الجنسيّة … فلسطيني / د. محمد هيبي

نشر / محمد سامي موقع الخشبة

“الجنسية … فلسطيني”، هي مسرحية (مونودراما) لفرقة “فضاءات مسرحية” المغربية، تحتفي بيوم الأرض الفلسطيني، وقد عُرضت أول مرة، في الثلاثين من آذار، يوم الأرض الخالد هذا العام، 2018، وما زالت تتجول وتُعرض على مسارح مختلفة في المغرب.
صديقي العزيز عبد السلام لحيابي، هو كاتب مغربي مناضل، يهتمّ بالمسرح، وله عدة مؤلّفات في هذا المجال. تواصل معي قبل عدة أيام، وأطلعني على أنّه أعدّ مسرحيدية (مونودراما) هادفة، تُناصر الحقّ الفلسطيني، وتنشر الوعي بقضية الشعب الفلسطيني في أرجاء المغرب. وذلك من خلال احتفائها بيوم الأرض الخالد. كما عرّفني الصديق عبد السلام، على الأخ الكريم، رشيد بوفارسي، مخرج المسرحيدية الذي تواصل معي بدوره، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وزوّدني بأربعة مشاهد قصيرة جدا من المسرحيدية، ولكنّ هذه المشاهد القصيرة، كانت كافية لأرى من خلالها، الجهد المبارك في التصميم والأداء، وكذلك العمق في المضمون. واستنادا على ما تمكّنت من استخلاصه من المشاهد الأربعة، وجدت أنّ المسرحية تقوم على عدد من المفارقات، تُلقي من خلالها نظرة على التاريخي واليومي الراهن في فلسطين المغتصبة الرازحة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
المشهد الأول هو عبارة عن صورة للملصق الدعائي الخاص بالمسرحيدية، وتُعرض فيه أهمّ بياناتها، وهي أنّ فرقة “فضاءات مسرحية”، وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح، وتخليدا لذكرى يوم الأرض الخالد، تقدم مسرحيدية “الجنسية … فلسطيني”. وهي عبارة عن مونودراما من تأليف رضوان عبد الغني شلبي، وإعداد عبد السلام لحيابي، وتمثيل حسام كريمح، وإخراج رشيد بوفارسي.
أمّا المشهد الثاني فيعرض الراهن من حياة الإنسان الفلسطيني في الأرض المحتلة، حيث يُشير إلى فلسطين ومواجهات أبنائها اليومية مع الاحتلال وجنوده المدجّجين بفكرهم الدموي وبأحدث الأسلحة، فلا يكفّون عن الاعتداء والقتل والاعتقال والإهانة، وكلّها مشاهد أصبحت يومية في فلسطين، تجري تحت بصر العالم وسمعه. بينما الإنسان الفلسطيني لا يملك لمقاومة الاحتلال غير حبّه لأرضه وشعبه، وإيمانه بحقّه وعدالة قضيته وقدرته على الصمود، وبعض الأدوات البدائية البسيطة للمقاومة، مثل الحجر والزجاجات الحارقة، التي يُجهّزها يدويّا في أحسن الظروف. ورغم هذه المفارقة، فالفلسطيني لا تُكسر شوكته، ويستمرّ في المقاومة. وحيث يسقط شهيد تنبت وردة، ويقوم مكانه آلاف المناضلين يزفّونه ويواصلون طريقه في المقاومة والكفاح.
وأما المشهد الثالث، فيلقي نظرة تاريخية على مفارقة طرد اليهود للفلسطينيين من فلسطين بينما يعترف أحدهم أنّ في ذلك غدر وتزوير للتاريخ، لأنّه من جهة لا يوجد في تاريخ اليهود إلّا نوع واحد من الطرد، وهو على حدّ قوله، طرد أدم وحواء من الجنّة بسبب أكله التفاحة. ومن جهة أخرى كما يُفهم من النصّ، فالفلسطينيون هم أصحاب الأرض وأصحاب الحقّ في فلسطين، وطردهم منها فيه غدر وظلم تاريخي وتزوير للتاريخ.
وأخيرا، المشهد الرابع يقوم عل مفارقتين: الأولى مثيرة للحزن والسخرية، وهي أنّ الإنسان الفلسطيني يحتاج إلى تصريح من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، غاصب الأرض، لكي يتمكّن من دخول أرض وطنه، فلسطين. والثانية مفارقة المكان والفرق بين فهمه في التاريخ القديم والتاريخ الحديث. في التاريخ الحديث، حدود المكان سياسية مفتعلة ومفروضة قسرا، تُضيّق المكان وتخنق الإنسان. أمّا في التاريخ القديم فالحدود طبيعية من جبال وبحار وأودية وصحار، هي الأصحّ والأصدق، وهي التي تُعطي المساحة الحقيقية للمكان. وهذا ينعكس على فلسطين التي كانت يوما، مساحة طبيعية واسعة ممتدّة بين جبال وبحار وأودية وصحار. وهي اليوم محاصرة بحدودها السياسية الحديثة الجائرة التي ضيّقت مكانها وخنقت سكانها.
المسرحية تتنقّل وتُعرض الآن، على المسارح في مدن وقرى مختلفة في المغرب. وعرضها ونجاحها، إن دلّ على شيء فهو إنّما يدلّ على مدى حبّ الشعب المغربي الأصيل، للشعب الفلسطيني البطل، وعلى مدى اهتمامه به، ودعمه له، وتضامنه معه، وإيمانه بعدالة قضيته. ويدل أيضا على مدى اهتمام المثقّفين والمبدعين المغاربة الأحرار، بفلسطين وشعبها وقضيتها، كجزء أساس وحسّاس، من قضية عربية شاملة.
كل المحبّة والتقدير لكل الإخوة المبدعين المغاربة الشرفاء، وبشكل خاص لفرقة “فضاءات مسرحية” والقائمين عليها، على لفتتهم الكريمة وعملهم الإبداعي الواعي والهادف الذي سيعتزّ بمشاهدته كل فلسطيني، وكل عربيّ حرّ شريف يملك كرامته ويؤمن بحرّيته وحرية أمّته وحرية الإنسانية جمعاء.

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *