أصل المشاع – عبيدو باشا

.png

1

الكلام على التكنولوجيا بالمسرح العربي، كلام يفيض على قدرة المسرح العربي، التكنولوجيا ظل يعبر في شريط . جزء من تهور ، لأن المسرحي العربي لا يزال يكتب مسرحياته بقلم الرصاص . لا صحة بالكلام ، على أن التكنولوجيا الحديثة جزء من أناقة المسرح . جزء من تأنق المسرح لا أناقته، هذا صحيح. لا يزال المسرحيون العرب ، جزء كبير من المسرحيين العرب يلهون على قشور الموز ، بدون تمييز بين اللهو واللعب . الأخير درج المسرح الأول ، درج المسرح الأول الضائع بالقائمات المتجهمة للمسرحيات ببلاد العرب. لم يعد الخيال جناح المسرحي ، ما عوض عن غياب جسارة المسرحي ببلاد الغرب ، حين وجد بكل مسرحية كتاباً لا بد من إحراقه ، حين ينتهي من كتابته ، لكي لا يغرق في عاداته ، لكي لا يغرق في قراءة الكتاب الواحد على مدى العمر الواحد. نكتب بالقلم الرصاص ، لأن المسرحي لا يزال يكتب بالطباع . الطباع لون واحد . من فرط الغباء أن لا يشتغل المسرحي ببلاد العرب إلا بالأصابع القديمة ، حين رسمت الإصابع الأخرى سهول المسرح ، حيث ترمح خيول ريح المسرح ، كل حصان بلون . لم نعد جزءاً من تجربة العالم ، بعد الإتصال بالتجربة ، بالفهم لا بالحزن ولا بحزن الحزن على ما فوته العديدون من خبرات. لا نقامر حين نخطط بالقلم الرصاص . لمَّا أن المسرح مقامرة . لا نغامر حين يُكتب المسرح بالقلم الرصاص ، بعد أن جرى العمل بالألوان المائية والأكليريك والألوان الزيتية. لم أستطع أن أرى المنجزات الماضية كفيلم كرتون ، مع عرب المسرح المصاب بنزلات الحب للمسرح ، الطيب الصديقي إلى يعقوب الشدراوي وتجربة المسرح الجديد وفاميليا و المسرح المثلث وصلاح قصب وعبد القادر علولة وعز الدين مجوبي و فواز الساجر وسعد الله ونوس ومانويل جيجي ونائلة الأطرش وأسعد فضة وفؤاد الشطي وكرم مطاوع وسعد أردش والعشرات ممن ليس لهم علاقة بأخبار الدوري الإسباني أو الإنكليزي أو الإيطالي بكرة القدم . عرب سبور وجدوا بالمسرح شريك العمر ، بالقليل من اللطف والكثير من الشقاوة والشقاء . عرب وجدوا بالمسرح قلاعهم وأسلحتهم بلغة مبلولة بحرائق الشك ، وهم يدرون أن المحارب يقدر أن يغير سلاحه إلا أن لا يقدر أن يغير قلبه .

الآن ، يتقاسم الكثيرون من المسرحيين ثلج المسرح بالكاسات ، حين يقف بعض المسرحيين على الحقيقة الواضحة : أن وضع البريد الإلكتروني على بطاقة دعوة أو على ملصق مسرحية لا يصنع مسرحاً جديداً ، خلف دخان قطار التجربة السالفة .

2

لا ينسج المسرح بالكلام وحده. يتكلم بعض العرب على المسرح الرقمي وعلى المسرح الإفتراضي. هذا مجرد كلام. لا يصدق إلا بعض الموظفين والموظفات هذا الكلام . كلام جنس هالك ، كلام جنس مهلك . إذ لا يزال المسرح مجهض بجزء كبير من حضوره بغياب جمهور المسرح ، بغياب جمهوره.

3

جزء من ظلمات المسرح الضمائروالتصريفات اللغوية والتصاريح المفخمة ، المنغمة. التنغيم لا من الشعر، من عمى لا يصدق عن أمور المسرح الأساسية : الفرجة أولاً. الفرجة : غابة من الإحتمالات . حين أن الكلام يعتصر المسرح ، بوضع الإصبع على الفضاء لا على الشفاه. يبق الجسد الكلام . لم يضع أحد فائض الكلام في محفظة نقود بالعالم. نحن نضعه بالمحفظة بمعزل عن تطور المسرح منذ أن قام المسرح . لا يزال للمسرح رذيلة :الحفظ. لا يزال للمسرح رذيلة : الإلقاء. لا شيء على معظم الخشبات سوى حبال الحنجرة، بعد أن جفف العالم هذا المفهوم منذ ألف عام وعام.

4

المسرح العربي ليس بيتاً. المسرح العربي بيوت . المسرح بالعالم العربي . لا المسرح العربي . لأن المسرحيين العرب لا يعملون على نهج واحد ولا على فكرة واحدة ولا على منهجية اتفقوا عليها، لكي يعملوا عليها . كل يودع مسرحه عند تخومه. كل في مساره الخاص. هذا ليس عيباً. بالعكس. غير أن الكلام على مسرح عربي، كلام على أقراص مهدئة لا على وجبة واحدة مغذية .

5

يبقى المسرح إناء أعمى بدون الممثلين. لن يزهر مسرح بدون بشري ، بدون ممثل. لا بحضور التكنولوجيا ولا بغيابها . الممثل لذة المسرح. لا لذة بغيابه، بل حداد. تذوي المسارح بدون الممثلين . ممثل مهيأ لتحمل الضنك والأوجاع والحوادث ، بحيث يدفع إلى اضطرام الحياة على خشبة المسرح وفي عقول وقلوب الناس. إنه الأساس والظل والرائحة واللون . وردة المسرح ، أو من يصنع وردة المسرح.

لا يولد المسرح إلا من جسد الممثل. لا يولد المسرح إلا من روح الممثل. هذه هبته الممنوحة. هذا دواؤه الأصلي، إشارته المشعة ، فكرته ، بعيداً من أشباح التكنولوجيا المبهمة وزيف العقل بالكلام على التكنولوجيا هذه.

كل من يتكلم على التكنولوجيا ببلاد لا يزال الفكر الزراعي الموسمي يتحكم بها ، ليس إلا ماقتاً للمسائل البشرية. الكلام على التكنولوجيا بالمسارح العربية محض خداع. وقت ضائع بالمسرح الضائع. هذا كلام تجربة .

6

لن تتغير سمات المسرح . أزهرت السينما ولم تتغير ملامح المسرح. أضحت التطورات التقنية ، في مختلف المجالات ، بين الحلم والحقيقة، لم تتغير ملامح المسرح. ثم أن التقنيات بالأساس، مسجلة في صفحات القدر الذهبي للمسرح منذ القرن الماضي، ولو لفعتها غشاوة البعض. بيسكاتور ، لم يقدم كوكتيلاً مخفوقاً ، حين استعمل الآلة في مسرحه. بريشت استعمل الفانوس السحري في مسرح تغريبه. لم يعتبرا ذلك من التحديات العجائبية ولا من أسرار الأكوان غير الدنيوية. كريغ عنده مقارباته، آبيا كذلك. التقنيات ليست مجازاً أو بحراً طفيفاً بالمسرح. يكفي الرجوع إلى التاريخ لإعادة اكتشاف الأمر. سينما تشابلن ليست سينما. سينماه مسرح تقني، مجازف، جوَّاب آفاق .

المسرح ، المسرحي يقظ دائماً، عابر للمحيطات . غير أنه لا يقع في كل ما هو فائر في مرحلة . المسرح ليس فاهم دروس. المسرح مقدم دروس. لا يذعن لشيء، إذ تذعن له كل الأشياء.

عبيدو باشا – لبنان

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش