الرابسودي والمسرح .. – محمد كويندي #المغرب

الرابسودي والمسرح .. – محمد كويندي #المغرب


من خلال قراء تنا للكتاب المعنون :  ب ( شاعرية الدراما المعاصر) الذي أعده وترجمه الاستاذ حسن المنيعي، أثار انتباهي مصطلح الرابسودية ، الذي ترجمه الاستاذ المنيعي  “بالرواية المسرحية ”  حسب ما جاء في  هامش الصفحة 18من الكتاب المذكور أعلاه . نقرأ كما هو مكتوب : ( المسرح الرابسودي، يمكن ترجمته إلى العربية ب ” الرواية المسرحية ” ، لأن الرابسودي هو مصطلح إغريقي كان يطلق على الرواة الذين كانوا يتنقلون بين المدن لتقديم قصائد شعرية أو مقاطع من الإليادة والأوديسا .)
هذا التعريف  حفزنا ودفعنا إلى البحث والتقصي ، للتوسع أكثر ، أكتشفنا نقطة الالتقاء بين “بيسيستراتواس ” الأثيني ،و “جان بيير سرزاك” المنظر الفرنسي.  لجوءهما إلى (الرابسودي ) في عملية التجديد ، كما سنرى ذلك بالتفصيل، وإن كان الأول هو  الذي كان سباقا إلى إطلاق مصطلح الرابسودي منذ الإغريق إلى يومنا هذا ! ومن أسباب ظهوره حسب الباحث (بيدج) الذي قدم أدلة واضحة من أسلوبولغة ملحمي هوميروس على أنهما تنبعان بالفعل من عدة مصادر،أي أنهما تقعان عند مصب تراث شعري عريق له عدة روافد ،وَمِمَّا لاشك فيه أن التقدم في فنون الكتابة والنسخ والتوسع في تدوين الأدب يأتي على حساب المنشد الملحمي (aoidos ) الراوي للأحداث البطولية. أي أن التدوين لايتفق مع طبيعة الشعر الملحمي الأصلية، وهذا ما سيتضح لنا من دراسة الملحمية الهومرية ومتابعة ما طرأ عليها عبر العصور حتى تلاشت وحل محلها ملاحم مصطنعة.
وكان من المحتمل أن تتبدد أيضا لو لم يأتِ الأثيني “بيسيستراتواس ” ويؤسس نظاما جديدا للإنشاد الملحمي يسمى ( الرابسودي)  حيث اختفت قيثارة الراوي القديم وتزود الراوي المستحدث بدلا منه بعصا ( rhabdos) النظام الذي اعتمده الانشادي الذي أسسه ” بيسيستراتوس ” الذي يقوم على الالقاء من الذاكرة اعتمادا على نص مكتوب وموثق يمكن الرجوع إليه في أي وقت ، وهو النص الذي صار يعرف باسم تحقيق أوتنقيح بيسيستراتوس .
من هنا تغير فن الإنشاد  في عهد هوميروس ، كان المغنون (aoidoi ) وهم  يؤدون عملهم على أنغام آلة وترية تسمى فورمينكس، (phorminx ) أو كيتاريس (kitaris) ثم سمي المنشدون الملحميون  بعد ذلك ( rhapsodie )  والكلمة تعني الذين يرتقون أي يصلون الأغاني بعضها بعض . وهو اسم مشتق من الفعل (rhapto) بمعنى رتق والكلمة ( ode ) بمعنى أغنية . ولقد نشأ هذا النظام الجديد في الإنشاد الملحمي في عهد بيسيستراتواس .
كما سلف وذكرنا نقطة الالتقاء في أسباب ظهور واحياء الرابسودي، بين بيسسيتراتوس ، وجان بيير سرزاك ، أن هذا الأخير اقترحه كحل ثالث ، لتحرير الدراما دون أن نجعل منها جسدا ميتا، ولو كان موضع تجزئ وتشدّر وتفكك.
