الدورة الثامنة – 2016

الدورة 8 لمهرجان المسرح العربي 2015

 

 

  • كلمة وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح
  • كلمة الإفتتاح للسيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله
  • رسالة اليوم العربي للمسرح 2015 : الفنان الفلسطيني ـ السوري زيناتي قدسية
  • الكلمة الختامية للسيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله 
تاب 1 | المحتوى

كلمة أ.اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

في ختام مهرجان المسرح العربي

الدورة السادسة (الكويت)

10 / 1 / 2016

معالي الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح وزير الإعلام، وزير الدولة لشؤون الشباب.

سعادة ألأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب المهندس علي اليوحة.

أصحاب المعالي والسعادة.

السيدات والسادة الحضور.

مساء للمسرح الذي يزدهي بوجودكم، مساء مكلل برعاية سامية من لدن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله، مساء للرعاية الأبوية والدعم الكبير من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح. مساء طيب لشركائنا في هذا المهرجان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بكافة طواقمه وعامليه، مساء للذين سهروا من أبناء الكويت على نجاح هذا المهرجان حماساً للمسرح ومحبة وانتماء للكويت، مساء يقول بكل ثقة أيها الغد لن ننتظر قدومك.. نحن ذاهبون إليك، سنمضي إليك مكحلة عيوننا بالأمل، ومترفة سواعدنا بالعمل، تحدونا دعوات طالعات من هنا (إشارة للقلب).

هنا الكويت وبيت الحب ومفازات الجمال، هنا الكويت وكل المبدعين من أرجاء الوطن العربي قد سكبوا في جرارها رحيق إبداعاتهم، هنا الكويت وقد سلسلتهم بالمحبة والأمان فبادلوها سلالاً من ثمار الموسم المسرحي في الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج، كائنات من سلسبيل الحكاية طافت وجاءت كما لو كانت سيدة الحكاية (ليلى) تحكي ليلة جديدة ومضافة، لتقول في حكايتها:

حين تسلل سيد الوقت إلى مدينة في ثلاثة فصول” مر على “برج الوصيف” حيث لم يكن يدري إلى أين المصير، كانت “التابعة” حظه فقابل “ضيف الغفلة” والذي كان حاله “التلفة”، ظهر لهما “عطيل” وواجههما “بعنف” وقال “وزيد انزيدك”، لتنتهي المواجهة كما في المسرح (“كا أو” -الضربة القاضية) “ليس إلا”، وكان لا بد لهم – على عهدة الحكاية – من “مكاشفات” فتعالت الأصوات بصراخ جاء كما لو كان “صدى الصمت”، صحى شهريار الحكاية مفزوعاً، قال إني رأيت مناماً، فقالت له سيدة الحكاية.. أشش.. “لا تقصص رؤياك”، فتنه الجمال وتبدل الحال وإذا بالزغاريد تعلو.. قال ما هذا؟ قالوا له إنه “العرس”.

إنه العرس الذي لا ينتهي، في ساحة المسرح التي لا تنتهي، إنها ساحة الفرح الذي يريد بعض أعداء الجمال أن يطفئوا نوره بنارهم، لكنهم نسوا أن عنترة ما زال يقول الشعر في بيداء العرب، و المهلهل ينشد كليباً ، والمتنبي يواجه قاتليه وهو يقول الخيل و الليل، والجازية تعبر المخاضة نحو مجدها، و الأراجوز يوجه سهام نقده في عين جلاده وخيال الظل يفتح في العتمة نوافذ السخرية اللاذعة… أنتم أيها المسرحيون أبناء التراجيديات الكبرى، يحيى بها البطل حين يموت، أبناء المسرح الذي يخاف العتمة إن غادره عاشقوه، يخاف برودة أوصاله إن خبت أنفاسهم، و ها هي ردهات مسارح “الدسمة” و”كيفان” و”الشامية” و”المعهد العالي للفنون المسرحية” و”عبد الحسين عبد الرضا” في السالمية تتنفس أرواحكم، وتردد صدى حواراتكم وتحمل إيقاع خطواتكم، تركتم على جدرانها أثر أكفكم المقدسات المغموسات بعرق التجربة، هذه المطارح المسارح سوف تذكركم طويلاً، حين يرى الناس كيف تنار ردهاتها بترديد أصواتكم، فإن جاءت سيدة الحكاية تسألها ما الخبر؟ سيكون الجواب بكل وضوح:

