أفاق المسرح العربي والدعم المرتجى..  طه رشيد

 

 

أفاق المسرح العربي والدعم المرتجى..
طه رشيد

ربما يختلف بعض النقاد والمتابعين عن حقيقة وجود ” مسرح عربي “، معللين ذلك لكونه فنا نما وكبر واستقام عوده خارج المحيط العربي، بالرغم من مرور أكثر من قرن على نشاط العرب في هذا المجال الفني!
ولكن لو افترضنا بأن ” العرب ” استطاعوا أن يصنعوا طائرة أو مركبة فضائية أو سيارة فهل سنرفض هذا الانجاز بحجة أن ” الغرب ” سبقنا في صنع هذه الاليات التي سهلت حركة الإنسان في كل أرجاء المعمورة؟!
بالتأكيد سيأتي الجواب بالنفي، لأننا نستخدم بشكل يومي كل الابتكارات “الغربية” في الملبس والماكل والصحة والصناعة والزراعة وادارة الدولة وتمتين الاواصر في العلاقات الاجتماعية! فإذا قبلنا باستخدام كل هذه التطورات، سنقبل أيضا بما يخص الفنون عموما ومنها ” ابو الفنون” المسرح.
بالمقابل هناك رأي يقول بأننا لا نمتلك في هذا المجال سوى ملامح عربية من ” ابو الفنون”، والخلاف بين الرأين لا يفسد للود قضية، التي جوهرها بأن العرب عموما استطاعوا أن يبدعوا في هذا المجال. ونقصد بالعرب هنا هم سكنة الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج، بغض النظر عن قومياتهم ومكوناتهم واديانهم!
وبقيت الحركة الثقافية و” المسرح ” خصوصا، في منطقتنا، بين مد وجزر حسب اهواء الحكومات! وشهد المسرح تراجعا كبيرا بعد ظهور الحركات التكفيرية في هذه الدولة أو تلك، التي شنت هجوما معيبا على المثقفين والفنانين فاغتيل كتاب ومسرحيون وهجّر البعض الآخر حتى كدنا أن نفقد الأمل!!

” المسرح باقٍ والرجال زائلون ”

تقول العرب ” لو خليت قلبت!” وهذا المثل أو هذه الحكمة هي مفتاح الامل الذي تلألأ مجددا على رؤوس المسرحيين العرب، وذلك بتأسيس “الهيأة العربية للمسرح”، عام 2007، بمبادرة من رجل احب المسرح معتقدا، وهو على حق، بأن ” المسرح باق والرجال زائلون”، الا وهو حاكم الشارقة الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي، الذي وجّه بإقامة مهرجان المسرح العربي السنوي في العواصم المختلفة للدول العربية. ليس هذا فحسب، بل راحت “الهيأة” تقدم الدعم السخي للمهرجانات المسرحية المحلية في الدول العربية ماليا ولوجستيا ومعنويا، كما عَمدتْ إلى تقديم المساعدة للمسارح المدرسية، خارج وداخل الشارقة، وإقامة الورشات المنوعة في الفن المسرحي، بالإضافة لطباعة المسرحيات والكتب والأبحاث حتى استطاعت أن تؤسس لمكتبة مسرحية مهمة خلال زمن قياسي.
أما المهرجانات العربية للمسرح، التي تقيمها ” الهيأة” والتي أنجزت منها احد عشر مهرجانا في إحدى عشرة عاصمة عربية، بالتنسيق مع وزارات الثقافة والمؤسسات المختصة في تلك العواصم، فإنها امتلكت خاصية تنفرد بها عن كل المهرجانات، التي تقام هنا وهناك، وهي تقديم عروضا مسرحية عربية سواء من داخل الدول العربية أو من المنافي وبلدان الهجرة واللجوء، حتى أصبحت تلك المهرجانات قبلة للمسرحيين العرب، حيث يتم إستضافة أزيد من خمسمئة فنان في كل مهرجان!

” من أجل مسرح جديد ومتجدد”

وتفضل ” الهيأة ” أن تكون الفصحى هي لغة العرض المسرحي، دون أن ترفض ” اللهجة المحلية” اذا ما استوفت الشروط الفنية المطلوبة في شروط المشاركة في مهرجان المسرح العربي، تلك الشروط التي تتبنى التجديد بعناوينه ومفاصله الحقيقية، بحيث يصبح المسرح ” معمل الأسئلة ومشغل التجديد ” كما صرح بذلك مؤخرا الأمين العام للهيأة العربية للمسرح الفنان اسماعيل عبدالله، اثناء اعلانه الخاص باقامة الدورة الثانية عشرة في العاصمة الاردنية، عمان، مطلع العام القادم ( من 10 إلى 16 كانون الثاني/ 2019 ) مؤكدا على أهمية المحتوى وآليات العمل.

مسارات المهرجان

وكما في الدورات السابقة سيكون هناك ثلاثة مسارات للعروض المسرحية:
– المسار الأول للعروض خارج المسابقة.
– المسار الثاني وهو حصرا للعروض الجديدة التي أنتجت بين شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 2018 وشهر تشرين ثاني/نوفمبر 2019، والتي تتنافس على جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، ( قيمتها مائة ألف درهم اماراتي)، بالإضافة إلى أن العرض الذي يفوز بهذه الجائزة سيحل ضيفا بافتتاح عروض مهرجان الشارقة المسرحي الذي يعقد في فصل الربيع من كل عام.
– المسار الثالث سيخصص للعروض الأردنية التي ستختارها الجهة الأردنية الشريكة لكونها البلد المضيف للمهرجان.
في كل مهرجان تقام ورشات فنية مختلفة وندوات فكرية متنوعة ولكن هذه الدورة ستشهد مؤتمراً فكرياً نوعياً، كما صرح بذلك، الامين العام للهيئة اسماعيل عبدالله، موضحا بان” الهيأة تسعى لتنظيم ندوات فكرية تخرج على النمطية، حيث ستشهد الدورة إشعاعاً فنياً يصل إلى الجامعات الأردنية التي تدرس الفنون، وبعض المدن الأردنية التي ستكون على موعد مع عدد من العروض المسرحية على خشباتها”.

لو!

لو عرف الناس بأن بداية المسرح كانت دينية، وطقوسه جزءاً من طقوس عبادات شعوب ارست قواعد حضارات انسانية كبرى، ولو عرفوا بان الهدف الأساس من العرض المسرحي هو ” التطهير ” من ادران الحياة!
لو عرف الناس بأن العديد من المرضى يتم علاجهم عن طريق العرض المسرحي سواء في أوربا أو في الدول الاسيوية!
لو اعتقد المسؤول العربي بأهمية الثقافة في بناء وطنه وباهمية المسرح ببناء مواطنيه!
ولو اقتنع هذا المسؤول بأن الكرسي الذي يجلس عليه سوف يكون لغيره كما تسلّمه “هو” من غيره!
لو توفر حب المسرح عند المسؤولين العرب، من المحيط الى الخليج، كما هو عند حاكم الشارقة الشيخ القاسمي، واقتنعوا بقوله الشهير بأن ” المسرح باق والرجال زائلون”، لكان قد زالت كل الخلافات بين الأشقاء، ولانطفأت جذوة النزاعات الطائفية والعرقية والقومية إلى الأبد، ولاصبحنا في مصاف الدولة المتقدمة اقتصادا وثقافة ووعيا وعيشا كريما!!

—————————-
نشر في صحيفة ” الحقيقة ” ليوم الاثنين 22 تموز 2019

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش