الدورة التاسعة – الجزآئر 2017

 

  الدورة 9 لمهرجان المسرح العربي  2017

 

  • كلمة والي ولاية وهران السيد عبد الغني زعلان
  •  الكلمة الإفتتاحية للسيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله
  • كلمة وزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي
  • رسالة اليوم العربي للمسرح 2017: المسرحي الأردني حاتم السيد
  • الكلمة الختامية للسيد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح أ.اسماعيل عبد الله
تاب 1 | المحتوى

كلمة اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

في افتتاح الدورة التاسعة

مهرجان المسرح العربي (الجزائر)

 10 / 1 / 2017

تمام العاشرة…

معالي وزير الثقافة الشاعر الأستاذ عز الدين ميهوبي.

سعادة والي ولاية وهران عبد الغاني زعلان.

سعادة والي ولاية مستغانم عبد الوحيد تمار.

سعادة المدير العام للديوان الوطني للثقافة والإعلام لخضر بن تركي.

أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة الحاضرين.

السادة الزملاء أعضاء مجلس الأمناء في الهيئة العربية للمسرح.

أيها الزملاء المسرحيون يا خلاصة العصر ونبضه.

السيدات والسادة.

اليوم هو العاشر من يناير، يومكم، اليوم العربي للمسرح، كل عام وأنتم بخير ليكون المسرح بخير، كل عام والمسرح بخير لتكون الدنيا بخير.

مساؤكم مسرح وإبداع، مساؤكم حرية.

إنها رجفة قلب المحب إذ يلتقي الأحباب، وهنا قد اجتمع للقلب ما لا يجتمع من البهاء التام إلا بحضوركم.

إنها لهفة النفس والتوقُ والشوق، إذ يعلو موج الانتظارات بإطلالاتكم.

يشرفني بداية أن أتوجه بالشكر باسمي وباسم المسرحيين الذين يقفون على أرض الجزائر اليوم ليرسموا حلمهم، وتصدح أصواتهم بنشيد الحرية، أن أرفع لمقام فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أسمى آيات الشكر لتفضله برعاية الدورة التاسعة من مهرجان المسرح العربي _دورة عز الدين مجوبي)، الأمر الذي يؤشر إلى وعي كبير بدور المسرح في التنمية المجتمعية، ودوره في ترقية الفعل الثقافي والإبداعي، بدوره في التغيير.

كما يشرفني أن أنقل لكم التحية الشخصية من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، الذي تابع ويتابع كل التحضيرات، يتابع ما سوف تنثرون على الدنيا من عبير رؤاكم ونبيل عرقكم، ويشد على أياديكم لأنكم معلمو كل عصر وأوان.

كما أتوقف لأزجي التحية العالية لواليي ولايتي وهران ومستغانم، لهذين النموذجين الذين رسما صورة ناصعة لمعنى أن تكون والياً، مهموماً بحلم التقدم، مترعاً بالأمل وممتلكاً للأرادة، إذ جعلا هاتين المدينتين الغاليتين مثل عينين، حاضنتين لمرور ركب البهاء والأنوار المسرحية في ربوعهما، وقد وفرا كل ما يليق بمدن أنجبت كل الأسماء التي غدت علامات في دروب المسرح العربي.

أما الشريك الوفي العفي المتمثل بالديوان الوطني للثقافة والإعلام ممثلاً بالاستاذ لخضر بن تركي وفريق عمله، فهؤلاء قصيدة أخرى من الجدية والانتماء، جعلت هذه الدورة تتسع لتصل فعالياتها إلى حوالي مائتي فعالية، تشمل مسارات التنافس والتدريب والتكريم والنقد والبحث والتحكيم.

أما أنتم يا صناع هذا الحدث من المسرحيين، لا بد لي أن أقف محيياً وجودكم هنا، أنتم الذين ركبتم صهوات الحياة ووفدتم من كل فج بعيد، وطويتم بالمحبة المسافات، حاملين شهد إبداعكم، لتضعوه سائغاً مغلفاً بالحب للمسرح العربي والجزائر، فهذه ساحكم، وهذا بلدكم وهذه مسارحكم، فمن مثلكم اليوم وأنتم تدرأون الظلام بنور الجمال؟ من مثلكم وأنتم ترفعون رايات الحب في وجه عواصف الكراهية التي تجتاح العالم؟ من مثلكم بكل هذا الإقدام في غناء المحبة بينما تعلو لغة الغلو والتطرف والجنون؟ من مثلكم وأنتم تحجون إلى وطن يكبر بكم وتكبرون فيه.

من أين أدخل في الوطن؟ سألها الشاعر، وأنا أقول أدخلوا الأوطان من مسارحها، تفتح لكم أبوابها، ويهب نسيم أرواح مبدعيها يضيء المكان ويعطر الزمان بزكي خطاهم، ونبيل رؤاهم، أدخلوها بسلام آمنين، كأنها كتبت على عتبات بيوتها ومطارحها ومسارحها، كان أكف أهلها نسجت من حروفها سلاماً وأمناً.

هي الجزائر إذ تدخلها من مسارحها، تستقبلك كوكبة الذين أمتشقوا يراعها و خشباتها، الذين تمنطقوا باسمها، و تلفحوا برايتها و رأيها، يستقبلك محيي الدين بشطارزي، و ولد عبد الرحمن كاكي، مصطفى كاتب، عبد القادر علولة، عز الدين مجوبي، امحمد بن قطاف، كاتب ياسين و آسيا جبار، إنه وطن كتبه الطاهر وطار، محمد ديب، مالك بن نبي، مولود فرعون، أحمد رضا حوحو، مولود معمري،  طاهر جاووت و مالك حداد، تراهم في صفحات الشوارع، و جنبات القاعات، وعلى سنام المنصات، تراهم خطاباً معلنا في الحياة، و ملامح تذوب في التقاء الأرضين بالسموات، تجدهم في نشيد الحياة المضمخ بالنجيع المِسْكَوِيِ لمليونِ و نصف من الشهداء، مضوا من أجل أن يعيش الوطن وطنا نقول فيه ما قال الشاعر مفدي زكريا في الإلياذة الجزائرية :

شغلنا الورَى، وملأنا الدنا بشعر نرتله كالصٌـلاة

تسابيحه من حنايا الجزائر

جزائر يا بدعة الفاطــر

ويا روعة الصانع القـادر.

اليوم تتم الهيئة العربية العقد الأول من عمرها، هنا على أرض الجزائر، وتنطلق معكم وبمعيتكم إلى ذرى جديدة من العطاء، متوجة ذلك بتكريم كوكبة من فناني الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، تلك الفرقة التي أسسها المبدع الكبير مصطفى كاتب عام 1958، لتكون رسول الفن يجوب العالم مدافعاً عن حق الجزائر بالحرية، لتقدم أنموذجاً ساطعاً ناصعاً لدور الفنان في القضايا الوطنية، نكرم من تبقى من الأحياء من هذه الفرقة، لنكرم من خلالهم الدور العظيم الذي لعبته والأنموذج الذي قدمته.

ولإن كانت الدورة قد حملت اسم شهيد للمسرح هو عز الدين مجوبي، وتعقد في مدينة شهيد آخر هو علولة، فلا غرو أن العقد قد اكتمل بكم، فهل من نضال أهم من أن يجترح الفنان حالة إبداعية وسط كل هذا الجنون،  فهلموا إن الأيام لكم، والمسارحَ والمطارحَ لكم، والمجدَ لكم، والقبضَ على اللحظة الهاربة من العمر هو قبض أكفكم؛ أشعلوا نار المسرح المقدسة، وتطهروا وطهروا هذا البدن من أدران التخلف والكراهية ونفي الآخر وأكل الذات بالذات، هلموا فالشخصيات التي سطرتموها في نصوصكم، و أحييتموها على خشباتكم، لها ما تقول و لديها ما تعمل، فلترفع الستائر، و تتقد الأرواح، و ليعلو النشيد الأزلي ليبقى السيد النبيل سيداً أبداً، فنحن كما قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي (نحن كبشر زائلون، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة)

أيها السيد النبيل المسرح، ها هم أبطالك، صانعوا مجدك، يخطرون في جنباتك، يخطون بمداد أرواحهم سفر خلودهم المستمد من خلودك، وها نحن من أرض الجزائر.. قد عقدنا أن تحيا عزيزاً كما تحيا الجزائر.. فأشهدوا.

إسماعيل عبد الله

الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

10 / 1 / 2017

تاب 3 | المحتوى

رسالة اليوم العربي للمسرح

العاشر من يناير 2017

 

كتابة و إلقاء

المخرج حاتم السيد

المملكة الأردنية الهاشمية

 في افتتاح

مهرجان المسرح العربي

الدورة التاسعة (عز الدين مجوبي)

الجزائر

 

السلامُ على أَدِيمُ هذه الأَرضِ الذي تشكّل من رفات الشهداء..

والسلام من قبلُ على شهداءِ الأمة أجمعين..

السلامُ على الحلمِ الذي لم يكتملْ بعد..

السلامُ على الكبارِ الذين أفنَوا أعمارَهم لتبقى خشبةُ الحياةِ تنبضُ بالحياة..

السلامُ على الأجيالِ الإبداعيةِ التي احترقتْ ليسودَ السلامُ على خشباتِ السلام..

السلامُ على الذين ما يزالون يخطّون الحرفَ على جدرانِ الوعيِ كيْ يستقيموا مسرحيين..

السلامُ عليكمْ وعلى أحلامِكم وعلى خشباتِكُم التي تحملونها في قلوبِكم..

والسلام من قبلُ ومن بعد على العتمةِ التي نستنيرُ منها الدربَ..

حين يحضُرُ المسرحُ يحضُرُ الحلمُ، وحين يكبُر المسرحُ يكبرُ الحلمُ وتستقيمُ الحياة، فلماذا لم تكبُرْ أحلامُنا مع المسرحِ رغمَ اتساعِها، ولماذا لم تستقمْ حياتُنا رغمَ كَثرةِ خشباتِنا؟

سؤالٌ بحجمِ الأمة التي ما تزالُ تبحثُ عن خشبةٍ يعُمُّ عليها السلام، فسلامٌ لكم، وسلامٌ عليكم، وسلامٌ على الله الذي غيّبناه لنحلَّ مكانَه..

كبيرةٌ أسئلتُنا، وكبيرةٌ أحلامُنا، وكبيرةٌ قضايانا، لن تقفَ عليها كلمةٌ مقتضَبةٌ كهذه، لكنّكم مَن يُحصيها عدداً، ويعيها وعياً، ويعيدُ إنتاجَها لتكونَ نهجاً، ليس لنا فقط، وإنّما لأمةٍ نريدُ أن ندرّبَ أبناءَها ليقفوا على بواباتِ المسارحِ ليشاهدوا كيفَ تكونُ الحياة..

ولأنّ رحلتَنا تأبى أن تُسدَل الستارةُ عليها، ولأنّ آمالَنا كما هي آمالُ “ونوس” الذي حكمَ وحكَمنا معه بالأمل، فإنَّ علينا أن نعيدَ تشكيلَ أرواحِنا وحضارتِنا وثقافتِنا من جديد، وأن ننفُضَ عنها العفونةَ التي تفشّتْ عليها، وأن نزيلَ الترهلَ الذي جعلَ أوصالَها ترتخي، وأن نزرعَ الحياةَ في أحلامِها التي بدأت تشحَبُ.

دعونا نواجِهِ الحقيقةَ أيها القابضون على جمرِها..

كيف يمكنُ أن تصنعوا البهجةَ في ظلِّ هذا الدمار، ووسطِ هذه القتامة؟ في أجواءِ هذا الموتِ الذي يكرّسُ نفسَه بديلاً للحياة.. كيف لكم أن تعيدونا إلى الزمنِ الجميل، زمنِ الوحدة، زمنِ التفاؤل، زمنِ الإبداع والمسرح المبهِج؟

هي أسئلةٌ كبيرة كما تَرَون..

كيفَ يمكنُ أن تنتزعوا الرداءةَ من جَنَبات هذه الحياةِ، ومن جنَبات هذه المسارح في واقعِنا؟ كيف يمكنُ أن تصنعوا الإجاباتِ المقنعةِ لأجيالٍ وُلدت في لجّةِ الأسئلةِ الكبيرة؟ كيفَ تنبجسُ من وراءِ ستائِرِكُم حياةٌ تعيدُنا للحياةِ وتأخُذُنا من لحظةِ الإسفافِ القاتمةِ والقاتلة؟

هيَ أسئلةٌ بحجمِ هذه الأرضِ الممتدةِ منَ المحيطِ الهادرِ إلى الخليجِ الذي يزْبُدُ غضباً..

أسئلةٌ عليكم أن تصنعوا إجاباتِها، وإلا ستتجاوزُكُم الحياةُ إن لم……!

كيفَ لنا كفنانين ومثقفين أن نقفَ في وجهِ هؤلاءِ الأوصياءِ على الحياةِ.. هؤلاءِ الذين ينْصُبون أنفسَهم مكانَ الله، يحلّلون ويحرّمون والأمةُ تنقسِمُ عليهِم وبسببِهم؟

كيف لنا كفنانين ومثقفين أن نجعلَ الأمةَ تلتقي على الأفكارِ الكبيرة والأحلامِ العظيمة، لا أن تنقسمَ على السفاهةِ والانحطاط؟

كيف لنا كفنانين ومثقفين أن نربأَ بأنفسِنا أن نكونَ أبواقاً لأفكارٍ قميئةٍ تدعونا للاصطفافِ خلفَها دونَ الوعيِ بها؟

كيف يمكنُنا أن نقبلَ الآخَرَ، وأن نطلبَ من الآخرِ القَبولَ بنا، إذا لم نقدّمْ ما هو إنسانيٌّ جمعيٌّ يسمو فوقَ كلِّ أنانية؟

كيف لنا أن نصنعَ منَ المسرحِ حريةً للنفْس، وحريةً للفكر، وحريةً للخيال، وحريةً للحلم.. نعم؛ أحلُمُ كما أشاء، أحلُمُ كما أشاء لا كما تشاءُ لي..

ليكُنْ مسرحُنا مسرحَ الحقيقةِ لا مسرحَ الخداع، مسرحَ الوعيِ لا مسرحَ التضليل، مسرحَ الكبارِ لا مسرحَ الإسفاف، مسرحَ الحياةِ لا مسرحَ الموت.. أُعيدُها: مسرحَ الحياةِ لا مسرحَ الموت.

كبُرْتُ مع هذه الخشبة، وكبُرَ معي الحلمُ وشاخ كما شاختْ أوصالي، وها أنا اليومَ أرقبُ هذه الخشبةَ بخوفٍ كما يرقُبها أيُّ محِبٍّ للحياة.. لا أُريدُها للنخبة، أريدُها لكلّ الحالمين بالحبّ، أريدُها لكلّ العاشقينَ للهروبِ من نَيْرِ الفقرِ والجوع والحرمان، أريدُها وطناً واحداً، أريدُها قصيدةً تتغنّى بالأرضِ والإنسان، أريدُها وسيلةً لمقاومةِ الشِّقاقِ والنزاعِ والموت، أريدُها قصةً تُروى لطفلٍ كي ينامَ فيحْلُم بحياةٍ أكثرَ أمناً وصفاء..

أقف اليومَ لأقدّم اعتذاري الشديد إلى الذين حملوا مشاعلَ الريادة، وما زالتْ أرواحُهُم ترفرفُ حولَنا، وآثارهُم تبعثُ فينا العزيمة والإصرارَ على مواصلةِ الدربِ بجِدٍّ وإبداع.

إلى كلِّ المسرحيين العربِ الذين يحملونَ الرايةَ على امتدادِ الترابِ العربي، ويعاندون مرارةَ التهميشِ والإقصاءِ في زمنِ الانكسار، زمنِ الظلاميين، زمنِ محوِ الهويةِ واغتيالِها وطمْسِ التراث.

أقدمُ اعتذاري لنفسي ولوطني ولعروبتي، ولكلِّ الذين لم نستطعْ أن نحميَ أحلامَهُم ونصْعدَ بوعيهِم، لأنّ غيرَنا كان الأقوى بإمكاناتِه فخطفهُمْ إلى مكانٍ مظْلم.

وها أنا أيضا أقدّمُ اعتذاري في هذا اليوم إلى روحِ أمّي، لأنني خيّبتُ ظنَّها بأن تصبحَ أمَّ الدكتور، لا أمَّ الفنان، وأشكرها لأنها عادت لتفتخر بأنها أم الفنان المسرحي.

سيداتي وسادتي

علينا كمسرحيين ومبدعين أن نحميَ ثغورَنا وحصونَنا وقلاعَنا الثقافيةَ والإبداعية، رُغم ما نعانيه من ضيقِ ذاتِ اليدِ وشُحِّ الدعمِ وتبدُّلِ الأولوياتِ في ظلِّ سطوةِ العولمةِ ومشاهِدِ الانكسار، فلا بدّ لـ “سيزيف العربي” أن ينهضَ من جديدٍ ويحملَ “الصّخرة” ويصعَدَ بها قمةَ الجبلِ غيرَ آبهٍ بقيودِه وأغلالِه.

ولأنّ هذه الخشبةَ جزءٌ أصيلٌ من ثقافةِ الأمة، فإنّ التهميشَ الذي طال الثقافةَ قد طالَها هي أيضاً، فما زالت في أدنى سُلّمِ الاهتمامات بالنسبةِ إلى الحكوماتِ العربية،  وما زالتْ في دائرةِ التهميشِ والإقصاءِ وغيابِ الرعاية الحقيقية. فموازناتُ وِزاراتِ الثقافةِ في الوطنِ العربي شحيحةٌ، وهي في مجموعِها لا تعادلُ أجرةَ “نجمٍ” في كرةِ القدم أو مكافأةَ مدربٍ رياضّي في أحسنِ الأحوال.

فكيفَ للثقافةِ أن تنهضَ من كبوتِها دونَ أن تمتدَّ اليدُ الحانيةُ لها، وكيفَ بمقدورِها أن تتجاوزَ أزماتِ العصرِ من إرهابٍ وتطرّفٍ استشرى في كلّ الأرجاء، حيثُ أصبحتِ الأرضُ العربية مسرحاً للفتنِ والاحترابِ والتدميرِ والقتلِ وسفكِ الدماء.

إننا اليومَ بحاجةٍ إلى رؤيةٍ جديدةٍ لمسرحِنا العربي، تجمعُ بين الأصالةِ والمعاصرة، وأن ننفتحَ على تجاربِ الشعوبِ الحيّة.

لن أُبْحِرَ في وصفِ حياةٍ طويلةٍ أنجزتُ فيها عشراتِ الأعمالِ في ثنائيةِ العَتَمَةِ والنُّور، لكنني أكتفي بثلاثِ كلماتٍ؛ هي رحلةُ الإصرارِ، والعزيمةِ، والمعاناة.

فمنذُ اخترتُ هذه الطريقَ، عانيتُ كثيراً، من اختياري دراسةَ الفنونِ مروراَ بالتحاقي بالمعهدِ العالي للفنون المسرحيةِ بالقاهرة، وكأنه بمثابةِ الدخولِ إلى جنّةِ الأحلام التي كنتُ أُمَنّي النّفسَ بها، مروراً بكلِّ ما انتهجناهُ وقدمناهُ من رؤى لصياغةِ ماضينا وتراثِنا ليكونَ مستقبلاً مشرِقاً، فهل أنحزنا ما حلُمنا به؟

أيها المسرحيّون، كلُّ هذه المعاناةِ كانتِ الدرسَ الأولَ في دراما الحياةِ والإبداع، فكونوا كما كنا، قاتلوا وراءَ الكواليس لتشُقَّ الأضواءُ عَتَمَة الحياة..

أيها المسرحيون الشباب، كونوا كما كنا، فأنتم الأمل الذي نعيش لنحققه.

وفي الختام..

علينا جميعا أن نرفع القبعة احتراماً للهيئة العربية للمسرح، فهي التي قدمت الكثير لتحمل رسالة المسرح العربي في ظل غياب وزارات الثقافة العربية..

شكراً للشيخ المسرحي سلطان القاسمي الذي أسهم ويسهم في تمتين بناء الفضاء المسرحي العربي .

والسلامُ ختام!

 

كلمة أ.اسماعيل عبد الله – الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

في ختام مهرجان المسرح العربي

الدورة التاسعة (الجزائر)

10 / 1 / 2017

معالي وزير الثقافة الأستاذ الشاعر عز الدين ميهوبي.

حضرة والي ولاية مُسْتَغاتِم السيد عبد الوحيد تمار.

حضرة والي ولاية وهران السيد عبد الغاني زعلان.

سعادة مدير عام الديوان الوطني للثقافة والإعلام لخضر بن تركي.

سعادة عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.

أصحاب المعالي والسعادة.

السادة أعضاء مجلس الأمناء للهيئة العربية للمسرح.

أصحاب الأنوار والبهاء من سيدات وسادة المسرح العربي.

ومن قبل ومن بعد يا ناس الجزائر الإنسان الوطن.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

     اسمحو لي من على منبر مسك ختام الدورة التاسعة من مهرجان المسرح العربي دورة عز الدين مجوبي، في ولاية مسك الغنائم مُستَغانِم، أن أوجه التحية لمقام فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة راعي هذه الدورة الفارقة، ولمقام أخيه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، صاحب الفكرة والفضل في إنشاء هيئتكم الهيئة العربية للمسرح، على رعايتيهما الكريمتين، وإيمانهما الراسخ بالمسرح، ومنحهما الثقة للمسرحيين، وتحميلهما هذه الرسالة لنبيل نفوسكم ولنَيّر عقولكم، فأنتم الذين تسطرون ميثاق المواعيد مع الفجر الجديد لأمةٍ قدرها أن تقدم للكون رسل المحبة والسلام وقرابين الشهداء من أجل الذود عن حياض أوطانها.

     كما أوجه التحية والتقدير إلى وزير الثقافة الشاعر الأستاذ عز الدين ميهوبي، وكافة الأطر العاملة معه، على المتابعة والحضور الدائمين من أجل إنجاح هذه الدورة.

أما السيدان الشابان الواليان المتميزان في مُستغانم ووهران، عبد الوحيد تمار وعبد الغاني زعلان، فهذان أنموذجان للصورة التي يكون عليها الراعي مثقفاً عارفاً، مسؤولاً عن ترسيخ الثقافة، وهما لم يكتفيا بكل ما من شأنه أن يؤمن كل ما يحتاجه المهرجان، بل كانا حاضرين في أروقة العروض والندوات ومتابعة الورش وكل التفاصيل اليومية الصغيرة، واسمحوا لي من خلالهما أن أحيي كل طواقم الأمن الوطني والحماية المدنية الذين سهروا ويسهرون على راحة المهرجانيين وسلامتهم.

وكذلك اسمحوا لي أن أحيي الديوان الوطني للملكية الفكرية الذي سخر أمكانات رفيعة لإنجاح الدورة، وكذلك التحية العالية للمؤسسات الصحفية والإعلامية التي تابعت وسجلت النبض ونشرته، التلفزيون الجزائري، الإذاعة الجزائرية، والصحف التي لعبت دوراً هاماً في التغطيات والمتابعات، وخصصت صفحات عديدة يومياً، وهو أمر مهم في قراءة مستوى الإحساس الوطني ومعنى الانتماء، لقد كنتم صورة ناصعة للإعلام الوطني الواعي والمدرك لمسؤولياته.

اما الشريك الوفي العفي الديوان الوطني للثقافة والإعلام، فلا وصف يمكن أن يبلغ وصفه، ولا قول يمكن أن يبلغ نبله، فبداية من الرجل الشامخ لخضر بن تركي إلى كافة طواقم العمل من إداريين وفنيين وتقنيين، أنتم مصدر فخر لنا وأنتم ذخر وذخيرة، وما الديوان إلا مدرسة للإبداع، ومصنع للإتقان والتفاني، فلولا جهودكم وعظيم التزامكم، لما كان لنا أن نبرمج معكم مائتي فعالية خلال عشرة أيام، حيث جعلتم اليوم مساحة أكبر من ساعاته بحيويتكم، واستيعابكم وحسن تقديركم.

     عشرة أيام أيها السادة كنتم شغلها وشاغلها، كنتم سادتها وروحها، عشرة أيام وأنتم مثل نحل الحياة تنقلون رحيق أفكاركم على منصات الفكر ومسارح الجمال، لتصنعوا عسل المعارف، عشرة أيام كانت محصلة عام من العمل المسبق، عشرة أيام تلاقت فيها أجيال الأطفال والشباب والكهول والشيوخ، تسعى كل يوم بين قاعات الفكر، وندوات النقد، ومنصات الصحافة، وخشبات المسرح، وورشات التدريب، سعي المحب الذي لا يمل، وصاحبِ الهمة الذي لا يكِلُ، لتقدموا لأنفسكم ولجمهوركم ما سيبقى في وجدان الجميع، كنتم على قدرٍ عالٍ من المسؤولية، فطرحتم الأسئلة، وأثرتم المواجع، وأيقظتم الجمال، وأنرتم العقول والقلوب بزيت قناديلكم.

     من يمنحني حرفاً أختصر فيه كلمة؟ ومن يمنحني كلمة أختصر بها جملة؟ ومن يمنحني جملة أختصر بها سفراً من الجمال؟ من يمنحني ريش طائر وصوت كمان وعنفوان حصان مجنح؟ من يمنحني لمعة البرق وهزيم الرعد ورقة الزهور؟ من يمنحني الحياة والخلود؟ من يمنحني حبيبة عاشت قبلي بآلاف السنين؟ من يمنحني وطناً ضاع وخط يراع؟ من يمنحني حيوات تلي حيوات وأنا لم أبرح لحظتي؟ من يمنحني بلاداً تلي بلاداً وأنا لم أبرح مكاني؟ من يستطيع أن يجمعني بولد عبد الرحمن كاكي، وسي الجيلالي بن عبد الحلين، وبن براهيم فتح النور، وعبد القادر علولة، ومصطفى كاتب، والطاهر وطار، وكاتب ياسين ونجمته، من يستحضر قوافل الذين رحلوا ليعيشوا معنا وبيننا؟ من يفعل كل ذلك سوى المسرح؟ من يستطيع كل هذا سوى المسرح؟

     ها نحن الآن هنا، في مسيرة القوافل والحجيج المسرحي، وفدنا ديار الجزائر من كل ديار الوطن العربي بعيدها وقريبها، ها هي القوافل التي جابت حنايا المحبة ما بين الباهية وهران ومدن العزة (غليزان، تلمسان، سعيدة، سيدي بلعباس، عين تيموشنت ومعسكر) ناثرة عطر إبداعها وبخور رؤاها تقف اليوم هنا محملة بمسك الغنائم مُستغانِم، محملة بأيقاع مدينة معجونة من تمر المحبة، منقوشة بحناء الكرم، ها هي قوافل المسرحيين تتأهب للعودة وقد تزودت للمستقبل بالرؤى النافذة والحكمة الصائبة، والتجربة الماتعة، ها نحن قد جئنا فرادى وفرقاً محدودة، لنغادر جماعة واحدة، تعرف قبلتها، وتعرف وِردها ووَردها، تعرف دَورَها وتعزف للمجد والصبح نشيد المسرحيين الأباة.. “وملأنا الدنا بشعر نرتله كالصلاة، تسابيحه من حنايا الجزائرِ، جزائر يا بدعة الفاطرِ..”[1] ها هي القوافل تقف في المحطة الأخيرة في مُستغانم، لتنهل من زاد الجزائر ما يعينها على مسيرة كفاح مسرحي في زمن صعب من حياة أمتنا ووطننا، لكنه قدر المسرحي أن يكون الراية في وجه الريح تخفق كل ما ازداد هبوبها فوق القمم.

أن تؤذن للمسرح في الجزائر..

 أن تنشد الحياة من على مسارحها، يعني أنك تبعث في أوصال هذا الوطن الكبير روح النضال والالتزام ورؤى الإبداع والاحترام، أنك تهدهد الأمس برقة كي ينام، أنك ترضع طفل المستقبل السعيد كي ينمو قوياً معافىً، أنك تدق ثلاث دقات لميلاد الحياة المتجددة، يعني أنك تمسك بتلابيب اللحظة الهاربة، أن تنقل الشمس من مخدعها لحياة الناس، أن يكون الإنسان شامخاً وقوياً وعصياً وأخضر كقمة من قمم الأوراس.

لا يملك المرء أن يوقف الزمن ساعة كي لا يغادر بهاءكم، لا يملك المرء أن يعيد عقاربه للوراء كي يعيد المَشاهِد البهية التي صنعتموها مرةً تلوّ أخرى.. لا يملك أن يحبس النبضة التالية ليقول لها انتظري ما ارتوى القلب من صافي المحبة التي تسيل أنهاراً في أكفكم وأقماراً في عيونكم بعد.. لا يملك، فلكل شيء بداية ولكل شيء نهاية، وعزاؤنا في الهيئة العربية للمسرح وعزاؤنا كمشاركين في تاسعة دورات مهرجان المسرح العربي أن هذه اللحظة، نهايةَ هذه الدورة، هي بداية لطريق أرحب يجمعنا مع الجزائر والجزائرين، طريقٍ حُبلى بالانتظارات، من أجل مستقبل أحلى وأجمل، أنقى وأنبل لمسرحنا في الجزائر وفي الوطن العربي.

ومن الجزائر ننظر إلى الدورة القادمة في واحدة من حواضر المسرح العربي، تشغل قلوب المسرحيين العرب بالمدهش، حيث تسلم الجزائر مشعل الدورة القادمة إلى الغالية تونس، حيث تم الاتفاق مع وزارة الثقافة التونسية على تنظيم الطبعة العاشرة.

عشتم وعاشت الجزائر

عشتم وعاش المسرح.

وأخيراً اسمحوا لي أن أتلوا برقيتكم المرفوعة إلى مقام فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.

إسماعيل عبد الله

الأمين العام للهيئة العربية للمسرح

الجزائر – يناير 2017

[1] الإلياذة الجزائرية للشاعر مفدي زكريا