مهرجان المسرح العربي مر من هنا..

مهرجان المسرح العربي مر من هنا… مر من هنا وغنى قصائد مع فهد العسكر وأسكن ليلى الحكاية في معنى القصيدة، وردد معه رجع أبيات قال فيها:

“وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري من شجوني

ليلى تعالي واسمعي وحي         الضمير وحدثيني

ليلاي لا تتمنعي رحماك          بي لا تهجريني”.

وأنا أقول ليلى هنا فظلي واهنئي …  هذي الكويت هنا فكوني.”

أيها الجمع من عشاق السيد النبيل المسرح، با من نصصتموه على الهامات نجم  سبع ليالٍ كن خواتيم السعي بين المسافات الممتدة من لحظة الفكرة الأولى إلى لحظة الاكتمال والولادة الأولى إلى السفر الممتد من حزم الحقيبة و الارتحال إلى الحقيقة في اجتماعكم و مثولكم على ساحاتها و مسارحها، فيا لجمالها من ساحة ومساحة، تكونون فيها سادتها وخادميها، هو هكذا المسرحي سيد ركحه، و خادم حكايته، نجم من يشاهده وقلب حكايته، فخذوه برفق أخذ من يحب فيرفق، وضموه بقوة من يحب ويعشق، اسكنوه وأسكنوه الماقي مساكب النور، فساكن المسرح نجم في فلك يدور، فيا عاشقي هذا الجميل، تلمسوه بحب حين تمر أكفكم على بدنه المترف بالحكايا، وبأرواح من باحوا فاستباح منهم الدمع والضحكات، صِلوه ورنَّموا فيه تراتيل الحق و الأخلاق، فالحرية محرابه، و أشرعوه إلى الرؤى الحية ولا تغلقوا بابه، فرب عابر حلم يهتدي بناركم  يحتسي قهوة الحب على أعتابكم.

لا تكلوه لجفاف الروح واسقوه من زلال عيونكم، أضيئوا فيه أنوار شموسكم، لتطردوا خفافيش ظلام تحاول ما استطاعت أن تسكن حناياه لتحوله لخرابة، وعليكم حماية وتطهير أعتابه، فهم لا يرون الجمال ولا يعرفون معنى الحرية، ويريدون أن يعيدوا الكون إلى عصور جاهلية، بخروه بأنفاسكم وكللوه بفرحكم، وارفعوه راية تظللكم، وأكتبوه على كل ركن حتى يكون اسماً لحياة نحبها وقد استطعنا إليها به سبيلاً.

ها قد بدأنا عامنا بهذا الحدث الذي جعلتموه بجهودكم وإبداعاتكم عيداً نبدأ منه ونمضي إلى ذرى جديدة في عالم الجمال، جعلتموه شارة انطلاق نحو المعالي المترفات بالتعب والهم الجميل،

ها هو اسبوع من الجمال يمضي ولكن لا إلى انتهاء، إنه يمضي ولا يكون وراءنا، إنه يمضي بنا نمضي به، إنه إيذان بعام من العمل الدؤوب، من المراجعات والمبادرات، عام يذهب بنا ونذهب به، إلى الجديد، فأمامنا وقت ومواعيد، لمسابقات التأليف وتنمية المسرح المدرسي والتأهيل والتدريب والنشر والتوثيق وأسواق الدمى والعرائس.

اليوم يتوج عرض مسرحي من بين العروض المتنافسة فائزاً بجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ولعمري فإن وصول أعمالكم المسرحية إلى منصات هذا المهرجان، لهو شرف لنا وفوز لكم، ومن هنا نقول تعالوا معنا لنطور من عملنا ونتاجنا، تعالوا معنا ” لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية”.

 

إسماعيل عبد الله

الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

   الكويت – يناير 2016

 

 

رسالة اليوم العربي للمسرح

10 يناير 2016

لم يعد أمامنا خيارات.. و لا نملك رفاهية الوقت

بقلم زيناتي قدسية

إخوتي و أصدقائي…

يا مَن تصنعون الجمال في زمن يُصرُّ فيه المتهافتون على إنتاج القبح.

توقي كبير, و شغفي أكبر, لهذا اللقاء الذي دعتنا إليه الشارقة المشرقة, المدينة_المنارة, مركز الذوق الفني الرفيع, ممثلةً بهيئتنا العربية للمسرح, لنحجَّ كلنا إلى واحة الثقافة و العلوم و الإبداع العربي و الإنساني, إلى هذا البيت, بيتِنا العربي الكويتي العريق و الأصيل, بيت الأمن و السلام.. هذا البيت الذي طالما جمعنا في أوقاتٍ كنا فيها أشتاتاً, و احتوانا بذراعيه الحانيتين و دفء قلبه في أزمان عزَّ فيها اللقاء.. نحن الذين نشكل البقية الباقية التي ما تزال متمترسة على أسوار حصن الجمال, مدافعين عنه ببسالة قل نظيرها.

أصدقائي…

من أمِّ البدايات, أمِّ النهايات. من رائحة الزيتون و الكرمة و الزعتر التي تعبق من “فستيان” أم سعد, من العاشق, العائد إلى حيفا مُحمَّلاً ببرقوق نيسان.. من روح غسَّان, معلمي الأول, فاتحة وعيي و إدراكي للأشياء و الحياة. من “إجزم” قريتي الهاجعة على كتف حيفا و ظلال الكرمل كفرخ حمام يستدفئ بجناح أمه.. حيث الولادة.

من “دمشق”, شامةِ الدنيا, أمِّ المدنِ و روحِ التاريخ.. دمشق, ثقافتي, هواي, مرآة روحي, كل التجربة…

ستة و أربعون عاماً في “دمشق”, و قبلها أربع سنوات في عروس الشمال “إربد”.. خمسون عاماً ليست شيئاً في عمر الزمن, و لكنها العمر الحقيقي لتجربتي في المسرح, و الحياة إذا شئتم.. منازلة لم تتوقف يوماً, حاولت خلالها أن أمسك بتلابيب هذا الفن الصعب العصيّ, و لم أفلح.. لكنني و منذ وقت مبكر أدركت أنني مقبل على خوض معركة شرسة قد تطول, و لا أدري لصالح من ستحسم نتائجها.. و مع مرور الزمن و احتدام المعركة أدركت أن المسرح قضية كبرى و تحتاج رجالاً على مقاسها.

أيها الأعزاء: إذا كان للشعوب برلمانات, فإن المسرح هو برلمان الثقافة الشعبية دون منازع. و لكي يتحول المسرح في بلادنا إلى برلمان للثقافة الشعبية حقاً, فإنني _مع الأصوات التي سبقتني, و بعيداً عن تكرار ما قلناه و كتبناه و نظَّرنا له منذ مائة عام و يزيد, أدعوكم للاندفاع بوعي و جرأة و حكمة نحو مسرحنا الجديد و المقاوم.. و أن نحوِّل كل المساحات المتاحة_ و أقتبس من الدكتور القاسمي:[إلى أمكنة للتعبير عن المقاومة التي تبديها الأفكار التنويرية ضد الأفكار الظلامية, و أن نجعل من مسرحنا مدرسة للأخلاق, و الحرية].. انتهى الاقتباس.

نعم أيها الأخوة.. مسرح جديد حر و مقاوم, بدأت إشاراته الأولى تتبدى منذ عشر سنوات.. حرٌ مقاوم.. لأن المسرح بطبيعته حُرّ, و منذ نشأته الأولى كان مقاوماً, و قدم آلافاً من العروض المسرحية المقاومة بمعناها الحرفي, مقاومة المحتل, الغازي, العدو, المستعمر, و في كل دول العالم هناك دائماً حضور لافت للمسرح المقاوم و إن اختلفت أساليب التعبير عن روح المقاومة من مسرح لآخر. و ما دام هناك فاشيون و ديكتاتوريون, و قابليات لنشوب حروب ثنائية أو كونية, و ما دام على الأرض أربابٌ يتمسكون بربوبيتهم و يعملون على تخريب العالم و تدمير أمنه عبر التاريخ, و ما دامت الآفة الإنسانية الماثلة أمامنا و المتمثلة في البعض الذي يرى العالم أضيق من أن يتسع له و للآخرين, و يريد أن يعيش وحده جاعلاً نهج حياته: “هذا كله لي”.. ما دام كل هؤلاء يعبثون بحياتنا و مصائرنا, فإن المسرح المقاوم يبقى حيَّاً و يعبر عن حرية الإنسان و الشعوب و ثقافاتها… هذا من جانب.

و في الجانب الآخر, ليس شرطاً أن يكون هناك احتلالاً أو غزواً عسكرياً أو مستعمراً لننشئ مسرحاً مقاوماً. ففي فترات السلم العالمي, تبدو حاجة البشر لمسرح مقاوم ماسَّة و ملحة. و كأن هذا الهدوء و الاستقرار الظاهري و الاسترخاء المريب تختفي وراءه نُذُرُ التفجرات المباغتة و الحروب المدمرة. و ما سعي الدول المحموم لامتلاك الأسلحة بمختلف أنواعها, و الصراع المعلن و الخفيّ على حيازة أكثرها فتكاً و تدميراً تحت مسمى التوازن الاستراتيجي, إلا تهيئة و استعداداً لهذه التفجرات المباغتة. و لذلك, فإن المفكرين و المثقفين و العلماء و الشعراء و رجال المسرح في مختلف أنحاء العالم, حين يواجهون القبح بالجمال و اليأس بالأمل, و حين ينتصرون للإنسان من أجل حريته و كرامته الإنسانية و حقه في الماء و الطعام و المسكن اللائق و الصحة و التعليم و الحب و إبداء الرأي و الدفاع عن حقه في الوجود.. حين ينتصرون لكل هذا, إنما هم ينتمون بشكل أو بآخر إلى الثقافة المقاومة, العلوم المقاومة, الشعر المقاوم, و المسرح الجديد الحر المقاوم.. البعيد عن التقليدية المتزمتة و المرتهنة لمفاهيم لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات العصر.. مسرح متحرر من ظلامية الغول الذي ينشب أظفاره ليشد التجربة الإنسانية برمتها إلى الكهوف المظلمة.. مسرح جديد حر, نقيض للحداثات المزيفة و غير الأصيلة و الطارئة, و التي أحدثت اختراقات مهولة في حياة البشر على كل المستويات. و أرجو أن لا أُفهم بأنني أدعو للانغلاق و الانقطاع عن ثقافات العالم و منجزاته الإبداعية.. على العكس, أنا من قرية صغيرة من قرى الجليل في فلسطين, لكنني أؤمن بأن العالم قريتي. و أنتمي لأسرة صغيرة, و لكنني أؤمن بأن البشرية أسرتي, و بأنني جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الإنساني الرائع. و أؤمن أن على رأس واجبات الإنسان واجباً يدعوه إلى الاهتمام بمشاكل و قضايا العالم, و إلى التفكير فيها و التعبير عنها بنفس الحرارة و الولاء الذي يتناول فيه مشاكل وطنه و ذاته.

و قد يقول قائل: هل فرغنا من مشاكلنا نحن حتى نولي وجهنا نحو مشاكل العالم؟.. لا لم نفرغ بطبيعة الحال.. بل إننا غارقون في المشاكل و الأزمات و الكوارث حتى الأذنين.. لكننا لا نبتعد عن أنفسنا حين نقترب من العالم كله.. و لن نكون مبدعين حقيقيين قادرين على الدفاع عن قضايانا الإنسانية العادلة دون أن ندرك المفهوم السويَّ لكلمة “نحن”. لأن “نحن” هذه, ليست في التحليل النهائي لها سوى سكان هذا الكوكب جميعاً. و أنت و أنا إنما نبحث مشاكلنا نحن حين نوجه خواطرنا على المشكلة الإنسانية بأسرها.. و إنني أرحب كل الترحيب بمثاقفة إنسانية تكفل لي تمايزي و خصوصيتي الثقافية و الروحية, و لا تلغي هوية الأصل أو تعمل على مسخها و تحويلها إلى كيان تابع ذليل.. مثاقفة محكومة بشرطيّ الحرية و التكافؤ.

أيها الأعزاء, نحن اليوم نصعد الدرجات الأولى في سلَّم القرن الواحد و العشرين, و لدينا من الطاقات البشرية و العقلية و الإبداعية و المالية ما يمكِّننا من خلق مسرحنا الجديد.. لم يعد أمامنا خيارات.. و لا نملك رفاهية الوقت.. و علينا أن نكمل ما بدأناه بوعي و جرأة و تصميم أشد.. فكما أن المسرح الحي النابض نقيض البدايات الفاترة, عدو الإيقاعات الميتة, كذلك الحياة, لا تزدهر بالتمطي و الاسترخاء.. و الحرية و سعادة البشر لا تتحقق بالكسل و التثاؤب, إنما تعمر الحياة و تزدهر بالتحديات و المواجهة و قوة الإرادة.. و أنتم أهل لهذه المواجهة.

و مع كل هذا التهشيم المريع و التوحش الذي نعيشه و نشهده في منطقتنا و العالم, و في همروجة هذه الانكفاءات السريعة, يكفينا شرفاً أننا ما زلنا نقبض على جمر التجربة.. أجل أيها الجميلون, أنتم القابضون على جمر التجربة, و لأنكم كذلك فأنتم تمثلون الارتسام الأنصع لشرفنا الإبداعي الباقي, و لأنكم كذلك فسنبلغ المرفأ حتماً, و سنحقق كل اجتراءاتنا الباسلة الماهرة.

أخيراً.. هذه الخشبة ابتلعت كل العمر.. خمسون عاماً بالتمام و لا كمال.. أرى كل شيء كما لو كان البارحة أو اليوم.. و كل شيء كان لها.. للتي غنيتُ لها كُل هذا العمر.. و سأظل أغني مع الذين غنوا لها, و الذين سيشاركوننا الغناء.. مثلما كان.. و ما سيكون.. إلى أن تكون.. حبيبتي التي ستبقى تمتلك السماء.. هي وحدها لها قلبي, هي وحدها تفتح روحي لما لا يمكن سمعُه, هي وحدها و العجائب تندهش إذا مرَّت, هي وحدها, و سيبقى الشرف الإنساني مثلوماً إلى أن تخرج من الجحيم إلى رحاب الحرية, و نتوجها درَّة لتاج العالم.. عالم متجدد أكثر حرية, عالم يقف الناس جميعاً فيه أخوةً متحابين, يطبعون سيوفَهم سِككاً, و رماحَهُم مناجل.. لا ترفع أمةٌ على أمةٍ سيفاً.. و لا يتعلمون الحرب.. فيما بعد.

كلمة أ.اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

في ختام مهرجان المسرح العربي

الدورة السادسة (الكويت)

10 / 1 / 2016

معالي الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح وزير الإعلام، وزير الدولة لشؤون الشباب.

سعادة ألأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب المهندس علي اليوحة.

أصحاب المعالي والسعادة.

السيدات والسادة الحضور.

مساء للمسرح الذي يزدهي بوجودكم، مساء مكلل برعاية سامية من لدن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله، مساء للرعاية الأبوية والدعم الكبير من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح. مساء طيب لشركائنا في هذا المهرجان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بكافة طواقمه وعامليه، مساء للذين سهروا من أبناء الكويت على نجاح هذا المهرجان حماساً للمسرح ومحبة وانتماء للكويت، مساء يقول بكل ثقة أيها الغد لن ننتظر قدومك.. نحن ذاهبون إليك، سنمضي إليك مكحلة عيوننا بالأمل، ومترفة سواعدنا بالعمل، تحدونا دعوات طالعات من هنا (إشارة للقلب).

هنا الكويت وبيت الحب ومفازات الجمال، هنا الكويت وكل المبدعين من أرجاء الوطن العربي قد سكبوا في جرارها رحيق إبداعاتهم، هنا الكويت وقد سلسلتهم بالمحبة والأمان فبادلوها سلالاً من ثمار الموسم المسرحي في الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج، كائنات من سلسبيل الحكاية طافت وجاءت كما لو كانت سيدة الحكاية (ليلى) تحكي ليلة جديدة ومضافة، لتقول في حكايتها:

حين تسلل سيد الوقت إلى مدينة في ثلاثة فصول” مر على “برج الوصيف” حيث لم يكن يدري إلى أين المصير، كانت “التابعة” حظه فقابل “ضيف الغفلة” والذي كان حاله “التلفة”، ظهر لهما “عطيل” وواجههما “بعنف” وقال “وزيد انزيدك”، لتنتهي المواجهة كما في المسرح (“كا أو” -الضربة القاضية) “ليس إلا”، وكان لا بد لهم – على عهدة الحكاية – من “مكاشفات” فتعالت الأصوات بصراخ جاء كما لو كان “صدى الصمت”، صحى شهريار الحكاية مفزوعاً، قال إني رأيت مناماً، فقالت له سيدة الحكاية.. أشش.. “لا تقصص رؤياك”، فتنه الجمال وتبدل الحال وإذا بالزغاريد تعلو.. قال ما هذا؟ قالوا له إنه “العرس”.

إنه العرس الذي لا ينتهي، في ساحة المسرح التي لا تنتهي، إنها ساحة الفرح الذي يريد بعض أعداء الجمال أن يطفئوا نوره بنارهم، لكنهم نسوا أن عنترة ما زال يقول الشعر في بيداء العرب، و المهلهل ينشد كليباً ، والمتنبي يواجه قاتليه وهو يقول الخيل و الليل، والجازية تعبر المخاضة نحو مجدها، و الأراجوز يوجه سهام نقده في عين جلاده وخيال الظل يفتح في العتمة نوافذ السخرية اللاذعة… أنتم أيها المسرحيون أبناء التراجيديات الكبرى، يحيى بها البطل حين يموت، أبناء المسرح الذي يخاف العتمة إن غادره عاشقوه، يخاف برودة أوصاله إن خبت أنفاسهم، و ها هي ردهات مسارح “الدسمة” و”كيفان” و”الشامية” و”المعهد العالي للفنون المسرحية” و”عبد الحسين عبد الرضا” في السالمية تتنفس أرواحكم، وتردد صدى حواراتكم وتحمل إيقاع خطواتكم، تركتم على جدرانها أثر أكفكم المقدسات المغموسات بعرق التجربة، هذه المطارح المسارح سوف تذكركم طويلاً، حين يرى الناس كيف تنار ردهاتها بترديد أصواتكم، فإن جاءت سيدة الحكاية تسألها ما الخبر؟ سيكون الجواب بكل وضوح:

مهرجان المسرح العربي مر من هنا..

مهرجان المسرح العربي مر من هنا… مر من هنا وغنى قصائد مع فهد العسكر وأسكن ليلى الحكاية في معنى القصيدة، وردد معه رجع أبيات قال فيها:

“وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري من شجوني

ليلى تعالي واسمعي وحي         الضمير وحدثيني

ليلاي لا تتمنعي رحماك          بي لا تهجريني”.

وأنا أقول ليلى هنا فظلي واهنئي …  هذي الكويت هنا فكوني.”

أيها الجمع من عشاق السيد النبيل المسرح، با من نصصتموه على الهامات نجم  سبع ليالٍ كن خواتيم السعي بين المسافات الممتدة من لحظة الفكرة الأولى إلى لحظة الاكتمال والولادة الأولى إلى السفر الممتد من حزم الحقيبة و الارتحال إلى الحقيقة في اجتماعكم و مثولكم على ساحاتها و مسارحها، فيا لجمالها من ساحة ومساحة، تكونون فيها سادتها وخادميها، هو هكذا المسرحي سيد ركحه، و خادم حكايته، نجم من يشاهده وقلب حكايته، فخذوه برفق أخذ من يحب فيرفق، وضموه بقوة من يحب ويعشق، اسكنوه وأسكنوه الماقي مساكب النور، فساكن المسرح نجم في فلك يدور، فيا عاشقي هذا الجميل، تلمسوه بحب حين تمر أكفكم على بدنه المترف بالحكايا، وبأرواح من باحوا فاستباح منهم الدمع والضحكات، صِلوه ورنَّموا فيه تراتيل الحق و الأخلاق، فالحرية محرابه، و أشرعوه إلى الرؤى الحية ولا تغلقوا بابه، فرب عابر حلم يهتدي بناركم  يحتسي قهوة الحب على أعتابكم.

لا تكلوه لجفاف الروح واسقوه من زلال عيونكم، أضيئوا فيه أنوار شموسكم، لتطردوا خفافيش ظلام تحاول ما استطاعت أن تسكن حناياه لتحوله لخرابة، وعليكم حماية وتطهير أعتابه، فهم لا يرون الجمال ولا يعرفون معنى الحرية، ويريدون أن يعيدوا الكون إلى عصور جاهلية، بخروه بأنفاسكم وكللوه بفرحكم، وارفعوه راية تظللكم، وأكتبوه على كل ركن حتى يكون اسماً لحياة نحبها وقد استطعنا إليها به سبيلاً.

ها قد بدأنا عامنا بهذا الحدث الذي جعلتموه بجهودكم وإبداعاتكم عيداً نبدأ منه ونمضي إلى ذرى جديدة في عالم الجمال، جعلتموه شارة انطلاق نحو المعالي المترفات بالتعب والهم الجميل،

ها هو اسبوع من الجمال يمضي ولكن لا إلى انتهاء، إنه يمضي ولا يكون وراءنا، إنه يمضي بنا نمضي به، إنه إيذان بعام من العمل الدؤوب، من المراجعات والمبادرات، عام يذهب بنا ونذهب به، إلى الجديد، فأمامنا وقت ومواعيد، لمسابقات التأليف وتنمية المسرح المدرسي والتأهيل والتدريب والنشر والتوثيق وأسواق الدمى والعرائس.

اليوم يتوج عرض مسرحي من بين العروض المتنافسة فائزاً بجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ولعمري فإن وصول أعمالكم المسرحية إلى منصات هذا المهرجان، لهو شرف لنا وفوز لكم، ومن هنا نقول تعالوا معنا لنطور من عملنا ونتاجنا، تعالوا معنا ” لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية”.

 

إسماعيل عبد الله

الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

   الكويت – يناير 2016