الراحل يحيى الطاهر عبد الله ولمرات عديدة داخل مصر, كانَ أخرها من قبل المُخرج  “ناصر عبد المنعم ” والتي توجتْ بالحصول على (جائزة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي ) لأفضل عمل مسرحي عربي لعام 2018 في مهرجان المسرح العربي بدورتهِ 10 لعام 2019 فلماذا كُل هذا الاهتمام بالرواية هذهِ ؟ ,  وقبل الحديثَ عن هذا كلهُ وعن العرض المُميز الذي قدمها عربياً , نجدّ ثمةَ ضرورة للتعريف بهذهِ الرواية وكاتبها .

تُعد رواية (الطوق والأسورة) التي صدرتْ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة وطبعت عدة مرات , هي من أكثر الأعمال الأدبية شهرةً بينها للكاتب والروائي والقاص المصري ” يحيى الطاهر عبد الله ” الذي تم اعتبارهُ شاعر القصة القصيرة , فهوَ يعد من أبرز أدباء عقد الستينات في القرن الماضي ,  ولد ” عبد الفتاح يحيى الطاهر محمد عبد الله ” في 30 نيسان/أبريل في عام 1938 في قرية “الكرنك” وهي  مركز محافظة الأقصر بجنوب مصر , كان والده شيخاً معمماً يقوم بالتدريس في إحدى المدارس الابتدائية بالقرية ، وكان لوالده تأثيراً كبيراً عليه في حب اللغة العربية أذ تلقى تعليمه بالكرنك حتى حصل على دبلوم الزراعة المتوسطة ثم عمل بوزارة الزراعة لفترة قصيرة ، كتب يحيى الطاهر عبد الله أول قصصه القصيرة (محبوب الشمس) ثم كتب بعدها في نفس السنة (جبل الشاي الأخضر) ، وفى العام 1964 أنتقل يحيى إلى القاهرة أقام “يحيى” في شقة بحي بولاق الدكرور بالقاهرة وفيها كتب بقية قصص مجموعته الأولى (ثلاث شجيرات تثمر برتقالاً)  , توفى “يحيى” يوم الخميس 9 أبريل/نيسان عام  1981 قبل أن يتم الثالثة والأربعين بأيام في حادث سيارة على طريق القاهرة الواحات ، ودفن في قريته “الكرنك” بالأقصر ونشرت له أعماله الكاملة في عام 1983 عن دار المستقبل العربي , ترجمت أعماله إلى الإنكليزية وقام بترجمتها “دنيس جونسون ديفز” وإلى الإيطالية والألمانية والبولندية , ورواية “الطوق والاسورة ” هيفي  أصلها كما هوَ معروف مجموعة من القصص القصيرة كتبها مؤلفها ليتم لاحقاً جمعها كرواية وفيها تلتقي الأعراف والتقاليد ، والضغائن العائلية، والعواطف والمشاعر الإنسانية الأساسية، وتتفاعل كلها لتصبح جزءًا من الرواية أذ تعتمد هذهِ الرواية على المخيال الشعبي المصري المحلي , وعموم التراث الشعبي المصري وفي عدة مُستويات واضحة بدايةً من العنوان وصولاً الى أنساق الرواية كَكُل وتروي الرواية أحداثها في عام 1933 في قرية “الكرنك” بالأقصر وهي قرية الكاتب يحيى ، تعيش فيها (حزينة) مع زوجها المشلول والمصاب بالسل وابنتهما فهيمة ، ومن خلال مشاهد مصحوبة بلوحات فلكلورية معبرة وموسيقى وغناء، تدور الأحداث حيث انتظار الأم لعودة ابنها مصطفى الغائب الذي سافر بحثًا عن لقمة العيش، وموت الأب ثم زواج الحداد الجبالي من فهيمة، التي تتأخر في الإنجاب فتلجأ أمها إلى المعبد ليباركها الشيخ ، ويأتي الحل على يد حارس المعبد ، لتنجب فهيمة بنتاً لا يعترف بها الأب لعلمه بعجزه جنسيًا، ثم تمرض فهيمه وتموت ، وتمضي السنوات ويعود مصطفى ويحدث شجار بينه وبين زوج أخته (الحداد) , فهذه الرواية قد حققت نجاحاً عالمياً ، وقد تمت ترجمتها إلى عدة لغات فقد فازت بجائزة سيف غباش- بنيبال 2009 فى معرض فرانكفورت الدولى في ألمانيا بعد ترجمتها من قبل المترجمة المصرية سماح سليم , كما قُدمتْ سينمائياً 1986 بعد اعدادها كسيناريو من قبل خيري بشارة وعبد الرحمن الابنودي ويحيى عزمي , والإخراج كان لخيري بشارة ومحمد خان , أما مسرحياً فقد قُدمتْ مرات عديدة داخل مصر , نذكر منها سلسلةً من العروض المصرية , منها العرض الذي قدمتهُ جامعة الاسكندرية : كلية الحقوق _رعاية الشباب , من اعداد شاذلي فرح , واخراج أحمد جابر عام   2017 , وضمن مسابقة ابداع معهد المدينة العليا , قدمها فريق مسرح المدينة , ومن اخراج خالد ابو بكر عام  2015 , وضمن مهرجان ميت غمر للابداع المسرحي قدمت كعرض من اخراج خالد العيسوي عام 2016 , وقدمها فريق كلية الحقوق بجامعة عين شمس من اخراج محمد فؤاد عام 2016 , كذلكَ قدمتها فرقة المسرحجية ببور سعيد من اخراج مجدي الشناوي عام 2018 , كما قُدمت من قبل الهيئة العامة لقصور الثقافة باقليم وسط وجنوب الصعيد , فرع ثقافة قنا , قصر ثقافة قوص وكانت من اخراج : محمود النجار و اعداد : محمد عبد الله عام 2011 , فيما قُدمتْ ضمن عروض مهرجان جامعة الفيوم المسرحي الثامن من قبل فريق مسرح كلية الاداب  من اخراج : باسم نبيل عام  2016 , كما ُعرضت في قصر ثقافة الاسماعيلية لعام 2014 , وقدمتها فرقة ابنوب المسرحية وكانت من اخراج : سامية عبد الرؤوف عام 2012 , كما قدمها فريق كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان في مسرح الهوسابير من اخراج : محمد مبروك عام 2013 , ومؤخراً ثدمتها فرقة ارادة المسرحية من اخراج : سلمى شهاب عام 2018 , وضمن فعاليات اليوبيل الفضي لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر عام 2018 تم اعادة تقديم عرض (الطوق والإسورة) من اخراج : ناصر عبد المنعم بوصفهِ أول عرض مسرحي مصري يحصل على جائزة في المهرجان في دورة المهرجان عام 1996 , فكانتْ مُناسبة الإحتفاء بفضية المهرجان فُرصة لإعادة تقديم العرض الذي أعدهِ وفق رؤية دراماتورجية الكاتب (أ.د. سامح مهران) توافق المُعطى الروائي الذي أنتجهُ “يحيى الطاهر عبد الله” ومن تمثيل (فاطمة محمد علي/مارتينا عادل/أشرف شكري/أحمد طارق/محمود الزيات/شريف القزاز/شبراوي محمد / محمد حسيب / سارة عادل ) ومن ثُم يقع عليها الإختيار لتُمثلَ مصر في مهرجان المسرح العربي الـ11 في القاهرة والذي نظمتهُ الهيئة العربية للمسرح ضمن مسار العروض المُتنافسة على (جائزة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي ) لأفضل عمل مسرحي عربي لعام 2018 , لتفوز بالجائزة المسرحية الأعلى والأكثر قيمةً ومكانةً في العالم العربي هذا العرض يُدين وبشكل واضح جميع أشكال القهر والإستلاب الذي تتعرض لهُ المرأة ويحتج على هذا الظلم الذي لطالما عانتْ منهُ المرأة في المُجتمعات الشرقية بشكل عام , وقد أجادَ المُخرجَ حينما عمد الى توظيف فضاء المسرح الذي قُدمَ فيهِ بشكل يتوافق مع محلية أحداث العرض , فتم استقبال جمهورهِ مع لحظة دخولهِ قاعة العرض , بفرقة مصرية تراثية صعيدية بُغية إدخال المُتلقي في أحداث العرض منذُ البداية فضلاً عن التغيير الحاصل في مكان جلوس المُتلقين الذي أنشطر بعدَ دمجهِ مع خشبة المسرح , الى نصفين , وهذهِ واحدةً من أبرز المُعالجات الإخراجية التي أوجدها المُخرج في ظل وجود دراموتوج مُثقف هوَ د. سامح مهران سايرَ العرض منذُ الشروع بإجراء التمارين الأولى . هذا التتويج المُستحق بالجائزة , أهلَّ العرض لتقديمهِ ضمن فعاليات الدورة التاسعة والعشرين من أيام الشارقة المسرحية بقصر الثقافة في الشارقة لعام 2019 بدولة الإمارات العربية المُتحدة ، برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة , ليتم تقديم العرض في فضاء بيت النابودة بمنطقة قلب الشارقة بوصفهِ واحدة من أبرز مناطق الشارقة التُراثية , وأيضاً نُشير الى الحلول الإخراجية المُتعددة التي حازَ عليها المُخرج ناصر عبد المنعم في مُغادرة فضاء مسرح العُلبة الإيطالي وفقاً لرؤية درامية بمُعطيات جمالية لناحية المكان عبرَ خروج من العلبة الإيطالية إلى فضاء الفرجة الشعبية التي يختلط فيها الممثلون بالجمهور وهذهِ واحدة من أبرز جماليات العروض المسرحية التي تُقدم في المجالات العمومية والفضاءات المفتوحة , مع الاستخدام الأمثل لمُجمل معطيات البيئة المسرحية وجعلها مُتوافقة مع البيئة الشعبية التي تدور فيها أحداث رواية (الطوق والإسورة) أصل العرض بوصفها من مُمكنات الرواية مسرحياً .

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش