الدورة الثانية – 2010

 

 

الدورة 2 لمهرجان المسرح العربي في تونس ( 2010 )

  •   كلمة السيد الأمين العام أ.اسماعيل عبد الله في الافتتاح 
  • رسالة اليوم العربي للمسرح 2010: المسرحي التونسي عز الدين المدني
  •   –

كلمة اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

في افتتاح الدورة الثانية

مهرجان المسرح العربي (تونس)

(10 يناير 2010)

كلمة الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبد الله: أكد فيها أن المبادرة التي أطلقها الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي لتأسيس الهيئة  قد حدد اهدافها النبيلة في النهوض بالحركة المسرحية في الوطن العربي، وتطرق لشرح ما قدمته الهيئة من أنشطة ومسابقات النصوص  للأطفال والكبار وما أقامته من  ورش. كما أكد أن العروض التي شاركت في مهرجان الهيئة بالقاهرة لم تكن على المستوى المأمول، وقال: وجاء تدني مستوى عروض فرق الهواة التي رأتها لجنة الفرز سبباً لاتخاذ قرار الغاء المهرجان والإكتفاء باالحتفال باليوم العربي للمسرح، وتوجيه ما كان سيتم انفاقه على المهرجان لدعم الفرق العربية لإقامة ورش تدريب وصقل وتوجيه لتنهض بنفسها وتطور من امكاناتها للمشاركة في المهرجان المقبل (1(

 

  • (1) عاد المهرجان في دورته الثانية إلى موعده المقرر له أصلاً في العاشر من يناير، وانتقل في الدورة الثانية إلى تونس التي تحتفل بمئوية المسرح التونسي، وجاء هذا القرار خلال اجتماع المجلس التنفيذي في الثامن من يوليو/تموز 2009م في الشارقة، حيث أقر إلى جانب ذلك اللائحة التنظيمية لمهرجان المسرح العربي في الفترة ما بين 10 إلى 16 يناير/كانون الأول 2010 م. وعلى غير ما كان مخططاً، اتخذت الهيئة العربية للمسرح قراراً باختصار المهرجان إلى ثالثة أيام والإكتفاء بأربعة عروض مسرحية تونسية. وأعلنت الهيئة فيي بيان أصدرته أن مستوى الأعمال المقدمة للمنافسة في المهرجان والمقدرة بـ34 مسرحية ضعيفة جداً وتحت المستوى.

رسالة اليوم العربي للمسرح

(10 يناير 2010)

كتبها وألقاها المسرحي التونسي

عز الدين المدني

 

     لم يغب يوم من أيام حياتي لم أؤمن فيه بأن فن المسرح إبداع من أعز الإبداعات الفنية، وبأنه – في أساسه وجوهره – تنوير قويّ الأضواء الكاشفة الساطعة، وبأنه في ذاته من القيم الإنسانية الخالدة على وجه الدهر، وهي الحرية في أسمى تجلياتها.

وكيف لا يكون فن المسرح من أعز الإبداعات الفكرية وهو يتبدّل ويتغيّر ويتجدد على الدّوام، فلا يستقر على حال تتكرر، ولا على قاعدة تتكلس، ولا يتجمد في قانون إجرائي يمارس في كل عرض وفي كل عهد وفي كل عصر! فقاعدته الوحيدة حينئذ ألا تكون لها قواعد! إذ هو يتساءل عن كيانه فيراجعه في كل حين وآن، ويتساءل العاملون في وظائفه عن مفارقته بشكل مستمر: فما كان اليوم إيجابياً يصير في عيونهم وعيون الناس سلبياً غداً.

والعكس بالعكس صحيح. فكأنه خيال رهيف متراقص كألسنة اللهب لايثبت في العين ولا في ذاكرة الدهر. ومع ذلك فله نحو وصرف وعروض. وتلك إنما هي من أشد المفارقات على النفس والخيال الذي لا يحده حد. ومع ذلك أيضاً فهو يكره ضيق الأفق وضيق التفكير وضيق الصدور وضيق الرؤية /الرؤيا، وضيق المعاملة والتناول والممارسة وضيق الوسائل وضيق الظروف الآنية التي يغالبها الزمان ويقضي عليها بالإهمال والترك! وقد برهن زماننا منذ السنين التي تغرق في السنين أن المسرح العربي ضيّق، كضيق وثوقية الأصوليين اليوم.

ومن مميزات المسرح أنه فن متفرّد كأنه مخصوص رغم أنه يخاطب الأفراد والجماعات والمجموعات. فبفضل تفرده هذا – وفي التفرد اختلاف وخلاف – يكره تقليد الآخر ومحاكاته والتشبه به ويأبى متابعة الأغنام وقطعان البقر ويستنكف من نهب ما للآخر من ابتكارات ولا يجعل إشكالية الآخر في الجماليات والفكر إشكاليته بل أن إشكاليته الجمالية والموضوعية معاً إنما تنبع من واقعه هو، لا من واقع سواه، من تجاربه هو، لا من تجارب سواه.

ولا يعني هذا التأكيد الانغلاق والانحباس، وإنما يشير إلى ضرورة الاطلاع المستمر على ما أنجزه الآخر وما يحققه، وذلك دون أن يتقيد به حتى لا ينقلب إلى تابع لظله! ولكن أنى للمسرح العربي كل ذلك، وهو في معظمه وأغلب أحواله من مسارح الدرجة الثانية من حيث الإبداع لا الدرجة الأولى للأسف الشديد إلا فيما قل وندر، والدرجة الثانية هي درجة البؤس والجهل وضيق الأفق والعزائم الخائرة. هي درجة الدّون، هي درجة المغلوب على أمره، وليست مطلقاً درجة الإبداع الذي يحاور إبداع الآخر حوار النّد للنّد. أولا يزعم أهل المسرح والمفكرون والفنانون إنهم في طليعة الأمة؟

فلماذا تراهم يتصرفون كالمغلوبين وهم على عتبة الدرجة الثانية في العولمة؟ إن الادعاء الطويل العريض القائل بأن فنون الأمم المتقدمة هي ملك مباح لجميع البشر هو في الحقيقة كلام سهل بل هو زعم سفسطائي يسدّد ضربة قاصمة للإبداع في المسرح العربي. وللأسف إن كثيراً من المغفلين يعتقدون أن ذلك الادعاء الصبياني على صواب!

والإبداع في عروقه بحث واستقصاء مثابر، فما أحوج المسرح العربي إلى البحث، وإلى بناء مؤسسات للبحث، وإلى دفع الكتّاب والمخرجين إلى البحث، وتشجيعهم على البحث بالأموال والتراتيب. ذلك أن الإبداع هو بحث في قول ما لا يقال وفي رؤية ما لا يرى وفي سماع ما لا يسمع حتى يكون الفعل الإبداعي بكراً ومبتكراً في المعاني والجماليات معاً، بمعنى غير مسبوق، مختلفاً عن السابق، ذا سمة الغرابة، طريقاً بعيداً كل البعد عن الابتذال والأشياء الممجوجة والشائعة كقاسم مشترك بين البشر، حديثاً ذا شوكة حداثية حادّة، ينبض بالجدّة في خصوصيته، في تفرده، في اختلافه، في فتح دروب وآفاق لا تخطر على البال.

وإذا تميز المبدعون بتلك أحوال البحث فلأنهم قليلو العدد، ولأنهم نادرون وعزيزون، وليسوا سواسية مع المبدعين الآخرين من قومهم خصوصاً من الدرجة الثانية، أولئك الذين يسبحون في الرداءة والضحالة والتفاهة والسمسرة والتجارة الفاسدة. ذلك أن المبدعين الحقيقيين على قلتهم ومع من تزيّلوا بالإبداع المزيّف ليسوا جميعاً على قدم المساواة من حيث القيمة والبحث والابتكار بل جعلوهم متساوين في كل أمر وشان، وكأنهم يعيشون كلهم تحت سلطان دولة ستالين ذات الحزب الواحد والإنتاج الموحد الواحد والخبز الرديء الواحد والمصير المشكوك الواحد. لقد حصل فعلاً ذلك في هذا الزمن الذي تردّى فيه فن المسرح العربي إلى أسفل سافلين، فصار مبتذلاً ملطخاً قذراً كمنديل الطبّاخ لأنه في متناول من هب ودب من بني آدم لا من العارفين، وصار محتقراً مبخوساً لأن عون الفرقة المسرحية يكتب ما شاء له أن يكتب من المسرحيات السّخيفة قصد الإضحاك من أجل الإضحاك لا غير، ولأن كهربائي الركح قد تكلف بإخراج مسرحية غبيّة في منتهى الغباوة والبلادة بحجة أن الجمهور (عايز كده)، ولأن عامل الميكانيك يمثل دور صلاح الدّين، وصار نجماً بينما لا دراية له بفن الممثل فضلاً عن فن المسرحة، ولا بأي شيء سوى تبديل زيوت السيارات القديمة! وقد هاجر الممثلون العارفون إلى ستدوات السينما والتلفزيون لأنهم يعلمون أن أجورهم ستكون أرفع من أجورهم في التمثيل والمسرح لو بقوا فيه.. رغم أنهم على يقين من أن فن المسرح هو الأصل، وهو الحيّ، وهو المرجع، وهو مجال الفن الحقيقي الصحيح، كما أنهم على يقين من أن المسلسلات التلفزيونية ومعظم الأفلام العربية الهابطة هزيلة الفن وخفيفة القمية لكن شهرتها لدى الجماهير عظيمة. غير أن الشهرة لا تعوض أبداً قيمة الفن والفنان كما نعلم! وإلى هذا الحد نقول: لماذا لم تقع المعادلة في الأجور وفي القمية وفي الشهرة بين الفنانين في المسرح من جهة ومن جهة أخرى في السينما وفي التلفزيون؟ لماذا هذا البخس المستمر؟ فلا بدّ حينئذ من إعادة النظر في حقوق الفنانين المسرحيين الذين لا يعملون إلا في المسرح وذلك من أجل بقاء المسرح العربي على قيد الوجود، إذ تلك الحقوق مهدورة في الأغلب الأعم على صعيد الكتابة واقتباسها وترجمتها، وعلى صعيد الإخراج والتمثيل ونقلهما وترويجهما عن طريق الفيديو والإنترنت، فلا بد من إعادة الاعتبار لأهل المسرح العربي..

كما لا بدّ أن يلتفت الأمر من السلط ومن المجتمع المدني إلى قضايا المسرح كتشييد البنايات والتكوين والتأسيس للتقليد المسرحي لدى الجمهور وكالإنتاج المسرحي لا بالأموال فقط بل أيضاً بالتشجيع الذي لا يكلّ ولا يملّ، بتوفير جميع الإمكانات للعروض وللمواسم بتنظيمها داخل أقطار العالم العربي وخارجه أي في أوروبا وأمريكا وأسيا حتى يبلغ صوت العرب الفني والفكري إلى سائر أنحاء العالم، كذلك بالتضامن الضروري مع أهل المسرح لا لشيء إلا لأنّ فن المسرح ضرورة لازمة للثقافة العربية الحيّة وللحضارة العربية القادمة.

نحن معشر المسرحيين لا نخجل أن نقدّم أعمالنا المسرحية إلى بعضنا البعض ولا يسوؤنا عار إذا ما قدمناها إلى الأجانب! بل نفتخر بذلك كله.

ومما لا شك فيه أن فن المسرح تنوير ومن ثم معرفة، لأنه لا ينفصل عن نسيج المجتمع ولأنه مندمج في حياة المدينة وفي تاريخها ومستقبلها، فهو سؤال يلقى على حلقات الأفراد والمجموعات بغية التذكير حيناً والتوضيح حيناً والتحليل والاستقصاء وفضح السر والخافي وتعرية المختبئ حيناً ثالثاً. وآلته ولوج باب الجدل الواسع العريض بفضل المجادلة التي هي بالحسنى وبالإمتاع وبالإفادة. بذلك يتم تشريك الجمهور ديمقراطياً فيما يقترحه المسرح من حلول أو شبه حلول من مواضيع الساعة أو في معضلة النظام والحكم والوقت والعهد والعصر أو في إشكالية إجتماعية وسياسية وأخلاقية عويصة الحل والنتيجة.

ولئن كان فن المسرح تنويراً في كل زمان ومعرفة فهو ليس وصياً على فكر أحد أو على عواطفه ومشاعره ولا على توجيه معين له سواء كان هذا التوجيه سياسياً نضالياً أو إيديولوجياً.

ولذلك سقطت المسرحيات العربية ذات الإيديولوجية التقدمية المزعومة: أولاً من جهة جماليات الواقعية الحروفية الفجّة. وثانياً من جهة موضوعات إجتماعية تتلخص في حرب الطبقات.

أليس المسرح يوحي للمواطن العربي بالديمقراطية أي بحرية التعبير وباحترام رأي الآخر؟

والفن يربأ عن نفسه أن يكون وصياً على أفكار الناس ويتبرأ من أن يكون وليّاً ولا بوقاً للدعاية ولا استعلاء أخلاقياً ولا مكابرة سلوكية على الإنسان.

ذلك أن فن المسرح حرّ: حريته في النفس وفي الفكر وفي الخيال وفي الجماليات وفي المواضيع ولا مزية لأحد عليه ولا على فن المسرح.