بعد أن اقترح ” بيترزوندي” حلولا لأزمة الدراما من خلال الوقوف عليها في الدراماتورجيا الملحمية، حاول ” هانز -تيز- ليمان” . Lehman H.Th ) إثبات حالة موتها في كتابه “مسرح ما بعد الدراما” وذلك من منطلق تحليله لأشكال المسرح اللادرامية ( مسرح روبير ولسون مثلا R.Wilson)  واعتمادا على رأي “هيغل” الذي تبناه ” أدورنو”  حول نهاية الدراما.  “أما جان بيير سيرزاك” فإنه يقترح طريقا ثالثا للتحليل ينحصر في مسماه ( الشكل الرابسودي)  la forme rhapsodigue) الذي ينبثق من فقدان الوحدة الدرامية ، والرغبة في ردم الشكل وتفكيكه، وإعادة ابتكاره بطريقة مستمرة. وقد عاب ؛في هذا الصدد على (ليمان ) سعيه إلى تقويض الدراما الحديثة نهائيا من خلال مصطلحه الجديد “مابعد الدراما” Postdrmatigue.
في مقدمة ديوان ( أرض اليباب) ل “ت . س. إليوت” . نجد المترجم الدكتور عبد الواحد لؤلؤة في الصفحة -14- يشير فيها إلى  قصيدة ل ( عزراپاوند ) ” راپسودي في ليلة عاصفة ”  والتي شرحها هنا :” هي مزج بين الموسيقى والصور الشعرية . وكلمة (راپسودي) بجذرها الإغريقي تعني (مجموعة ألحان ) لايجمعها نظام دقيق، ولكن هناك صورة ( القمر ) الذي يربط بين هذه الألحان الشعرية.
وستعرف هنغارية الثانية، مع المغي المجري (فرانز ليت) توظيف الرابسودية ، والتي أصبحت أكثر شهرة وهي مجموعة مؤلفة من تسعة عشر رابسودي مستواحاة من التراث الهنغاري والأغاني الشعبية المجرية.
كتب فرانز ليت هذا العمل عام 1847 وقدمه  كعمل منفرد على البيانو في عام 1851 وقد حقق نجاحا فور عرضه على خشبة المحفل، ومن ثمة عرف شعبية واسعة حتى اليوم . كان فرانز ليت عازف بيانو ومؤلف  مشهور  ، توفى بمدينة بايرويت في بارفايا في 31 يوليو 1886م .. وقد استفادت منها كذلك الفرقة  الموسيقية البريطانية للروك   “كوين ”  وقد ألف   ” فريدي ميركوري ” ألبوم من الأغاني الرابسودية ، قدمتها الفرقة ذات ليلة في دار الأوبرا  عام 1975  وهي  عبارة  عن لوحات متتابعة مدتها ست دقائق وتتكون من عدة أقسام بدون لازمة : مقدمة ، مقطع أغنية ، مقطع أو برالي، مقطع هارد روك، ، ومقطع ختامي .
وكذلك ، فيلم  (بوهيميا، رابسودي ) فيلم الذي يحكي سيرة ذاتية ل ميركوري ، بعد وفاته بداء الإيدز، من اخراج پراين سينجر، والكتابة لأنثوني مكارتن، وإنتاج غراهام كينبج، ومدير “كوين جيم بيتش، الفيلم من بطولة رامي مالك في دور ميركوري.
 كما ، تم استخدامها في أفلام الكارتون ، وفي الرسوم المتحركة، وظهرت بشكل ملموس في فيلم  توم جيري، ونقار الخشب..الخ
واسعملت في بعض الأغاني العربية ، مع زياد الرحباني ،كما استفاد منها في مطلع مسرحية (نزل السرور)  وكذلك مع عازف البيانو المصري المشهور   ، عمر خيرت

محمد كويندي – المغرب

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش