استهلّت المنافسة على جوائز الدورة الـ 28 لأيام الشارقة «ليلك ضحى».. دراما شاعرية على خشبة «الفنون» : محمد عبدالمقصود

نشر : محمد سامي موقع الخشبة

مكن استهلال تناول مسرحية «ليلك ضحى»، الذي استضافته خشبة معهد الشارقة للفنون، مساء أول من أمس، كأول العروض المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الـ28، لأيام الشارقة المسرحية، الممتدة حتى الخميس المقبل، بالانحياز إلى الجانب المعتم من الثنائية، تماماً كما اختار مخرجه وكاتبه الفنان الفلسطيني غنام غنام، أن يفعل، مقدماً سواد الليل، على ضوء النهار، في عمل، نصه الأصلي المكتوب، ربما يضعنا عنوانه بشكل أوضح في صلب محتواه، وهو «ليلك ضحى.. الموت في زمن داعش».

ارتأى غنام، أن يستبعد الإشارة إلى «داعش» في العنوان الذي فاز في مسابقة وزارة الثقافة الأردنية، لأفضل نصّ مسرحي مكتوب، عام 2016، ربما، لمزيد من التعميم، بعد أن تكاثر الفصيل الواحد، مخلفاً فصائل كثيرة، وربما لأسباب جمالية، تتعلق باختيار العنوان.

وتبدو الثنائية الأبرز، التي يحيل إليها العرض، ليس في ثنائية النور والظلام فحسب، وإنما في ثنائية «الحب والظلام»، فالأول المتجذر في قلبي الشخصيتين الرئيستين، لا يعيش في سيادة الثاني، الذي تنشره قوى الإرهاب الباطشة، لكن المفارقة التي جعلت غنام غنام، ربما يفضل العرض على خشبة معهد الفنون المسرحية في الشارقة، وليس قصر الثقافة، هي أن أبطال العمل، حسب المحتوى الدرامي، هم خريجو أو طلاب معهد فنون مسرحية، أحدهم جرفه تيار الظلاميين، في مسعى إلى مزيد من نكء الجراح بإبراز التضاد.

العمل الذي أنتجه المسرح الحديث بالشارقة، هو الأول لغنام، في المسرح الإماراتي، بعد تجربة وحيدة، ككاتب نصّ، مشارك في مهرجان دبي لمسرح الشباب، وكأن تلك المشاركة جعلته منحازاً للخيارات الشابة، فيما ضم «ليلك ضحى» العديد من الوجوه التي ظهرت بشكل خاص على خشبات «الشباب»، ومنهم رائد دالاتي، علياء المناعي، عمر الملا، فيصل علي، بالاضافة إلى الفنان إبراهيم سالم، والفنانة آلاء شاكر.

ويتناول العمل بلغة درامية عميقة، ما يتعرض له «ضحى وليلك»، خريجا معهد الفنون.. المدرّسان في بلدة نائية تقع تحت سيطرة متطرفين من تيارات عدة، حيث يصبح ما يدرّسانه في قائمة المحرّمات، التي يجب القضاء على الداعين إليها، من وجهة نظر من نصّبوا أنفسهم حاكمين على البلدة.

وعلى الرغم من الحالة السوداوية التي طغت على العمل، إلا أن شاعرية النص، منحت المخرج الكثير من النوافذ المريحة للمتلقي، لاسيما في ظل وجود عزف حيّ قادم من عمق الخشبة، مثل محوراً رئيساً، في دعم تطور الفعل المسرحي، باستمرار على الخشبة، ليرسخ هذا العمل حضور المؤثرات والموسيقى، ليس باعتبارهما عنصرين مساندين، بل رئيسين بالفعل، لإيصال المحتوى الدرامي نفسه. توافر ما يشبه فرقة موسيقية متكاملة على الخشبة، جاء مغرياً للتماهي في توظيف الأغنية أيضاً، وكأنها سلاح آخر لمقاومة حالة الخوف التي يفرضها «الظلاميون»، ليتحول ليل الخوف، إلى مساحة زمنية مواتية للعشق، والتأمل، بصوت العديد من الشخصيات، بل على نحو جماعي أخاذ، أيضاً في إحدى اللوحات المشهدية.

في المقابل، جاءت سينوغرافيا «ليلك ضحى»، مقتصدة لحدّ مثالي، أتاح للممثلين مساحة جيدة للحركة في فضاء المسرح، عاكسة التأثير النفسي الذي أراده المخرج، في الوقت نفسه، فالزهرة البيضاء، قد تتحول إلى ميكرفون في يد المحبوب المستعذب انتشاء محبوبته بغنائها فيروز، وباب تعذيب المجموعة الإرهابية، قد يصبح باطنه، باب أمل، وحياة جديدة لـ«ليلك» وضحى.

أداء الممثلَين الرئيسَين علياء المناعي، ورائد دالاتي، جاء بمثابة واحدة من الجماليات الرئيسة في العرض، وكذلك سائر الممثلين، لكن درجة الانسجام في ثنائية أداء المناعي ودالاتي، جاءت عاكسة لتطور أداء الممثل.

وفاء الحكيم: عزفت على أوجاعنا

قالت الفنانة المصرية وفاء الحكيم، إن غنام غنام عزف بعمل «ليلك ضحى»، على أوجاع قلوبنا، مضيفة: «تمسك المخرج والمؤلف بشاعرية طاغية، على الرغم من كل الألم، ومنع حتى استدعاء مشاهد الدم إلى الخشبة».

وأضافت: «يؤكد العمل بالنسبة لي أنه من المهم أن يظل مخرجه فناناً، وليس أي شيء آخر»، لكنها استدركت على غنام خيار تحطيم العود، مضيفة: «تمنيت أن يكون هناك حل آخر، بخلاف تحطيم العود على الخشبة».

خلّاف: نعم.. لتحطيم العود

أبدى الناقد الجزائري عبدالناصر خلّاف، اعتراضه الشديد، على مداخلة وفاء الحكيم، وقال: «أقسم بالله العظيم، لو لم يتحطم العود لغادرت قاعة العرض مباشرة».

وتابع: «هذا هو التحول الأهم في العمل، وأيّ حل آخر، كان سيبدو مخالفاً لقوة تأثير المسرح الذي درسناه، وخبرناه».

لكن خلّاف أخذ على غنام اختياره بأن يكون الإرهابي، طالباً سابقاً في معهد فنون مسرحية، مضيفاً: «وكأنك هنا تدين الفن، والخشبة».

أسعد فضة: فَرِحٌ بك

أبدى الفنان السوري أسعد فضة، إشادة كبيرة بعرض «ليلك ضحى»، وقال لمخرجه غنام غنام: «تمتلك مشروعاً واضحاً أتابعه منذ زمن، أنا فرح بك».

وأضاف: «يجب ألا نصادر حقّ المخرج في اختياراته في ندواتنا التطبيقية، ولا يجوز أن نفرض وصايانا، ونحن أهل المسرح، على مبدع، فأهلاً بوجهات النظر، دون أن تحمل وصايا، أو مصادرة لحق أصيل لمخرج العمل، وصاحب الرؤية».

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *